الحق والعقيدة غير متساويان؟



عندما يدعي أحدهم أن هناك فرقًا بين الحق والعقيدة، وأن العقيدة فقط هي مجرد تصورنا عن الحق (وهذا الادعاء نوع من اللاأدرية اللاهوتية)، يصير السؤال المنطقي حينها: وهل هذا التصريح حق أم عقيدة؟ إما أن يكون هذا الادعاء حق أو مجرد تصور عنه. في الحالة الأولى يصبح هذا اقراراً بإمكانية معرفة الحق. وفي الحالة الثانية يصير ذلك الادعاء غير مُلْزِمٍ لأنه مجرد تصور عن الحق.

الفجوة بين الحق وما نعرفه، في حالة الإنسان الطبيعي (غير المجدد) هي فجوة نوعية وكمية. فضلاً عن أن الحق غير محدود، وهي حقيقة تنطبق على كل من الإنسان المجدد وغير المجدد، فالإنسان الطبيعي (غير المجدد) يظل لديه مشكلة أخرى، وهي أنه رافض للحق. أي أن الإنسان غير المجدد لا يعرف الحق لأنه لا يستطيع أن يقبل ما لروح الله. ولكن بالولادة الثانية تختفي المشكلة النوعية، وتظل المسألة الكمية باقية. فيصبح الإنسان المولود من الله قادرًا على معرفة الحق. لكن، لأنه يظل محدود كإنسان، فهو لن يعرف الحق بصورة حصرية. الله وحده هو الذي يعرف الحق بصورة حصرية. صحيح أننا، كمؤمنين، لا نعرف كل الحق، أي أن ما نعرفه ليس حصريًا، لكن الحق الذي نعرفه كافيًا ليكون حينها عقيدة.

رغم أن الإنسان الطبيعي لا يستطيع أن يقبل ما لروح الله، إلا أنه، من منظور ما، يظل له نوع من المعرفة العامة بالله، بناء على إعلانه العام، وسيحاسب على أساسها أمامه. وهذا ما يؤكده بولس أنهم "عرفوا الله"، وأنهم "يحجزون الحق بالإثم" بمعنى أنهم يعرفون الحق ولكنهم يتعنتون قمعه، و"أن معرفة الله ظاهرة فيهم لأن الله أظهرها لهم" (رو 1). أي أنه لدى الإنسان غير المجدد، بمعنى ما، معرفة نظرية بالحق، والكتاب يصادق عليها لأنها ستكون أساسًا لدينونته أمام الله. وإن كان الإنسان غير المجدد له إمكانية معرفة الحق، فكيف يمكن أن ننكر ذلك على من تجددوا ووهب لهم كل ما هو للحياة والتقوى؟

إذًا الفجوة، لدى المسيحي الحقيقي، ليست في جودة أو نوعية ما نعرفه، بل في الكم. هذه المشكلة لن تزول في الأبدية، لأننا سنظل بشر محدودين. لكن، يستطيع المسيحي أن يُكَوِّن صورة صحيحة وسليمة للحق، وإن كانت غير حصرية. وإلا يظل الإعلان الإلهي، في الحق المتجسد، وفي الحق المكتوب، لا قيمة له. إن لم يكن هناك إمكانية معرفة الحق متجسدًا، إذًا ليس هناك إمكانية لمعرفة الحق مكتوبًا. إن كان يمكن أن يلام الحق المكتوب كشيء غامض، إذًا، يمكن أن يُتَّهَم الحق المتجسد بالغموض أيضًا. 

أما فيما يتعلق بالشركة بين المسيحيين وبعضهم البعض، فإن الفرق الحقيقي يكون بين تعاليم جوهرية، صارعت الكنيسة من أجلها وصاغتها في اعترافات الإيمان، بل ومات من أجلها القديسون على مر العصور، وبين تعاليم غير جوهرية. الاختلافات غير الجوهرية بين المسيحيين لا ينبغي أن تعوق شركتهم مع بعضهم البعض. ولكن في حالة الاختلافات الجوهرية في العقيدة، لا يمكن أن يكون هناك خلطة للنور مع الظلمة، أو شركة بين المسيح وبليعال. 

الفجوة بين الحق وما نعرفه، لا تصنع عقيدة، بل أشباه حق. ذلك لأن العقيدة هي الحق مصاغًا في صورة أطروحات نظامية. هناك حق وباطل، صواب وخطأ، وليس حق وعقيدة. إن كانت العقيدة شيئًا غير الحق، فهي ليست حقًا، بل باطل، كذب، خطأ تعليمي، عقيدة غير صحيحة. الحق يساوي العقيدة الصحيحة، والباطل يساوي العقيدة الخاطئة. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس