الطاعة الإيجابية للمسيح
"إن طاعة المسيح للناموس، وإحتسابها لنا، ليست أقل أهمية لتبريرنا أمام الله، من تحمله لآلام عقوبة الناموس، وإحتسابه لنا، لتحقيق نفس الغاية". (جون أوين)
الطاعة الإيجابية تعليم مهمل
رغم القيمة الكفارية العُظمى لطاعة المسيح الإيجابية عنا طيلة حياته على الأرض، إلا أنه مع كل أسف فهو تعليم مهمل. ولا سيما لدى البروتستانت الناطقون بالعربية. بالمقابلة مع ذلك، ينسب أصحاب اللاهوت الشرقي تقريبًا كل القيمة الكفارية للتجسد وحياة المسيح على الأرض مع إهمال الصليب لدرجة الطعن في البدلية العقابية. فالكفارة بالنسبة لهم هي اتحاد اللامحدود بالمحدود لكي يشفه (وهذا صحيح ولكن بشرط عدم إنكار باقي جوانب الكفارة من طاعة إيجابية وبدلية عقابية). وبينما يشكل موت الصليب لنا كبروتستانت مركز الكفارة، إلا أننا لسنا في حاجة لإنكار القيمة الكفارية لحياة المسيح للرد على هذا التطرف لللاهوت الشرقي. بل إننا نكون قد أخطأنا خطأً كبيرًا إن أنكرنا تمثيل المسيح لنا في طبيعته وحياته وتقواه. وكما يقول بافينك "لذلك، إنه لأمر متناقض تمامًا مع الكتاب المقدس، أن نحصر عمل المسيح ‘الإسترضائي’ (الكفاري) في آلامه ... كانت حياته كلها ... ذبيحة ذاتية ... كرأس بديلاً عن خاصته" (بافينك، العقائد المصلحة). بكلمات أخرى، علينا أن نحفظ مركزية الصليب وفي نفس الوقت إعطاء حياة المسيح القيمة الكفارية العظمى التي تليق بها. طبعًا لا يُعَلِّم أصحاب اللاهوت الشرقي بطاعة المسيح الإيجابية للناموس. من هنا تأتي قيمة هذا التعليم. ذلك لأنه يحفظ الوحدة والارتباط بين حياة المسيح وموته كما سيأتي الذكر. في السطور التالية سأحاول التأكيد على أهمية ومركزية هذا التعليم لمعالجة الإهمال البروتستانتي له من ناحية، ورفض اللاهوت الشرقي له من ناحية أخرى.
تعريف الطاعة الإيجابية للمسيح
طبقًا للمنهج البروتستانتي الكتابي، فإن لكفارة المسيح شقان لا ينفصلان ومتضافران. الشق الأول هو الطاعة الإيجابية أو النشطة Active Obedience . وسُميت كذلك لأن المسيح أطاع الناموس من خلال أعمال الطاعة الإيجابية التي قام بها طيلة حياته على الأرض. بالنسبة للشق الثاني، أي الطاعة التسليمية Passive Obedience ، فهي تُسمى كذلك لأن المسيح خضع لموت اللعنة مُسَلِّمًا لمشيئة الآب، ومستسلمًا لذات لحكم الناموس في الخطاة إذ كان بديلاً عنهم.
وبينما يمكننا التمييز بين كل من الطاعة الإيجابية والطاعة التسليمية (أو السلبية)، إلا أننا لا نستطيع الفصل بينهما. إذ أن حياة المسيح طيلة الثلاث والثلاثون سنة التي عاشها هي طاعة. منذ أول قطرة دم نزفها في ختانة في اليوم الثامن طاعة للناموس، إلى آخر قطرة دم خرجت من جسده على الصليب. كما أن كل حياته من منظور آخر (كما أسلفنا) هي تسليمًا لمشيئة الآب بما في ذلك أفعال طاعته الإيجابية للناموس. إذًا، فهناك عنصرًا من التسليم في طاعته الإيجابية، إذ خضع للناموس. وهناك عنصرًا إيجابيًا في طاعته التسليمية إذ ذهب طواعية وبإرادته للخضوع للعنة موت الصليب.
على أن طاعة المسيح الإيجابية تشمل أيضًا طبيعته البارة وميوله المقدسة وإن كان في الكثير من الأحيان يشار إليها على أنها طاعته للناموس بصفة عامة. فلم يُمَثِّلنا الرب يسوع المسيح فقط على الصليب. بل مَثَّلَنَا (ولا يزال) في كل شئ. إنه يُمَثِّلنا في الطبيعة وفي الحالة وفي الفعل. ذلك لأننا أشرارًا بالطبيعة (أصل الثمار الشريرة)، وبالحالة (الميول الشريرة)، وبالفعل (الذنوب). ولهذا فنحن في حاجة إلى خلاص في كل هذه النواحٍ. وفي حاجة إلى من ينوب عنا في كل هذه النواح، أي من حيث القداسة في الطبيعة والحالة والفعل. بالنسبة للطبيعة، اتخذ لنفسه طبيعة بشرية غير ساقطة لكي يُمَثِّلنا بها أمام الله. لهذا فمجرد مجئ الرب في الجسد في حد ذاته له بعدًا كفاريًا. ومن حيث الحالة فهو يمثلنا في ميوله البارة. وفيما يتعلق بفعله فهو مَثَّلَنَا في كل ما فعله؛ منذ لحظة الحمل به، ثم تقواه وعبادته طيلة حياته، ثم خضوعه على الصليب، ثم قيامته، بل وبعد صعوده إلى الآن. إن الرب يسوع المسيح يُمَثِّلنا في كل شئ؛ فيما يكونه، وفيما يفعله. في طبيعته المتوافقة مع طبيعة الله القدوسة، وفي محبته للبر، وفي طاعته الكاملة للناموس.
يقول جيمز فيشر في شرحه لتعليم ويستمينستر المختصر بأن طاعة المسيح الإيجابية تشمل أيضًا طبيعته البارة بالإضافة لطاعته للناموس:
"كيف ينقسم بر المسيح بشكل عام؟
ج: إلى طاعته الإيجابية والتسليمية.
س: ما هي طاعته الإيجابية؟
ج: قداسة طبيعته وبر حياته، في توافق كلي وكامل مع الناموس بأكمله، دون أدنى فشل، سواء في بعض، أو في درجات الطاعة حتى النهاية (مت ٥ : ١٧ – ١٨)". (فيشر، شرح دليل أجوبة ويستمينستر المختصر)
لكن كيف يمكننا التأكيد على أهمية وكتابية تعليم الطاعة الإيجابية للمسيح في مواجهة إهماله من ناحية، وإنكاره من ناحية أخرى؟ لمعالجة هذا السؤال، سنتناول الموضوع أولاً من الناحية اللاهوتية النظامية. وثانيًا طبقًا للاهوت الكتابي العام. وثالثًا بناء على النصوص الكتابية.
أولاً الطاعة الإيجابية من الناحية النظامية
الطاعة الإيجابية وعقيدة الخطية
الميل لدينا كبروتستانت للاعتقاد بأن الكفارة تمت على الصليب فقط ناتج عن نظرة منقوصة لعقيدة الخطية. الأمر الذي يؤدي بدوره إلى نظرة مختزلة للعمل الكفاري الكامل للمسيح. فالانسان ليس فقط عليه عدم الخطأ، بل الطاعة الإيجابية للناموس. والخطية ليست فقط ما نفعله Commission، بل أيضًا ما لم نفعله Omission. وهي ليست فقط ظلمة، بل أيضًا وبالضرورة غياب للنور.
ليس فقط أن الإنسان الذي يخطئ يتعدى على وصايا الله، ولكنه أيضًا مقصر في فعل البر. فمشكلة الإنسان الخاطئ مزدوجة: تقصير في فعل البر الإيجابي، وفي نفس الوقت فعل الشر. إن الرب لا يطالب الإنسان فقط بالإمتناع عن الشر، بل بالبر أيضًا. ونستطيع القول أن كل فعل خطية يقابله بالضرورة تقصير في فعل البر. تمامًا كما أن كل ظلمة تعني بالضرورة غياب للنور. فالخطية الأولى بالأكل من ثمرة معرفة الخير والشر قابلها تقصير في إقامة البر والذي هو تصديق الرب، واتخاذ آدم موضع القيادة في الأسرة والخليقة ومن ثم طرد الشيطان، المتخفي في الحية، من الجنة. ذلك لأن آدم كملك وكاهن كان مسئولاً عن حفظ الجنة. مثال آخر، خطية عبادة الوثن (التعلق بأي شئ آخر أكثر من الرب) يقابلها إيجابيًا التقصير في عبادة الرب ومحبته من كل القلب. أيضًا سرقة ممتلكات الآخرين يقابلها التقصير في البر الإيجابي بحماية ممتلكاتهم والحفاظ عليها.
ولمعالجة نفس الفكرة ولكن من منظور آخر يمكننا القول أن تعليم الطاعة الإيجابية يتعرض للإهمال بسبب سوء فهم للعلاقة الحالية بين الناموس والإنسان. فقد يُظَنُّ أنه بمجرد سقوط الإنسان لم يعد مطلوبًا منه الطاعة الإيجابية لوصاياه. لكن في الحقيقة، فإن الإنسان بعد السقوط، تحت إلتزام مزدوج تجاه الناموس. طاعة وصاياه، وفي نفس الوقت تحمل الدينونة الواجبة عن التقصير في الطاعة. وطبقًا لكلمات جويل بيكي: "هذا لأن الناموس يلزمنا بالعقاب والطاعة (معًا). للعقاب، لأنه يلعن كل من لا ينفذ كل كلمات الناموس. للطاعة، لأنه يعد بالحياة فقط لمن يحفظه تمامًا". (بيكي، اللاهوت النظامي المصلح)
يؤكد بيرخوف أيضًا هذا الأمر بأكثر تفصيلاً:
"استمر الله (بعد السقوط) في مطالبة الإنسان بالطاعة، ولكن بالإضافة إلى ما هو مطلوب منه، أن يدفع جزاء التعديات الماضية. كانت تلبية هذا المطلب المزدوج هي الطريقة الوحيدة للحياة بعد دخول الخطية إلى العالم. لو كان المسيح قد أطاع الناموس فقط ولم يدفع العقوبة أيضًا، لما فاز بحق الحياة الأبدية للخطاة. ولو وكان قد دفع فقط العقوبة، دون تلبية متطلبات الناموس الأصلية، لكان قد ترك الإنسان في مكانة آدم قبل السقوط، ولكان الإنسان لم يزل يواجه مهمة الحصول على الحياة الأبدية من خلال طريق الطاعة. لكن المسيح بطاعته الإيجابية حَمَلَ شعبه إلى ما وراء تلك النقطة وأعطاهم حقًا في الحياة الأبدية". (بيرخوف، اللاهوت النظامي)
ترتيبًا على ما سبق، فإن المسيح لم يكفر فقط عن خطايانا على الصليب. بل تمم أيضًا على أكمل وجه كل وصايا الناموس التي قصرنا فيها. لم يسترضي فقط عدل الله بموته عن الفجار، بل أرضى قداسة الله بحياة طاعته الكاملة أيضًا. لم يدفع فقط الدين عنا بل وضع أيضًا كل رصيده وغناه في البر من أجلنا. لم يخلع عنا ثيابنا القذرة فقط، بل ألبسنا أيضًا ثوبه الملكي. لم يشفنا فقط من الخطية بل أعطانا أيضًا قوته الإلهية. لم ينقذنا فقط من الجحيم بل أجلسنا معه في السماء. لم يفتدينا فقط من العبودية، بل جعلنا أيضًا أبناءً له. أخذ ما لنا، وأعطانا ما له.
ثانيًا من حيث اللاهوت الكتابي: المسيح متمم العهد
إن عدم رؤية الخلاص من المنظور العهدي قد يؤدي أيضًا إلى رفض أو إهمال تعليم الطاعة الإيجابية للمسيح. فعلاقة الرب مع الإنسان منذ لحظة خلقه هي علاقة عهدية. لها إمتيازات يتم التمتع بها في حالة الوفاء بالإلتزامات. ولها واجبات إن تم التقصير فيها تؤدي إلى العقاب. لقد جاء الرب يسوع المسيح، لا لكي يتحمل تبعات تقصيرنا فقط، بل لكي يقوم أيضًا بكل ما كان ينبغي علينا القيام به كأطراف في العلاقة العهدية مع الرب. المسيح هو النائب العهدي لنا أمام الله. يقول دوجلاس كِلِي "من خلال طاعته الإيجابية، تمم المسيح الغرض الأصلي من ‘التدبير الآدمي’ (أو كما أطلق عليه البيوريتان: العهد مع آدم، عهد الحياة، عهد الأعمال)". (كِلِي، اللاهوت النظامي)
إن تعليم الطاعة الإيجابية لا نجده فقط في الكثير من النصوص الكتابية (كما سيأتي الذكر)، بل إن التاريخ الفدائي بأكمله، يطلب تلك الطاعة، وفي نفس الوقت يتوقع تحققها في شخص المسيح. فقد قصد الكتاب المقدس أن يقدم لنا أصداء للسقوط التاريخي في جنة عدن (العهد الآدمي) في بعض الأحداث التاريخية اللاحقة. وذلك ليخلق حالة من التوقع والجوع للبر الذي سيأتي به المسيح كالرأس العهدي للخليفة الجديدة والذي استطاع أن يحفظ العهد مع الرب. ونرى أصداء ذلك السقوط (ومن ثم التوقع بمجئ الخادم البار) على الأقل في نوح وفي شعب إسرائيل. فبعد الطوفان والخروج من الفلك (العهد النوحي)، أوصى الرب نوح بنفس الوصية التي أوصى بها آدم بأن يثمر ويكثر ويملأ الأرض (تك ١ : ٢٨ ، ٩ : ١)، ثم "ابتدأ نوح يكون فلاحًا وغرس كرمًا" (تك ٩ : ٢٠). إلا أنه كان هناك ثمرة أيضًا سببت سقوطه في جنته الجديدة "وشرب من الخمر فسكر وتعرى داخل خباءه" (تك ٩ : ٢١). هذا السكر بالثمرة أدى إلى التعري ثم التغطية واللعنة.
بنو إسرائيل بدورهم آدم جديد (العهد مع بني إسرائيل) ابتدأ يثمر ويتوالد وينمو ويكثر جدًا حتى امتلأت الأرض منهم (خر ١ : ٧). وبعد أن أخرجهم الرب من مصر أدخلهم أرض الموعد بعد ذلك بأربعين سنة، والتي هي جنتهم الجديدة. إلا أنه لم يمضي عليهم وقت طويل في تلك الجنة حتى اشتهوا هم أيضًا أن يمارسوا رجاسات الأمم وأن يسجدوا لآلهتهم ويتعروا أمامها (خر ٣٢ : ٢٥). فجاءت علهيم لعنة الناموس ثم طُرِدوا من جنتهم إلى السببين الكبيرين. إلا أن الرب يعدهم على فم إشعياء بأنه سيلبسهم ثياب الخلاص ورداء البر (إش ٦١ : ١٠).
طبعًا لم يكن سقوط كل من نوح وإسرائيل كآدمين جديدين سقوطًا من حالة بر مثلما حدث مع آدم التاريخي. لكن فقد أصداء للسقوط التاريخي الأصلي لإبراز الفشل الإنساني المتكرر في ظل تدابير مختلفة، وفي أكثر من محاولة لإصلاح ما فعله آدم التاريخي بأن يطيع الله ويثمر وينشر ملكوته عبر كل الأرض. ومن ثم خلق حالة من التوقع والجوع للبر الذي سيأتي به المسيح. في كل التدابير السابقة طالب الله الإنسان بطاعته وقوبل طلبه بالفشل والتمرد من جانب الإنسان. الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى إظهار البر الذي سيأتي به الرأس العهدي الأعظم، الرب يسوع المسيح.
أخيرًا في ملء الزمان جاء "آدم الأخير روحًا محييًا" (١ كو ١٥ : ٤٥). في تجربة البرية لم يشتهي أي شيء مع أنه كان وحيدًا وجائعًا ومنهكًا وسط وحوش البرية المقفرة. على عكس بنو إسرائيل الذين اشتهوا اللحم وخيرات مصر بل والرجوع إلى هناك. وفي بستان جثسيماني خضع لمشيئة الآب مع كان وحيدًا أيضًا وتنتظره آلام الصليب المرعبة. على عكس آدم المتمرد في بستان عدن مع أنه تمتع بصحبة الرب وزوجته وكل خيرات جنة عدن. نجح المسيح تمامًا في كل ما أخفق فيه الأوادم السابقة (آدم الأول ونوح وإسرائيل). وأطاع بصورة كاملة، كآدم الأخير وكالإسرائيلي الحق، الناموس، الذي كان ينبغي طاعته بواسطة آدم ونوح وإسرائيل، بل وكل المختارين.
ثالثًا من حيث النصوص الكتابية
الطاعة الإيجابية في رموز العهد القديم
المسيح في لغة رموز العهد القديم، ليس فقط هو خروف الفصح، وذبيحة الإثم، والخطية، بل هو أيضًا ذبيحة السلامة، وقربان الدقيق. أي في طبيعته وميوله كل ما يسر الله ويشبعه نيابة عنا. وكما قال بافينك فإن حياة المسيح بأكملها ذبيحة. وهو النذير المُكَرَّس تمامًا للرب. ورئيس الكهنة الذي يُمَثِّل الشعب في العبادة والاقتراب من الله. وليس فقط مَنْ تَحَمَّلَ غضب الله نيابة عن الفجار. بل هو أيضًا العبد البار الذي يفعل كل مشيئة يهوه. وهو الملك بن داود الذي يحكم الخليقة بالبر أمام الله نيابة عن المختارين. فالمسيح ليس فقط يملك علينا، بل لأجلنا أيضًا. إنه القربان والذبيحة والكاهن والمذبح والعبد البار والملك.
الطاعة الإيجابية للمسيح في العهد الجديد
صحيح أن لحياة المسيح وطاعته للناموس قيمة في إثبات أهليته وكفاءته لأن يكون المخلص. إلا أن هذا فقط جانب واحد من جوانب قيمة حياته. وكما للصليب أكثر من منفعة أو جانب. أي لإسترضاء الله، وشفاء الإنسان، والنصرة على الشيطان، ونموذج لإنكار الذات. فإن لحياة المسيح أيضًا قيمة في إثبات أهليته كمخلِّص، وقيمة في القداسة وإتمام الناموس نيابة عنا، وأخرى نموذجًا للتعليم. إن القول بغير ذلك لهو إبخاس للقيمة العظمى لحياة المسيح واتحاد الطبيعتين فيه. كما أنه يتعارض مع الكثير من النصوص الكتابية التي تعلِّم بوجود قيمة كفارية لحياة الطاعة التي عاشها المسيح. إن بعض هذه النصوص كالتالي:
"فأجاب يسوع وقال له: اسمح الآن، لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كل بر" (مت ٣ : ١٥)
يعوزنا الوقت للحديث عن أفعال طاعة المسيح للناموس. فقد اختتن في اليوم الثامن حسب الناموس (لو ١ : ٥٩). وحفظ مواسم الرب (يو ٢ : ١٣، ٥ : ١). إلا أن في هذا النص واضح جدًا الطبيعة النيابية لطاعته للناموس. إن كان تكميل البر بالنسبة لليهودي هو التوبة والاعتماد من يوحنا طاعة للناموس بالرجوع للرب فيكون له حياة. فإن تكميل البر بالنسبة للمسيح كان هو طاعة الوصية التي قبِلها من أبيه في اتحاد نفسه بالخطاة. على أن المسيح أيضًا أكمل البر بطاعة الناموس جنبًا إلى جنب مع اليهود الخطاة المعتمدين معمودية التوبة وإن كان المسيح بلا خطية. لم يكن المسيح في حاجة للتوبة لأنه لم يرث فسادًا ولم يفعل إثمًا. بل كان يقوم بعملاً نيابيًا باعتباره الإسرائيلي الحق رئيس الإيمان الذي يحب الرب من كل قلبه ومن كل فكره ومن كل نفسه.
"كما أن ابن الإنسان لم يأتِ لِيُخْدَم بل لِيَخْدِم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين" (متى ٢٠: ٢٨).
لاحظ معي في هذا النص عدة أشياء. أولاً ربط المسيح بين حياته وموته " لِيَخْدِم وليبذل نفسه فدية". فهو عمل كفاري واحد وإن كنا نستطيع التمييز بين جوانبه. ثانيًا، يعتبر المسيح خدمته (ومن ثم طاعته) جزء لا يتجزء من إرساليته التي قبِلها من الآب. ثالثًا، صحيح أنه لا يوجد في النص حرف جر "عن" بعد "ليخدم" لتكون خدمته أيضًا (نيابة عن كثيرين) إلا أن ربط المسيح لحياته وموته معًا، وخدمته وبذله معًا، يجعلنا نستنتج من ذلك، أن خدمته وبذله كلاهما عن أو لأجل كثيرين. كيف يمكن أن تكون خدمة المسيح "عن كثيرين أيضًا"؟ صحيح أن الرب جاء ليخدم الإنسان، إلا أنه خادم الآب في المقام الأول. إنه يخدم الله من خلال خدمة الإنسان. فهو الذي تعلمنا عنه النصوص (ولا سيما إشعياء) أنه عبد الرب. وأنه الذي يفعل كل مشيئته؛ سواء المعطاة له عند إرساليته إلى العالم، أو المعلنة في الناموس (يو ٤ : ٣٤، ٨ : ٢٩، عب ١٠ : ٧). ومن ثم أيضًا فهو العبد الذي جاء ليتمم الناموس الذي فشل في إتمامه إسرائيل ومن قبله آدم.
"لأنه كما بمعصية الإنسان الواحد جُعِلَ الكثيرون خطاة، هكذا أيضًا بإطاعة الواحد سَيُجْعَل الكثيرون أبرارًا" (رومية ٥: ١٩).
يضع بولس هنا معصية آدم للوصية في جنة عدن، والتي بسببها جُعِلَ الكثيرون خطاة إذ ورثوا الفساد والدينونة، بالمقابلة مع طاعة المسيح والتي سَيُجْعَل بسببها الكثيرون أبرارًا. صحيح أن بولس يشير إلى طاعة المسيح بصفة عامة، إلا أن طاعته للناموس تظل جزء من هذه الطاعة ولا سيما أن بولس يعلِّم بهذا الفكر في رسالة فيلبي كما سيأتي الذكر. تأسيسًا على ذلك، فإن بولس ينسب هنا بعدًا كفاريًا لطاعة المسيح للوصية. لاحظ معي أن كلا الفعلين نيابيين؛ فعل المعصية للإنسان الأول، وفعل الطاعة للإنسان الثاني. فمعصية آدم أدت إلى جعل الكثيرون خطاة، وطاعة المسيح أدت إلى جعل الكثيرون أبرارًا. لاحظ أيضًا أن كلا الفعلين للنائبين يخبرانا عن موقفيهما من الوصية.
"فإنكم تعرفون نعمة ربنا يسوع المسيح، أنه من أجلكم افتقر وهو غني، لكي تستغنوا أنتم بفقره" (٢ كورنثوس ٨: ٩)
إن السياق الذي يقول فيه بولس هذا الكلام يتحدث عن الضيق المادي (ومن ثم العطاء). وأول ما يلفت النظر في هذا النص هو الطبيعة النيابية لافتقار الرب يسوع المسيح "من أجلكم". فافتقاره في الجسد لم يكن مجرد فترة إعداد أو اختبار أو تأهيل له. بل إن ذات الإفتقار كان عملاً نيابيًا له آثارًا علينا "لكي تستغنوا أنتم بفقره". صحيح أن افتقار المسيح هو جزء من كل. أي اتضاعه بصفة عامة. وأن هذا الكل يشمل آلامه وموته أيضًا. إلا أن بولس يقول هنا صراحة أن افتقار المسيح ماديًا وإخلائه لنفسه كان لكي نستغني نحن بفقره. لقد افتقر ماديًا لكي يُتحدنا بغناه الروحي. مما لا شك فيه إن جزء من هذا الغنى هو ما حصده الرب يسوع من ثمار نتيجة طاعته الإيجابية للناموس نيابة عنا.
"ولكن لما جاء ملء الزمان، أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة، مولودًا تحت الناموس، ليفتدي الذين تحت الناموس، لننال التبني" (غلاطية ٤: ٤، ٥)
ينسب بولس هنا لولادة المسيح تحت الناموس قيمة كفارية "ليفتدي الذين تحت الناموس، لننال التبني". فقد وُلِدَ تحت الناموس، وعاش طائعًا لكل وصاياه، الأدبية والمدنية والطقسية. وقد كانت ولادته تحت الناموس ومن ثم طاعته له عملاً نيابيًا. وهذا واضح من ثمار هذا العمل والتي هي افتداء الذين تحت الناموس لكي ينالوا التبني. مرة أخرى، لم يعش المسيح حياته تحت الفقر فقط لكي يشعر بآلام الفقراء. ولم يعش تحت الناموس فقط لكي يثبت أهليته كمخلص. ولكن إن ذات الولادة تحت الناموس والخضوع له في حد ذاتهما عملاً نيابيًا كفاريًا للمسيح.
"الذي إذ كان في صورة الله، لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله. لكنه أخلى نفسه، آخذًا صورة عبد، صائرًا في شبه الناس. وإذ وُجِدَ في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب" (فيلبي ٢: ٦ – ٨)
يرى بولس هنا عمل المسيح المكون من تجسده وحياته وموته وقيامته وصعوده كوحدة واحدة. فهو لم يبدأ عند الصليب، بل منذ أن أخلى نفسه، آخذًا صورة عبد. إلى أن وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب. إن اتضاع المسيح بدأ منذ أن توارى مجد ألوهيته خلف بشريته المحدودة في مزود بيت لحم. ثم وصل هذا الاتضاع ذروته في الصليب إلى أن توارت حتى بشريته فصار منظره مفسدًا أكثر من الرجل. ظل المسيح ينزل طيلة رحلته الفدائية؛ من السماء إلى الأرض. وعلى الأرض وُلِد "تحت الناموس". وفي الأرض أيضًا عاش عبدًا فقيرًا، مرفوضًا من اليهود ومن عائلته. ثم نزل إلى قاع الخزي واللعنة على الصليب. وأخيرًا نزل إلى القبر. إن بولس يرى هذا عملاً واحدًا غير قابل للتجزئة. فهي طاعة واحدة واتضاعٍ واحد. لقد بدأ الرب يسوع المسيح في تمثيلنا أمام الله منذ لحظة الحمل به. كل شئ عمله كان نيابة عنا.
ماذا لو انحصرت كفارة المسيح في الصليب فقط؟
لنأخذ هذا الادعاء، بحصر كفارة المسيح فقط في الصليب، إلى أبعاده المنطقية، ونرى إلى ماذا يصل بنا. على سبيل المثال، أن تختزل القيمة الكفارية لعمل المسيح في ستة ساعات الصلب فقط:
هو أن تقول أن حياة المسيح، واتضاعه، وآلامه طيلة حياته، لا قيمة استرضائية أو كفارية لها أمام الله.
هو أن تقول أن ما عمله المسيح فقط هو أنه دفع ثمن الخطية ولم يفعل بر إيجابي يُحسب لنا كأعمال صالحة أمام الله.
هو أن تقول أن المسيح لم يمثلنا أمام الله في ولادته تحت الناموس وتقواه وطاعته وصبره وبره الإيجابي في حياته.
هو أن تختزل وتجتزأ عمل المسيح الكامل المكون من حياته وموته وقيامته وصعوده وجلوسه عن يمين الآب.
هو أن تختزل وتجتزأ طاعة المسيح التي بدأت بميلاده تحت الناموس ووصلت لذروتها في موته.
هو أن تقول أن تمثيل المسيح لنا بدأ فقط بآلامه على الصليب، ولم يمثلنا طيلة حياته السابقة أو في ولادته تحت الناموس.
هو أن تقول أن المسيح لم يبدأ من حيث بدأنا نحن، أي من مولدنا بالطبيعة الساقطة تحت الغضب (مع الفارق في أنه لم يرث الفساد مثلنا).
هو أن تقول أن المسيح مات فقط من أجلنا ولم يعش من أجلنا.
هو أن تقول أن المسيح أنقذنا فقط من الجحيم ولم يدخلنا إلى السماء.
هو أن تقول أن المسيح كان نائبًا عهديًا عنا بصورة جزئية فقط إذ لم يتمم الواجبات العهدية التي علينا.
هو أن تقول أن المسيح أعادنا فقط إلى نقطة ما قبل سقوط آدم وليس إلى الحياة الأبدية والخليقة الممجدة.
تعليم الطاعة الإيجابية يغلق الباب أمام تعاليم خاطئة
فضلاً عن كون التأكيد على تعليم الطاعة الإيجابية هام لفهم أبعاد عمل المسيح. فهو يحفظنا أيضًا من الإنزلاق في أخطاء تعليمية أخرى. مثل القول أن حياتك هي إنجيل خامس. صحيح أن سلوكنا هو مجرد دعامة ثانوية لشهادتنا، ولكننا لا نكرز بحياتنا بل بحياة المسيح (وموته طبعًا) من أجلنا. ليس ما عملناه نحن من بر، بل ما عمله المسيح من بر من أجل مختاريه. إن تعليم الطاعة الإيجابية يغلق الباب أمام الادعاء بأننا نكرز بسلوكنا أو برنا. وإلا فما قيمة سلوك المسيح؟
أو مثل الادعاء بأن الأعمال الصالحة تُخَلِّصُ. إن كانت أعمالنا الصالحة (أو المفترض أنها كذلك) تُخَلِّص، فما قيمة ما عمله المسيح من أعمال صالحة؟ صحيح أننا نخلص بالأعمال، ولكن ليست أعمالنا، لأنها كثوب عدة كما قال إشعياء (إش ٦٤ : ٦)، وكروث بهائم كما قال بولس (في ٣ : ٨). ولكننا نخلص بأعمال المسيح البارة والنيابية من أجلنا. إن تعليم الطاعة الإيجابية للمسيح يغلق الباب أمام أي ادعاء بالخلاص بالأعمال.
أو مثل نسبة قيمة كفارية لحياة المسيح بعيدًا عن صليبه كما يفعل أصحاب اللاهوت الشرقي. إن ثقل الكفارة لدى أصحاب اللاهوت الشرقي يكمن في تجسد المسيح وحياته أكثر من أي شئ آخر بما في ذلك صلبه وقيامته. أما تعليم الطاعة الإيجابية فيجنبنا هذا الشطط. ذلك لأن كل من الطاعة الإيجابية والطاعة التسليمية كلتاهما مرتبطتان بصورة لا يمكن فصلهما. إن حياة المسيح وموته كلاهما طاعة وتواضع بل وعملاً واحدًا نيابيًا لأجلنا. حياته بأكملها ذبيحة من أجلنا. ففي حياته أطاع وصايا الناموس. وفي موته خضع لحكم الناموس علينا. في حين أن اللاهوت الشرقي يفتقر إلى مثل هذه الوحدة بين حياة المسيح وموته.
الطاعة الإيجابية في التاريخ الكنسي
فيما يلي بعض الاقتباسات من رجال الكنيسة عبر العصور تثبت أن تعليم الطاعة الإيجابية لم يغب عن التاريخ الكنسي وليس تعليمًا مستحدثًا بواسطة المصلحون:
"لكونه سيدًا ، فقد امتلك أيضًا سن السيد (أي يبلغ من العمر ثلاثين عامًا)، ولم يحتقر أو يتهرب من أي حالة من حالات الإنسانية، ولم يتنحى في نفسه عن الناموس الذي عينه للجنس البشري، ولكنه يقدس كل عمر في تلك الفترة المقابلة له التي تخصه. لأنه جاء ليخلص الجميع بنفسه ... لذلك مر بكل عمر، وأصبح رضيعًا للرضع، وبالتالي يقدس الأطفال؛ طفل للأولاد، وبذلك يقدس من هم في هذا العمر ... شابًا للشباب ... مقدسًا إياهم للرب. وبالمثل، كان رجلاً كبيرًا لكبار السن، حتى يكون معلمًا مثاليًا للجميع ... مُقَدِّسًا في نفس الوقت المسنين أيضًا". (إيرينئوس: ضد الهرطقات ٢ . ٢٢ . ٤)
"لذلك افتدى المسيح من لعنة الناموس، أولئك الذين تحته، ولم يتمكنوا من الحفاظ على وصاياه. وبأي طريقة افتداهم؟ من خلال طاعة (الناموس). وبصيغة أخرى: لكي يكفر عن ذنب آدم، أظهر نفسه مطيعًا وخاضعًا من جميع النواحي لله الآب بديلاً عنا". (كيرلس الكبير: تفسير إنجيل لوقا)
"ملء الزمان – هو الوقت الكامل الذي حدده الله الآب مسبقًا لإرسال ابنه، حتى يولد، من عذراء، حتى يولد كإنسان، ويُخضع نفسه للناموس حتى وقت معموديته، لكي يتمكن من توفير طريقة يمكن بها أن يتم غسل الخطاة وتحريرهم من نير الناموس، حتى يتم تبنيهم كأبناء لله من خلال تنازله، كما وعد أولئك الذين افتداهم دم ابنه. كان من الضروري، حقًا، أن يخضع المخلص للناموس، باعتباره ابنًا لإبراهيم حسب الجسد، حتى يمكن اعتباره، بعد أن خُتن، على أنه الشخص الموعود به لإبراهيم، الذي جاء. ليبرر الأمم بالإيمان إذ حمل علامة من أُعْطِيَ الوعد. (أحد رجال الكنيسة أعتقد خطأ في بداية الأمر أنه القديس أمبروسيوس، الرسالة إلى غلاطية ٤ . ٥ . ١)
"بما أن الناموس بموجب تعاليمه كان يجعل الناس مقيدين، كما هو الحال، بغرض اللياقة في الحياة فقط ولكن ليس لرجاء الخلاص والأبدية، أرسل الله ابنه. أرسله خاضعًا للناموس، أي ناموس إسرائيل، لكي يفدي أولئك الذين كانوا هناك وعاشوا تحت الناموس. الآن هذا شيء عظيم، أنه يقول [أتى المسيح] ليس لمجرد أن يريهم طريق الحياة أو ليحثهم نحو الأبدية بأوامر صارمة ولكن ليفديهم. هذا هو سر ما قام به، فداء كل من آمن به، حتى يصيروا أبناء بالتبني. لذلك عندما جاءت مثل هذه المنفعة العظيمة من المسيح، لم يكن هناك شيء يضاف إلى ذلك. لم يعد الناموس يخص العبودية" (غايوس ماريوس فيكتورينوس: الرسالة إلى غلاطية غل ٤ : ٥)
"يجب أن نفهم أن ‘أخلى نفسه’ لا تتمثل في أي خسارة أو حرمان من سلطانه ولكن في حقيقة أنه وضع نفسه إلى أدنى مستوى وتنازل إلى المهام الأكثر ذلاً. بتحقيق هذه الأشياء، أخلى نفسه مؤقتًا من قوته. متخدًا لنفسه جسدًا، وصورة وهيئة بشريتين، تألم ومات وتمم كل الأشياء التي تخص البشرية". (غايوس ماريوس فيكتورينوس فيلبي ٢ : ٧)
"والمسيح، في الواقع، أراد أن يتوافق سلوكه مع الناموس، أولاً، ليُظهر موافقته على الناموس القديم. ثانيًا، أنه بطاعة الناموس يمكنه أن يكمله ويحضره إلى غايته النهائية في ذاته، ليبين أنه قد عُيِّنَ له. ثالثًا: حرمان اليهود من عذر الافتراء عليه. رابعًا، من أجل تحرير الناس من الخضوع للناموس، وفقًا لغلاطية". (الخلاصة اللاهوتية للأكويني)
"باختصار، منذ أن تجسد في هيئة خادم، بدأ يدفع ثمن التحرير من أجل فدائنا".
"لهذا السبب فإن ما يسمى بـ ‘قانون إيمان الرسل’ ينتقل مرة واحدة بأفضل ترتيب من ولادة المسيح إلى موته وقيامته، حيث يتكون الخلاص الكامل بأكمله. ومع ذلك فإن باقي الطاعة التي أظهرها في حياته ليست مستبعدة. يشمل بولس (طاعة المسيح) بأكملها من البداية إلى النهاية: ‘أخلى نفسه، آخذًا صورة عبد ... وكان مطيعًا للآب حتى الموت، موت الصليب’ ". (كالفن المبادئ ٢ . ١٦ . ٥)
"كان المطلب الثاني لمصالحتنا مع الله هو هذا: يجب على الإنسان، الذي صار هالكًا بعصيانه، لكي يعوض ذلك، أن يقابل (العصيان) بالطاعة، ويفي دينونة الله، ويدفع عقوبات الخطية. وبناءً على ذلك، ظهر ربنا كإنسان حقيقي واتخذ شخصية آدم واسمه ليأخذ مكان آدم في طاعة الآب، ليقدم جسدنا كثمن إشباع دينونة الله البارة، وفي نفس الجسد لدفع العقوبة التي كنا نستحقها ". (كالفن المبادئ ٢ ، ١٢ ، ٣)
"بدلاً من ذلك، يَحتسب (الله)، طاعة المسيح الإيجابية إلى كل الناموس، والطاعة السلبية في موته، كبرهم الكلي والوحيد بالإيمان". (إقرار الإيمان المعمداني)
"أولئك الذين يدعوهم الله دعوة فعالة، يبرر أيضًا مجانًا ... من خلال إحتساب طاعة المسيح الإيجابية للناموس كله، والطاعة السلبية في موته من أجل برهم الكامل والوحيد" (إعلان سافوي)
لذلك نقول بحق مع بولس، إننا نتبرر بالإيمانِ وحده، أو بِالْإِيمَانِ بِدُونِ أَعْمَالِ النَّامُوسِ. ولكن، كي نكون أكثر وضوحًا، نحن لا نقصد بهذا أن الإيمان نفسه هو الذي يُبرِّرنا، بل هو مجرد أداة بها نقبل المسيح برَّنا. لكن يسوع المسيح، الذي يحتسب لنا كافة استحقاقاته والكثير من أعمال القداسة التي عملها عنَّا وبدلًا منَّا، هو برُّنا. والإيمان هو أداة تُبقِي علينا في شركة معه في كافة بركاته، التي، حين تصير لنا، تكون أكثر من كافية لتبرئتنا من خطايانا. (إقرار الإيمان البلجيكي - ترجمة ليجونير)
٦٠ – كيف أنت بارٌ أمام الله؟
فقط بالإيمان الحقيقي بيسوع المسيح، حتى وإن كان ضميري يتَّهمني بأنِّي تعدَّيت كل وصايا الله بشكلٍ صارخ ولم أحفظ أيًّا منها، وما زلت أميل إلى كل الشر؛ على الرغم من ذلك، فإنَّ الله، بدون أي استحقاق من جهتي، ولكن فقط من مُجرَّد النعمة، يمنحني ويحسب لي كفَّارة المسيح الكاملة، وبره، وقداسته، كما لو أنَّه لم يكن عليّ خطيَّة، ولم أرتكب أي خطيَّة؛ نعم، كما لو كنت قد أتممت كل الطاعة التي أطاعها المسيح من أجلي، كل ذلك لي إن قبلت هذه العطية بقلبٍ مؤمن. (دليل أسئلة وأجوبة هايدلبيرج)
السؤال ٣٣: ما هو التبرير؟
الجواب: التبرير هو عمل نعمة الله المجانيّة، حيث فيه يغفر كل خطايانا، ويقبلنا كأبرار في نظره، فقط لأجل بر المسيح المُحتَسَب لنا، والمقبول بالإيمان وحده. (ويستمينستر المختصر)
أولئك الذين يدعوهم الله بشكلٍ فعّال، هو أيضًا يبرّرهم مجانًا: ليس بغرس البر فيهم، بل بصفح خطاياهم، وبحسبان وقبول أشخاصهم كأبرار، لا لشيء حدث فيهم، أو تم بواسطتهم، لكن لأجل المسيح وحده؛ وليس بإسناد الإيمان نفسه، أو فعل الإيمان، أو أي طاعة للإنجيل أخرى لهم، كبرهم؛ لكن بواسطة حسبان طاعة المسيح وكفايته لهم، فإنهم يقبلونه ويتكلون عليه وعلى بره، بالإيمان؛ ذلك الإيمان ليس من أنفسهم، هو عطية الله.
هذه الوظيفة قد قبلها الرب يسوع بطواعيّة شديدة؛ والتي لكي يؤديها، وُلد تحت الناموس، وقد تممها على نحوٍ كاملٍ؛ وقد احتمل اشد العذابات المريرة مباشرة في نفسه، وأقسى الآلام المُبرحة في جسده؛ فقد صُلب، ومات، ودُفن، وبقي تحت سلطان الموت، لكنه لم يرى فسادًا. (إقرار ويستمينستر)
تعليقات
إرسال تعليق