مشروع الكتاب المقدس ولاهوت مجمع الآلهة


يروج تيم ماكي صاحب خدمة مشروع الكتاب المقدس الشهير Bible Project لما يسمى بـ "لاهوت مجمع الآلهة" Divine Council Theology. في سلسلة فيديوهات منشورة على قناة مشروع الكتاب المقدس باللغة الإنجليزية بعنوان "الكائنات الروحية" وأبرزها فيديو بعنوان The Divine Council يطرح تيم ماكي هذا الفكر. له أيضًا لقاء يعلن فيه صراحة عن تأثره بهذا المنهج اللاهوتي. فضلاً عن ذلك فإن هذه التعاليم غير القويمة قد أخذت في الانتشار في الأوساط الإنجيلية الغربية والفضل يرجع لصياغة وترويج اللاهوتي مايكل هايزر لهذا الفكر من خلال كتابه وفيلمه الوثائقي The Unseen Realm . وعلى حد معرفتي (وبدون ذكر أسماء) هذا الكتاب موجود باللغة العربية ولكن تحت إسم مؤلف آخر غير مؤلفه الأصلي.

سأقوم أولاً بتقديم مخلص لهذا الفكر ثم تفنيد عام له.

قرأت كتاب هايزر السابق الإشارة إليه وشاهدت الوثائقي ثلاث مرات. سأستعين بالوثائقي لأنه أكثر إيجازًا في عرض أفكار هايزر.

يبدأ الوثائقي بهذه العبارة الرنانة: "يومًا ما سنحل نحن المؤمنون محل بنو الله المتمردون في المجمع الإلهي". وهي ملخص لفكر هايزر حول الخلق والسقوط والفداء والإسخاطولوجي. يدعي هايزر أنه يوجد في العالم غير المنظور كائنات أعظم من الملائكة والشياطين. هذه الكائنات هي آلهة أعضاء في المجمع الإلهي (أبناء الله، بنو الله).

يؤسس هايزر هذا الفكر على تفسير خاطئ لبعض النصوص أهمها النص الآتي:

"الله (إيلوهيم) قائم في مجمع الله. في وسط الآلهة (إيلوهيم) يقضي .. أنا قلت أنكم آلهة (إيلوهيم) وبنو العلي كلكم. لكن مثل الناس تموتون وكأحد الرؤساء تسقطون" (مز ٨٢ : ١، ٦ – ٧).

يُقرأ هذا النص طبقًا لترجمة ESV الإنجليزية:

“God has taken his place in the divine council; in the midst of the gods he holds judgment … I said: You are gods, sons of the most high, all of you”

لدينا إذًا طبقًا للترجمة الإنجليزية الله God وتتشترك معه آلهة أخرى gods أدنى منه (لكن أعظم من الملائكة) في مجلس council للمشورة والحكم.

وبينما يستشعر هايزر وقع هذه التعاليم على المسيحي العادي يدعي أن التعليم بوجود مجمع آلهة يرأسه يهوه لا يشكل مشكلة أمام وحدانية الله. لهذا يسرع هايزر إلى التأكيد على تفرد يهوه المطلق. فهو الإيلوهيم الذي لا يوجد مثله إيلوهيم آخر. يهوه هو الإيلوهيم الخالق لباقي الإيلوهيم (بنو الله أعضاء مجمع الآلهة). ويشدد هايزر أيضًا على كون المسيح ابن الله الوحيد (مونوجينيس) وليس كباقي أبناء الله. المسيح هو أقنوم الابن غير المخلوق.

ثم يدعي هايزر أيضًا أن إيلوهيم لا تعني إله ذو خصائص أو صفات معينة. الإيلوهيم هو كائن فوقطبيعي. الله كإيلوهيم ليس مثله بين باقي الإيلوهيم. ولكن باقي الإيلوهيم يشتركون مع يهوه في حكم العالم. هو قطعًا لا يحتاجهم في حكم العالم لكن قرر أن يشركهم فيه (١ مل ٢٢ : ١٩ – ٢٣).

طبقًا لهايزر، فإن لتلك الآلهة ثلاث تمردات على يهوه حدثت في العالم غير المنظور. يقابلها أو بالحري يتداخل معها أيضًا ثلاث تمردات بشرية في العالم المنظور. يقص علينا هايزر تداعيات كل تمرد من تلك التمردات الكونية الواحد تلو الآخر.

من حيث التمرد الأول، فقد حدث في جنة عدن. إذ خَلَقَ يهوه باقي الآلهة ليشاركوه الحكم أو المشورة في العالم. طبقًا لثقافة شرق أدنى القديمة فإن الله مَلِك. والمَلِك يُعَيِّنُ أبناءه في مواضع الحكم معه. لله أبناء في العالم الروحي غير المنظور وعلى الأرض. في عدن يتلاقي ويتداخل المجالين، المنظور وغير المنظور، الآلهة والبشر، كعائلة واحدة لله.

لهذا يرفض هايزر تطبيق أسلوب الجمع في تك ١ : ٢٦ "نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا ..." على الثالوث بحجة أن الأقانيم متساوون في المعرفة الكلية ولا يحتاجون إلى إطلاعهم على شئ. وبدلاً من ذلك يطبق النص على مجمع الآلهة. أي يهوه وباقي أبناء الله من الآلهة الذين يشاركونه الحكم والمشورة.

يرى هايزر توازٍ بين كون الإنسان صورة الله وبين أبناء الله في كون كلا الفريقين يمثلان الله في مجالين مختلفين. أحدهما في المجال غير المنظور والآخر على الأرض. وتمثيل الله في السماء يكون من خلال مشاركته الحكم بواسطة الإيلوهيم أي الآلهة الآخرون أبناء الله. وتمثيله على الأرض يكون من خلال مشاركته الحكم بواسطة الإنسان. أما عن كون الإنسان صورة الله فإن هايزر يرى أنها تعني حالة وليست قدرات معينة.

شَارَك الله صفاته أيضًا مع ممثليه من المجالين غير المنظور (الآلهة في مجمع الله) والمنظور (البشر). وإحدى أهم هذه الصفات هي حرية الإرادة التي استغلها كل من الكائنات الروحية والبشر للتمرد على الله.

يُعَلِّمُ هايزر بأن الحية في جنة عدن هي أحد أعضاء مجمع الآلهة. وأن الحية والتي هي الكروب الحارس قد وضع في الجنة لحراسة عرش الله لكنه تمرد فطرد منها بسبب الغيرة وذلك بناء على نصوص مثل إشعياء ١٤ : ١٣ – ١٤ وحزقيال ٢٨ : ١٤. يؤيد هايزر كلامه بقوله أن الألواح الميزوبوتامية القديمة تصف حراس العرش على أنهم حيات وتنانين.

بالتوازي مع هذا التمرد على الله في العالم غير المنظور تمرد الإنسان أيضًا على الله في العالم المنظور. أي أن الإنسان تمرد على الله بفعل من الحية في العالم غير المنظور. فدخل الموت إلى العالم. إلا أن هذا التمرد الأول في جنة عدن هو واحد فقط من ثلاثة أسباب لماذا يوجد موت وألم وشر. هناك تمردين إضافيين في العالم غير المنظور. لاحظ هذا القول الخطير:

"معظم الناس يعرفون أساسيات هذه القصة (الخلق والسقوط). يؤمن المسيحيون بأن هذا (السقوط) هو السبب في كون العالم ما هو عليه الآن (من شر وألم وموت). إلا أن هذه صورة منقوصة. ما حدث في عدن هو فقط السبب الأول من ثلاثة أسباب لماذا يوجد هذا الشر والموت الكثير في العالم. فهناك تمردين آخرين فائقين للطبيعة بالإضافة إلى الأول". (الوثائقي)

التمرد الثاني حدث في تكوين ٦ : ٢ – ٤ عندما رأى بنو الله بنات الناس أنهن حسنات فتعدوا على الحدود بين السماء والأرض. يسجل أيضًا كل من ٢ بط ٤ : ٦ ، و يهـ ٥ – ٦ هذا التمرد الذي أسفر عن حبس تلك الأرواح المتمردة (بنو الله) في تارتروس. وبهذا فهي مختلفة عن الأرواح النجسة التي كان يخرجها يسوع. من أين أتت تلك الأرواح النجسة إذًا بما أن الآلهة (بنو الله) الذين تمردوا في السجن؟ طبقًا للكتابات اليهودية غير القانونية (أخنوخ الأول وسفر العمالقة)، جاءت تلك الأرواح النجسة نتيجة التزاوج بين بنو الله وبنات الناس. فإنها أرواح بلا أجساد نتجت عن ذلك التزاوج. مثل أرواح العمالقة والتي يشار إليها في نصوص كتابية على أنها رفائيم. وهؤلاء العمالقة هم الذين استهدفهم موسى ويشوع في حروبهما.

لكن رغم هذا التمرد فإن يهوه سيعيد تأسيس عدن على الأرض من خلال اختياره ودعوته لإسرائيل فيجعلها أرضه وموضع سيادته.

التمرد الثالث حدث في برج بابل تك ١١ : ٤، ٦ – ٧، ٩. والنص في تث ٣٢ : ٨ – ٩ هو شرح لتداعيات هذا التمرد:

"حين قسم العلي للأمم، حين فرق بني آدم، نصب تخومًا لشعوب حسب عدد بني إسرائيل".

لقد سمح الله لأعضاء مجمعه الإلهي بحكم الأمم كرد فعل على تمرد البشر في بابل. لهذا يخبرنا الكتاب لماذا تعبد الأمم آلهة أخرى غير الرب. لكن آلهة الأمم (بنو الله المتمردون) أخفقوا في الحكم العادل لهذا يوبخهم الله في مزمور ٨٢ : ١ – ٢. ثم يدينهم:

"أنا قلت أنكم آلهة وبنو العلي كلكم. لكن مثل الناس تموتون وكأحد الرؤساء تسقطون" (مز ٨٢ : ٦ – ٧).

بسبب هذا التمرد في المجالين المنظور وغير المنظور نتج عن ذلك ما يسمى بـ "الجغرافيا الكونية" Cosmic Geography . وطبقًا لذلك فإن أرض إسرائيل صارت خاضعة لحكم يهوه بينما الأراضي المحيطة بها كانت خاضعة للآلهة المتمردة. لدينا هنا أرض مقدسة يسود عليها يهوه Sacred Space والأراضي الأخرى غير المقدسة التي تحكمها الآلهة المتمردة.

بعد هذا المسح التاريخي لهايزر ينتقل للحديث عن الفداء. إلا أن ما علّم به هايزر عن تاريخ من الثورات أو التمردات الكونية هو أساس عقيدته عن الفداء والإسخاطولوجي. على سبيل المثال، فيوم الكفارة هو إرسال تيس إلى عزازيل في البرية حيث يملك أبناء الله المتمردون على الأمم (لا ١٦ : ٨، ١٠). وموت يسوع على الصليب هو مثل موت أصلان كذبيحة مقدمة للساحرة البيضاء في رواية نانرنيا لـ سي إس لويس. طبقًا لهايزر أيضًا فقد أحاط الله فداؤه بالسرية كنوع من المناورة مع الشيطان. بل إن الأمر وصل إلى حد خداع الله للشيطان حتى يتم الفداء.

الخلاص إذًا هو إعادة البشر أو إحضارهم إلى العائلة الإلهية في المجالين المنظور وغير المنظور وجعلهم جزءًا منها. وهذا يعني إحضار الأمم إلى عبادة الله بدلاً من عبادة الآلهة المتمردة في بابل والتي عُيِّنَ إليها حُكم الأمم. ثم توحيد عائلة الله في مجالها غير المنظور مع مجالها البشري المنظور. لقد سَحَبَ الله السلطان من آلهة الأمم المتمردة وأعطاه ليسوع كمكافأة لانتصاره. أو أن يسوع قد استعاده بإنتصاره. وهيكل الله ومساحته المقدسة Sacred Space الآن هي الكنيسة. وأن المؤمنون يومًا سيجلسون مكان أبناء الله المتمردين في المجمع الإلهي، ليحكموا الأمم.

الآن وبعد أن قمنا بتلخيص ما يسمى بـ "لاهوت مجمع الآلهة" علينا أن نتوقف لنرصد المخاطر الموجودة في هذا الفكر اللاهوتي الآخذ في الانتشار. ولو أن مجرد هذا العرض السابق يكفينا لنرى خطورة هذه التعاليم.

علينا أن نعترف في البداية أن هايزر يقدم بعض الأفكار التي تستحق الاعتبار مثل تعليمه حول الجغرافيا الكونية وتركيزه على الجانب الإنتصاري من التاريخ الفدائي. إلا أن هذا المنظور الكوني الذي يحاول إقحامه على المسيحية هو منظور أقل ما يوصف به هو أنه غير قويم.

يدعي هايزر أن فهمك للكتاب المقدس لن يكون مثلما كان عليه قبل قراءة كتابه. وفي الحقيقة هو يقول من طرف خفي أن الكنيسة عبر العصور لم يسبق لها أن تصل للصورة الصحيحة التي توصل إليها هو. يتم التصريح أيضًا في الوثائقي بعبارات مشابهة مثل أن هناك الكثير من الأسرار في القصص الكتابية أكثر مما يدرك المسيحي العادي. وكل هذا يعني أن هايزر يدرك مدى حداثة هذا الفكر وأنه غير أصيل وغير قويم. وإن كان هايزر يعترف بصورة غير مباشرة أن فكره غير أصيل فهذا في حد ذاته يدعونا للحذر.

يعتمد هايزر أيضًا كثيرًا على كتابات شرق أدنى والكتابات اليهودية الأبوكريفية في تفسير النصوص الكتابية. طبعًا لا مانع من استخدام مثل هذا المصادر طالما يظل النص الكتابي هو القاضي الأعلى. علينا أن نتذكر المبدأين المصلحين في التعامل مع النصوص الكتابية: أنالوجيا فيديه Analogia Fide والذي يعني أن النص يُفهم في ضوء اللاهوت الكتابي العام بأكمله. وأنالوجيا سكريبتورا Analogia Scriptura والذي يعني أن النص الأقل وضوحًا يُفَسَّرُ في ضوء النصوص الأكثر وضوحًا. هايزر قام بخرق هذين المبدأين أولاً بفرط استعماله للمصادر الخارجية وإعطائها قوة تفسيرية للنصوص الكتابية. وثانيًا باستعانته بنصوص صعبة وحولها جدل مثل تك ٦ : ١ – ٤ ومز ٨٢ : ١، ٦ – ٧ واستخدامها لتفسير اللاهوت الكتابي العام ونصوص أخرى أكثر وضوحًا. وهذا يدفعنا للتوقف عند التفسير الصحيح للمعاني الواردة في مزمور ٨٢ : ١، ٦ – ٧ عن "مجمع الآلهة".

إن المقصود من قول المرنم في مزمور ٨٢ : ١، ٦ – ٧ "مجمع الله" و"وسط الآلهة يقضي" هو القضاة والمتسلطون من البشر على بني الإسرائيل والذين أُوْكِلَت إليهم مهمة الحكم والقضاء. وليس آلهة أو أنصاف آلهة في المجال غير المنظور كما يدعي هايزر. صحيح أن كلمة "إيلوهيم" مستعملة في الحالتين (الله ومن يقضون) إلا أنه ليس بالضرورة المقصود من ذلك في الحالتين هو آلهة فائقة للطبيعة في المجال غير المنظور. والسياق نفسه في مز ٨٢ : ١، ٦ – ٧ يخبرنا بدينونة الله على هؤلاء القضاة الذين فشلوا في مهمة القضاء العادل "لكن مثل الناس تموتون وكأحد الرؤساء تسقطون. قم يا الله. دن الأرض لأنك تمتلك كل الأمم" (تك ٨٢ : ٧ – ٨). إن النص يتكلم هنا عن دينونة الله تجاه الأرض وليس العالم غير المنظور. فضلاً عن ذلك فإن الرب يسوع المسيح حسم هذا الجدل بسؤاله لليهود "أجابهم يسوع: أليس مكتوبًا في ناموسكم: أنا قلت أنكم آلهة؟ إن قال آلهة لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الله ولا يمكن أن ينقض المكتوب. فالذي قدسه الآب وأرسله إلى العالم أتقولون له: أنك تجدف لأني قلت إني ابن الله؟" (يو ١٠ : ٣٤ – ٣٦). لاحظ أن الرب يسوع يقول أنه النص المكتوب في الناموس موجه إلى اليهود أنفسهم "أليس مكتوبًا في ناموسكم: أنا قلت أنكم آلهة؟" أي قضاة اليهود. يضيف أيضًا المسيح بأنه قال آلهة لأولئك "الذين صارت إليهم كلمة الله" أي اليهود.

نصوص أخرى تؤكد ذلك أيضًا "وهو (هارون) يكلم الشعب عنك (موسى). وهو يكون لك فمًا وأنت تكون له إلهًا (إيلوهيم)" (خر ٤ : ١٦). أيضًا "فقال الرب لموسى: أنظر أنا جعلتك إلهًا (إيلوهيم) لفرعون. وهارون أخوك يكون نبيك" (خر ٧ : ١). لقد استعمل الوحي المقدس مصطلح "إيلوهيم" مع البشر وليس بالضرورة كائنات فوقطبيعية كما يدعي هايزر.

أمرًا آخر علينا أن نلحظه في هذا الفكر اللاهوتي وهو أنه نوع من تعدد الآلهة أشبه بالبانتيون الروماني. كان الرومان يضمون الآلهة إلى بعضها البعض في مجمع للآلهة يرأسه كبيرهم. لم يؤمن الرومان بالحصرية فلكلٍ إلهه. والإيمان بإله ما لا يستثني باقي الآلهة. طبعًا هايزر يؤكد على كون الرب هو خالق باقي الآلهة وأنه خلقهم لكي يشركهم في مشورة وحكم خليقته رغم أنه لا يحتاجهم. ولكن هايزر هنا يقحم الفكر الوثني بصورة جزئية وليست كلية. ففي نهاية المطاف لدينا مجمع للآلهة يشتركون مع الله في الحكم والمشورة. إن الكتاب المقدس لا يُعَلِّمُ في أي موضع فيه بصورة مباشرة أو غير مباشرة بمثل هذه الهرمية أو أنصاف الآلهة أولئك. ربما يوجد ترتيبات في عالم الأرواح كما يُعَلِّم بولس بوجود رئاسات وسلاطين لكن ليس هناك آلهة يشتركون مع الله في المشورة والحكم.

بخصوص تثنية ٣٢ : ٨ – ٩ فالنص لا يقول أن الله قسم الأمم إلى أولئك الآلهة. بل حسب عدد بني إسرائيل. صحيح أن السبعينية تقول أنه "نصب تخوم الشعوب حسب عدد ملائكة الله" إلا أن هذا غير موجود في النص العبري. ولا يشير بولس إلى الملائكة أو الآلهة من قريب أو بعيد عن حديثه عن تقسيم الله للشعوب "وصنع من دم واحد كل أمة من الناس يسكنون على كل وجه الأرض وحتم بالأوقات المعينة وبحدود مسكنهم" (أع ١٧ : ٢٦).

من ضمن التعاليم الخطيرة أيضًا هو وجود ثلاث تمردات للإنسان متداخلة مع ثلاث تمردات للآلهة في العالم غير المنظور. الأمر الذي يقلل من شأن سقوط عدن. طبعًا هايزر لا يقول ذلك، لكن هذه نتيجة منطقية جدًا لما يطرحه. لقد قيل صراحة أن ما حدث في عدن هو فقط الأول من ثلاثة أسباب لماذا يوجد هذا الشر والموت الكثير في العالم. صحيح أن هذا الفكر يُرْجَع الموت إلى تمرد عدن لكن يظل أن هناك ثلاث تمردات أو سقطات تساوي بعضها البعض من حيث التأثير. إن هايزر لم يحاول بأي شكل من الأشكال أن يضع تمرد أو سقوط عدن في فئة خاصة كالسقوط الذي سبب كل الخراب الذي نراه الآن. بل بالأحرى يقول أن سبب ما نراه الآن يرجع أيضًا إلى تمردين آخرين في تكون ٦ ، ١١. إن مركزية سقوط عدن هي الأساس لعمل الرب يسوع المسيح كآدم الأخير. لا يمكن أن يكون هناك مجال لتأثيرات سقوط آخر خارج عدن وإلا فإننا نسلب من عمل المسيح لكونه آدم الأخير الذي جاء ليعكس تأثيرات آدم الأول.

فضلاً عن ذلك، فإن هذا المنظور الذي يطرحه هايزر يميل لإلقاء اللوم على الشيطان أكثر من الفساد الجذري. مجمع الآلهة هو اللاعب الرئيسي والإنسان لاعبًا ثانويًا. الإنسان مفعولاً به أكثر من كونه فاعلاً. إن كان كل الخراب الذي نراه الآن يرجع إلى ثلاث تمردات لتلك الآلهة يتداخل معها ويوازيها ثلاث تمردات أو سقطات بشرية، فإن السقوط البشري في عدن ومن ثم الفساد الجذري ليس لهما دورًا يذكر.

هذا المنظور اللاهوتي أيضًا غير متمركز حول الله. وهذا ينعكس في مركزية كريستوس فيكتور. أي أن الكفارة موجهة في الأساس لا لاسترضاء غضب الله بل للانتصار على الشيطان. ما من شك أن جانب من جوانب الكفارة موجه للنصرة على الشيطان. إلا أن ذلك يحدث فقط من خلال استرضاء غضب الله. أي أنه باسترضاء غضب الله أُبْطِلَ كل من سلطان وخداع وشكاية الشيطان على كل من يؤمن بالمسيح. إن هايزر يجعل كفارة المسيح موجهة إلى الشيطان بصفة أساسية كما رأينا في تفسيره لتيس عزازيل واقتباسه لرواية نارنيا لـ سي إس لويس. ورأينا أيضًا تبني هايزر للفكر الآبائي بأن الصليب كان هو الطُعْم الذي تم بواسطته خداع الشيطان وأن هذا الأخير لم يعلم أبعاد ما يفعله فتم خداعه. وبهذا ينأى هايزر بالمسيحية عن الجانب القضائي للخلاص والمتمثل في استرضاء غضب الله. هذا فضلاً عن استبعاد الفساد الجذري من الصورة ليس فقط بالتعليم بوجود أكثر من سقوط بل أيضًا بجعل الجانب المركزي في الخلاص هو الانتصار على الآلهة المتمردة.

إن هايزر يرى أن الإنسان ليس عدوًا لله بل الشيطان. الإنسان فقط مخدوع ومأسور بواسطة الشيطان. إلا أن الكتاب المقدس في مواضع كثيرة منه يعلّم بوجود عداوة بين الله والإنسان (رو ٥ : ٩ ، ١٠، كو ١ : ٢١). لكن هايزر يجعل العداوة بين الله والشيطان مركزية ومن ثم يهمش الفساد الجذري. والغرض من الكفارة إذًا هو الإنتصار على الشيطان وليس استرضاء غضب الله. طبعًا الحق الكتابي يعلم بكل ما سبق مع اعطاء المركزية لاسترضاء الله إلا أن هايزر يهمش هذا الجانب.

خلاصة القول فإن هذا المنظور الكوني الذي يطرحه أمامنا هايزر، رغم إثارته وجاذبيته، فهو بمثابة بيت من الورق إذ لا صلابة ولا أساس كتابي له. كما أنه هلاميًا يترك الكثير من الأمور غير واضحة فيضطرك للقيام باستنتاجاتك الخاصة ومن ثم ملء الكثير من الفراغات به. إنه إقحام للكثير من الأفكار الوثنية على الحق الكتابي يراد به تهميش كل من الجانب القضائي من الخلاص والخطية الأصلية.













تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس