تعليق على فيديو القس الأرثوذكسي يونان فتحي مع الدكتور أحمد عمارة


أولاً كل الاحترام والمحبة للقس يونان والدكتور عمارة ولكن ...

شاهدت الفيديو مرتين وأستطيع القول أنه كارثي. وطبقًا لما ذُكر فيه، فالمشكلة بدأت مع القس يونان عندما أدرك أنه لا يستطيع إراحة ولاده أو مخدوميه "في حاجة غلط .. ولادي مش عارف أريحهم". أما الحل الذي اقترحه فهو "دين بلا وعي قنبلة نووية" أو كما لقنه الدكتور عمارة "أي شئ غلط سببه نقص المعلومات أو معلومات مغلوطة". ما هي المعلومات المغلوطة طبقًا للقس يونان؟ المعلومات المغلوطة هي عدم قبول الذات. المشكلة، بالنسبة له، ليست في الخطية. بل في مدى قبولك لذاتك "طالما عايش في الخطية يبقى رايح جهنم ... دي (فكرة) غلط". حتى أن اعتراف القس يونان بخطيته وفساده كإنسان "أنا إنسان وحش" قوبل بالرفض الشديد من أحدهم، الأمر الذي وضعه على سكة التنمية البشرية. المشكلة أيضًا لديه هي في وجود منظور خاطئ للدين "لازم تصلي .. لازم تصوم". والحل بالنسبة له هو كورس عند الدكتور عمارة "قوة الكلمة والتغيير".

المشكلة فيما صرح به القس يونان مزدوجة؛ من حيث المنهج والتطبيق.

فمن حيث المنهج، فهو دمجي. أي محاولة المزج والتوفيق بين أمور لا يمكن مصالحتها مع بعضها؛ المسيحية والكتاب المقدس من ناحية، والتنمية البشرية من ناحية أخرى. مسيحية تنادي بالفساد الجذري وضرورة النعمة مع تنمية بشرية تقول أن الإنسان قادر على مساعدة نفسه بنفسه.

هذا المنهج الدمجي ناتج في الأساس عن منظور متدني للكتاب المقدس. إذ لا يبدو أن القس يونان يؤمن بكفاية الكتاب المقدس ككلمة الله. وبدلاً من ذلك يراه مكمل لكورس الدكتور عمارة "قوة الكلمة والتغيير". بل ويرى أن كلمة الله لم تثمر بالتغيير المطلوب في الوقت نفسه الذي كانت فيه كورسات التنمية البشرية أكثر فعالية. إن كانت "الكلمة المقدسة" كافية للتبرير والتجديد والتقديس والتأديب والتعليم (وهي حقًا كذلك)، فما كنت ستحتاج "قوة الكلمة والتغيير". وإن كانت كورسات الدكتور عمارة قادرة على التغيير، فما حاجتك لكلمة الله إذًا؟ إنه بلا شك تنازع للاختصاص بين الكتاب المقدس وكورسات الدكتور عمارة. منافسة بين "كلمة الله المقدسة" و"قوة الكلمة والتغيير". الأكثر من ذلك، أن القس يونان يرى أن الكتاب المقدس والقرآن هما "نفس الكلام". وأن كلاهما مادة تكميلية للتنمية البشرية. ناهيك عن اللغة الشمولية التي استعملها بقوله أكثر من مرة "الدين ..." .

من حيث المنهج أيضًا، ارتكب القس يونان خطأ التمييز بين النفس والروح بقوله الروحيات في مقابل الأمور النفسية. إنه خطأ منهجي في التعامل مع معطيات الكتاب المقدس فيما يخص التكوين البشري. إن كان الإنسان ثلاثي التكوين، أي جسد ونفس وروح، وإن كانت المسيحية تخص الروح فقط، فالتنمية البشرية تتناول النفس. وبهذا فلكل اختصاصه. سبق وكتبت مقال آخر أثبت فيه أن النفس هي الروح، والروح هي النفس. كلاهما شيئًا واحدًا. وأن خطأ القس يونان هو أكبر دليل على خطأ هذه المنهجية في اعتبار الإنسان ثلاثي التكوين (جسد ونفس وروح) وليس ثنائي التكوين. الإيمان بأن النفس والروح هما شيئًا واحدًا (طبقًا لما يعلمه الكتاب المقدس)، هو أحد الطرق الهامة لسد الطريق أمام محاولات دمج التنمية البشرية وعلم النفس بالمسيحية.

خطأ منهجي آخر أيضًا وقع فيه القس يونان هو تفسير النص الكتابي "كما شعر في نفسه هكذا هو". فالنص الكتابي يقول "لأنه كما شعر في نفسه هكذا هو. يقول لك: كل واشرب. وقلبه ليس معك". النص هنا يعني أن هناك فجوة بين ما يشعر به داخليًا وما يتم الإفصاح عنه. وعليك ألا تنخدع بما يقال. فالحقيقة هي كما شعر هو في نفسه وليس كما تخدعك كلماته. أما تفسير النص بتلك الطريقة التي طرحها القس يونان، فهو أمر شائع ومتسق مع مبادئ التنمية البشرية. ولكنه مأخوذ عن قانون الجذب الوثني "تمنى الأشياء الجيدة لكي تجذبها لك". إنه ينم أيضًا عن منظور متفائل حول الإنسان. وكأن الإنسان إله تستطيع كل من أفكاره وكلمته إحداث تغيير للواقع بل وخلق واقع جديد. ويفصح أيضًا هذا التفسير عن منظور متدنى لسلطان الله.

أما من حيث تطبيق هذا المنهج الدمجي، فقد قام القس يونان بإعادة تعريف الخطية من ذنب موجه إلى الله إلى جهل معرفي وعدم تقدير للذات. منظور متمركز حول الإنسان وليس الله. فالمشكلة في المعلومات المغلوطة وفي عدم قبولك لذاتك. ومن ثم فالحل، أو بالحري الخلاص، يكمن في استننارة عقلية يستمدها من كورسات التنمية البشرية. وهذه الاستنارة بدورها تمده بقبول الذات. بدلاً من الحديث عن قبول الله لنا في المسيح أصبح الأمر قبولنا لذواتنا. إنه مفهوم عكس الخطية الأصلية تمامًا. إنه مفهوم للخطية لا يجعل هناك حاجة لخلاص المسيح. ولكن، إن كانت مشكلتك هي المعلومات وعدم قبول الذات، وإن كان الدكتور عمارة قد أمدك بالحل للمشكلة، فما حاجتك للمسيح إذًا؟ وإن كانت الخطية هي عدم تقدير الذات، ألا بصبح المخلص إذا هو اللايف كوتش؟ ويكون الإنسان بذلك هو مخلص نفسه؟

والقس يونان على صواب في اعتباره أن هناك مشكلة في النظر إلى الدين على أنه "لازم تصلي .. لازم تصوم". صحيح، فهذه هي الناموسية. أي محاولة شراء عطية الحياة الأبدية المجانية بأعمالنا المنقوصة والملوثة. المشكلة أنه لكي ينجو القس يونان من الناموسية لم يدري أنه ارتمى في أحضان عدو آخر؛ التمنية البشرية. إلا أنه لا يوجد في كلاهما أي مفهوم للنعمة؛ فالإنسان هو مخلص نفسه. ولكن، النعمة هي الحل في مقابل الناموسية والتنمية البشرية.

مزج القس يونان أيضًا بين إعادة تعريف الخطية كجهل وعدم قبول للذات (كما ذُكر أعلاه)، وبين التهوين من عقوبتها وفداحتها. فالله لديه، إله كيوت، لا يعاقب أو يرسل إلى جهنم. ذلك لأنه يحب بلا شروط. وهذا صحيح، الله يحب بلا شروط، إلا أن هذا نصف الحقيقة فقط. أما النصف الآخر فهو أن محبة الله غير المشروطة لا يمكن أن تترك شخص في خطيته. ومن لم يتب لم تعرف محبة الله طريقها إليه بعد. ومن هو في خطيته بعد فمصيره الدينونة والعذاب. الله ليس فقط أب كما صرح القس يونان مرارًا، بل ايضًا مخلص لا يتركنا في خطايانا. وديان يعاقب الذين لا يتركون خطاياهم.

كما أن هذا يدعونا لنتسائل عن نوع التغيير الذي يدعو إليه القس يونان. هل هو تغيير عقلي، من إنسان تحت تبكيت الخطية، يرى الله كإله ديان كلي القداسة، إلى إنسان متعايش مع الخطية، يؤمن بإله كيوت متساهل معها ولا يرسل إلى جهنم؟ هل هو قبول الذات بناء على قبول الإله الكيوت للإنسان غير التائب؟

خلاصة ما ينادي به القس يونان هو منهج دمجي يسعى لمصالحة متناقضان؛ المسيحية والتنمية البشرية. أما تطبيق هذا المنهج الدمجي فأثمر عن منظور متدني للخطية ولقداسة الله وسلطانه وللمكتوب. وفي نفس الوقت نظرة متفائلة حول حكمة الإنسان وقدرته وصلاحه.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس