كيف يُحَوِّل الدكتور ماهر صموئيل رسالة النعمة إلى ناموس؟


تناولت التصريحات التالية للدكتور ماهر صموئيل في مقالات مستقلة في سياقات مواضيع أخرى. إلا أني وجدت أن هناك ضرورة لتجميع تلك التصريحات لإبراز منهج ثابت لماهر صموئيل حول الخلاص يعبر عنه بأساليب مختلفة. هذا المنهج يمكن تلخيصه في كونه تركيز على الجانب الإختباري للمسيحية من ناحية، وإقصاء أو تهميش للجانب القضائي من الخلاص (غفران الخطايا، التبرير، الحياة الأبدية، النجاة من الدينونة) من ناحية أخرى. والمنهج يظهر ليس فقط فيما يقوله ومن ثم يركز عليه، بل فيما يغفله أيضًا. إلا أن كل من التركيز على الجانب الاختباري السلوكي وتهميش الجانب القضائي للخلاص أدى بالدكتور ماهر صموئيل إلى تحويل رسالة النعمة إلى ناموس. أي تشويه للإنجيل وطعن في ضرورة الكفارة. لأنه إن كان الخلاص (التبرير) بالأعمال، ولو جزئيًا، فالمسيح إذًا مات بلا سبب (غل ٢ : ٢١).

وإن أردنا أن نبدأ بالأمر الأخير، أي ما يغفله أو يحذفه ماهر صموئيل من عظاته، وهو ليس بالأمر الهين، فهو المبدأ المصلح "سولا فيديه". والذي يعني أن التبرير بالإيمان وحده (بدون أعمال). ما من مسيحي تقريبًا إلا ويعرف أن ما يميز الحركة الإنجيلية هو تأكيدها على التبرير بالإيمان وحده. ورغم كون ماهر صموئيل محسوبًا على الطائفة الإنجيلية، إلا أننا لا نسمعه يتحدث عن التبرير بالإيمان وحده لا كثيرًا ولا قليلاً حتى. بل كما سنرى، فإنه يقول أشياء مضادة له. إن تعليم التبرير بالإيمان وحده (سولا فيديه) يغيب تمامًا عن عظات ماهر صموئيل. ومجرد هذا الغياب (لتعليم التبرير بالإيمان وحده) من عظات ماهر صموئيل في حد ذاته أمر في غاية الخطورة. وينبغي أن ندرك أن رسالة ماهر صموئيل ليست فقط ما يقوله أو يركز عليه، بل ما يغفله أيضًا بالتساوي. ولا سيما إن كان ما يغفله هو شئ في صميم كل من الحق الكتابي والمنهج البروتستانتي.

بالاتساق مع ذلك، ففقد سبق لماهر صموئيل واتهم المصلح البروتستانتي مارتن لوثر بأنه كان يعاني من الإحساس المفرط بالذنب. وأن هذا الإحساس المفرط بالذنب هو السبب في تركيز لوثر على عقيدة التبرير بالإيمان وحده. وبالتالي فإن الإنجيليون مخطئين في تركيزهم الحالي على التبرير وغفران الخطايا. وماهر صموئيل هنا يردد حجة أو ذريعة أعداء المنهج البروتستانتي. إنه يطعن في مركزية تعليم التبرير بالإيمان وحده من خلال الطعن في لوثر بل وفي الإنجيليين جميعًا. وهذه كلماته:

"الكنيسة كانت لا تتكلم كثيرًا عن التبرير، بينما نحن كإنجيليين تركيزنا كله على غفران الخطايا والتبرير. مفهوم الخلاص لدينا اِخْتُزِل إلى غفران الخطايا والتبرير .. التبرير في الإيمان المسيحي وسيلة، وليس الغاية .. سبق وعيننا مش للتبرير، للتبني .. لوثر كان محكوم بالشعور بالذنب. ومن يقرأ قصة حياته يجد أن الشعور بالذنب كان مرعبًا ثقيلاً في حياته. فكانت أعظم نعمة عنده أن يحصل على الغفران والتبرير .. أما البار فبالإيمان يحيا’. لكن للأسف الشديد توقف البروتستانت عند هذه الآية وأهملوا التراث السابق الذي كان يتكلم عن قضية أعمق من مجرد التبرير". (قمت بالرد على هذه الافتراءات في مقال مستقل بعنوان: تفنيد ادعاءات ماهر صموئيل حول التبرير والإصلاح ولوثر)

فضلاً عن ذلك، وفيما يخص أيضًا موضوع التبرير بالإيمان وحده، يتبني ماهر صموئيل العقيدة الكاثوليكية حول التبرير، والتي تخلط بين التبرير والتقديس. وهذا هو ذات الخطأ الكلاسيكي للكنيسة الكاثوليكية والذي دعا إلى ظهور حركة الإصلاح البروتستانتي. يقول في عظته للشباب في اجتماع مصر الجديدة عن التبرير:

"التبرير مش بس imputation يعني يَحْسِبَهُ لي، لكن infusion هو بيدفق فيّ حياة تجعلني بارًا أمام الله ... ليس فقط حَسَبَ لي، بل إنه دَفَّقَ فيّ نفس الحياة التي عاش بها يسوع لكي تصنع هذا الثمر الصالح. ومن هنا يجي تشبيه الكرمة والأغصان".

التعليم بأن التبرير شئ يُغرس (أو يتدفق) فينا وليس فقط يُحتسب لنا هو خلط للتبرير مع التقديس، ومن ثم تحويل النعمة إلى ناموس. إنه بمثابة إدخال عنصر للجهاد أو الأعمال الصالحة للقبول أمام الله. الجدير بالذكر أن الكنيسة الكاثولويكية تُعَلِّم بالتبرير بالغرس infusion ، وهو التعليم بأن الله يغرس في الإنسان نعمة لتجعله يجاهد حتى يتبرر بهذا الجهاد في النهاية. أي أن الله يعطي الإنسان شرارة البدء فيجاهد الإنسان ثم يتبرر بواسطة جهاده في النهاية. لاحظ كيف يقول ماهر صموئيل في العبارة السابقة "بيدفق فيّ حياة تجعلني بارًا أمام الله". إن حياة الإنسان أو سلوكه لا يمكن أن تجعله بارًا أمام الله. بل وحده عمل المسيح. وإن كان سلوكي يبررني فماذا عن سلوك المسيح وتقواه وجهاده من أجلي؟ (أنظر مقال آخر بعنوان: ماهر صموئيل كاثوليكي في ثياب بروتستانتية)

إن غياب سولا فيديه من تعاليم ماهر صموئيل، وتشويهه لتعليم التبرير بالإيمان وحده، لهما محاولة لتمرير الخلاص بأعمال الناموس. لم يكن من فراغ أن المصلحون أطلقوا على تعليم "التبرير بالإيمان وحده" المبدأ الجوهري للإصلاح، وأنه المبدأ الذي تقوم أو تسقط عليه المسيحية.

ليس فقط أن ماهر صموئيل يغفل سولا فيديه، بل يزدري أيضًا بـ سولا جراشيا، أي الخلاص بالنعمة وحدها وليس استحقاق الإنسان. يقول:

"نحن كانجيليين خلصُنا بالنعمة واتشلينا بالنعمة .. دالاس ويلارد، لأننا فهمنا إن النعمة مقابل الجهاد، حاشا، فالنعمة مقابل الاستحقاق .. أحييك بالنعمة: لأني لا أستحق ولا أقدر، لكن بعد ما أحياني بالنعمة مطلوب مني أجاهد .. يبدأ العمل (الخلاص) بعمل منفرد من جانب الروح القدس يعتمد على رغبة الانسان، لكنه يستمر لتطوير الشخص ليكون مشابها للمسيح بناء على عمل مشترك بين الروح القدس وبين الانسان: وأنتم باذلون كل اجتهاد­ قدموا في إيمانكم فضيلة"

ناهيك عن هذا الازدراء الخطير بالنعمة التي تبرز استحقاقات المسيح وعمله (اِتْشَلِّينَا بالنعمة)، فإننا يمكننا أن نفهم هذا التصريح لماهر صموئيل في ضوء تصريحه السابق عن التبرير بالغرس. أي تبدأ النعمة مع الإنسان عملاً بواسطة الروح القدس لكي يكمل المسيحي باقي المشوار بجهاده الذاتي "يبدأ الخلاص بعمل الروح القدس ... لكنه يستمر بعمل مشترك بين الروح القدس والإنسان". طبعًا القول أن النعمة ليست ضد الجهاد بل ضد الاستحقاق هو خطأ. ذلك لأن الاستحقاق مؤسس على الجهاد. فالفريسي أسس استحقاقه وأفضليته على العشار لكونه يمتنع عن خطايا بعينها ويصوم مرتين في الأسبوع ويعشر كل ما يمتلك. أليست أيضًا استحقاقات المسيح الفدائية مؤسسة على جهاده في حياته وموته من أجلنا؟

بالاتساق مع ذلك أيضًا، حاول ماهر صموئيل إدراج، أو بالأحرى إقحام، عقيدة الخلاص تحت عقيدة الكنيسة: "الكاليفينة بتحط الاختيار في السوتوريولوجي، أنا عايز أحط الاختيار في الإكليزيولوجي". وهذه أشبه بمحاولة أصحاب تعليم المنظور المحدث لبولس بوضع التبرير أيضًا تحت تعليم الكنيسة وليست الخلاص (وهي في جوهرها نفس محاولة ماهر صموئيل بفصل الاختيار عن الخلاص). إذ يرون أصحاب ذلك المذهب أن التبرير هو إنتماء لجماعة وليس إعلان قضائي من الله. وهذا ما قاله إن تي رايت عن التبرير: "التبرير ليس عن السوتوريولوجي (عقيدة الخلاص) بقدر ما هو عن الإكليزيولوجي (عقيدة الكنيسة)، ليس عن الخلاص بقدر ما هو عن الكنيسة". الجدير بالذكر أن ماهر صموئيل في الحلقة الثانية لـ "كيف نفهم الاختيار في ضوء محبة الله" ذكر أيضًا ما معناه أن الخلاص هو أن يدخل المرء للجماعة أو الـ category ، بالإيمان، لكن يبقى فيها بالجهاد أو الأعمال. وهذا في حد ذاته كفيل بإظهار أن التعليم الذي يدعو له الدكتور ماهر في حقيقته هو إنجيل مزيف يكون فيه التبرير بالأعمال وليس بالإيمان وحده.

واضح إذًا من خلال التصريحات السابقة أن ماهر صموئيل يُعَلِّم بنعمة مبدئية تمكن الإنسان من الجهاد الذي يؤدي إلى تبريره في النهاية. إنه خلط للتبرير والتقديس، ومزج للنعمة بالناموس. عودة مرة أخرى إلى الكثلكة والأركان الضعيفة للناموس. إبطال لعمل نعمة المسيح.

لكن بالإضافة إلى ما سبق، يُحَوِّل ماهر صموئيل النعمة إلى ناموس من خلال تصريحات أخرى:

مثل جعل معيار كون الشخص مسيحي من عدمه، ليس الإيمان بوعد الإنجيل بالحياة الأبدية، بل السلوك، الأمر الذي يتضح من عبارته التالية التي يرددها في مناسبات كثيرة بصيغ مختلفة:

"لو قلبك ما اتغيرش أنت مش مسيحي، أنت مش مؤمن".

صحيح أن المسيحي هو من تغير، وهو من يشهد الروح في داخله أنه ابن أو ابنة لله، لكن قبل هذا وذاك، المؤمن هو من آمن بالإنجيل. أن تقول أن المؤمن في الأساس هو من يسلك سلوك معين كأنك تقول أن الخلاص بأعمال الناموس. إلا أننا تغيرنا لأننا في الأساس مؤمنون، وليس لأننا تغيرنا فنحن مؤمنون. والفرق بين الإثنين كالفرق بين النعمة والناموس. التغيير يكون نتيجة الإيمان. وليس أن التغيير سبب الخلاص. والخلاص يكون بالإيمان في استحقاق بر المسيح؛ في استحقاقات جهاده وصلبه من أجلنا. ليس ما نعمله نحن بصفة جوهرية هو الذي يحدد مصيرنا، بل ما عمله المسيح من أجلنا في حياته وفي موته هو الذي قرر أبديتنا. ما يُعَرِّف من هو المؤمن بصفة أساسية هو عمل المسيح لأجله وليس أعماله المنقوصة لأجل المسيح.

يُحَوِّل ماهر صموئيل النعمة إلى ناموس أيضًا بتهميش الجانب القضائي من الخلاص والمتمثل في التبرير وغفران الخطايا والحياة الأبدية والنجاة من الدينونة بعبارات مثل:

"كتير من المؤمنين رسالة الخلاص اللي وصلتهم مش علشان تدخل في علاقة حميمة مع يسوع ومع الله أبيك لكن علشان تغفر خطاياك وتروح السما، بوليصة تأمين مجانية ضد الجحيم"

"أكثر كلمة نطق بها الرب يسوع في الأناجيل، ليست المحبة، ولا الخلاص، لكن: ملكوت الله"

من خلال العبارة الأولى يفعل ماهر صموئيل عدة أمور؛ يهون من خطورة الجحيم، ويهمش الجانب القضائي من الخلاص، ويركز على الجانب الاختباري. إن ماهر صموئيل يجعل رسالة الخلاص هنا هي الدخول في علاقة وليس غفران الخطايا. صحيح أنها الإثنين معًا، فأحدهما لا يتم دون الآخر، لكن يظل غفران الخطايا هو جوهر الرسالة المسيحية. وتهميش هذا الجوهر، كما يفعل ماهر صموئيل، هو تحويل النعمة إلى ناموس من خلال التركيز على العلاقة والاختبار. إنه نوع من تحميل المستمع مسؤولية أفعال معينة كالاختبار والعلاقة والتغيير وجعلها المؤهلات لخلاصه. وفي العبارة الثانية يريد ماهر صموئيل قول أمرين على الأقل؛ تمويع رسالة الخلاص وانتزاع مركزيتها وبدلاً من ذلك نسبة تلك الأهمية للملكوت. والأمر الثاني هو الادعاء بأن رسالة المسيح هي العيش في الملكوت وليس الخلاص في الأساس. أو أن الأفعال والسلوكيات والتغيير والحياة (إلخ) داخل الملكوت هي رسالة المسيح وليست النجاة من الدينونة والدخول إلى الملكوت. وهذا ليس أقل من طعن في مركزية رسالة الخلاص في المسيحية وخلط للنعمة بالناموس. (للمزيد أنظر مقالتي: ماهر صموئيل يهون من خطورة الجحيم، إنجيل النعمة وإنجيل الملكوت ومحاولة تهميش الأول بإعلاء الثاني)

في العبارة التالية أيضًا يشوه ماهر صموئيل رسالة النعمة محولاً إياها إلى ناموس، بجعل العمل أو السلوك هو ما يُعَرِّف أو يحدد من هم بنو الملكوت وليس النعمة التي نالوها بغفران خطاياهم وتبريرهم ومن ثم نقلهم إلى الملكوت. ليس ما عمله الملك من أجلك هو الذي يحدد موقفك تجاه الملكوت، بل ما تعمله أنت من أجل الملك هكذا يدعي ماهر صموئيل:

"بنو الملكوت يعملون مع الملك على إعادة الملك. ويعملون مع المَلك على تأسيس مُلك المَلك ... وأنا بشوف الناس نوعيتين: نوع تم إنتقاله روحيًا حقيقيًا إلى ملكوت الله، يعيش داخل الملكوت، وشغله الشاغل أن يعمل مع المَلك. وطلباته كلها تدور في فَلك المَلك، وطلبات المَلك ومشيئة المَلك، وواحد تاني بيعيش في دايرة بعيدة عن الملكوت خالص. بيبني مملكته، اللي هي بيته وعياله وخدمته وكنيسته وفهمه اللاهوتي [لاحظ الطعن في العقيدة هنا كالعادة]... مملكة خاصة بيه هو مركزها، مملكة تقوم على مباديء مسيحية، لكن مركزها هو وليس المسيح ... غاية بنو الملكوت هو عودة المَلك وسيادة المَلك وإكرام المَلك وإتمام مشيئة المَلك ... لملكوت مَن تعمل؟ أحلامك تدور حول مستقبل إزدهار مملكتك؟ أم إزدهار ملكوت الله؟ لمن تعيش؟ لمن توجه طاقاتك؟ مخك وإبداعك وكل اللي حيلتك وفلوسك بتستثمرها في بناء مملكة ليك ولعيالك ولا لبناء ملكوت الله؟" (فيديو بعنوان: "لملكوت من تعمل؟ أحلامك لمملكتك أم لملكوت الله؟ لمن تعيش؟ لمن توجه طاقاتك؟")

بنو الملكوت بالنسبة لماهر صموئيل، ليس من عُمِلَ من أجلهم، بل من يعملون لأجل الملكوت. بكلمات أخرى، إنهم يدخلون الملكوت، أو على الأقل يضمنون بقائهم فيه بناء على ما يعملوه من أجل الملك وملكوته. وليس أن الملك عمل كل شئ من أجلهم، وهو الذي يحفظهم في الملكوت بقوته. إن الحق الكتابي يعلمنا بأن كل من الدخول إلى الملكوت وبقائنا فيها مضمونان بعمل النعمة.

هذا التعليم بأننا نصبح جزء من الملكوت عندما نبني فيه يقوله ماهر صموئيل بصيغة أخرى بتعليمه عن "القصة المسيحية". كتبت مقال آخر مستقل حول هذا الأمر (لماذا يصر ماهر صموئيل وفريقه على استعمال مصطلح 'القصة المسيحية') أوضحت فيه هذا الأمر بشئ من التفصيل. من ضمن أسباب استعمالهم لهذا المصطلح هو البحث عن دور للإنسان. فأنت كمسيحي تصير جزء من قصة الله من خلال ما تفعله. إلا أن الحق الكتابي يعلمنا بأن دور الإنسان في قصة الله ليس كفاعل بل كمفعول لأجله. إنه دور الميت والفاسد العاجز والمقاوم لله والأعمى. فيما عدا ذلك ليس له دور آخر. والدور البطولي بأكمله، من أول القصة إلى آخرها هو للرب يسوع المسيح. والقول بغير ذلك هو خلط النعمة بالناموس.

أيضًا والاتساق مع تركيز ماهر صموئيل على الملكوت وفي نفس الوقت تهميشه للخلاص، فهو يدعي أن المقياس في القبول أمام الله هو السلوك وليس عمل المسيح، محولاً بذلك النعمة إلى ناموس. طبقًا له، فاللذين يصلحون للسكنى مع الله للأبد ليس من دفع المسيح ثمن خطاياهم بل من لهم اختبار أو تغيروا:

"ينبغي أن نكون نوعية الناس التي تصلح أن تسكن مع الله للأبد ... إذا لم تتعود على السكنى معه هنا لن تتحمل السكنى معه هناك".

إن ماهر صموئيل هنا يجعل الإنسان هو الحكم على الله (فأنت الذي تتحمل السكنى معه) وليس أن الله هو القاضي الذي يغفر ذنوبك ومن ثم يقبلك في محضره. إن ماهر صموئيل يجعل قبولنا أمام الله في الأبدية متوقف على رضائنا نحن عليه هنا على الأرض. إن هذا فضلاً عن كونه نوع من التجديف المستتر، فهي رسالة ناموس وليست نعمة إذ يجعل قبولك أمام الله متوقف على شئ فيك (التعود على السكنى مع الله، احتماله) وليس على ما عمله المسيح.

يُحَوِّل أيضًا ماهر صموئيل رسالة النعمة إلى خلاص بالأعمال من خلال إنكاره كون الإنجيل خبرًا يُصَيِّرنا الإيمان اللحظي به مُخَلَّصُون. وبدلاً من ذلك يريد جعل التبرير رحلة أو عملية مستمرة:

"الإنجيل ليس خبر نتناقله، لكنه قوة تغيرنا ... إنت قبلت خبر يفرحك ولا قوة تخلصك؟".

ولا يخفى علينا أن الغرض من ذلك القول لديه هو جعل الخلاص عملية مستمرة وليس حكم أو إعلان قضائي يُحسم في لحظة الإيمان بالإنجيل. الإنجيل بالنسبة له ليس خبرًا تسمعه فتؤمن به لحظيًا ومن ثم يخلصك أبديًا. بل رحلة تغيير. مرة أخرى، إنه يجعل المصير الأبدي للإنسان متوقف لا على ما عمله المسيح، بل على ما تعمله أنت. ليس بناء على ما كابده المسيح في تجسده وافتقاره وتقواه وصلبه وقيامته، بل التغيير الذي تكابده أنت. إلا ان هذا ناموس وليس نعمة.

بالاتساق مع التصريح السابق يقول ماهر صموئيل:

"ولا تشاكلوا هذا الدهر بل تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم .. دي قضيتكم. مش قضيتكم عايزين نروح السما، ولغاية ما ييجي المسيح وياخدنا للسما ربنا كارمنا بقاعة مكيفة نتجمع فيها ونغني ونسبح ونتبسط، ويبقى عندنا خدمة في الكنيسة ونشاط وحيوية ونبقى مستمتعين. المسيحية إنك تعيش في الخارج في الشوارع وفي ميادين العمل تحمل هيبة حضور الرب وتحمل حكمة الرب. المسيحية قداسة في الخارج، المسيحية هيبة حضور الرب في الشارع، المسيحية روعة حكمة الرب في العمل. يا مسيحيين المسيحية الحقيقية التي تبقي المسيح في الشرق الأوسط ليست كنائس واسعة ومنارات عالية وأجراس تدق. المسيحية الحقيقية هي حمل هيبة حضور الرب في أماكننا وهيبة حكمة الرب هي المسيحية. كيف وصل ابراهيم إلى هذه الكرامة؟ كان عفيفا، وكيف وصل يوسف الى هذه الحكمة؟ كان طاهرا".

المسيحية ليست قاعة مكيفة للتجمع والتسبيح والانبساط، ولا هي أيضًا إنك تعيش في الخارج في الشوارع تحمل هيبة حضور الرب. ‏فهذا بدوره مأزق مفتعل كما اعتدنا أن نسمع. الأولى (لو اقتصرت على مجرد التسلية) هي مجرد نادي احتماعي. والثانية ناموس ‏وليست نعمة. كلما حدثك الدكتور ماهر صموئيل عن المسيحية أغفل ما عمله المسيح من أجلنا، وبدلاً من ذلك يحصرها فيما ينبغي أن ‏تعمله أنت لأجل المسيح. المسيح الذي يقدمه الدكتور ماهر صموئيل هو نموذج أخلاقي وليس مخلص من دينونة الخطية وسلطانها. إما ‏أن يحدثك عن ضرورة العلاقة الاختبارية، أو عن ضرورة حياة القداسة، لكن لا مكان في وعظه لما أنجزه المسيح بالفعل لأجلنا ‏‏(التبرير والغفران والحياة الأبدية). صحيح أننا علينا أن نكون في علاقة شخصية مع المسيح، وأن نؤكد على إيماننا من خلال الحياة ‏الجديدة، إلا أن الأساس دائمًا هو ما صنعه المسيح لأجلنا لكي يتحقق كل من العلاقة الشخصية والتغيير. لكن ديانة الناموس تضع ‏أمامك المطالب والوصايا التي ينبغي تنفيذها. بينما ديانة النعمة تحدثك عن طاعة المسيح للناموس لأجلنا واتمامه لمطالبه. النعمة تقول ‏لك أن المسيح عاش (ومات) لأجلك لكي تستطيع أنت أن تعيش لأجله. النعمة دائمًا مركزها المسيح وما عمله. والناموس دائمًا مركزه ‏أنت وما تصنعه. المسيحية، في الأساس، هي ما صنعه المسيح وليس ما نعمله نحن. وإلا فالنعمة صارت ناموسًا!‏

بالإضافة إلى كل ما سبق، فإن ادعاءات ماهر صموئيل بالشمولية، بأن الله يخلص غير المسيحيين، الذين عاشوا وماتوا دون أن يسمعوا عن المسيح، على أساس عمل المسيح لأجلهم، تفترض أيضًا خلاصًا بالأعمال. فالقول أن الله يخلص من هم خارج المسيحية على أساس عمل المسيح، كما يدعي، هو في حقيقة الأمر ادعاء بأن الله يخلصهم بأفضل المعرفة الدينية المتاحة لهم. بجهادهم أو روحانيتهم أو المعرفة المتاحة لديهم أو جميع ما سبق (وقد قمت بتوثيق هذا في مقال آخر: الدكتور ماهر صموئيل يُعَلِّم بوجود خلاص خارج المسيحية). وإن كان ماهر صموئيل يؤكد على أن من لم يسمعوا عن المسيح سيخلصوا في النهاية على أساس عمله. إلا أن هذا تناقض، لأن في صميم الادعاء بوجود خلاص خارج المسيحية افتراض مسبق بأن الله يخلص المجتهدون والمتصوفون وذوي الأعمال الحسنة. وإلا فما الذي يميز هؤلاء عن غيرهم حتى يقال أنهم سيخلصوا؟ إن لم يكن لهؤلاء إيمان واعٍ بعمل المسيح، فإن خلاصهم يكمن فيهم إذًا. وعليه، ففي جوهر الادعاء بأن المتدينين ذوي الأخلاق الحسنة من الديانات الأخرى سيخلصوا هو تعليم بالخلاص بالناموس وليس بالنعمة.

أخيرًا وليس آخرًا، تركيز ماهر صموئيل في عظاته على المسيح كمثال هي رسالة ناموس وليس نعمة. استمع مثلاً لعظته "لماذا نتكلم عن يسوع" ستجده يقدم لك لا المسيح كملخص من دينونة الخطايا وسلطانها بل كمثال أخلاقي أو نموذج عليك التمثل به. خذ أيضًا محاضرته في مؤتمر القيادة العالمي والتي ختمها بالحديث عن المسيح كمجرد مثال أخلاقي في التضحية.

العامل المشترك في التصريحات السابقة جميعًا هو الخلاص بأعمال الناموس. فرسالة ماهر صموئيل مركزها، ليس النعمة، بل الناموس. إنها رسالة متمركزة حول الإنسان وليس المسيح وعمله. لأن الرسالة المتمركزة حول المسيح هي فقط تلك التي تكون متمركزة حول الاستحقاقات اللامحدودة لعمل نعمته. في حين تأتي رسالة ماهر صموئيل متمركزة حول الإنسان إذ يجعل أعمال الإنسان من سلوك وتغيير واختبار هي أساس قبوله أمام الله. وتلك الأعمال (التغيير) هي التي تحدد كون المرء مؤمنًا من عدمه. صحيح أن الحياة المتغيرة ضرورة، وأنه لابد من العلاقة مع الله، إلا أن تركيز ماهر صموئيل على التغيير والاختبار بجعلهما معيار كون الشخص مؤمن من عدمه هي رسالة ناموس وليست نعمة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس