ملخص تعاليم القسيسة الليبرالية فليمنج روتلدج والتي يمتدح الدكتور ماهر صموئيل كتابها



في حديث الدكتور ماهر صموئيل عن الصليب، طرح علينا اسم القسيسة الليبرالية فلينمج روتلدج وكتابها "الصَّلْب". ماذا تقول القسيسة فلينمج بالضبط في كتابها؟ أقدم لك في هذه السطور باختصار شديد أهم الأفكار غير الكتابية التي وردت في تحليل ونقد الدكتور ستيفين وِيلُّوم، أستاذ اللاهوت المسيحي، لهذا الكتاب. أقترح قراءة المقال بأكمله للاستزادة.

بداية، رغم أن الدكتور ستيفين وِيلُّوم يمدح البحث الدؤوب للكاتبة، وأسلوبها الجميل، ومعالجتها للموضوع كتابيًا وتاريخيًا، ومحاولتها للاشتباك مع الفكر المعاصر، إلا أنه يعبر عن استياءه من احتفاء الإنجيليين بمثل هذا العمل الذي ينكر البدلية العقابية والتي هي جوهر الحق الكتابي المتعلق بالخلاص. بل ويشوه صورة الله بإنكار أن البر أو العدل، ليس صفة أصيلة في الله بل مجرد "فعل" له في الصليب.

صرّح وِيلُّوم أن روتلدج تستهدف بكتابها ليس طائفة بعينها، بل الكاثوليك والبروتستانت، وباقي الطوائف جميعًا. ولعل هذا يأتي بالاتساق مع اعتقادها بعالمية الخلاص، أي أن الجميع سيخلصون، كما سنرى. 

إنكار الخطية كذنب فردي موجه إلى الله 

فكر روتلدج عن الخطية يميل إلى تغليب الطابع الكوني (العالمي)، وتهميش، بل وإنكار، البعد الفردي لذنوب البشر كأفراد. الخطية لدى روتلدج ليست مقاومة وتمرد على الله، أو مواجهة لقداسته. بل هي إفساد لمخططات الله الصالحة لخليقته. والخطية في نظرها كونية (كوزمولوجية) تحتاج إلى استرداد وإصلاح، أكثر من كونها خطايا فردية تحتاج إلى دفع الثمن واسترضاء عدل الله. 

إنكار اللعنة كغضب الله 

بينما تؤمن روتلدج أن المسيح تحمل عنا اللعنة، إلا أنها تنكر أنه تحمل اللعنة كغضب الله، وكبديل عقابي لنا. وبدلاً من ذلك فإن اللعنة التي تحملها المسيح، بالنسبة لها، هي لعنة استعباد القوى الشريرة للجنس البشري. إن كانت الخطية هي إفساد مخططات الله الصالحة، فالخطية جلبت استعباد لنظام (أو لقوى) معادي لله، أي الخطية والموت والشر. الله ليس ضدنا أو غاضبًا علينا، بل لم يكن وقت كان الله فيه ضدنا مطلقًا. العداوة من جانب الإنسان فقط وليست متبادلة. الله ليس بغاضب علينا، وغضبه لصالحنا.

إنكار أن بر الله أو عدله صفة أصيلة فيه وبدلاً من ذلك التعليم بأن العدل مجرد عمل 

العدالة الإلهية (أو البر، الاثنان شيئًا واحدًا) ليست صفة في الله، لكن فعل. لم يكن الصليب لدي روتلدج استيفاء متطلبات الله البارة والعادلة، بل أنه أصلح الأشياء وعالجها. هو بر علاجي وليس قضائي. عملي وليس شخصي. الله غاضب، ولكن ليس على الخاطيء وخطيته، بل على تأثيرات الخطية فقط. بعبارة أخرى، الله لا تهمه الخطية في حد ذاتها، بل نتائجها. وقضاء الله ليس قضاء عقابيًا جزائيًا، بل علاجيًا استرداديًا. يبرز وِيلُّوم التشابه بين فكر روتلدج ومنهج المنظور المحدث لبولس في قوله بأن كلاهما يرى الله على أنه "يفعل" البر أكثر من كونه بارًا في ذاته. وغضب الله هو عرض لرحمته، لأنه في الصليب احتمل الله الظلم في نفسه ليصلح كل شئ من جديد بقيامة المسيح. لهذا، إن كان التعليم الإنجيلي المحافظ يقول أن الله هو الفاعل (من يقدم الذبيحة) والمفعول به (الذبيحة) في الصليب، إلا أن روتلدج لا ترى الله كالذبيحة، بل هو الفاعل الذي يقدم الذبيحة لا ليتحمل غضب الله على الخطية والخطاة، بل ليصلح الأشياء أو يُقَوِّمَهَا فقط.

المسيح بديل ولكن غير عقابي 

تعلّم روتلدج بأن المسيح بديل لنا ولكن ليس من الناحية العقابية. هو بديل في إصلاح الأشياء، وعلاجها، واستعادة النظام الأصلي بدلاً من النظام الحالي الناتج عن افساد مخططات الله الصالحة. المسيح ليس بديلاً في كونه تحمل العقوبة الأبدية المستحقة على الخاطيء، بل في كونه نائبا للبشر جميعًا بما في ذلك المختارين وغير المختارين (تشابه مع كارل بارت؟). لهذا فالخلاص لدى روتلدج خلاصًا عالميًا كونيًا يشمل الجميع بما في ذلك أشنع الطغاة في التاريخ. يسوع عمل شيئين بصليبه، انتصر على القوى المعادية، واحتمل المظالم في نفسه مظهرًا استياء الله من الخطية. لهذا يرى وِيلُّوم أنه بينما تستبعد روتلدج المسيح كبديل عقابي، تمزج بين كريستوس فيكتور والنظرية الحكومية لجروتيوس. ولذلك، ليس بغريب أن روتلدج تقول صراحة أن الإصلاح البروتستانتي قد أخطأ بوضعه للبدلية العقابية في المركز.

عالمية الخلاص 

تؤمن روتلدج بعالمية الخلاص universalism . فالصليب لديها هو انتصار المسيح الساحق على القوى الشريرة المضادة، الأمر الذي ينتج عنه فداء كونيًا للجميع. ومَنْ هم على شاكلة هتلر وبول بوت، الطغاة الذين سفكوا دماء الملايين، إما سَيُفْدَون أو إما سَيُلاشُون (يمحيهم الله من الوجود). وروتلدج تفضل الحل الأول، أي أن الجميع، بما في ذلك أشر الأشرار والطغاة، سَيُفْدَون ويُسْتَرَدُّون في النهاية.

إزالة التمييز بين التبرير والتقديس 

تزيل روتلدج التمييز الذي أبرزه الإصلاح البروتستانتي بين كل من "التبرير" و"التقديس"، دامجة الإثنين معًا. بعبارة أخرى، التبرير لدى روتلدج ليس أن الله حَسِبَ لنا بر المسيح الناتج عن طاعته للناموس في حياته، وتحمله للعقاب في موته، بل هو أن تُجْعَل بارًا من الداخل. التبرير في نظرها، ليس مقامًا أو مركزًا يحصل عليه المؤمن، بل حالة تدريجية يصير عليها شيئًا فشيئًا إلى أن تحصل حالة الاسترداد النهائية للنظام الكوني المُفْسَد. 

ختامًا، ليس لديّ أيّة مشكلة مع دراسة ما يقوله المتشككين، بل لهو واجب علينا أن نفحص ما يقولونه ونقوم بتفنيده والرد عليه، الأمر الذي يزيد من فهمنا وتعمقنا في الإيمان القويم. بل المشكلة هي في الترويج والزج بأفكار خطيرة مثل التي تقدمها روتلدج في كتابها. وصف الدكتور ماهر صموئيل كتاب "الصلب" لروتلدج على أنه "كتاب محترم جدًا جدًا" وثاني أعظم كتاب بعد نظيره لجون ستوت "صليب المسيح". أنا قرأت كتاب ستوت، وأقول بقوة، أنه شتان الفرق. ستوت قويم الإيمان، أما روتلدج فليست كذلك. اختيار الدكتور ماهر لكاتبه مثل هذه والزج باسمها وإقحام فكره على سامعيه يجعلنا نتساءل عن حقيقة منهجه اللاهوتي وعن المصادر اللاهوتية التي يتغذى عليها.

المقال الأصلي للدكتور ستيفين وِيلُّوم: 

الفيديو الذي امتدح فيه الدكتور ماهر كتاب القسيسية الليبرالية فليمنج روتلدج:



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس