هل إنجيل غفران الخطايا إنجيل نفعي كما يدعي بعض الوعاظ؟

يصف بعض الوعاظ البروتسانت إنجيل غفران الخطايا على أنه:

الذين يريدون الخلاص من جهنم يريدون بوليصة تأمين ضد الحريق (ماهر صموئيل)
مؤمنو باركود لو عليك البار كود هتروح السما (أوسم وصفي)
مصاصو دماء يريدون يسوع لأجل دمه (أوسم وصفي)

أصحاب هذه التصريحات يريدون إيهامنا بأن الإنجيل الذي يقدم غفران الخطايا، والحياة الأبدية، هو إنجيل نفعي. والراغبون بهذا الإنجيل لا يريدون يسوع نفسه بل مصلحة منه. بل وصل بهم الحد إلى وصفنا بالتوحش (مصاصو دماء). أما الإنجيل الذي يقدمونه هم، والذي يمكن تسميته بـ الإنجيل الاختباري، إذ يختزلون الخلاص ويحصرونه في حالة اختبارية حاضرة، يضعون ذلك الإنجيل في المقابلة مع إنجيل غفران الخطايا. وكأن إنجيلهم ليس إنجيلاً نفعيًا بل يجعل المؤمن يرغب في يسوع نفسه بدلاً من منافع العلاقة به. يصورون إنجيل الغفران على أنه إنجيل مصلحة، بينما إنجيلهم يخص العلاقة بشخص وليس طمعًا في منفعة منه.

على أن هذا قمة التشويه المغرض لإنجيل غفران الخطايا. على الأقل للأسباب الآتية:

أولاً، في الإنجيل لا نستطيع الفصل بين العطية والعاطي. فالمسيح أعطانا نفسه في الفداء. وهو ليس فقط يعطي الغفران، بل هو غافر الخطايا. ليس فقط يخلص بل هو المخلص. أن تقلل من شأن العطية (غفران الخطايا، الحياة الأبدية، النجاة من الجحيم)، هو أن تقلل من شأن العاطي. أن تطعن في العطية هو أن تطعن في العاطي نفسه. ولا سيما إن كانت العطية هي شخص العاطي نفسه. كما أن أولئك، فضلاً عن تقليلهم من شأن العاطي، وذلك بالتقليل من شأن عطيته، هم يفصلونه عن عطيته.

ثانيًا، لا ينبغي أن ننسى أننا نأتي إلى الله ليس فقط كأب، بل كملك أيضًا. لهذا فدخلونا مع الملك في علاقة لابد أن يكون له مؤهلات معينة. لابد أن يُنزع عنا ملابسنا القذرة (الذنوب)، ونُعطى بدلاً منها ملابس البر التي تليق بمحضر الملك. كما أن المجرمون لا يمكن أن يوجودوا أو يقيموا في محضر الملك بدون تبرئتهم أولاً. بل المكان الذي يليق بهم هو سجن الملك. لذلك، فأن أصحاب الادعاءات السابقة يغفلون كون الله ملك ويركزون على كونه أب. إن أولئك في دعوتهم للإنجيل على أنه علاقة اختبارية مع الله، يقدمون إنجيليهم على أنه لا شروط للاقتراب من الله الملك كلي البر.

ثالثًا، المسيح نفسه أكثر من حذر من دينونة الخطايا في الجحيم. إن كل من العلاقة الشخصية، والاختبار المسيحي، اللذان يركز عليهما أصحاب التصريحات أعلاه، يقتضيان تصديق المسيح وأخذ تحذيراته عن الدينونة على محمل الجد. بالإضافة إلى ذلك، وصف المسيح الخطية على أنها دين يستوجب السداد (من ٦ : ١٢). وخلاصه على أنه "فدية عن كثيرين" (مر ١٠ : ٤٥). ونادى بضرورة التبرير أمام الله (لو ١٨ : ١٤). كل هذه تبرز الجانب القضائي في الخلاص طبقًا لما علم به المسيح شخصيًا. أن تهمش غفران الخطايا إذًا هو أن تخدم خدمة مضادة لخدمة المسيح نفسه. أن تدخل في علاقة مع المسيح يقتضي الانتباه لتحذيراته وإكرام ما يقوله.

إذًا، فأولئك بطعنهم في إنجيل غفران الخطايا، يفصلون بين العطية والعاطي (النقطة الأولى)، ويفصلون بين كون الله أب وملك (الثانية)، وبين العلاقة مع المسيح وتعاليمه (الثالثة).

رابعًا، الفرق بين الإنجيل الاختباري الذي يطرحه أولئك، وبين إنجيل غفران الخطايا، هو أن الأول مركزه الإنسان، بينما الثاني مركزه الله. ماذا نعني بذلك؟ نعني إن الإنجيل الذي يطرحه هؤلاء يضع مطالب الإنسان في المركز وفي نفس الوقت متجاهلاً مطالب الله. فالمسيح لم يأتي لاسترضاء غضب الله، بل لشفاء الإنسان أو تغييره أو استرداد إنسانيته كما يدعي أولئك. في حين أن إنجيل غفران الخطايا يضع مطالب عدل الله في المركز إذ يخبرنا أننا مذنبون والمسيح جاء ليحمل عنا عقاب خطايانا بإسترضاء غضب الله. الإنجيل (الاختباري) الذي يطرحه أولئك إذًا هو إنجيل يضع مصلحة الإنسان في المركز وينكر مطالب الله العادلة.

أصحاب تلك التصريحات إذًا وقعوا في نفس الخطأ الذي يتهموننا زورًا بالوقوع فيه. فضلاً عن باقي الأخطاء اللاهوتية التي ارتكبوها كما أوضحنا أعلاه. إنهم بذلك يطعنون في الخلاص المقدم من المسيح باختزاله وتشويهه. وفي نفس الوقت يضللون المساكين الذين يحتاجون لسماع إنجيل غفران الخطايا.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس