هل البدلية العقابية هي طريقة القدماء في وصف الخليقة الجديدة كما يدعي أوسم وصفي؟

في هذا الفيديو (أنقر هنا)، يطعن أوسم وصفي في البدلية العقابية، بأكثر من طريقة. أولاً بوضعنا أمام مأزق مفتعل بأن يخيرنا بين الخليقة الجديدة وبين البدلية العقابية. يتسائل وصفي: هل الخلاص هو البدلية العقابية أم الخليقة الجديدة؟ في الحقيقة، لسنا مضطرون للاختيار بين الإثنين كما يحاول وصفي اختزال الأمر. الخلاص هو كل من البدلية العقابية والخليقة الجديدة (وأكثر من ذلك).

ثانيًا يطعن وصفي (مقتبسًا إن تي رايت) في البدلية العقابية أيضًا من خلال طمسها وجعلها وتعليم الخليقة الجديدة شيئًا واحدًا. يدعي أن القدماء، في العهد القديم، قاموا بالتعبير عن مفهوم الخليقة الجديدة من خلال الحديث عن غفران ما تقدم وما تأخر من ذنب في يوم الكفارة (يستعمل وصفي هنا لغة إسلامية معربًا عن أيديولجية تعددية). ومن خلال الحديث عن تحرير العبد في الفداء وكأنه يبدأ حياة جديدة. ومن خلال الحديث عن محو الصك وكأنه يبدأ حياة جديدة بعد تمزيق وثيقة مديونيته. استخدم القدماء، بحسب ادعاء وصفي، صورًا مختلفة لكن المفهوم الذي قصدوه هو الخليقة الجديدة.

وللرد على هذا الادعاء نقول:

يطمس وصفي جوانب الكفارة المختلفة باختزالها في جانب واحد. فالخليقة الجديدة والبدلية العقابية جانبان مختلفان للكفارة وليسا مصطلحين مختلفين لنفس المفهوم. صحيح أنهما مرتبطان ويحدثان معًا ذلك لأننا عند الخلاص نتحد بالمسيح فنأخذ كل من مقامه وقوته إلا أنهما أمرين مختلفين. كيف يطمس أوسم وصفي الجوانب المختلفة للكفارة؟ من خلال خلط وتشويش تأثير الكفارة على الله وتأثيرها على الإنسان. كفارة المسيح لها تأثير على الله، أي باسترضاء عدله وغضبه، وبإشباع قداسته. ولها أيضًا تأثير على الإنسان أي بتغيير طبيعته. لكن أوسم وصفي يختزل تأثير الكفارة فقط على الإنسان ويطمس أو يلغي تأثيرها على الله. إن أوسم وصفي هنا يبخس عمل المسيح حقه فيختزله ويحصره في تأثير الكفارة على الإنسان فقط.

إلا أن البدلية العقابية والخليقة الجديدة ليسا مصطلحان مختلفان لنفس المفهوم. بل الأولى أساس الثانية. أي أن للكفارة تأثير على الإنسان (تغيير طبيعته) من خلال التأثير على الله (إسترضاءه). لقد فسدت طبيعته الإنسان بسبب تمرده على وصية الله. أي أن هذا الذنب أو التمرد أدى إلى فساد طبيعته. ذلك لأن الخطية في المقام الأول موجهة ضد الله، وفي المقام الثاني لها تأثيرها على الإنسان. ففي جنة عدن نجد عقاب الطرد من محضر الله وفي نفس الوقت فساد الطبيعة. حل مشكلة الذنب إذًا يؤدي إلى حل مشكلة الفساد. وهذا ما فعله المسيح. فبتحمله لعقاب ذنوبنا زالت اللعنة التي جاءت على طبيعتنا (أي الفساد). بإسترضاء عدل الله زالت اللعنة وتم فداء طبيعتنا من الفساد الذي كانت مستعبدة له. بإستردادنا إلى محضر الله من خلال دفع ذنوبنا، تم إستردادنا أيضًا إلى الطبيعة الجديدة.

أن تقول أن تأثير الكفارة يكون فقط على الإنسان وليس الله، هو أن تقول أن الله لا تغضبه أو تنفره الخطية. إن حصر تأثير الكفارة على الإنسان فقط هو محاولة للقول من طرف خفي أن الله لا يبال بالخطية. أو أن النجاسة والظلم والاغتصاب لا يضيره.

فضلاً عن ذلك، فإن العهد القديم عرف مفهوم الخليقة الجديدة، وتكلم عنها صراحة، ولم يطمسها بالبدلية العقابية. فنسمع وعد الرب على فم موسى بأنه سيختن غرلة قلوبهم (صيغة اقتبسها بولس) فيحبوا الرب من كل قلوبهم ومن كل نفوسهم (تث ٣٠: ٦). وأحيانًا نجد تعليم الخليقة الجديدة في صيغة الأمر "اختنوا غرلة قلوبكم" (تث ١٠: ١٦، إر ٤: ٤). وهو نفس المفهوم الذي عبر عنه الأنبياء أيضًا بالقول أن شريعة الرب ستكون مكتوبة على ألواح لحمية في قلوبهم من الداخل (صيغة اقتبسها بولس أيضًا) وليس فقط على لوحي موسى الحجريين (إش ٥١: ٧، إر ٣١: ٣٣، حز ١١: ١٩، ٣٦: ٢٥ – ٢٧).

إن وصفي يقول أنه لا توجد بدلية عقابية، طبقًا للمفهوم البروتستانتي المصلح، لأنه لا يوجد عقاب، وذلك من خلال حصره لمفهوم الكفارة في الخليقة الجديدة فقط. ولكن في ذات العهد القديم، الذي يقتبس منه وصفي صور الكفارة ليطمسها في مفهوم الخليقة الجديدة، نجد العشرات من حوادث العقاب الإلهي. فنجده في طرد آدم من الجنة. وهلاك العالم القديم بالطوفان. وإمطار سدوم وعمورة بالنار والكبريت. وعقاب الشعب بالحيات المحرقة وهلاك أغلبهم في البرية. ثم طردهم من الأرض إلى السبيين الكبيرين. وغيرها مثل هلاك الأمم الكنعانية ومشاجرة قورح. وهذه فقط عقوبات مؤقتة تنذر بمجئ العقوبة الأبدية في الجحيم التي حذر منها المسيح شخصيًا مرات كثيرة. فضلاً عن ذلك، فإن خروف الفصح عوقب بالفعل نيابة عن أبكار بني إسرائيل. وفي كل مرة كان اليهودي يقدم فيها ذبيحة خطية أو إثم كانت الذبيحة تأخذ مكانه في العقاب فلم يحل عليه عقاب الله لحظيًا.

كما أن أوسم وصفي هنا يخلط المفاهيم ببعضها. فمن غُفرت ذنوبه، أو تم تحريره من العبودية، أو تمزيق صك عبوديته، أُعطي "فرصة" جديدة أو أخرى للحياة، وليس طبيعة جديدة. إن وصفي هنا يخلط بين فرصة جديدة للحياة من خلال العفو أوالتحرير، وبين تجديد الطبيعة أو التغيير. فالغفران أو التحرير يخص العلاقة الخارجية للعبد الذي يحتاج إلى غفران أو تحرير أو سداد للمدينونية. بينما تجديد الطبيعة أو الخليقة الجديدة يخص الحالة الداخلية للمرء. وصفي هنا يقوم بطرمخة المفاهيم الكفارية.

أما بالنسبة للادعاء بأن أنسلم هو من اخترع البدلية العقابية طبقًا للمفهوم البروتستانتي المصلح أنظر مقال آخر (أنقر هنا).

أخيرًا، ماذا تنفع الخليقة الجديدة التي ينادي بها أوسم وصفي وهو منكر لألوهية "يسوع" إذ يقول أن يسوع والمسيح أمرين مختلفين، معتنقًا بذلك الأيديولجية الوثنية لمعلمه ريتشارد رور؟ إن يسوع بالنسبة لوصفي هو مجرد مثال في التطور وليس أساس الخليقة الجديدة التي يمنحنا إياها بالنعمة نتيجة الاتحاد به. كيف يمكن الاتحاد بيسوع ليس هو الله أن يمنحنا الخليقة الجديدة؟ وصفي أيضًا ينكر الفساد الموروث ويؤمن بالتطور الدارويني، فماذا تعني الخليقة الجديدة له بما أن الإنسان يصعد من أسفل إلى أعلى على سلم التطور؟ إن وصفي ليس لديه عقيدة صلبة بل هو ينكر فقط الإيمان القويم. وصفي لا يؤمن بالبدلية العقابية ولا الخليقة الجديدة ولا ألوهية يسوع ولا الفساد الموروث ولا ضرورة النعمة، بل فقط بصلاح الإنسان وأيديولوجية التطور الوثنية!


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس