الكتاب المقدس به أخطاء لأن كاتبوه بشرًا؟


كثيرًا ما نسمع في الأوساط الإنجيلية، أو حتى بواسطة المتشككين، الادعاء بأن الكتاب المقدس لابد وأن يكون غير معصوم إن أردنا أن نحتفظ بالإرادة والحرية البشريتين لمن كتبوه. بمعنى أنه لو كان الوحي إملائيًا لكان بذلك كتبة الوحي مجرد روبوتات يُملى عليهم كلام الله. ففي نظر هؤلاء، إما أن يكون الوحي إملائيًا، وبالتالي فهذا تخلي عن إنسانية وإرادة وحرية كتبة الوحي. وإما، وهذا هو الحل الذي يأخذ به أولئك، أن يكون لكتبة الوحي دور بشري، الأمر الذي يضطرنا، على حد زعمهم، للإعتراف بوجود أخطاء في الوحي.

لكن، أن يتم تخييرنا بين أن يكون كتبة الوحي مجرد آلات للإملاء، أو أن يكون لهم دور كامل وبالتالي مُنْتَجَهُم به أخطاء، هو مأزق مفتعل. إننا كبروتستانت مصلحون نرفض هذان الإختياران. والسبب في رفضنا لذلك الادعاء بأن الكتاب المقدس به أخطاء لأنه مكتوب بواسطة بشر غير معصومون هو أن أصحاب ذلك الادعاء يفترضون افتراضان غير صحيحان. الأول متعلق بالله، والثاني خاص بالإنسان.

فيما يخص الأول، فإن صاحب الادعاء بوجود أخطاء في الكتاب المقدس لأن كاتبوه بشرًا يفترض، ربما دون أن ينتبه، إلى أن الله غير قادر على أن يعصم كتبة الوحي وفي نفس الوقت دون أن يخل بحريتهم وتميزهم ككتبة. السؤال هنا هو: إن كان الله كلي القدرة، فلماذا لا يكون قادرًا أن يعصم كتبة الوحي فيما كتبوه، وفي ذات الوقت دون أن يلغي دورهم وتميزهم وأساليبهم؟ يعجبني المصطلح الذي يستعمله اللاهوتيون الغربيون حول كتبة الوحي Bible author، فهم ليسوا مجرد كتبة يتلقون ما يُملى عليهم، لكن من منظور ما، مؤلفون أيضًا. إن الكتاب المقدس الذي بين أيدينا هو كلام الله بنسبة 100% وكلام الأنبياء والرسل الذين كتبوه بنسبة 100%. والسبب في أننا نستطيع أن نتمسك بتلك الحقيقتان معًا، هو أن الله كلي القدرة ولا يستحيل عليه أن يعطينا وحيًا لفظيًا معصومًا، وفي نفس الوقت، مستخدمًا في ذلك شخصيات وخبرات "مؤلفو" الوحي.

نستطيع أن نجد قياس للوحي فيما عمله الله في التجسد. ففي التجسد حل الروح القدس على العذارء، مرافقًا ومظلاً بعمله المعجزي، عملية التجسد في رحمها، ليضمن أن المولود معصومًا في بشريته. لم يُلْغَى دور مريم العذراء إطلاقًا، وفي نفس الوقت، كونها غير معصومة، لم يؤثر على عصمة الرب يسوع كإنسان. أخذ الرب يسوع المسيح بشرية العذراء دون أن يأخذ منها فسادها الموروث. نفس الشىء بالنسبة لمؤلفو الوحي، حل الروح القدس عليهم لا ليلغى دورهم، بل ليفعله، وفي ذات الوقت دون أن يؤثر عدم كمالهم على الثمرة النهائية: الوحي المعصوم لفظيًا.

جاء في الكتاب المقدس الدراسي "هولمان بايبل":

"إذا كان بإمكان إله كلي القدرة أن يأخذ شخصًا غير كاملاً مثل مريم ويجسد كلمة حية كاملة، يسوع، ابن الله، إذًا، فإن نفسه هذا الإله كلي القدرة يمكن أن يأخذ مؤلفًا بشريًا وينتج كلمة الله المكتوبة الكاملة، الكتاب المقدس، من خلال عملية الوحي الإلهي".

إن الإيمان بالله يتطلب إيمانًا بإله كلي القدرة. لأنه لو لم يكن الله كلي القدرة لم يكن الله إلهًا من الأساس. أن تقول أن هناك وحي غير معصوم هو أن تقول أن الإله الذي أوحى بالكتاب المقدس ليس كلي القدرة.

أو طبقًا لرد سبرول على الادعاء بأن هناك وحي غير معصوم:

"لعل ما يُنظر إليه في فكرة الخطأ الموحى به هو أن الوحي، على الرغم من أنه ينبع من إله صالح وكلي المعرفة، إلا أنه ببساطة إله غير فعّال للمهمة المطروحة. أي أنه فشل في تحقيق الغرض المقصود منه. في هذه الحالة، تم المساومة على صفة أخرى من صفات الله، قدرته المطلقة. ربما (طبقًا للمدعين) يكون الله ببساطة غير قادر على الإشراف على كتابة الكتاب المقدس بقوة كافية للتغلب على ميل المؤلفين البشريين للخطأ".

يضيف سبرول أن عدم الاعتقاد بالوحي من الأساس أكثر منطقية واقناعًا من الإعتقاد بوحي غير معصوم، وأن الله لم يكن قادرًا على التغلب على ميل المؤلفين البشريين للخطأ:

"بالتأكيد سيكون من المنطقي إنكار الوحي كليًا بدلاً من ربط الوحي بالخطأ. من المؤكد أن معظم نقاد عصمة الكتاب المقدس يأخذون فؤوسهم إلى جذر الشجرة ويرفضون الوحي تمامًا. يبدو هذا نهجًا أكثر صدقًا ومنطقية. إنه يتجنب معصية إنكار الصفات الأساسية لله نفسه".

الادعاء بأن الوحي به أخطاء لأن كاتبوه بشرًا (إلا لو قلنا أنهم مجرد آلات) يفترض أيضًا افتراض آخر غير صحيح حول الإنسان. صحيح أن البشر غير كاملين. لكن ليس بالضرورة أن كل عمل يعمله الإنسان يكون به أخطاء. هناك كتابات أو مؤلفات صحيحة وحقيقية وأخرى بها أخطاء. إن تحرى الإنسان الدقة وراجع ما يقوله من المحتمل جدًا أن يأتي منتجه خاليًا من الأخطاء. إن عدم عصمة الإنسان لا تفترض بالضرورة أنه يخطىء في كل الأحوال وفي كل الأوقات. وإلا فما أمكن لنا أن نتعلم من أحدنا الآخر، وتصبح مهمة تدريس وتعليم الأجيال مهمة لا طائل من ورائها.

هذه ليست بأي حال من الأحوال محاولة من طرفي للادعاء بأن الإنسان معصوم. إطلاقًا. لكن هناك فرق بين أن تقول أن الإنسان غير معصوم وبين القول أن الإنسان يخطىء في كل الأوقات. إن أحد تعريفات العصمة هو أنها تعني "عدم القابلية للخطأ". وبالتالي يصبح تعريف عدم العصمة هو "القابلية للخطأ"، وليس ضرورة الخطأ في كل الأحوال والأوقات.

يؤكد اللاهوتي ورجل الدفاعيات المُصْلَح جريج كوكل أنه ليس بالضرورة كل ما هو بشري يتسم بالخطأ:

"في السيناريو الثالث، الكلمة المفتاحية هي ‘فقط’، كما في (الادعاء) ‘الكتاب المقدس كتبه بشر فقط’. لاحظ أن العبارة نفسها تفترض ما تحاول إثباته، أن الكتاب المقدس هو وثيقة بشرية بحتة. نظرًا لأن هذا هو السؤال المطروح، فإن المحاولة دائرية".

"لكن هناك مشكلة أكثر جوهرية. حتى بدون مساعدة الله، فإن البشر غير معصومين من الخطأ أحيانًا يفهمون الأمر بشكل صحيح. مكتباتنا مليئة بالكتب التي كتبها مجرد بشر يبدو أنهم قادرون تمامًا على الدقة والبصيرة والحكمة. إذا كان هذا ينطبق على كثيرين آخرين، فلماذا لا ينطبق على بولس أو بطرس أو يوحنا أو يسوع؟".

إذًا، فلدينا سببان كافيان يجعلاننا نؤمن بأن الأنبياء والرسل اشتركوا في كتابة الوحي مع الروح القدس دون أن يحوي ما كتبوه أخطاءً. الأول هو أن اشتراك الروح القدس مع البشر في كتابة الوحي يضمن خلوه من الأخطاء وفي نفس الوقت دون إلغاء دورهم وتميزهم. والثاني هو أنه ليس كل كتابات البشر خاطئة كل الوقت.

تلخيصًا لما سبق، يجمع اللاهوتي واين جرودم هذان السببان بطريقة مميزة:

"من المتفق عليه أن الكتاب المقدس له جانب بشري وإلهي على حدٍ سواء، وأنه يجب علينا إيلاء الاهتمام الكافي لكليهما. إلا أن أولئك الذين يُبْدُونَ هذا الاعتراض، بصورة شبه دائمة تقريبًا، يُصِرّون على أن الجوانب 'البشرية' الحقيقية للكتاب المقدس يجب أن تتضمن وجود بعض الأخطاء فيه. ويمكننا أن نرد على ذلك بالقول أنه بالرغم من أن الكتاب المقدس بشري تمامًا، أي كتبه بشرًا مستخدمين لغتهم الخاصة، فإن نشاط الله في الإشراف على كتابة الكتاب المقدس وجَعْلَه أيضًا كلماته الخاصة يعني أنه يختلف عن الكثير من كتابات البشر الآخرين في هذا الجانب بالتحديد: فهو لا يحتوي على خطأ. هذه هي بالضبط النقطة التي تأكدت حتى من قِبَل بلعام الخاطئ والجشع والعاصي في (عدد 23:19): إن كلام الله من خلال البشر الخاطئين مختلف عن الكلام العادي للبشر لأن ‘الله ليس إنسانا فيكذب’. علاوة على ذلك، وببساطة فإنه ليس صحيحًا أن كل الكلام والكتابة البشرية تحتوي على أخطاء، لأننا نصوغ العشرات من العبارات الصحيحة تمامًا كل يوم. على سبيل المثال: اسمي واين جرودم. لدي ثلاثة أطفال. لقد تناولت وجبة الإفطار هذا الصباح". 




Dockery & Wax, Worldview SB
Sproul, Reformed Theology
Koukl, Tactics
Grudem, Systematic

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس