ما المشكلة في تعريف الخطية على أنها التعلق بغير الله؟

لفت نظري تشابه في المنهج في تعريف الخطية لدى كل من جون بايبر وتيم كلر. يقول بايبر أن الخطية، في جوهرها، هي كل ما نفعله ونحن غير مُشْبَعُون بالله. ويعلِّم كلر بأن الخطية، في الأساس، هي عبادة الوثن. والوثن هو كل شئ نضعه في مكان الله حتى وإن كانت أشياء جيدة في حد ذاتها. هذا المنهج أيضًا نجده لدى بعض الوعاظ الناطون بالعربية.

في نهاية المطاف فإن بايبر وكلر يتفقان على أن الخطية ليست بالضرورة خرق للناموس بعمل أشياء سلبية كالقتل أو الزنا او السرقة. بل قد تكون أشياء جيدة في حد ذاتها كالعمل والعلاقات الأسرية والنجاح إن أخذت مكان الله في حياتنا. الخطية هي كل شئ نتعلق به أو نعبده أو نحبه أكثر من الله. ومما لا شك فيه فإن هذا حق كتابي. ويلفت النظر إلى أمر قد نغفله بسهولة في كون الخطية أشياء إيجابية قد تأخذ مكان الله في قلوبنا. إلا أن هذا التعريف للخطية يظل تعريفًا غير متوازنًا. ويفشل في فهم جوهر الخطية كما يعلِّم بها الكتاب المقدس.

الخطية في جوهرها هي خرقًا للناموس. وهذا الخرق يمكن أن يكون بصورة إيجابية أو بصورة سلبية. أو كما يُعَبَّر عنه في الفكر المصلح: الخطية قد تكون تعدٍ أو تقصير. إلا أنها في الحالتين خطية في ضوء الناموس. إنها تعدٍ على الناموس وتقصير في طاعته. تطبيقًا لذلك فإن التعلق بشئ أكثر من الرب هو خطية لأنه عدم حفظ للوصية الأولى في الناموس "تحب الرب إلهك من كل قلبك". سواء كان عدم الحفظ ذلك بالتعدي أو التقصير.

تعريفا بايبر وكلر إذًا يفترضان مسبقًا الناموس كمعيار للخطية. إنه منطق دائري أن تستبعد الناموس وفي نفس الوقت تفترضه. بكلمات أخرى، لماذا تكون الخطية هي كل شئ نفعله (بما في ذلك ما هو جيد) ونحن غير مُشْبَعُون بالله؟ ولماذا تكون الخطية هي عبادة الوثن بما في ذلك الأشياء الجيدة التي تأخذ مكان الله؟ الإجابة على ذلك تكمن في كون عدم الشبع، وفي كون الأشياء الجيدة التي نتعلق بها عوضًا عن الله، جميعها خرق للوصية الأولى في الناموس. كيف نعرف أن عدم الشبع بالله خطية؟ وكيف نعرف أن التعلق بشئ آخر غير الله خطية؟ الإجابة تكمن في أننا نعرف ذلك من خلال الناموس وتحديدًا الوصية الأولى.

من الحري بنا هنا أن نلفت النظر إلى أن كل من بايبر وكلر يتخذان هذا المنهج في تعريف الخطية لكونهما يركزان على الجانب الاختباري في المسيحية. الأمر الذي ينأى بالجانب القضائي للخلاص من المركز. الخطية هنا تتخذ بعدًا علاقاتيًا شخصيًا أكثر من كونها موضوعية أو قضائية. أي أن الخطية في جوهرها لدى كل منهما هي خلل في العلاقة الشخصية مع الله أكثر من كونها خلل في الموقف القضائي أمامه. ولتوضيح ذلك أكثر لنسأل أنفسنا هذا السؤال: كيف ينعكس تعريف الخطية على تعريف الخلاص؟ مما لا شك فيه أن تعريف الخطية يقود منطقيًا إلى تعريف متسق حول الخلاص. إن كانت الخطية هي عدم محبة الله من كل القلب، أو التعلق أو عبادة أشياء أخرى تكون تكون جيدة وجعلها في مكان الله، فإن الخلاص إذًا خلاصًا علاقاتيًا يجعل الإنسان يحب الله من كل القلب أو يتعلق به. الخلاص هنا هو شفاء أو استرداد شخصي داخلي أكثر من كونه غفران أو تبرير أمام الله.

مما لا شك فيه أن هذا بعدًا مهمًا من أبعاد الخلاص. وأن الخلاص يشمل كل ما سبق. إلا أن كون الخلاص استردادًا أو شفاءً هو أمر يتم من خلال بعد آخر موضوعي ومركزي فيه؛ ألا وهو البعد القضائي. إننا نُشْفىَ ونسترد إلى علاقاتنا مع الله، فنعبده من كل القلب، من خلال سداد المسيح لديوننا أمام الله. باسترضاء الرب يسوع المسيح لغضب الله عنا فإنه يستردنا للعلاقة مع الله ومن ثم عبادته من كل القلب.

إن هذا الجانب القضائي، والمتمثل في غفران الخطايا والتبرير، هو البعد المركزي في الخلاص. إن كل شئ آخر في الخلاص يتم من خلال هذا البعد الخطير. الشفاء من الخطية والاسترداد إلى عبادة الله، النصرة على الشيطان، والنصرة على العالم، جميعها تأتي كثمار لدفع الرب يسوع المسيح لديوننا على الصليب واحتساب بره الإيجابي لنا.

إن تعريف بايبر وكلر للخطية بهذه الصورة، يفشل في فهم فحوى الخطية طبقًا للكتاب المقدس إذ يجعل الخلاص اختبار شفاء أو استرداد علاقة. وإن كان الخلاص في جوهره هو شفاء أو تغيير للإنسان (وهو حقًا كذلك في أحد أبعاده) فإن هذا يفترض أن تأثير كفارة المسيح في الأساس هو على الإنسان أكثر من الله. أي أن كفارة المسيح طبقًا لذلك ليست موجهة في الأساس لاسترضاء غضب الله بل لشفاء الإنسان. لكن، لو كانت الكفارة موجهة للإنسان في الأساس ما كنا في حاجة لها. ولكان الله بكلمة منه يشفي قلوبنا أو يستردنا إليه. كان لابد إذًا من دفع الثمن على الصليب. ومن خلال هذا السداد نُسْتَرَدُ داخليًا للعلاقة مع الله.

وعليه، فإن مثل هذا التعريف يزيح الجانب القضائي من المركز، ويفكك أواصر الخلاص من بعضها، بل ويجعل لا لزوم للكفارة من الأساس. وهذا خطأ لاهوتي فادح في رأيي. وأمر مضاد للمنهج المصلح الذي يتخذ البعد القضائي مركزًا للخلاص.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس