النظرة العلاجية للخلاص لدى الدكتور ماهر صموئيل - تعليق على مقال "أصل الحكاية"


الخلاص الذي أنجزه المسيح على الصليب عمل عظيم له أبعاد كثيرة. أهمها أنه تبرير أمام الله، وشفاء الإنسان من مرضه الروحي، ونصرة على الشيطان. طبقًا للتعليم المصلح، يمثل التبرير البعد المركزي في عمل المسيح الكفاري. وهذا النموذج الكفاري يسمى بالتبرير القضائي. لأنه يرى التبرير كإعلان قضائي يصدر من الله في حق الإنسان المذنب. التركيز على الخلاص باعتباره شفاء من مرض الإنسان الروحي، مع إغفال كل من التبرير أمام الله والنصرة على الشيطان، يسمى بالنظرة العلاجية للكفارة. والتركيز على النصرة على الشيطان مع إغفال التبرير والشفاء، يسمى بالكفارة الإنتصارية (كريستوس فيكتور). الغرض من النموذجين الأخيرين، هو استبعاد النظرة القضائية للكفارة والمتمثلة في البدلية العقابية، وما يترتب عليها أيضاً من رؤية الجحيم كعقاب من الله. 

على ما يبدو هنا، من الأمثلة المساقة، والمصطلحات المستعملة، والمنظومة العقيدية للدكتور ماهر، أنه يتبنى النظرة العلاجية للكفارة. كما أن هذا يتفق تمام الإتفاق مع إعلاءه للإختبار على حساب العقيدة كما يبدو من منهجه الوعظي. ذلك لأن النظرة العلاجية للكفارة تركز على حالة الإنسان باعتبارها حالة مَرَضِيَّة، وليس على مقامه، أو وضعه القانوني كمذنب أمام الله. تلك الحالة المَرَضِيَّة، لا تنفعها العقيدة، بل تحتاج إلى اختبار، إلى علاج. 

يقدم د. م. (دكتور ماهر) في مقاله "أصل الحكاية" تشخيصًا للحالة فيصفها بمصطلحات سيكولوجية مثل "الأنا"، و"أنانيون"، و"لقد ولدنا من بطون أمهاتنا أنانيون". وهو لا يعتقد أن الأنانية مجرد بعد من أبعاد الخطية كما يؤمن أي مسيحي كتابي، بل يرى تطابقًا بين الأنانية والخطية. أو طبقاً لكلماته هو: "الأنانية ليست مجرد خطية، بل الخطية نفسها". وهذا أقل ما يقال عنه أنه تسطيح للخطية. لأنه لو كانت الخطية هي الأنانية، فالبر، إذًا، هو الغيرية، والخلاص هو تحرير الإنسان من تلك الأنانية، وأن المسيح تجسد وصلب وقام ليهزم الأنانية، والدينونة هي أن يُترك الإنسان ليظل يعاني من أنانيته إلى الأبد. هذا ابخاس شديد واختزال صارخ لكفارة المسيح. واعتقاد د. م. بأن جوهر الخطية هو الأنانية، لهو مقياس غير موضوعي لا يأخذ قداسة الله أو ناموسه في الإعتبار. إنها نظرة من أسفل لمشكلة الإنسان، وليست نظرة من أعلى. كما أنها نظرة من الداخل فقط، أي قياس حالة الإنسان على نفسه، وليس على مقياس موضوعي آخر. 

يعاود د. م. في وصف الخطية بمصطلحات طبية أخرى، ولكن هذه المرة بيولوجية. فيصفها بأنها كالسرطان الذي يلزم استئصاله. يقول د. م. في خاتمة مقاله: "هذا هو أصل الحكاية، حكاية الأنانية؛ فهل من علاج؟ .. هذا هو غرض مجيئه الأول أن يبطل الخطية بذبيحة نفسه، يوقف نشاط هذا السرطان". والخاطئ كمريض، يعاني من سرطان الأنانية، في حاجة إلى شفاء. وإن كان هنا وَصْفْ الخطية بالسرطان أكثر خطورة من وصفها بأنها مجرد أنانية، لكن يظل أن المشكلة الرئيسية للإنسان ليست موضوعية، في موقفه القضائي أمام الله، بل شخصية، في داخله. 

يوظف د. م. أوصاف أخرى لشرح مشكلة الخطية كأنها تنين أخذ يلتهم ويحطم كل شيء من حوله. أو كوكب من كواكب المجموعة الشمسية تمرد على مساره ودورته حول الشمس فأصبحت مشكلته "الدوران حول النفس". صحيح أن د.م. يرى، من خلال هذه التشبيهات، مشكلة الإنسان هي أنه تمرد على النظام، لكن هذا المثال لا يرتقي بأي حال من الأحوال إلى إعتبار الخطية تعدي شخصي على ناموس الله. ذلك لأن الكوكب الذي خرج عن المسار هو الذي يعاني، وهو صاحب المشكلة، والشمس لم يضيرها شئ من هذا التمرد. والتنين مشكلته مع نفسه والآخرين، وليست مع الخالق. لكن هذا فكر منقوص. لأن الخطية، قبل كونها أنانية، وعصيان، وخروج عن النظام، وتوحش، هي مواجهة آثمة ومهينة لإله كلي القداسة. 

يأتي فكر د. م. عن الدينونة والجحيم متسقًا، من الناحية المنطقية، مع ما يعتقده عن الخطية في كونها سرطانًا. بكلمات أخرى، إن كان جوهر الخطية، كما يرى د. م.، هو سرطان الأنانية، وإن كان الخلاص من سرطان الأنانية هو العلاج، فماذا، إذًا، تكون دينونة من يرفض العلاج؟ على الرغم أن د. م. يستعمل مصطلح "دينونة" بحصر اللفظ إلا أنه لا يعنيه طبقاً لمفهومه الكتابي. فكما سنرى هو يعتقد أن الدينونة شئ يحدثه الخاطئ لنفسه. وفي أسوأ الفروض، إن كان لله يد في موضوع الدينونة على الإطلاق، فإن الجحيم هو نوع من الحجر الصحي، أو النفي، يقوم به الله مع الخاطئ باعتباره مريض لا يريد الشفاء. أو قل أنه، أي الجحيم، نوع من العلاج بالإستئصال. أو على حد تعبير د. م. : 

"يوم تختار أن تكون المركز تحكم على نفسك بأنك قد صرت سرطانًا، لابد من استئصاله، لكي لا يدمر كل ما حوله .. وما الجحيم الأبدي سوى استئصال لكل الأورام، وإلقائها في مقلب النفايات، لكى يتنقى الوجود، ويأتي الخلود الأبدي .. وإنني أتوجه بالسؤال للساخرين من سلطة الله والرافضين لها، المطالبين بالحرية المطلقة، بل وللرافضين أيضا حق الله فيالدينونة بالاستئصال والنفي الأبدي في الجحيم: إذا تسرطنت خلية في جسدكم وأرادت الاستقلال، لماذا لا تعطونها حريتها؟ لماذا تنكرون عليها حق تقرير مصيرها؟ لماذا لماذا لا تعطونها حق اختيار سرعة انقسامها ومكان إقامتها؟ لماذا توافقون بالإجماع على أن استقلالها دمار لكل الجسد ولذا يتحتم استئصالها؟ لماذا تنكرون عليها ما تطالبون به لأنفسكم ألا وهو الاستقلال؟ وتحللون لنفوسكم ما تستنكرونه على الله، ألا وهو العلاج بالاستئصال؟".

يعلمنا الكتاب المقدس أن المسيح كان بديلاً عنا على الصليب في تحمل العقاب. فهل طبقاً لنظرة د. م. يكون العقاب الذي تحمله المسيح على الصليب بدلاً عنا، هو مجرد النفي، أو نوع من الحجر الصحي، أو عزل مريض عن مجتمع الأصحاء؟ 

وهنا يبدو تأثر د. م. الواضح بتعليم سي إس لويس عن الجحيم. ليس فقط من حيث كون الجحيم شئ يُحْدِثُهُ الإنسان لنفسه، كما يقول لويس بأن أبواب الجحيم مغلقة من الداخل، بل في محاولة التخفيف من وطأته ونسبة جوانب إيجابية له. فضلاً عن ذلك، فقد تأثر د. م. أيضاً برفض سي إس لويس للبدلية العقابية ورؤية الخلاص على أنه تغييرًا وليس تبريرًا. 

لا شك أن الخطية مرض، والمسيح هو الطبيب الشافي لذلك المرض العضال، وكفارته هي العلاج الناجع. فالمسيح قال أنه لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى، لهذا جاء لكي يدعو الخطاة إلى التوبة. إلا أن المسيح كان يستطيع أن يشفي الخاطئ دون أن يصلب. بل وحتى دون أن يتجسد. شفاء الخاطئ من خطيته لم يكن يحتاج إلى هذه التكلفة الباهظة الثمن والتي تصل إلى حد الإسراف الذي لا مبرر له، لو لم تكن مشكلة الإنسان قضائية في الأساس. علاج الخاطئ عمل شخصي يمكن إنجازه داخل الخاطئ دون تجسد وصلب. 

لم تكن حياة المسيح على الأرض مجرد بوابة إلى الموت والصلب. بل إن حياة المسيح قبل جسثيماني والصلب والموت والدفن، هي جزء خطير لا يتجزأ من الخلاص. لأنه بطاعته للناموس، طاعة فعالة وإيجابية، قدم لنا ذلك البر الإحتسابي. ثم بصلبه وموته دفع ثمن ذنوبنا. أخذ ما لنا، أي ذنوبنا، من خلال تحمله العقوبة التي نستحقها، نيابة عنا، وأعطانا ما له، أي بره، من خلال طاعته للناموس. إن أي شيء آخر، فيما عدا ذلك، كان يمكن إنجازه بدون التجسد والصلب. لو كانت مشكلة الإنسان الجوهرية هي مشكلة على المستوى الشخصي، في داخله، لكان الله بكلمة منه يستطيع أن يشفي الإنسان. لكن الأمر تطلب التجسد والموت والقيامة، لأن مشكلة الإنسان الجوهرية هي مشكلة موضوعية في الأساس. قبل أن تكون داخله، هي خارجه، في موقفه القضائي مع الله. بل إن مشكلته الداخلية، أي مرض الخطية، لهي نتيجة، لمشكلته الخارجية، وضعه كمذنب أمام الديان العادل. إن الإنسان في حاجة للشفاء من مرض الخطية، وفي حاجة للنصرة على الشيطان، لأنه في حاجة لأن يتصالح مع الله أولاً وفي الأساس. 

كانت مشكلة الكنيسة الكاثوليكية هي أنها عرّفت التبرير على أنه تغييرًا داخلياً. لهذا ظهر المصلحون لينادوا بأن جوهر احتياج الإنسان ليس بأن يُشفى، بل أن يكون في مقام صحيح لدى الله. قال لوثر عن مركزية التبرير القضائي أنه: "المبدأ الذي بواسطته تقوم أو تسقط الكنيسة". وعن ذات الأمر صرّح كالفن قائلاً: "المحور الذي تدور حوله المسيحية". أصل الحكاية، إذًا، هو أن الخطية ذنب، والإنسان مذنب، والله قاضي عادل، وكفارة المسيح، في الأساس، تبريرًا قضائيًا. أي إدعاء بغير ذلك، هو بمثابة الخروج عن المسار المُصْلَح. 

يمكنك الرجوع لمقال الدكتور ماهر من هذا الرابط: 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس