إجابات علي كتاب "أسئلة في العهد القديم" (3)


إِجابة 3:


نعم النظرة التاريخية الحرفية لسفر التكوين يمكنها تقديم إجابات مُقْنِعَة للأجزاء الصعبة في (تك 1 – 11)



يقول د. أ. :

"ربما لم يقرأ أحد سفر التكوين، سواء في العصور القديمة أو العصر الحديث، دون أن تتردد في ذهنه الكثير من الأسئلة. هذا بالذات عندما يقرأ الإصحاحات الأولى التي تتناول قصة الخلق والسقوط والطوفان. أيام الخلق، هل هي أيام بمفهومنا الحالي (24) ساعة أم هي حقب زمنية كبيرة؟ كيف يكون هناك يوم قبل خلق الشمس؟ وكيف تنبت النباتات بدون شمس؟ ما هي الحية؟ وكيف تتكلم؟ لماذا منع الله آدم من الأكل من شجرة معرفة الخير والشر؟ كيف كان قايين يخاف أن يقتله كل من يجده، إذا كانا قايين وهابيل هما أول البشر بعد آدم وحواء؟ من هم أبناء الله وبنات الناس؟ كلها أسئلة لا يمكن الإجابة عليها باستخدام التفسير الحرفي لسفر التكوين. وإذا حاولنا أن نفعل ذلك فإننا نواجه بصعوبات كثيرة، وللأسف يميل بعضنا إلى اختراع "حلول" تلوي عنق المنطق وما هو معروف علميا، ويسببون إحراجا ليس بالقليل لكل المؤمنين بالكتاب المقدس، وقد أدوا ويؤدون إلى الآن إلى تسرب الإيمان من قلوب من لا يريدون التمسك بإيمانهم على حساب المنطق". (ص 16 ، 17).

يرى د. أ. استحالة الإجابة على هذه الأسئلة باستخدام التفسير الحرفي. وفي نظري، هو يرى ذلك، ليس لأنه لا يوجد من يقدم إجابات مُقْنِعَة، وليس لأن د. أ. لم يسمع عن الكثير الذي كتب في تلك المواضيع، ولكن لأنه عقد النية على عدم تصديقها مهما كانت الإجابة مُقْنِعَة، لأنه صدق مخالفات العلم الكاذب الاسم والتي هي أشباه العلوم الداروينية. ولكن على أي حال، سنقوم هنا بتقديم إجابات على تلك الأسئلة، مستقاة مما كتبه رجال الله في تلك المواضيع، ويظل على كل واحد مسؤولية تحليلها ودراستها والاقتناع بها كأهل بيرية الشرفاء (أع 17).

سنجيب عن بعض هذه الأسئلة هنا، وعن الباقي سنحيل القارئ إلى الإجابات الأخرى التي عالجنا فيها تلك الأسئلة. بالنسبة لأيام الخليقة وما إذا كانت أيام حرفية مكونة من 24 ساعة أم أيام حقبية، فقد ناقشنا هذا الأمر بشيء من التفصيل في إِجابة 10. عالجنا أيضا بعض ما يختص بالحية في إِجابة 13. أما عن الأسئلة التي سنجيب عنها هنا فستكون بالترتيب الآتي: أولا كيف يكون هناك يوم قبل خلق الشمس؟ ثانيا كيف تنبت النباتات بدون شمس؟ ثالثا لماذا منع الله آدم من الأكل من شجرة معرفة الخير والشر؟ رابعا كيف كان قايين يخاف أن يقتله كل من يجده، إذا كانا قايين وهابيل هما أول البشر بعد آدم وحواء؟ خامسا من هم أبناء الله وبنات الناس؟

قبل أن نجيب عن هذه الأسئلة نود الإشارة إلى أن الأسئلة المطروحة من د. أ. تدل على سوء فهم جوهري لديه حول قضية العلم والكتاب المقدس. والسبب هو أننا كمسيحيين لم ندعي أبدا أن أحداث أسبوع الخلق أحداثا علمية، وذلك لأن 'العلمي' هو الظواهر الطبيعية المتكررة التي يمكن رصدها مرات لا حصر لها. بل أن أسبوع الخلق هو أسبوعا حافلا بالمعجزات، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى فأحداثه فريدة غير متكررة لم يحدث كل منها سوى مرة واحدة. وهذا على عكس ما يدعيه التطوريين، فهم يحدثوننا عن انفجار حدث منذ أربعة عشر مليار سنة، وعن نشأة الأرض منذ خمسة مليارات سنة، بل إن البشر لم يظهروا سوى في المليون أو المليونين الأخيرين، كل هذا في فترة تعرف بما قبل التاريخ، فكيف تكون هذه الأحداث الفريدة والغير متكررة علمية؟ إنها حتى لا ترقي إلى مستوى التاريخ الذي يكون هناك شهود على أحداثه. المشكلة أنهم يدعون أن هذه الأشياء الغير قابلة للرصد "عِلْمَاً". ولكن، هل هناك من قام برصدها وسجل لنا نتائج رصده؟ هل يمكننا نحن البشر المعاصرين، أن نرصد تحول البكتيريا إلى بروفيسور في الباكتيريولوجي؟ وكل هذا إن دل فهو يدل على أن هناك خللا جوهريا في مفهوم العلم لدى من يعتبرون الأحداث الداروينية المزعومة علما. إنها ليست علما، كما أنها ليست تاريخ، بل هي مجرد أحداث مزعومة لم يراها أحد، ولا يستطيع أحد رصدها في الحاضر. أما أحداث الخلق فقد دُوِّنَتْ لنا بواسطة الشاهد الأعظم، الله، عن طريق أنبياءه ورسله: "من قبل أن تولد الجبال، أو أَبْدَأْتَ الأرض والمسكونة، منذ الأزل إلى الأبد أنت هناك" (مز 90 : 2).

ملاحظة أخرى نود أن نلفت النظر إليها، وهي أن د. أ. لم يستطع قراءة هذه الأمور قراءة حرفية تاريخية، مع أنه قرأ أمورا أخرى في نفس أحداث الخلق قراءة حرفية. مثل قوله في حديثه معه صديقته الملحدة "عبارة: لتفض المياه زحافات، عجيبة جدا. وكأنها تشير إلى أن الزواحف نشأت من الأسماك، ثم بعد ذلك الطيور، وأخيرا الدبابات، أي الحيوانات البرية التي تدب على وجه الأرض" (ص 43). لماذا استطاع د. أ. قراءة هذه الآية قراءة حرفية، وفي نفس الوقت لا يرى هناك أية إمكانية لقراءة الأمور المذكورة أعلاه قراءة حرفية، فهو سؤال يجيبنا عنه هو. هذا إن كان لديه إِجابة مُقْنِعَة لا تلوي عنق المنطق ولا تسبب إحراجا لمن يؤمن بالكتاب المقدس!

أولا كيف يكون هناك يوم قبل خلق الشمس؟

أول كلمة ينطقها الله في الكتاب المقدس هي "ليكن نور" فكان مساء وكان صباحا يوما واحدا. ولكن الشمس والقمر لم يُخْلَقَا سوى في اليوم الرابع. فكيف يكون هناك ليل ونهار متعاقبين من اليوم الأول؟ الشمس ليست ضرورية لعمل الليل والنهار. وكل ما نحتاجه لدورة الليل والنهار هو مصدر للضوء من اتجاه واحد، وأرض تدور حول نفسها. وقد كان هذين العنصرين موجودين من اليوم الأول. كما أنه لن يكون هناك حاجة إلى الشمس في أورشليم السماوية "والمدينة لا تحتاج إلى الشمس ولا إلى القمر ليضيئا فيها، لأن مجد الله قد أنارها، والخروف سراجها" (رؤ 21 : 23).

إن عدم خلق الشمس أولا قبل الأرض ربما يكون له تضميناته اللاهوتية. فقديما مَجَّدَ الوثنيون الشمس معتبرينها مصدر الحياة. بل وحديثا أيضا لدى التطوريين نراهم ينسبون قوة الحياة على الأرض إلى الشمس. يقول كن هام: "النظريات التطورية (نظرية الانفجار الكبير على سبيل المثال) تقول أن الشمس خُلِقَتْ قبل الأرض، وطاقة الشمس على الأرض أنشأت الحياة تدريجيا. تماما مثل المعتقدات الوثنية، فبمعنى ما، نُسِبَ إلى الشمس الفضل في أعجوبة الخلق". [1] وهذا ما يعتقده د. أ. إذ يرى أن الشمس ظهرت أولا ثم الأرض، عكس الترتيب الكتابي.

كما أن "خَلْق الضوء قبل الشمس لاحظه آباء الكنيسة الأوائل والمصلحون اللاحقون بدون أي مشكلة، لكن البعض يثير هذه المسألة اليوم كما لو أن الخلقيين لم يفكروا بها أبدا. فمثلا في عام 180 م.، لاحظ ثاوفيلوس الأنطاكي أن هذا الأمر أظهر حماقة عبادة الشمس لأن الله صنع النباتات قبل الشمس، وقال باسيليوس نفس الشيء". [2]

يقول سارفاتي أن هذا الترتيب الغريب الذي يخبرنا عنه سفر التكوين، بخلق النور والأرض في اليوم الأول ثم الشمس والقمر والنجوم في اليوم الرابع، يضفي مصداقية عليه: "حقا، إن ترتيب الخلق هذا، والمخالف للحس البديهي (النور قبل الشمس)، يضفي ميزة إليه وهي أصالته. فإذا كان الكتاب المقدس هو نتاج محررين لاحقين، كما يدعي الكثير من النقاد، لقاموا بكل تأكيد بتعديل ذلك ليلائم فهمهم. إنه في القرون القليلة الماضية أدرك علماء الفلك أن دورة النهار والليل تحتاج فقط إلى ضوء ودوران. فوجود اليوم والليل والنهار بدون الشمس كان سيصبح أمرا لا يمكن تخيله بالنسبة للقدماء". يضيف أيضا د. سارفاتي أمرا جديرا بالملاحظة وهو أن الله كان يستطيع أن يخلق نورا بدون مصدر ثانوي. [3]

ثانيا كيف تنبت النباتات بدون شمس؟

هذا السؤال مرتبط بالسؤال السابق. إن كانت النباتات خُلِقَت في اليوم الثالث، بينما ظهرت الشمس في اليوم الرابع، فكيف تنمو النباتات بدون شمس؟ وهو سؤال يمكن الإجابة عليه إِجابة مقنعة لا تلوي عنق المنطق بحسب أحداث الخلق المترابطة. يقول سارفاتي: "لمدة يوم واحد، كان يمكن للنباتات أن تستخدم النور الذي خلقه في اليوم الأول .. وطبعا فإن النباتات تستطيع البقاء لمدة يوم بدون ضوء الشمس". [4]

إن هذا الأمر يشكل مشكلة لمن يؤمنون بالأيام الحقبية، أو بالأيام الحرفية التي تتخللها حقبا طويلة. "لقد خُلِقَت النباتات في اليوم الثالث، ولكن لم يتم خلق المُلَقِّحات حتى اليوم الخامس أو اليوم السادس. إذا كانت هذه الأيام عبارة عن حقب من مئات الملايين من السنين أو أكثر، فما الذي قام بتلقيح النباتات لضمان بقائها؟ إن بعض النباتات لديها علاقات تكافلية معقدة مع ملقحاتها، على سبيل المثال ، نبات اليوكا ومُلَقِّح العث". [5] وهذا من شأنه إثبات ترابط النظرة التاريخية الحرفية لأيام الخليقة الستة.

بل أننا نود هنا أن نستغل الفرصة ونسأل د. أ.، بما أنه، بحسب الترتيب الدارويني المزعوم لنشأة الكون وظهور أنواع الحياة المختلفة، ظهرت الشمس قبل النباتات بحقبة طويلة، بينما نجد في سفر التكوين أن الله خلق النباتات قبل الشمس. كيف يمكنك التوفيق بين هذين الترتيبين؟ وإن قلت أن تريب خلق النباتات قبل الشمس، بحسب سفر التكوين غير صحيح علميا، فلماذا إذا اعتبرت أن قول الكتاب "لتفض المياه زحافات .."، كما أشرنا سابقا، صحيح علميا؟

ثالثا لماذا مَنَعَ الله آدم من الأكل من شجرة معرفة الخير والشر؟

لا يذكر الوحي سببا لهذا التحريم، إلا أنه يُفْهَمُ ضمنا أن الرب أراد وضع الإنسان تحت الاختبار. طبعا الاختبار كان سهلا بالمقارنة مع الحالة التي كان فيها آدم. فمن جميع شجر الجنة يأكل، بما في ذلك شجرة الحياة التي في وسط الجنة، إلا شجرة معرفة الخير والشر. كان من الممكن أن يأكل من شجرة الحياة فلا يموت. وكانت أمامه جميع أشجار الجنة ليأكل منها. إلا أنه اختار الشجرة الواحدة المحرمة من بين جميع الأشجار، متحديا الأمر الإلهي، وراغبا في أن ينال الحكمة باستقلال عن الله وكلمته. يقول تفسير كامبريدج الجامعي أن هذا لم يكن الاختبار الوحيد الذي وُضِعَ فيه آدم، ورغم أن آدم وُضِعَ تحت الاختبار إلا أن الصلاح الإلهي كان بلا حدود، فقد كان اختبارا بسيطا:

"في هذا التحريم نُخْبَرُ بعنصر آخر في التهذيب الذي خضع له الإنسان في جنة الرب الإله. ففي تكوين (2: 15)، نجد أن قواه البدنية والعقلية هي التي يجب أن تُمَارَسُ، وفي هذه الآية يتلقى إنذارا بالانضباط الأخلاقي. لقد كان يتم اختبار كيانه الأخلاقي بواسطة أمر احترازي بسيط لم يُعَيَّنْ له أي سبب. ليس هناك أي مَشَقَّة مَفْرُوضَة عليه، ولكن هناك حاجة إلى وجود ضوابط لإشباع الذات. ومَنْ طُلِبَ منه تنفيذ هذا الأمر قد أُعْطِيَ حرية التمتع بكل شيء بجانبه. إن شخصية الإنسان يجب اختبارها بأبسط طريقة. فهل سَيُظْهِرُ طاعة للإرادة الإلهية ويثق في الصلاح الإلهي؟" [6]

ويؤكد أيضا بروس واتكي في تفسيره على صلاح الخالق رغم فرضه هذا المنع، وعلى ضرورة الاكتفاء بكلمة الله: "هذا التحريم الفريد يُوَاجِهُ البشر بقانون الخالق. الشجرة جيدة، ولكنها تنتمي حصرا إلى الله. الخطية تتكون من وصول عدم الإيمان الغير المشروع [إلى شجرة معرفة الخير والشر]، وهو التأكيد على استقلالية الإنسان لمعرفة الأخلاق بمعزل عن الله. يجب أن يعيش المخلوق بالإيمان بكلمة الله، وليس بالاكتفاء الذاتي الشفهي للمعرفة". [7]

طبعا هذا ليس حصرا للأسباب التي يمكن أن توجد لهذا التحريم الإلهي للأكل من شجرة معرفة الخير والشر. لا ندعي أننا نستطيع الوصول أو معرفة الحق كله، لكن هناك بعض الجوانب فقط معلنة لنا. وإن كان لنا أن نسأل ونحلل ونستعلم عن كل ما جاء في كلمة الله، إلا أن التوجه القلبي ينبغي أن يكون مستقيم أمام الرب. فاستعلامنا عن سبب التحريم للأكل من شجرة معرفة الخير والشر، لا ينبغي أن يكون نابعا من الاستنكار على الله حقه في فرض هذا القيد، أو مساءلته. ولكننا، مرة أخرى، ينبغي أن نمارس الثقة في صلاح الله، حتى ونحن نتعلم عن أعماله. ولكن، لست أعلم لماذا لا يمكن الإجابة على هذا السؤال من خلال النظرة التاريخية الحرفية لسفر التكوين، كما يرى د. أ.

رابعا كيف كان قايين يخاف أن يقتله كل من يجده، إذا كانا قايين وهابيل هما أول البشر بعد آدم وحواء؟

فعلا قايين وهابيل هما أول البشر بعد آدم وحواء، إلا أن ما أنجبهم آدم لم يقتصروا على قايين وهابيل. فمن ناحية، نستطيع القول أن من كان قايين يخشي قتلهم لم يكونوا بشرا آخرىن أقل تطورا من آدم وقايين وهابيل، وذلك لأن مجرد الرغبة تلك في الانتقام من قايين يدل على أن من أراد قتله لديه مفهوما للعدل، فمن قتل ينبغي أن يُقْتَل. ولاسيما أن مَنْ قُتِلَ كان بارا وظل بِرُّه معروفا لأجيال كثيرة لاحقة (وذلك بشهادة الرب يسوع "هابيل الصديق" مت 23 : 35). أما عن هوية مَنْ كان قايين يخشي قتلهم، فهم إخوته من أبويه آدم وحواء. ففي ذلك الوقت كان عدد البشر كبيرا. وإن أخذنا في الاعتبار أن آدم وحواء أنجبا غير قايين وهابيل كما نقرأ: "وكانت أيام آدم بعدما ولد شيثا ثماني مئة سنة، وولد بنين وبنات" (تك 5 : 4)، ويوسيفوس، بقوله الذي يؤكد فيه على تاريخية آدم أيضا، يزيدنا تفصيلا في هذا الأمر: "عدد أبناء آدم كما يقول التقليد القديم كان ثلاثة وثلاثون ابنا واثنتان وعشرون ابنة" [8]، وإن أخذنا في الاعتبار أيضا أن زواج الأخ من أخته لم يتم تحريمه إلا في شريعة موسى، والدليل على ذلك أن إبراهيم تزوج سارة التي كانت نصف أخت له، يكون أن إخوة وأخوات قايين تزوجوا من بعضهم البعض فأنجبوا نسلا كثيرا. كما يجوز أن قايين كان يخشي من خطر مستقبلي. وفي هذا الصدد يقول ناحوم سارنا المفسر اليهودي المعروف تعليقا على خوف قايين من أن يُقْتَل على أيدي كل من يجده: "إن هذا يمكن أن يُفْهَم فقط على أنه النسل المستقبلي لآدم وحواء الذين لن يجدوا أي قيد في تنفيذ الانتقام". [9] ومعظم المفسرين يرون أن في هذا الوقت الذي قال فيه قايين تلك الكلمات كان هناك بشر كثيرين على الأرض بالفعل كنسل جاء من تزاوج أبناء وبنات آدم بين بعضهم البعض. يقول جون جيل: "قد يكون هناك عدد كبير من البشر في ذلك الوقت على الأرض". طبعا يصير هذا الأمر محتمل جدا إن أخذنا في الاعتبار أن التحولات الجينية التي حلت بسبب الخطية واللعنة والتي تسبب الأعمار القصيرة وعدم الإنجاب والتأخر فيه لم تكن قد تراكمت في هذا الوقت المبكر من البشرية.

أنظر أيضا الأدلة العلمية المقدمة في إِجابة 13 على كون آدم وحواء هما أول البشر، وأيضا الأدلة الكتابية على ذلك في إِجابة 9.

خامسا من هم أبناء الله وبنات الناس؟

أول كل شيء نستطيع قوله هنا هو أن مسألة "من هم بنو الله ومن هم بنات الناس" هو نصا من أصعب النصوص الكتابية التي اختلف الكثير من اللاهوتيين حول معناها. ولكن رغم ذلك نستطيع أن نجد في الكتاب المقدس ما نتعلمه عن هذه المسألة. بداية، يُعَرِّفْنَا الكتاب، في نصه العبري الأصلي بالفئتين المعنيتين: الأولى هي "بينوت هآدم" أي أنهم بنات من نسل آدم، والثانية هي "بني ها إيلوهيم" أي بنو الله. فالوحي هنا يقصر الوصف على فئة واحدة من الفئتين بأنها فقط تنتمي إلى آدم. والأمر المُخْتَلَفْ عليه هنا هو من هم بنو الله. إن تفاسير سفر التكوين، القديمة والحديثة، المسيحية واليهودية، في شرحها لمن هم بنو الله، لم تخرج عن واحدة من هذه الثلاثة: أنهم 1- إما ملائكة، 2- أو إما نبلاء أو بشر من نسلك ملكي، 3- أو إما بنو شيث الأتقياء. والرأي الذي نميل له هو الأول.

وأكثر تفسيرا مقنعا وجده كاتب هذه السطور (ولا نتوقع أن يكون مقنعا لـ د. أ. لأنه يؤمن فقط بأن الحياة خرجت من الوحل) هو ما ذكره عالم الكيمياء والباحث اللاهوتي د. جوناثان سارفتي (وهو مسيحي من خلفية يهودية ويؤمن بعصمة الوحي وبالقراءة الحرفية التاريخية لتكوين 1 – 11) في تفسيره الفخم للإصحاحات الإحدى عشر الأولى لسفر التكوين. وتلخيص ما جاء في شرحه كالآتي:

1- تكوين (6 : 1 – 8) هو جزء من توليدوت (مواليد) آدم التي بدأت في الإصحاح السابق. 2- إعمالا لمبدأ أن الكتاب المقدس يفسر نفسه، فتعبير "بنو الله" (بني ها إيلوهيم) يرد في الكتاب مساويا للملائكة سواء كانوا أبرارا أم أشرارا. مثل (أي 1 : 6 ، 2 : 1). بل وحتى الترجمة السبعينية قامت بترجمة "بنو الله" في (أي 1 : 6) (هوي أنجيلوي تو ثيو) أي "ملائكة الله". 3- اليهود القدماء فهموا تعبير "بنو الله" على أنه الملائكة، مثل قول يوسيفوس: "الكثير من ملائكة الله صارت مع النساء فأنجوا أبناء غير صالحين". سفر أخنوخ الغير قانوني أيضا يقول أن بنو الله هم الملائكة (أخ 6 : 1 – 3). والعهد الجديد في أكثر من موضع يشير إلى أن "بنو الله" هم الملائكة الذين أَخْطَئُوا (2 بط 4 – 8 ، يهوذا 6 – 7). ويربط يهوذا بين خطية الملائكة الذين لم يحفظوا رياستهم (عدد 6) وبين خطية سدوم وعمورة (عدد 7) في كون كلاهما انحرافات جنسية. فكلاهما مضي وراء أشياء غير طبيعية على غير قصد الله لهم. 4- السبب في زواج الملائكة (الذين اتخذوا أجسادا لهم) بالبشر هو أن الشيطان أراد أن يفسد نساء الأرض لكي يُعَطِّل الوعد القائل بأن نسل المرأة سيسحق رأس الحية. وهذا التفسير ليس غير معقول لأننا نرى الملائكة في سفر التكوين وقد اتخذوا أجسادا وظهروا بهيئة مثل الرجال وأكلوا مع إبراهيم (تك 18) واشتهاهم رجال سدوم وعمورة (تك 19).

أما عن نتيجة هذا التزاوج فكان "الجبابرة" الذين منذ الدهر ذوو اسم، بحسب ترجمة فانديك. وفي الكثير من الترجمات الإنجليزية تُتَرْجَمُ إلى "العمالقة"، وهي ترد في الأصل العبري "نِفِيلِيمْ". وقد ساهمتا كل من السبعينية والفولجاتا في تعميم هذا المفهوم الغير صحيح في الترجمات الإنجليزية. ولكن الترجمة الدقيقة للفظة " نِفِيلِيمْ " هي "الساقطون". وذلك لأن "نفيليم" من المصدر "نافال" والذي يعني "ساقط". يقول سارفاتي أيضا أن "التفسير الرابيني هنا معقول: لقد سقطوا وجعلوا العالم يسقط". [10]

وختاما، فإن د. أ. لم يقدم لنا تفسيرا لهذه النصوص الكتابية، من وجهة نظره الرمزية الأسطورية الأدبية، أو من خلال منظوره الكوني الطبعاني الدارويني، بل اكتفى بطرح هذه الأسئلة على مسامعنا كمحاولة لتعجيز من يؤمنون بتاريخية أحداث الخلق والسقوط والطوفان. ونحن ندعوه هنا أن يقدم لنا تفسيراً أسطورياً رمزياً طبعانياً داروينياً لها لا يلوي عنق الحق ولا يسبب إحراجا لمن يؤمنون بتاريخية الإصحاحات الإحدى عشر الأولى.



[1] The New Answers Book 1, Ken Ham, editor, p114
[2] The Creation Answers Book, by Dr Don Batten (contributing editor), Dr David Catchpoole, Dr Jonathan Sarfati and Dr Carl Wieland, Chapter 2, P42
[3] The Genesis Account: A theological, historical, and scientific commentary on Genesis 1-11, by Jonathan Sarfati, PH.D., F.M, p116
[4] Ibid., p170
[5] The Creation Answers Book, by Dr Don Batten (contributing editor), Dr David Catchpoole, Dr Jonathan Sarfati and Dr Carl Wieland, Chapter 2, Page 50
[6] Cambridge Bible for Schools and Colleges, biblehub.com
[7] Genesis, A Commentary, by Bruce K. Waltke, with Kathi J. Fredricks, Zondervan 2001, p101
[8] The New Complete Works of Josephus, translated by William Whiston, Commentary by Paul L. Maier, page 53
[9] The JPS Torah Commentary, Genesis, The Jewish Publication Society 1989, by Nahum M. Sarna, p35
[10] The Genesis Account: A theological, historical, and scientific commentary on Genesis 1-11, by Jonathan Sarfati, PH.D., F.M, p473-488

تعليقات

  1. الرب يبارك عملك لمجد اسمه...مجهود رائع وردود كنا نحتاج إليها

    ردحذف
    الردود
    1. أشكرك أخي وأشكر الرب أنه يستخدم مثل هذه المجهودات البسيطة.
      الرب يباركك.

      حذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس