هل كان سيتجسد المسيح لو لم يسقط الإنسان؟


هذا السؤال يفترض مسبقًا أمور غير كتابية. أو على الأقل يتجاهل أمور مركزية في الحق المسيحي. بل ويفصل بين أجزاء الحق المسيحي التي لا يمكن الفصل بينها دون أن تحدث به أضرارًا بالغة. وبينما الإجابة عن هذا السؤال بالإيجاب، هي إجابة غير كتابية، وتطعن في الحق الكتابي المعلن وفي ترابطه، كما سنرى. إلا أنني لن أجيب عليها بالنفي، لأن هذا من ناحية أخرى يصل إلى حد التنظير الذي يضع سيناريوهات أو افتراضات لقصد الله الحكيم الذي عين في سلطانه أن يحدث السقوط ومن ثم التجسد والكفارة في نسيج خطة واحدة. الإجابة المثالية إذًا تأخذ في الإعتبار أن سقوط الإنسان، وتجسد الابن الأزلي، وكفارته، جاءت جميعًا كأحداث في خطة إلهية أزلية واحدة، وعمل إلهي سرمدي واحد.

ولدينا بعض الملاحظات على هذا السؤال.

السؤال لا ينتبه إلى حقيقة أن التجسد جزء لا يتجزأ، ومرحلة جوهرية، في رحلة إخلاء واتضاع الكلمة

التجسد، بحسب فيلبي ٢ : ٦ - ١١، جزء من رحلة الإتضاع والإخلاء، التي كانت نهايتها القبر. أن تقول أن التجسد كان سيحدث بدون سقوط الإنسان هو أن يفقد التجسد عنصر خطير وحيوي من عملية الإتضاع التي انتهت بتحمل الموت واللعنة. إن مجرد الإدعاء بأن التجسد كان سيحدث على أي حال هو تمزيق للكينوسيس (الإخلاء). الإخلاء ليس فقط التجسد في صورة إنسان، بل أيضًا، الولادة تحت ناموس اللعنة. والإختتان حسب الناموس الذي زيد بسبب التعديات. والعيش كعبد فقير، بما أن الفقر من تأثيرات السقوط. والآلام التي تعرض لها بسبب بره ونوره الذي لم تستطع ظلمة الإنسان تحمله.

السؤال يغفل حقيقة أن الطريق إلى المجد هو الألم

بمعنى أنه لو لم يسقط الإنسان، إذًا فما كانت هناك حاجة لأن يتألم المسيح، وبالتالي كيف كان سَيُكْرَمُ المسيح من الله بسبب تقواه وآلامه وطاعته النيابية، كما نقرأ أيضًا في فيلبي ٢ : ٩ "لذلك رفعه الله أيضًا"؟ لقد جاءت أمجاد المسيح، قيامته بجسد ممجد، وصعوده، ومن ثم جلوسه عن يمين الآب، بذات طبيعته البشرية، كمكآفأة وثمار ونتيجة لما عمله. إن القول بأن المسيح كان سيتجسد حتى لو لم يحدث سقوط يثير السؤال المنطقي والجوهري بأنه كيف كان سَيُمَجَّد المسيح (ونحن بالتبعية معه) بدون الآلام التي كانت سببًا في أمجاده وإكرام الله له على طاعته وتقواه واتضاعه؟

السؤال أيضًا لا يأخذ في الإعتبار حقيقة أن التجسد مرتبط بالكفارة بطريقة لا يمكن نزعها عنه

أن تقول أن التجسد كان سيحدث حتى بدون السقوط هو أن تفصل التجسد عن الطاعة الإيجابية للمسيح Active Obedience . لم يكفر الرب يسوع المسيح عن خطايانا بموته فقط، بل بمعيشته تحت الناموس. وطاعته لوصايا الناموس من أجلنا "لأنه كما بمعصية الإنسان الواحد جُعِلَ الكثيرون خطاة، هكذا أيضًا بإطاعة الواحد سيجعل الكثيرون أبرارًا" (رو ٥ : ١٩). لقد وُلِدَ الرب يسوع تحت الناموس، واختتن بعد ثمانية أيام من ولادته، ونزف الدماء نتيجة لذلك. إن دماء ختان الرب يسوع المسيح كانت كفارية من منظور أنها كانت طاعة وخضوعًا للناموس. ثم عاش طيلة الثلاثة والثلاثون عامًا طائعًا للناموس. إلى أن وصلت ذروة طاعته، بأنه أطاع حكم الناموس فينا: "أجرة الخطية هي الموت". فمات بديلاً عنا حاملاً عنا الدينونة بنزفه الدماء على صليب اللعنة. وطاعته للموت هي الطاعة التسليمية Passive Obedience . إن حياة الرب يسوع المسيح ما بين نزفه الأول عند ختانه، وبين نزفه الأخير عند صلبه، هو عمل كفاري واحد لا يمكن نزع أواصره. لقد أطاع الرب يسوع المسيح وصايا الناموس نيابة عنا (الطاعة الإيجابية) طيلة سني حياته، وأطاع حكم الناموس فينا كبديل عنا على الصليب (الطاعة التسليمية).

السؤال يمكن أن يوحي بأن السقوط جاء كشيء لاحق على خطة الله

لم يحدث السقوط كشيء غير متوقع في خطة الله. صحيح أن السقوط دخيل على الخليقة التي رآها الله حسنة جدًا، إلا أن هذا لا يعني أنه كان غير مُخطط له، أو غير مقصود. يقول بولس الرسول "الذي خلصنا ودعانا دعوة مقدسة، لا بمقتضى أعمالنا، بل بمقتضى القصد والنعمة التي أعطيت لنا في المسيح يسوع قبل الأزمنة الأبدية" (١ تي ١ : ٩). إن كانت النعمة مقصودة قبل الأزمنة الأزلية، إذًا، فالسقوط كان مقصودًا قبل الأزمنة الأزلية (ولكن دون إلغاء مسؤولية الإنسان). يؤكد بطرس الرسول نفس الحقيقة بقوله "دم المسيح معروفًا سابقًا قبل تأسيس العالم" (١ بط ١ : ٢٠). وهنا لا يرى بطرس فقط أن التجسد مرتبط بالفداء بطريقة لا يمكن فصلهما عن بعضهما منذ الأزل، بل إن موت المسيح وصلبه (والذي حدث بسبب السقوط) كان أزليًا بقدر ما كان التجسد نفسه أزليًا. الأمر الذي يدل أيضًا على أن السقوط نفسه كان مقصودًا. فضلاً عن ذلك، فإن عقيدة سلطان الله نفسها لا تسمح بفكرة أن السقوط كان شيئًا غير مقصودًا.

السؤال يقترح أن الكفارة ليست بنفس المركزية التي للتجسد

إن الإجابة على هذا السؤال بالإيجاب، أي نعم كان سيتجسد المسيح حتى لو لم يسقط الإنسان، توحي بمركزية التجسد ولامركزية الكفارة. أو بكلمات أخرى، لقد أراد الله أن يتجسد على أي حال، وأن السقوط فقط (ومن ثم الكفارة) أضاف سببًا آخر إلى دواعي التجسد لدى الله. أو أن الخلاص كان بتجسد المسيح أكثر من كفارته وصلبه. أو أن النعمة في التجسد أكثر منها في الموت والقيامة. أو أن الشركة، التي يشير إليها التجسد، أكثر مركزية في حد ذاتها من الكفارة. أو أن المهم هو حضوره أكثر من عمله البدلي النيابي. أو أن الله يهمه تغيير حالتنا أكثر من تغيير مركزنا. أو أن الكفارة لم تجلب مجدًا لله، وخيرًا أعظم للإنسان أكثر مما كان سيحدث على أي حال في التجسد وبدون سقوط. وكل هذه الأمور من شأنها إعطاء مركزية للتجسد فقط بدون الكفارة. وهذا ليس طعنًا في التجسد في حد ذاته بأي حال من طرفنا هنا. إطلاقًا. لكننا فقط نريد القول أن الكفارة لا تقل مركزية عن التجسد. وأن الكفارة جوهرية بقدر جوهرية التجسد.

السؤال يقود إلى أسئلة أخرى أكثر صعوبة مثل إمكانية وجود يسوع بدون ميلاد عذراوي وبدون قيامة

لو لم يسقط الإنسان، لما كانت هناك خطية موروثة. وهنا يثور السؤال: إن كان المسيح سيتجسد على أي حال، فهل معنى هذا إذًا أن الحمل به كان سيكون أمرًا طبيعيًا، أي نتيجة التزاوج البشري؟ هل سنستغني إذًا عن الميلادي العذراوي؟ إن سببًا رئيسيا في الميلاد العذراوي هو أن لا يرث الرب يسوع المسيح الطبيعة الأدبية الملوثة للإنسان. وبناء عليه، إن كان المسيح سيتجسد على أي حال حتى في حالة عدم سقوط الإنسان، هل ستكون هناك حاجة إلى ميلاده من عذراء؟ السؤال الآخر الذي يثور، هو أنه لو لم يسقط الإنسان، وبالتالي لم يدخل الموت (إلا إذا كنت داروينيًا ترى الموت كشيء طبيعي في خليقة الله الأصلية)، فكيف كان سيموت ومن ثم يقوم المسيح ويهب لنا قوة قيامته؟ إذًا، أن تقول أن التجسد كان سيحدث حتى بدون السقوط، هو أن تقول أن المسيح كان سيتجسد ويظل بيننا دون أن يهبنا نوعية، وجودة، وقوة، الحياة التي في قيامته المجيدة.

إن آثار المسامير لم تمحى حتى بعد أن قام الرب يسوع المسيح بجسدًا ممجدًا. وبقدر ما سيظل الرب يسوع المسيح بجسده البشري الممجد إلى الأبد، بقدر ما ستبقى آثار الكفارة في ذلك الجسد المجيد. إذ كيف يمحو من جسده آثار المسامير التي عينها وقصدها قبل أزمنة الدهور؟

للرب يسوع المسيح المجد الدائم في تجسده وكفارته.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس