الإيمان بيسوع أم أمانته - توم شراينر




بقلم الدكتور توم شراينر
أستاذ العهد الجديد والتفسير واللاهوت الكتابي بالكلية المعمدانية الجنوبية بالولايات المتحدة

مترجم عن الإنجليزية بإذن من المؤلف

مقدمة المترجم

في هذا المقال قمت بترجمة الحجج الدامغة التي قدمها الدكتور توم شراينر في كتابه "لاهوت بولس: بولس رسول مجد الله في المسيح"، والخاصة بترجمة تعبير pistis Iēsou Christou إلى "الإيمان بيسوع المسيح" (غل 2 : 16) وليس "أمانة يسوع المسيح" كما يدعو أنصار مذهب المنظور المحدث لبولس. إن ترجمة ذلك التعبير إلى "أمانة يسوع المسيح" تأتي كمخالفة صريحة للتعليم المصلح بالتبرير بالنعمة من خلال الإيمان. لو لم يوجد نص لدينا يقول أن التبرير بالنعمة من خلال الإيمان، وأن هذا النص بدلاً من ذلك يدعو إلى أمانة يسوع نفسه وليس إلى إيماننا به، إذاً فلا نستطيع كبروتستانت مصلحون أن نتمسك بالتعليم الكتابي والمنهج المصلح بالبر الذي بالإيمان بالمسيح. هنا تكمن خطورة ما قدمه شراينر من حجج قاطعة على صحة الترجمة التقليدية "الإيمان بيسوع المسيح". ونظرًا لصعوبة ما يقوله شراينر، لتقنيته، وجدت أنه من اللائق أن أتبع كل فقرة له بتعليق من طرفي لتوضيح ما يقول. كلام الدكتور شراينر باللون الأسود التلقائي، وتوضيحي له باللون الأزرق، حتى يمكن تقفي ما يقوله شراينر بسهولة. يمكنك التغاضي تمامًا عن توضيحات المترجم باللون الأزرق، والاكتفاء بالكلام الأصلي باللون الأسود. التعليقات فقط للتوضيح وليس للإضافة.

-----------

يتجادل الباحثون حول ما إذا كان ينبغي لنا تعريف مصطلح pistis Iēsou Christou على أنه "إيمان بالمسيح". بحيث أن العديد من الباحثين يفهمون صيغة المضاف إليه على أنها للفاعل "أمانة المسيح". لقد قُدِّمت العديد من الحجج لدعم هذه القراءة الجديدة. على سبيل المثال، يقول بعض الباحثون أن الاسم pistis (إيمان) إذا جاء متبوعًا بصيغة المضاف إليه للشخص يشير دائمًا إلى إيمان الفرد، وليس مطلقًا الإيمان بالفرد. وبناء على ذلك فإن تعبيرpistis tou theou  في رومية 3 : 3 يشير إلى "أمانة الله"، وليس "الإيمان بالله". في رومية 4 يشير كل من التعبيران pisteōs tou patros hēmōn Abraam  و  ek pisteōs Abraam إلى إيمان إبراهيم، وليس الإيمان بإبراهيم. والاستنتاج المستخلص هنا هو أن pistis Iēsou Christou في رومية 3 : 21 - 26 يجب أن يُفهم على أنه "أمانة يسوع المسيح" أيضًا. يجادل مؤيدو صيغة المضاف إليه الفاعل أيضًا أن التفسير الموضوعي غير ضروري في عدد من الآيات (راجع رو 3 : 22 ، غل 2 : 16 ، 3 : 22 ، في 3: 9). وهكذا، فأن تقول بأن بر الله هو بـ "الإيمان بالمسيح إلى كل الذين يؤمنون" (رو 3 : 22 ، غل 2 : 16) هو تكرار لا حاجة له. قد نجد فكرة الإيمان الشخصي موجودة في الفعل يؤمن، لكن الإيمان كإسم يكشف أن إيماننا يقوم على أمانة يسوع المسيح الذي نتلقى منه هبة الإيمان.

ما يقصده شراينر في الكلمات السابقة هو أن هناك قراءتين لتعبير "إيمان يسوع المسيح" pistis Iēsou Christou ، القراءة الأولى هي القراءة الشخصية التي يتبناها أنصار المنظور المحدث لبولس، والتي تنادي بأن صيغة المضاف إليه الفاعل لا تشير للمؤمن، بل للمسيح نفسه، أي أن الإيمان هنا ليس إيمان المؤمنين بالمسيح، بل إيمان المسيح شخصيًا، أي أمانته هو، بما أن كلمة إيمان هي نفسها أمانة باليونانية. يتخذ أصحاب القراءة الأولى قول بولس "أمانة الله" (رو 3 : 3) pistis tou theou كدليل على صحة ما يقولون. بكلمات أخرى، بما أن نفس الصيغة النحوية المستعملة في "إيمان يسوع المسيح" هي نفسها المستعملة في "أمانة الله"، وبما أن كلمة إيمان هي نفسها كلمة أمانة باليونانية pistis ، إذا فهذا يثبت لديهم أن المقصود هو أمانة يسوع الشخصية وليس إيماننا الموضوعي فيه. نفس الشئ يقال عن تعبيري بولس "إيمان أبينا إبراهيم" (رو 4 : 12) و "إيمان إبراهيم" (رو 4 : 16). الإستنتاج الذي يخلص إليه أصحاب القراءة الشخصية هو أن الإيمان (أو الأمانة) يعود على الشخص المذكور نفسه، سواء كان الله، أو إبراهيم. وعليه فتعبير "إيمان يسوع المسيح"، بالنسبة لهم، يشير إلى أمانة يسوع. وأخيرًا، يدلل هؤلاء على صحة ما يقولون بأن إذا كان المقصود من "الإيمان بالمسيح لجميع الذين يؤمنون" هو إيمان المؤمنين، فبولس هنا يكرر الكلام. لأنه ما معنى أن يقول "إيمان" و"الذين يؤمنون"، إلا إذا كان يعني أن الإيمان في الحالة الأولى (أمانة يسوع) مختلف عنه في الحالة الثانية (إيمان المؤمنين)؟ القراءة الثانية هي القراءة الموضوعية وترى أن صيغة المضاف إليه تشير إلى إيمان المؤمنين بالمسيح، هي صيغة موضوعية لأن الإيمان ليس هو أمانة المسيح الشخصية، ولكن الإيمان الموضوعي للمؤمنين بشخص المسيح.

يجب أيضًا على التفسير التقليدي أن يشرح كيف أُعْلِنَ أو أُظْهِرَ بر الله من خلال الإيمان البشري (رو1 : 17 ، 3 : 21 - 22). إن إيمان البشر لا يمكن أن يُعْلِنُ بر الله - كما يزعم مؤيدو المضاف إليه الفاعل  - لأن بر الله مستقل عن الأفعال البشرية، بما أن بر الله هو نشاط أبوكاليبسي [متعلق بأحداث النهاية]. وبالمثل، يتحدث بولس في غلاطية (3 : 22 - 25) عن "الإيمان" على أنه يأتي في منعطف معين في تاريخ الخلاص. يشير مجيء "الإيمان" إلى أنه واقع موضوعي لا يمكن مطابقته بالخبرة الشخصية للإيمان. إن القالب التاريخي الفدائي لكلمات بولس يشير إلى أنه يقصد أمانة يسوع المسيح، وليس الإيمان بالمسيح. يجادل أنصار المضاف إليه الفاعل أيضًا بأن الإيمان والطاعة يرتبطان ارتباطًا وثيقًا لدى بولس (رو 1: 5 ، 16 : 26). فلا يمكن فصل طاعة يسوع (في 2 : 6 - 11) عن إيمانه / أمانته. في رومية 5 : 19 تُمنح هبة البر على أساس طاعة يسوع، ولا يمكن فصل طاعة يسوع عن أمانته.

في الكلمات السابقة، يقول شراينر أن أنصار القراءة الشخصية (أمانة يسوع) يرون أن القراءة التقليدية لذلك المصطلح (الإيمان بيسوع) لا يمكن أن تستقيم مع فكرة أن بر الله يُعْلَنُ من خلال إيمان البشر بيسوع، لأن إعلان الله شئ مستقل عن الأفعال البشرية. وبدلاً من ذلك، طبقًا لمؤيدو القراءة الشخصية، يقولون أنه لابد إذًا أن يكون المقصود هنا لا أن بر الله يُعْلَنُ بإيماننا به، بل بأمانة يسوع نفسه. وبحسب زعمهم أيضًا، فإن بولس يتكلم عن الإيمان كنقطة في التاريخ الفدائي، أي كحدث، وليس كإيمان شخصي للمؤمن. وهذا يعني أن المقصود به هو أمانة يسوع. فضلاً عن ذلك، يرى مؤيدو القراءة الشخصية بأن الإيمان والطاعة لا ينفصلان في فكر بولس. وبما أن بولس يقول في (رو 5 : 19)، أن هبة البر تُمنح على أساس طاعة يسوع، فلا يمكن إذًا إلا وأن يكون المقصود بالإيمان هو أمانته.

على الرغم من التيارات القوية التي تعمل لصالح مصطلح "أمانة" يسوع المسيح، هناك أسباب وجيهة للتفكير في أن بولس يقصد "الإيمان" بيسوع المسيح. إن الحجة بأن وجود كل من pistis (إيمان/أمانة) وصيغة المضاف إليه للشخص دائمًا تشير إلى إيمان/أمانة ذلك الشخص لا يمكن اثباته من النص. في كثير من الحالات، تكون صيغة المضاف إليه ضميرًا شخصيًا للملكية (على سبيل المثال، رو 1 : 8 ، 12 ، 4 : 5 ، 1 كو 2 : 5). إن المرء ليتوقع أنه من الطبيعي أن صيغة الملكية تشير إلى إيمان المؤمنين في مثل هذه الحالات. من ناحية أخرى، فإن العديد من الأمثلة وُجِدَ بها صيغة المضاف إليه الموضوعية مع اسم "الإيمان". إن المعنى الموضوعي واضح في مرقس 11 : 22 ، "ليكن لكم إيمان بالله" (echete pistin theou). يُدْعَمُ التفسير الموضوعي أيضًا بواسطة يعقوب 2 : 1 ، "لا يكن لكم إيمان ربنا يسوع المسيح، رب المجد، في المحاباة" (mē en prosōpolēmpsiais echete tēn pistin tou kyriou hēmōn Iēsou Christou tēs doxēs).

لدى شراينر أسباب وجيهة لماذا يرى أن ترجمة "أمانة يسوع" خاطئة، رغم قوة هذا التيار الذي ينادي بذلك. الحجة القائلة بأن الاسم "إيمان" pistis متبوعًا بصيغة المضاف إليه للشخص تدل دائمًا على إيمان (أمانة) ذلك الشخص، حجة لا يدعمها النص الكتابي. إن صيغة الملكية في الكثير من الحالات تكون عبارة عن "ضمير شخصي" hymōn (إيمانكم رو 1 : 8  ، 12)، مما يدل على أن الإيمان في تلك الحالات هو إيمان المؤمنين. يقدم شراينر أيضًا العديد من الأمثلة، من كتابات بولس وغيرها (مر 11 : 22 ، يع 2 : 1)، والتي تدل فيها صيغة المضاف إليه الفاعل على إيمان المؤمنين. وهذا يؤكد أن أنصار الملكية الشخصية مخطئون في قرائتهم "أمانة يسوع".

الإنشاءات النحوية المساوية لذلك، فيما كتبه بولس، تدل على أن المعنى الموضوعي لا يتعارض مع الاستخدام البولسي، بما أننا نرى أمثلة أخرى للأسماء الفعلية مثل "الرجاء" أو "المعرفة" متبوعة بواسطة صيغة المضاف إليه لـ "رب" أو "مسيح"، ومن الواضح أن صيغة المضاف إليه في هذه الحالات هي صيغة موضوعية. تتحدث رسالة تسالونيكي الأولى 1 : 3 عن "صبر رجائكم [في] ربنا يسوع المسيح" (t elsidos tou kyriou hēmōn Iēsou Christou) إذ من الواضح أن صيغة المضاف إليه في "ربنا" (kyriou) هي موضوع الرجاء. وكذلك في فيلبي 3 : 8 نجد "معرفة المسيح يسوع" (tn's gnōseōs Christou Iēsou)، وصيغة المضاف إليه في الاسم "المسيح" (Christou) هي صيغة موضوعية (راجع رو 10 : 3 ، أفسس 4 : 13)، كما توضح العبارة الموازية في فيلبي 3 : 10 "لأعرفه" (gnōnai auton) . هذا المثال الأخير مهم بشكل خاص لأنه في نفس القرينة يرد تعبير pisteōs Christou (في 3 : 9). وبما أن اسم المضاف إليه "المسيح" (Christou) في فيلبي 3 : 8 هو اسم موضوعي، فلا يوجد سبب نحوي يضطرنا لاستبعاد مثل هذه القراءة أيضًا في فيلبي 3 : 9. في الواقع، تشير القرينة إلى أن الإيمان بالمسيح هو المقصود بما أنه [المسيح] موضوع المعرفة والإيمان. في الختام، لا يمكن للقواعد النحوية وحدها أن تحسم هذه المسألة حيث أنه يمكن دعم التفسيرين، الموضوعي والشخصي، نحويًا.

يقدم شراينر أدلة أخرى على كون الإيمان المقصود هنا هو إيمان المؤمنين بالمسيح، وذلك بقياس ذلك (الإيمان) على أفعال أخرى يقوم بها المؤمنين، مثل الرجاء والمعرفة. إن كان الرجاء في قول بولس "صبر رجائكم ربنا يسوع" (1 تس 1 : 3) يُنسب إلى المؤمنين، وإن كانت المعرفة في قوله "معرفة المسيح يسوع" (في 3 : 8) هي معرفة المؤمنين بالمسيح، فإن هذا في حد ذاته يشكل دليل آخر على أن القراءة الموضوعية ممكنة "إيماننا بيسوع"، بل ويقود إلى الاستنتاج بأن المسألة لن تُحسم نحويًا. هذه الآية الأخيرة مهمة بصفة خاصة، حيث يقول بولس "معرفة المسيح يسوع ربي" (3 : 8)، ليس فقط أن صيغة المضاف إليه هنا تشير إلى المتكلم، مما يؤكد أن إيمان المؤمنين هو المقصود في الإنشاءات النحوية الموازية، بل إن هذا يؤكد أيضًا أن الإيمان المذكور في نفس القرينة "وليس لي بري الذي من الناموس، بل الذي بإيمان المسيح، البر الذي من الله بالإيمان" (في 3 : 9)، هو إيمان بولس بالمسيح. إن بولس هنا يتحدث عن معرفته وإيمانه بالمسيح pisteōs Christou ، وليس أمانة المسيح.

الحجة من التكرار هي أيضًا غير مقنعة. ذلك، لأن استخدام كل من الاسم والفعل معًا يُشددان على الإيمان بيسوع المسيح. يقترح Moisés Silva أن [البناء التعبيري] الذي يضيف أقل معنى إلى العبارة يجب أن يُفَضَّلُ عادةً. إذا كان التفسير التقليدي صحيح، إذن، فبولس يبذل الجهد لتوضيح أن البر يكون من خلال الإيمان بيسوع. ويجب أن نلاحظ أيضًا أن العبارتين ليستا متوازيتين تمامًا لأن إحداهما تتحدث عن [فعل] الإيمان believing والأخرى عن الإيمان faith بالمسيح. العبارة الأخيرة أكثر تحديدًا، إذ تشير إلى أن الإيمان الذي نمارسه هو الإيمان بيسوع. تُفَضَّلُ أيضًا القراءة التقليدية، لأن بولس يقارن أعمال الناموس بالإيمان بيسوع المسيح. كلتا الحالتان معنيتان بردود الأفعال البشرية. نحن لا نتصالح مع الله من خلال العمل ولكن بالإيمان (راجع رو 9 : 30 – 10 : 8 ، في 3 : 2 – 11).

يفند شراينر في الفقرة السابقة حجة أنصار ترجمة "أمانة يسوع" بأن قول بولس "الإيمان بالمسيح إلى كل الذين يؤمنون" هو تكرار لا لزوم له، إن كان المقصود من كل من "إيمان" و"يؤمنون" هو شئ واحد. يقول أولئك أن الإيمان بالمسيح لابد أن يعنى أمانته الشخصية، وإلا لكان بولس يكرر تعبيراته بصورة فيها إطناب. لكن شراينر يرد على ذلك بالقول أنه ليس تكرارًا لا لزوم له، بل إن استخدام الاسم "إيمان" مع الفعل "يؤمنون" يشكل تشديدًا على أن بولس يقصد البر الذي نحصل عليه بإيماننا بيسوع. الأصل في التعبير هو المعنى الواحد البسيط غير المعقد. أن تقول أن "الإيمان" يعنى أمانة يسوع و"الذين يؤمنون" هم من يؤمنون بذلك، هو خرق لمبدأ أن البناء التعبيري الذي يضيف أقل معنى يجب أن يُفَضَّلُ. فضلاً عن ذلك، فالتعبيرين غير متوازيين، فالأول اسم "الإيمان" faith والثاني فعل "يؤمنون" believing . الفعل "يؤمنون" يؤكد أن الاسم "إيمان" من آمنوا. ثم أن القراءة التقليدية "الإيمان بيسوع" تُفَضَّلُ لأن بولس يضعها في مقارنة مع أعمال الناموس. إن وضع بولس الإيمان بالمسيح في مقابلة مع أعمال الناموس يدل على أن القراءة التقليدية صحيحة بما أن كل الأمرين (الإيمان، والأعمال) استجابتين بشريتين لبر الله المقدم في المسيح.

ولا حتى فكرة إعلان "الإيمان" كنقطة محددة من تاريخ الفداء تدعم بالضرورة قراءة صيغة المضاف إليه الفاعل. لقد ناقشت بالفعل أن بر الله له بُعدين. من ناحية، فهو يشير إلى عمل الله في تاريخ الخلاص المتجلي في العمل الكفاري لذبيحة يسوع المسيح. من ناحية أخرى، فإن بر الله يُخَصَّصُ بصورة شخصية أيضًا بواسطة الإيمان. أن تُقْصِرُ بر الله فقط على عمل الله في التاريخ هو أن تضعنا في مأزقًا مفتعلاً. إن بر الله يدل على فعله الخلاصي في التاريخ، ولكنه يُخَصَّصُ أيضًا بالإيمان. نفس هذه الأسباب المنطقية تنطبق على غلاطية 3 : 22 - 25. يعلم بولس بالتأكيد أن التاريخ الفدائي وصل إلى نقطة تحول حاسمة بمجيء "الإيمان". من الخطأ الفصل بين التاريخ الفدائي والأنثروبولوجي. فقط منذ مجيء المسيح أصبح الإيمان بالمسيح واقعًا. يتقارب كل من تاريخ الفداء والإيمان الشخصي بالمسيح في هذه الحالة.

يفند شراينر هنا حجة أنصار قراءة "أمانة يسوع" بأن الإيمان الذي يقصده بولس هو إعلان بواسطة الله في التاريخ الفدائي. إن هذا مأزق مفتعل، وبالتالي فليس علينا أن نختار بين بر الله المعلن (كحدث في التاريخ الفدائي)، وبين الإيمان الشخصي للمؤمنين بذلك. إن هذا البر المُعْلَنُ (والذي يراه أنصار القراءة الشخصية على أنه أمانة يسوع)، يُخَصَّصُ بواسطة الإيمان الشخصي للمؤمنين. إن التاريخ الفدائي الإلهي لا ينفصل عن الجانب البشري.

هناك عدد من الأسباب الإيجابية التي تدعم قراءة "الإيمان بالمسيح". أولاً، تشير مجموعة كبيرة من النصوص في كل من رومية وغلاطية إلى إيمان المؤمنين. نتعلم من هذا أن ما يُذْكَرُ غالبًا هو إيمان المؤمنين، ولكن لا توجد إشارة أكيده إلى أمانة المسيح حيث يتحدث بولس عن أساس الخلاص. إن الطريقة الأكثر طبيعية لقراءة مثل هذه النصوص هي رؤية إشارة إلى "الإيمان بالمسيح" بدلاً من استيراد فكرة لم يتم ذكرها بوضوح في مكان آخر. ثانيًا، لا يوجد مثال في كتابات بولس حيث يشير pistis Christou بصورة غير مُتَنَازَع عليها إلى أمانة المسيح. يشير أولئك الذين يؤيدون التفسير الشخصي إلى رومية 5 : 18 - 19 وفيليبي 2 : 6 - 11، حيث تُبْرَزُ طاعة يسوع المسيح الأمينة. مما لا شك فيه أن طاعة المسيح عنصر مهم في لاهوت بولس، ولكن الأمر الكاشف هو أنه في رومية 5 : 18 - 19 وفيليبي 2 : 6 - 11 لا يشير بولس إلى كون يسوع المسيح "أمينًا". يشير بولس إلى "طاعة" يسوع المسيح، لكنه لا يشدد على أمانة يسوع. إذا كانت أمانة يسوع حاسمة في لاهوت بولس، فإننا نتوقع إشارة لغوية واضحة إليها في مكان آخر في كتاباته. ثالثًا، تحتوي رسائل بولس على دليل لا لبس فيه على أن بولس دعا إلى الإيمان بالمسيح (رو 3 : 22 ، 10 : 9  - 14 ، غل 2 : 16 ، أف 1 : 15 ، في 1 : 29 ، كو 1 : 4 ، 2 : 5 ، فليمون 5).

فضلأً عما قاله شراينر سابقًا، يرى أيضًا أن هناك العديد من الأسباب التي تؤكد القراءة الموضوعية "الإيمان بيسوع". أولاً، هناك نصوص كثيرة في رومية وغلاطية، تتحدث عن إيمان المؤمنين. وفي نفس الوقت الذي تغيب فيه الإشارات الأكيدة إلى أمانة يسوع المسيح، يصبح من الطبيعي قراءة التعبير "الإيمان بيسوع" (وليس أمانة يسوع). وإلا لكان هذا اقحامًا لفكر لم يرد صراحة في النصوص. ثانيًا، كل مرة ورد فيها تعبير إيمان/أمانة المسيح pistis Christou في كتابات بولس، لا يوجد فيها حالة واحدة تشير بطريقة لا لبس فيها أن المقصود هو "أمانة المسيح". يستخدم أنصار قراءة أمانة يسوع نصوص تتحدث عن طاعة يسوع مثل رومية 5 : 18 - 19 وفيليبي 2 : 6 – 11، ليقولوا أنها تتحدث عن طاعة يسوع الأمينة. إلا أن تلك النصوص تتكلم عن طاعة يسوع وليس أمانته. صحيح أن أمانة يسوع عنصر هام لدى بولس، لكن تلك النصوص لا تشير إلى كون يسوع أمينًا، بل طائعًا. وبهذا فإن بولس يركز على الطاعة وليس الأمانة. والسؤال الذي يطرحه شراينر هنا هو: إذا كانت أمانة يسوع عنصرًا حرجًا هكذا في فكر بولس، فلماذا لا نجد في أي مكان من كتاباته إشارة واضحة وحاسمة لها؟ ثالثا، هناك الكثير مما كتبه بوليس يتحدث فيه بصورة لا تقبل الشك أو اللبس أنه يقصد الإيمان بالمسيح (رو 3 : 22 ، 10 : 9  - 14 ، غل 2 : 16 ، أف 1 : 15 ، في 1 : 29 ، كو 1 : 4 ، 2 : 5 ، فليمون 5).

رابعاً، إن قراءة "الإيمان بالمسيح" هي الأكثر منطقية بالنسبة لتدفق الفكر في رومية 3 : 21 -  4 : 12 وغلاطية 2 : 16 - 3 : 9. إذا قمنا بإجراء تجربة أدخلنا فيها أمانة المسيح بدلاً من الإيمان بالمسيح، فإن مثل هذا يمكن أن يكون ذو معنى في كل من رومية 3 : 21 - 31 وغلاطية 2 : 16 - 21، لكن في رومية 4 و غلاطية 3 مصداقية قراءة "أمانة المسيح" تصبح موضع تساؤل. يشير بولس بوضوح إلى إيمان إبراهيم بالله في رومية 4 بما أنه يستخدم الفعل pisteueō (روم 4 : 3 ، 5). ويترتب على ذلك أن "الإيمان" (hē pistis) المحسوب لإبراهيم على أنه بر (روم 4 : 9) لا يمكن أن يشير سوى إلى إيمان إبراهيم الشخصي، وليس إلى أمانة الله. وبالمثل، لابد أن "بر الإيمان" في رومية 4 : 11 (أيضًا رو 4 : 12) يشير إلى إيمان إبراهيم بالله (راجع رو 4 : 13 - 14 ، 16 - 20 ، 24). من الصعب تصديق أن pistis في رومية 3: 21 - 31 هي أمانة المسيح، بينما تشير في رومية 4 حصريًا إلى إيمان المؤمنين. كان أهل رومية سيجدون صعوبة بالغة في قراءة بولس إذا قام بتغيير معنى pistis من إصحاح إلى آخر. بما أن الاستخدامات غير القابلة للجدل لـ  pistis تشير إلى إيمان المؤمنين، وبما أن رومية 3 - 4 مرتبطان ارتباطًا وثيقًا بالموضوع، إذًا يجب فهم الإيمان على أنه يشير إلى إيمان المؤمنين في كلا الإصحاحين.

السبب الإيجابي الرابع الذي يقدمه شراينر لقراءة "الإيمان بيسوع" هو تدفق الفكر في كل من رومية 3 : 21 -  4 : 12 وغلاطية 2 : 16 - 3 : 9. على فرض أن بولس يقصد "أمانة يسوع"، ربما ستكون تلك القراءة مستساغة في رومية 3 : 21 - 31 وغلاطية 2 : 16 - 21، لكنها قطعًا لن تكون مستساغة في رومية 4 وغلاطية 3. إن الموضوع في رومية 4 هو "إيمان" إبراهيم الذي حُسب له برًا، وليس أمانة الله. وكذلك "بر الإيمان" في رومية 4 : 11 يتحدث عن إيمان إبراهيم بالله. ليس من المعقول أن يغير بولس الموضوع في رومية 3 : 21 – 31 من "أمانة المسيح" إلى "الإيمان بالمسيح" في رومية 4. إن هذا كان سيجعل مهمة فهمه صعبة من قبل أهل رومية. وعليه، يستنتج شراينر، بما أن الاستخدامات غير القابلة للجدل لـ  pistis تشير إلى إيمان المؤمنين، وبما أن رومية 3 - 4 مرتبطان ارتباطًا وثيقًا بالموضوع، يجب أن نفهم إذًا أن الإيمان يشير إلى إيمان المؤمنين في كلا الإصحاحين.

إن حجة مماثلة لذلك يمكن أن تُطَبَّقُ على غلاطية 2 : 16 - 3 : 14. فهم pistis كأمانة المسيح معقول في كل من غلاطية 2 : 16 وغلاطية 2 : 20، لكن في غلاطية 3 ينهار هذا التفسير. يقارن بولس بين "أعمال الناموس" و "السمع بالإيمان" (غل 3 : 2 ، 5)، ويقارن بين استجابتين مختلفتين للبشر. غلاطية 3 : 6 - 9 تستبعد أية إشارة إلى أمانة المسيح. في غلاطية 3 : 6 يحصل إبراهيم على بره من خلال "تصديق" (episteusen) الله. من الواضح أن المقصود هنا هو إيمان إبراهيم الشخصي بالله. يستخلص بولس استنتاج (ara) من إيمان إبراهيم في غلاطية 3 : 7، "اعلموا إذًا أن الذين هم من الإيمان أولئك هم بنو إبراهيم". لابد أن العبارة hoi ek pisteōs ("الذين هم من الإيمان") تشير إلى أولئك الذين مارسوا الإيمان الشخصي. تتطلب العلاقة المنطقية بين غلاطية 3 : 6 - 7 مثل هذه القراءة. بما أن غلاطية 3 : 7 تشير بوضوح إلى إيمان المؤمنين، يترتب على ذلك أن غلاطية 3: 8 - حيث يقول بولس "الكتاب سبق فرأى أن الله بالإيمان يبرر الأمم" (ek pisteōs) – تشير إلى إيمان المؤمنين أيضًا. من المشكوك فيه أن بولس يمكن أن يقول أن الأمم هم أبناء إبراهيم من خلال إيمانهم في غلاطية 3 : 7 ثم يلجأ إلى القول بأنهم مُبَرَّرُون بأمانة المسيح في غلاطية 3 : 8. وبالمثل، في غلاطية 3 : 9 يحتج بأن أولئك الذين هم من الإيمان مباركون مع إبراهيم المؤمن. إن كان بولس يحتج على وجه التحديد في نص واضح بأن المؤمنين مُبَرَّورُنَ بالإيمان (التصديق believing ؛ راجع غل 3 : 6) في غلاطية 3 : 8، فمن المحتمل جدًا إذًا أن تُفَسَّرُ غلاطية 2 : 16 على نحو مماثل. إن قراء بولس كانوا سيرتبكون إذا كان قال في غلاطية 2 : 16 بأن المؤمنين أبرار بأمانة يسوع المسيح ثم يتحول ليقول أنهم تبرروا بإيمانهم في غلاطية 3 : 8. إنه يوصل نفس الرسالة في كلا النصين. إن المؤمنون مُبَرَّرُونَ بالإيمان، ولكن في المقام الأول يوضح أنهم مبررون بالإيمان بالمسيح، مشيرًا إلى [المسيح] موضوع الإيمان. إن مثل تلك القراءة تؤكدها غلاطية 3 : 10 - 14، لأنه في كل حالة (غلاطية 3 : 11 - 12 ، 14) الإيمان المقصود هو إيمان المؤمنين.

يطبق شراينر ما فعله مع رومية 3 : 21 -  4 : 12 على غلاطية 2 : 16 - 3 : 9. إن قراءة "أمانة يسوع" يمكن أن تكون مستساغة في غلاطية 2 : 16 و 20 ، لكنها حتمًا ستصبح غير ذات معنى في غلاطية 3. إن كانت غلاطية 3 : 6 تخبرنا عن بر إبراهيم الذي حصل عليه من خلال تصديقه (فعل الإيمان episteusen) الله، فلا شك أن المقصود هو إيمان إبراهيم. وعليه، فما يقصده بولس في العدد التالي "الذين هم من الإيمان" (غل 3 : 7)، هو الإيمان الذي يمارسه المؤمنين. ويترتب على ذلك أن العدد التالي "أن الله بالإيمان يبرر الأمم" (غل 3 : 8)، يشير إلى الإيمان الممارس بواسطة المؤمنين. ليس من المعقول أن يغير بولس معنى الكلام من "إيمان المؤمنين" في (غل 3 : 7)، إلى "أمانة المسيح" في العدد التالي (8). إن هذا النص الواضح يدفعنا للقول أن المقصود في قوله "بإيمان يسوع" (غل 2 : 16) يعني أيضًا إيمان المؤمنين وليس أمانة يسوع. لو غير بولس المعنى من أصحاح 2 (أمانة يسوع) لأصحاح 3 (إيمان المؤمنين)، لجعل قراءه يرتبكون، ولن يفهموا ما يقصده بالضبط من كلامه. إن كلا النصين واحدًا ويوصلان معنى واحدًا، أن التبرير يكون بالإيمان بيسوع، وأن يسوع هو موضوع الإيمان.

في الختام، إن الحجج الداعمة للإيمان بالمسيح مفحمة، فغالبًا ما يشير بولس إلى إيمان المؤمنين. إنه لا يشير أبداً إلى أمانة المسيح. إنه يكتب بالتحديد عن المسيح على أنه موضوع إيمان المؤمنين. وتدفق الفكر في رومية 3 - 4 و غلاطية 2 - 3 تدعم فكرة الإيمان بالمسيح.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس