علم النفس ديانة مضادة للمسيحية


"السؤال هو: لماذا لا تُدَرِّسُ ماستر كولدج مادة علم النفس؟ والإجابة هي أنه بحكم تعريفه فإن علم النفس، والذي هو دراسة النفس، هو معالجة علمانية، إلحادية، غير كتابية، لتحليل البشرية وتصميم حلولاً لمشاكلها. إلا أن الحقيقة هي أن الإنسان، في حالته الساقطة، لا يستطيع حقًا أن يقوم بتقييم واضح ودقيق للحالة الإنسانية. إنه بكل تأكيد لا يستطيع تقديم حلول لما يحدث في الحياة، إلا إذا فَهِمْتَ البشر بنفس الطريقة التي يوضحها الكتاب المقدس؛ كبشر ساقطون، مائتون بالخطية، عميان، منفصلون عن حياة الله، مخدوعون، وأشرار بائسون. فيما عدا ذلك لن يكون بإمكانك الوصول إلى الحل. ولكن السيكولوجيا البشرية لا ترى الإنسان بهذه الطريقة. السيكولوجيا البشرية، بما أنها ببساطة إنعكاس لكبرياء القلب البشري الساقط، تبالغ في تقدير قدرة الإنسان وقيمته وصلاحه، وكنتيجة لذلك، لا يستطيع الوصول إلى المشكلة". (جون مكارثر مجيبًا عن سؤال لماذا لا تُدَرِّس الجامعة التي أسسها مادة علم النفس)

ما هو علم النفس؟

الكلمة الإنجليزية Psychology مكونة من مقطعين؛ الأول هو الكلمة اليونانية psyche وتعني "نَفَسَ، مبدأ الحياة، حياة، نَفْسْ". والثاني مشتق من الكلمة اليونانية "لوجوس" والتي تعني "كلمة، منطق". فكما هو واضح من التسمية نفسها (علم نفس)، ومن الأصل الإيتيمولوجي لكلمة سيكولوجيا، فإن علم النفس هو دراسة النَفْسْ أو العقل. ومن خلال الدراسة والتحليل يسعى علماء النفس إلى تقديم شفاءً أو علاجًا للنفس البشرية. أي أن علم النفس يقوم بمحاولة فهم مشكلات النفس البشرية بالإضافة إلى تقديم حلول أو شفاء لها.

بناء على التعريف السابق لعلم النفس، يبدو أن هناك تنازع للاختصاص بينه وبين المسيحية؟

هذه ملاحظة في محلها، فكلاهما طبيبان يشخصان الإنسان ويقدمان سبيلين مختلفين لشفاءه. إن تعريف علم النفس هكذا يقودنا إلى سؤالاً خطيرًا بخصوص العلاقة بينه والمسيحية. بما أن كلاهما معنيان بتشخيص أمراض النفس ودراستها، ثم تقديم الشفاء لها، فما فائدة المسيحية إذًا؟ إذا كنت مسيحي كتابي متسق مع مسيحيتك فإن علم النفس بلا نفع لك. وإن كنت علمانيًا متسقًا مع علمانيتك فإن المسيحية لا تنفعك.

إن العهد الجديد يستعمل كلمتي "روح" pneuma و"نفس" psyche بالتبادل، وليس أن الروح شيء مختلف عن النفس. إنهما مرادفان لنفس الجزء غير المادي من تكويننا البشري (يو ١٢ : ٢٧، ١٣ : ٢١). أيضًا تسبحة مريم تستخدم كل من "نفس" و"روح" (لو ١ : ٤٦ – ٤٧) كمترادفات في أسلوب توازي عبري (جرودم). فعندما يتكلم العهد الجديد مرارًا عن خلاص النفس psyche (مر ٣ : ٤، ١ بط ١ : ٩) فهو يقصد الخلاص الروحي. فضلاً عن ذلك، يعلّم الكتاب المقدس بأن الإنسان مريض روحيًا بداء الخطية ويحتاج إلى شفاء روحي منها. إن الخطية كمرض والخاطيء كمريض (وهذا لا يتعارض مع الكفارة العقابية فكلاهما حقان كتابيان)، هو موضوع يمتد بطول الكتاب المقدس (إش ١: ٥ – ٦، هو ١٤ : ٤، مت ٩ : ٢٢، ١٣ : ١٥، مر ٢: ١٧، يو ١٢: ٤٠، رؤ ٢٢ : ٢).

تأسيسًا على ذلك، فبما أن النفس والروح مرادفان، مما يعني أن خلاص الروح هو شفاء النفس، وبما أن الكتاب المقدس يصور الخاطي على أنه مريض، والخطية على أنها مرض، والمسيح هو الطبيب، فإن هذا يدعونا للتسائل ماذا بقي بعد لعلم النفس لكي ينجزه للإنسان؟

إن كان هذا منطقك في منظورك لعلم النفس، فلماذا تلجأ للطب الفسيولوجي (القائم على علم وظائف الأعضاء)؟

في الحقيقة فإن هذا الاعتراض يغفل شيئًا خطيرًا، وهو أن المسيحية لا تَعِدُ بشفاء جسدي أو فيسيولوجي الآن. لكن فقط شفاء النفس وخلاصها في الحاضر. وهذا يعني أنه لا يوجد أي نوع من المنافسة بين المسيحية وبين الطب الفيسيولوجي. إنها مناطق مختلفة من الإختصاص. على خلاف الحال مع علم النفس إذ ينافس المسيحية في أن كلاهما يكشفان لنا أمورًا عن النفس ثم يقدمان الحلول لها (مع الفارق أن علم النفس يدعي فقط أنه يفعل ذلك).

هل علم النفس علم حقيقي؟

علم النفس له سمعة سيئة لدى العلماء والعامة على السواء. وهناك أسباب كثيرة وراء ذلك. مثلاً، لو كان علم النفس علمًا حقيقيًا وفعالاً لماذا لم ينجح في القضاء على مشاكل البشر؟ هل الإدمان أصبح أقل، بما أن الادمان مرض نفسي أو اضطراب سلوكي طبقًا لعلم النفس؟ هل نسبة من يعانون من الاكتئاب في الانحفاض؟ فنحن لم نرصد أي شيء يقول أن مشاكل الإنسان النفسية أصبحت أقل. سبب آخر من أسباب عدم اعتبار علم النفس علمًا هو أنه لا يوجد منهج موحد له. على سبيل المثال، قطبي علم النفس والمؤسسان له، سيجموند فرويد وكارل يونج، اختلفا حول منهجيهما وانفصلا في عملهما عن بعض. سبب آخر هام لكون السيكولوجيا ليست علمًا هو أن شروط العلم غير منطبقة عليها.

ففي مقال نُشِرَ على صحيفة لوس أنجلوس تايمز بتاريخ ١٣ يوليو ٢٠١٢ قال عالم الميكروبيولوجي أليكس بيريزو أن الشروط التي ينبغي توافرها في مجال بحثي ما لكي يمكن اعتباره علمًا غير متوفرة في علم النفس:

"هذا صحيح. فعلم النفس ليس علمًا. لماذا يمكننا أن نقول ذلك بشكل قاطع؟ لأن علم النفس في الكثير من الأحيان لا يفي بالمتطلبات الأساسية الخمسة لمجال ما ليتم اعتباره دقيقًا علميًا: مصطلحات محددة بوضوح، إمكانية القياس الكمي، ظروف تجريبية عالية التحكم، إمكانية تكرار التجربة، وأخيراً، القدرة على التنبؤ وقابلية الاختبار".

يقول أيضًا بيريزو إن دراسة السعادة (البحث في موضوع السعادة) هي مثال لماذا لا يمكن أن يكون علم النفس علمًا حقيقيًا:

"دراسة السعادة هي مثال واضح على سبب كون علم النفس ليس علمًا. كيف بالضبط ينبغي تعريف ‘السعادة’؟ يختلف معنى هذه الكلمة من شخص لآخر ولاسيما بين الثقافات المختلفة. ما يجعل الأمريكيين سعداء لا يجعل الصينيين سعداء بالضرورة. كيف يقيس المرء السعادة؟ لا يمكن لعلماء النفس استخدام المسطرة أو المجهر [لقياس السعادة]، لذلك يخترعون مقياسًا عشوائيًا. اليوم، شخصيًا، أشعر بـ ٣٫٧ من ٧. ماذا عنك؟".

إن بيريزو لا ينكر أن هناك أبحاثًا جيدة وهامة في مجال علم النفس، لكنه من الناحية الأخرى لا يستطيع أن يخلع عليه لقب علم لعدم توافر الشروط فيه. بل إن بيريزو يذهب لأبعد من ذلك بالقول أن وصف السيكولوجي على أنه علمًا ينطوي على خطورة إعادة تعريف العلم. فأن تصف شيء على أنه علمًا وهو ليس كذلك هو بمثابة ضياع أو تشويه لصورة العلم الحقيقي.

بل إن هناك من علماء النفس من يرفض اعتبار علم النفس علمًا حقيقيًا لعدم توافر شروط العلم فيه. يقول عالم النفس الإسرائيلي سام فاكنين: "إن علم النفس لا يمكن أن يكون علمًا. لأن العلم مُعَرَّفْ بوضوح جدًا. العلم هو نظرية تدمج كل الحقائق المعروفة وتتنبأ بحقائق جديدة. هذه الحقائق الجديدة يمكن إثبات خطأها، ولا يمكن التحقق منها، بل يتم إثبات خطأها من خلال التجارب. و لا بد أن تُمارس هذه التجارب على نفس الشيء موضوع التجربة، بصورة متكررة. هذه هي الشروط الأولية للعلم. وحرفيًا، فإنه لا يوجد واحدًا من تلك الشروط يمكن أن يتوافر في علم النفس. على سبيل المثال، إذ قمت بإجراء تجربة عليك ... ثم أجريت نفس التجربة عليك بعد خمس دقائق من الآن، فأنت لست نفس موضوع التجربة. هناك أشياء كثيرة حدثت في عقلك في تلك الدقائق. لا يمكن تكرار التجارب في علم النفس".

بما أن التجارب العلمية لابد أن تعطي نتائج مطابقة في كل مرة تجرى فيها التجربة تحت نفس الظروف، فأن تتوقع نفس النتائج للتجارب النفسية على البشر هو أن تلغي كونهم أفراد متميزون ومعقدو التركيب، هو أن تعتبرهم مجرد آلات أو تفاعلات كيمائية تثمر نفس النتائج (هل هذا يعني من قبل رجال علم النفس أن الإنسان مجرد كيمياء بلا روح؟). هذا ناهيك عن أن ما يقوله الأفراد موضوع التجارب يظل محل شك حول ما إذا كان يعبر بصدق عما في داخلهم. فكثيرًا ما يحاول أن يبدو البشر في حال أفضل إن عرفوا أنهم تحت الاختبار.

هل خطورة علم النفس تكمن فقط في عدم كونه علمًا؟

العلمانيون أنفسهم يرون خطورة اعتبار علم النفس علمًا، مثل بيريزو كما أشرنا سابقًا. إلا أن المشكلة بالنسبة للمسيحي هي أكبر من ذلك إذ أن علم النفس ديانة مضادة للمسيحية. فضلاً عن ممارسات أخرى خطيرة مثل استرجاع الذكريات المؤلمة والعلاج بالجنس وبالتنويم المغناطيسي.

هل هناك أمثلة لدمج علم النفس بالمسيحية؟

نستطيع رصد محاولات دمج السيكولوجي بالمسيحية في الآتي:

(١) إعادة تعريف بعض المفاهيم اللاهوتية سيكولوجيًا: مثل الادعاء بأن الخطية دوران حول النفس أو أنانية. فهذا مفهوم يغفل الله وناموسه من الصورة. أو مثل اعتبار الخاطيء ضحية أكثر من كونه مذنبًا أمام الله. سمعت واعظ (يعمل في مجال الطب النفسي) يعتذر للخاطيء بالنيابة عن الكنيسة: "سامحنا إن كنا أخفينا عن عينيك جمال يسوع". إن هذا قلب للمفاهيم اللاهوتية. لقد تحول الإنسان المذنب إلى ضحية. وهذا ما يفعله علم النفس؛ إذ جعل من الإنسان ضحية ما يحدث له بواسطة الآخرين.
(٢) نرى أيضًا محاولات الدمج بين علم النفس والمسيحية في جلسات المشورة: مثل استعمال الخيال أو استرجاع الذكريات كتقنيات للشفاء النفسي.
(٣) أخيرًا، استعمال التنمية البشرية بواسطة المسيحيين: هو مثال آخر لدمج علم النفس بالمسيحية. وقد تناولنا التنمية البشرية في حلقة أخرى.

هل يمكن دمج علم النفس بالمسيحية؟

كما ذكرنا سابقًا، فإن كل من علم النفس والمسيحية يقومان بتحليل مشكلة الإنسان ويسعيان لتقديم علاج لها. وهذا في حد ذاته تنازعًا للاختصاص. إلا أن هناك ثمة اختلافات جوهرية خطيرة بين كل من المنظورين المسيحي والسيكولوجي:

(١) علم النفس متمركز حول الإنسان بينما تدعو المسيحية للتمركز حول المسيح

الدكتور بول فيتز، عالم النفس بجامعة نيويورك، هو واحد من كبار علماء النفس الذين هاجموا السيكولوجيا كفرع من العلم يخفي وراءه عبادة دينية علمانية يعبد فيها الإنسان ذاته. يقول الدكتور فيتز في كتابه "علم النفس كديانة: بدعة عبادة الذات" الآتي: "كما يوحي العنوان، سوف يُحاجج [في هذا الكتاب] بأن علم النفس أصبح دينًا: عبادة علمانية للذات. وأعني بهذا أنه نظرة كونية يُتَمَسَّك بها بشدة، أي فلسفة حياة أو أيديولوجية. وبشكل أكثر تحديدًا، فإن علم النفس المعاصر هو شكل من أشكال الإنسانوية العلمانية القائمة على رفض الله وعبادة الذات".

إنه يعوزنا الوقت والمساحة لاقتباس النصوص الكتابية التي تدعونا لإنكار الذات وصلب الذات واضاعة الذات (من أجل المسيح) وبذل الذات. وفي نفس الوقت التحريضات الكتابية الكثيرة على الخضوع لسيادة المسيح وملك المسيح على كل كياننا البشري.

(٢) علم النفس يجعل من الإنسان ضحية بينما تعلمنا المسيحية عن مذنوبية الإنسان ومسؤوليته أمام الله

تقدم المسيحية تأريخ أو تفسير لأصل الإنسان وفساده. وعلم النفس يفعل ذلك بإرجاع أصل بؤسنا وفسادنا إلى ما حدث لنا ونحن صغار وتم تخزينه في اللاوعي. إننا ما نحن عليه الآن، ليس بسبب فساد طبيعتنا، بل بسبب ما حدث لنا في صغرنا. لهذا يجلس المريض على كرس الاعتراف معترفًا بماضيه لدى المشير النفسي في محاولة لاستدعاء الماضي الأليم من اللاوعي. وهذا فضلاً عن كونه يشبه الاعتراف الديني إلى حد كبير، طبقًا لأستاذ التحليل النفسي فيتز، فهو بمثابة إعادة تعريف لمشكلة الإنسان.

صحيح أن الألم شيء حقيقي، والجروح النفسية أمر لا يمكن إنكاره، إلا أن اختزال مشكلتنا الإنسانية فيما حدث لنا وليس فيما نفعله نحن هو خطأ فادح. بكلمات أخرى، إن علم النفس يجعل منا ضحية بصفة أساسية ويغفل كوننا مذنبون. لكن جروح الطفولة، رغم كونها حقيقية، ليست هي السبب في بؤسنا بصفة أساسية. إن فسادنا ومذنوبيتنا أمام الله هما العامل الأساسي في بؤسنا. ففي نهاية المطاف لن يديننا الله طبقًا لما فُعِلَ بنا، بل لما فعلناه نحن ضد الله والآخرين وأنفسنا.

يقول بولكلي في كتابه الرائع "لماذا لا ينبغي أن يثق المسيحيون في علم النفس" أن المشيرون النفسيون، ومن بينهم الكثير من المسيحيين، يرون أننا ما نحن عليه الآن، ليس بسبب فسادنا الموروث، بل بسبب ما حدث لنا في طفولتنا:

"وفقًا لنظرية سيكولوجية تحظى بقبول واسع، فإن البشر أسرى لماضيهم. كثير من الكتاب المسيحيين يستخدمون مصطلح ‘الطفل البالغ’ ليصفوا الأشخاص الذين جُرحوا في صباهم عن طريق الإنفصال أو عن طريق الإيذاء الجسدي أو المعنوي. ويُعتقد بشكل عام أنه لابد لنا أن نرجع إلى الماضي حتى نختبر الشفاء في الحاضر. يقول أحد الأخصائيين النفسيين: ‘نحن نتشكل بماضينا بقدر ما نتشكل بحاضرنا، وبقدر ما تتشكل آمالنا للمستقبل’ ".

(٣) علم النفس يُعَرِّفُ الخطية على إنها ادمان

يتحدث علماء النفس والأخصائيون النفسيون عن بعض السلوكيات باعتبارها أمراضًا نفسية. وهذا يتوافق تمام الاتفاق مع منهج علماني بحت يُخرج الله من الصورة. فالخطية ليست ذنب يُحاسب عليه أمام الله بل إدمان ليسو مسؤولون عنه. يعرّف قاموس رابطة علم النفس الأمريكية APA الإدمان على أنه إما إدمانًا كيميائيًا أو سلوكيًا:

"الإدمان هو حالة من الاعتماد النفسي أو الجسدي (أو كليهما) على تعاطي الكحول أو المخدرات الأخرى. وهذا المصطلح غالبًا ما يُستخدم كمصطلح مساوٍ للاعتماد على المواد الكميائية، وأحيانًا يتم تطبيقه على الاضطرابات السلوكية، مثل الإدمان الجنسي والإنترنت وإدمان القمار". البعض يضيف إلى قائمة الإدمانات السلوكية السابقة إدمان التسوق، والرياضة، والتلفاز، والطعام، والسوشيال ميديا.

أن تقوم بتعريف السلوكيات التي يدعوها الكتاب المقدس خطايا ونجاسات، مثل السلوكيات الجنسية غير المشروعة ومشاهدة المواد الإباحية والسُكْر والقمار وتبذير الأموال والوقت، على أنها سلوكيات إدمانية، هو أن تقوم بإعادة تعريف الخطية والخلاص بصورة جذرية. إن كانت الخطية إدمان أو اضطراب سلوكي، فأنت لست مذنبًا بل ضحية، وهذا إطاحة للحاجة إلى التبرير. وإن كان هذا الإدمان هو مرض نفسي فإن روشتة الطبيب تفي بالغرض، وهذا تقويض للحاجة إلى التجديد وبالتبعية التقديس. وذلك يشترك بدوره مع الادعاء السابق بأن بؤسنا الحاضر سببه الإيذاء الذي تعرضنا له في الطفولة في كون كلاهما يفترضان مسبقًا أن الإنسان ضحية. الإنسان ضحية لما تعرض له في الطفولة، وضحية أيضًا للظروف التي أوقعته في الإدمانات السلوكية.

صحيح أن الخطية مرض كما قلنا سابقًا. إلا أنها مرضًا روحيًا في المقام الأول. فساد جذري موروث يجعلنا عبيدًا نحب الشر. وليس أن الخطية مرض نفسي يحتاج إلى العلاج أكثر منه إلى التوبة كما تدعو السيكولوجيا. وصحيح أن الإنسان قد يكون ضحية بعض الظروف، إلا أن هذا لا ينفي مسؤوليته عن أفعاله ومذنوبيته أمام الله.

إن ما يدعي علماء النفس أنه سلوكيات إدمانية يصفه الكتاب المقدس بأنه خطية:

"أم لستم تعلمون أن الظالمون لا يرثون ملكوت الله؟ لا تضلوا: لا زناة ولا عبدة أوثان ولا فاسقون ولا مأبونون ولا مضاجعوا ذكور، ولا سارقون ولا طماعون ولا سكيرون ولا شتامون ولا خاطفون يرثون ملكوت الله. وهكذا كان أناس منكم. لكن اغتسلتم بل تقدستم، بإسم الرب يسوع وبروح إلهنا" (١ كو ٦ : ٩ – ١١).

وثمة سؤال يطرح نفسه هنا، في ضوء أن الجمعية الأمريكية لعلم النفس APA اعتبرت الشذوذ الجنسي اضطراب نفسي (وليس خطية) بوضعه ضمن قائمة الاضرابات النفسية التي أصدتها عام ١٩٦٨، ثم قامت بإزالة الشذوذ الجنسي من قائمة الاطرابات النفسية في عام ١٩٨٧، بعد التصويت على إلغائه من تلك القائمة، ليكون بذلك مجرد توجه جنسي طبيعي، كيف لنا أن نثق فيما يدعونه؟ بكلمات أخرى، إن كانوا قد ثاروا على المفاهيم المسيحية بداية باعتبارهم الشذوذ الجنسي اضطراب وليس خطية، ثم لاحقًا بإخراجهم الشذوذ الجنسي تمامًا من قائمة الاضطرابات النفسية، بناء على تصويت أجروه، ألا يقوض هذا مصداقيتهم وفي نفس الوقت يثبت تعنتهم ضد الحق الكتابي؟

(٤) علم النفس يسعى إلى حل مشاكل الإنسان الروحية الخطيرة بمعزل عن الله

إن كلا من مؤسسا ورائدا علم النفس سيجموند فرويد وكارل يونج كان له خلفية دينية مضادة للمسيحية. فقد كان فرويد ملحدًا وفسر أصل الدين بأن الإنسان كان يخاف غضب الطبيعة فلجأ إلى شخصنتها ثم تقديسها وتقديم الهبات والذبائح لها لإتقاء غضبها. وبينما كان فرويد عقلانيًا ملحدًا وادعى أنه يطبق المنهج العلمي على النفس البشرية، اختلف معه يونج في منهجه إذ مزج علم النفس بالروحانية الوثنية، الأمر الذي ادى لإنفصالهما عن بعضهما.

طبقًا للاهوتي الدكتور بيتر جونز، رَأَىَ يونج أنه يمكن شفاء الخلل السلوكي لدى البشر من خلال علم النفس والحكمة المنتقاة من كل ثقافات وديانات العالم. وقد أراد أن يخلق إنسانية جديدة من خلال العلاج النفسي للمشاكل الحالية ومن خلال روحانية دينية عامة واحدة لمستقبل البشرية. وهكذا اعتمد منهج يونج على الشفاء من خلال الروحانية. لم يكن علم النفس اليونجي إذًا منعزلاً عن ديانته الوثنية بل شكلت تلك العقيدة الوثنية له علمه السيكولوجي. ماذا كانت عقيدة يونج الدينية؟ كان له روحًا مرشدًا، وهذا الروح المرشد عَرَّفه الإله أبراكساس الذي نصفه إنسان ونصفه الآخر وحش. هذا فضلاً عن ممارسة يونج لممارسات شيطانية أو سحرية.

الخلفية الدينية لكل من فرويد ويونج شكلت منهجيهما المتعارضين. إلا أنهما اتفقا على مساعدة النفس البشرية بمعزل عن إله الكتاب المقدس. إن علم النفس هو علم مساعدة الإنسان لنفسه الأمر الذي يفترض أن الطبيعة البشرية صالحة وليست فاسدة.

التطبيق الرعوي

لا يمكن الدمج بين علم النفس والحق المسيحي لكونهما متعارضان تمامًا. وبدلاً من إدخال علم النفس في المسيحية، علينا تقديم المسيح كالمخلص للتعابي وثقيلي الأحمال في لغة يفهومنها ودون مساومة على ذلك الحق الثمين.

الكتاب المقدس يكفينا للخلاص والتقديس. أما إذا تعلق الأمر بمرض نفسي ذو طبيعة فسيولوجية أو كيميائية فلنستشر الطبيب.

عند طلب المشورة علينا أن نتأكد أن المشير يؤمن بكفاية الكتاب المقدس وأنه لا يتبع أي منهج يدمج بين علم النفس والمسيحية.

الشفاء النفسي أو بالحري الروحي ليس في وصفة طبية بل في التمركز حول شخص المسيح وعمله. بالنظر إلى أعلى وليس إلى الداخل. بالنظر إلى ما نحن عليه في المسيح الآن وليس بما حدث لنا في الماضي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس