التدريبات الروحية: نار غريبة


"عبادة الأصنام لها كل أشكال القداسة والعبادة الظاهرية، دع هذه الروحانيات المزيفة تتألق ظاهريًا مجيدة وحسنة المظهر بقدر ما تستطيع؛ إن عبادة الأصنام في كلمة واحدة هي كل أنواع التكريس في أولئك الذين يعبدون الله بدون المسيح الوسيط، وبدون كلمته ووصيته ... إن كل أعمال التكريس الظاهرية هذه، والتي يعتبرها ذكاء وحكمة الإنسان ذات قدسية ملائكية، ليست شيئًا سوى أعمال الجسد. كل أشكال الدين، حيث يعبد الناس الله بدون كلمته ووصيته، هي ببساطة عبادة وثنية، وكلما بدا مثل هذا الدين أكثر قدسية وروحانية، كلما كان أكثر ضررًا وسُمِّيَة؛ لأنه يقود الناس بعيدًا عن إيمان المسيح، ويجعلهم يعتمدون ويتكلون على قوتهم وأعمالهم وبرهم". (المصلح البروتستانتي مارتن لوثر)

ما هي التدريبات الروحية؟

"التدريبات الروحية" هو مصطلح من بين مصطلحات أخرى مثل "التشكيل الروحي"، "الروحانية المسيحية"، "الروحانية التأملية"، تشير تقريبًا إلى نفس المفهوم؛ وهو الاختبار الروحي الذي تُحدثه مجموعة من الممارسات أو التدريبات أو الانضباطات الروحية. مصطلح "التدريبات الروحية" هو أكثرهم شيوعًا باللغة العربية يليه مصطلح "التشكيل الروحي". والقصد من ربط هذه المصطلحات هو لفت النظر إلى أنها مسميات مختلفة لنفس المفهوم.

على أي حال، لا نكون قد بالغنا إن قلنا أن أي ممارسة يمكن أن تدخل في نطاق التدريبات الروحية. فهناك مرونة كثيرة في هذا الأمر لدى أصحاب هذا المنهج. وهذا ما جاء بالحرف الواحد في تعريف أحد رواد حركة التشكيل الروحي، جون أورتبيرج، لماهية التدريبات الروحية. يقول أورتبيرج أن التدريبات الروحية هي:

"أي نشاط يمكن أن يساعدني في الحصول على القوة التي أعيش بها الحياة التي علمها وقدم يسوع نموذجًا لها. كم عدد التدريبات الروحية الموجودة؟ يوجد تدريبات روحية بقدر ما يمكننا أن نتخيل".

على سبيل المثال هناك الصلاة التأملية، وصلاة التركيز، والصلاة التنفسية، والصلاة الأبوفاتيكية، والصلاة الكتافاتيكية، وصلاة سير المتاهة (تسير دائريًا في شيء يشبه متاهة دائرية مرسومة على الأرض مع الصلاة أثناء ذلك)، وقراءة الكتاب المقدس بطريقة الليكتيو ديفينا، والعزلة، والصمت، والخيال، والتأمل في الطبيعة، والتأمل في الصور الدينية، وتدوين اليوميات، واليوجا. قد لا تكون هذه الممارسات محصورة في كتاب واحد للتشكيل الروحي إلا أنها موجودة في الكثير منها (شرح مختصر لبعض هذه المصطلحات أدنى المقال).

ما المشكلة بالضبط في تلك التدريبات الروحية؟ ما المشكلة في مسيحيين يصلون ويصومون ويتأملون ويحتفلون ويدونون يومياتهم إلخ؟

المشكلة في تلك التدريبات هي أنها نار روحية ولاهوتية غريبة. فهي أولاً تدعو إلى ممارسات خطيرة قد تؤدي إلى الإنفتاح على خبرات شيطانية. فالممارسات النسكية التي تدعو إليها التدريبات الروحية، فضلاً عن كونها غير كتابية، لها ما يعادلها أو يشابها في الديانات الوثنية. مثل الصلاة التنفسية التي يقابلها المانترا الهندوسية. ومثل سير ما يشبه المتاهة وهي ممارسة موجودة في الكثير من العبادات الوثنية القديمة. ومثل اعطاء دور للخيال كأن تتخيل بأنك مع يسوع والتلاميذ. ومن المعروف أن الديانات الشرق آسيوية تُعَلِّم بأن العقل هو الذي يخلق الواقع. أو مثل الدعوة إلى الخروج من الجسد كما علّم ريشتارد فوستر في طبعته الأولى من كتاب "فرح الانضباط". ثانيا التدريبات الروحية مؤسسة على أخطاء لاهوتية فادحة متعلقة بشخص المسيح والكتاب المقدس والحياة المسيحية.

معنى كلامك أنه لا يوجد أية ميزة في التدريبات الروحية؟

نستطيع أن نمدح حركة التشكيل الروحي أو التدريبات الروحية على اهتمامها بالجانب الاختباري وبوسائط النعمة وبحياة الانضباط الروحي. إلا أنه من ناحية أخرى فإن هذا لا يبرر الأخطاء اللاهوتية والممارسات الخطيرة التي تتبناها وتروج لها حركة التشكيل الروحي. كما أن هناك أشياء غير مضرة مثل تدوين اليوميات أو ما يعرف بـ Journaling . إلا أنها في نفس الوقت ليست وصية كتابية حتى يُثَقَّل بها المسيحي. إن ما نكتبه من يوميات سيكون له فائدة طالما كان مؤسسًا على كلمة الله ويتخذها السلطة المعصومة الوحيدة. وفي نفس الوقت على شرط ألا يكون تدوين اليوميات بأي حال كتاب مقدس جديد لنا. فليس هناك سوى كتاب مقدس واحد.

هل هناك فكرة جوهرية أو فلسفة معينة للتدريبات الروحية؟

يقول الدكتور جاري جيللي أنه لا فرق من حيث المنهج بين حركة التشكيل الروحي والتصوف في الديانات الشرق آسيوية كالبوذية والهندوسية. والمنهج في كلاهما واحدًا وهو: التفريغ (أو التطهير)، ثم الملء (أو الاستنارة)، ثم الإتحاد بالإلهي (أو الذوبان في الحضور الإلهي). يرى د. جيللي أيضًا أنه لا فرق كبير بين حركة التشكيل الروحي وحركة emergent church إذ أن الحركتان تتداخلان معًا. إن هذا المنهج من التفريغ ثم الملء ثم الاتحاد بالإلهي يوجد تقريبًا في جميع الطرق الصوفية والنسكية.

إن كانت التدريبات الروحية نار غريبة، فكيف تتسلل هذه النار إلى دخل كنائسنا ومسيحيتنا؟ كيف تحدث عملية الخداع؟

(١) يستخدم رواد التدريبات الروحية مصطلحات مسيحية لتقديم مفاهيم وثنية. على سبيل المثال، أشرنا سابقًا إلى الصلاة التأملية. و"الصلاة التأملية" مصطلح يبدو أنه كتابي ولا غبار عليه. إلا أنه يخفي وراءه مفهوم وثني. ذلك لأن ما يقصده رواد التدريبات الروحية من وراء ذلك المصطلح هو تكرار كلمة أو جملة معينة داخل القلب لمرات كثيرة حتى يتم تطهير العقل من المشتتات (التفريغ). ثم تأتي المرحلة التالية وهي سماع صوت الله في الداخل (الملء). وأخيرًا الهدف النهائي وهو الوصول إلى ذلك الإحساس الصوفي أو الرومانسي بحضور الله. لاحظ كم المفاهيم الغريبة؛ الله يتكلم إلينا في الصلاة مع أن الصلاة هي أننا نتكلم مع الله، وهو يتكلم داخل قلوبنا مع أن الصواب هو أنه يكلمنا من إعلان الكلمة الموضوعي، ثم تنميل أو إيقاف العقل في حين أن الصواب هو الانشغال العقلي النشط بكلمة الله.

(٢) الخداع يتم أيضًا عن طريق إبراز جانب من الحق المسيحي وتقديمه على أنه كل المسيحية. التدريبات الروحية تقوم بإبراز الجانب الشعوري أو الاختباري أو التعبدي على حساب التعليم والحق الكتابي. إننا نستطيع القول أن الحياة المسيحية هي تعليم سليم، وسلوك بار، وعبادة صادقة. إن كل من السلوك والعبادة ينبغي أن يؤسسا على التعليم السليم. فالتعليم الصحيح هو جانب مركزي وجوهري في الحياة المسيحية ولا يمكن أن تقوم بدونه. إلا أن دعاة التدريبات الروحية يختزلون المسيحية في ذلك الجانب الاختباري متجاهلين الحق الكتابي الذي هو أساس كل شيء.

(٣) ناهيك طبعًا عن أنه عند تجربة تلك الممارسات فهي تثمر نشوة روحية أو نفسية معينة فيخطأ الظن من يمارسها على أنها حقيقية أو صادقة لأنها أعطته شعورًا معينًا بالنشوة الروحية.

وهكذا فإن الخداع يحدث من خلال استخدام مصطلحات كتابية، وإبراز جانب من الحق المسيحي على أساس أنه كل المسيحية أو جوهر المسيحية، بالإضافة إلى النشوة النفسية التي تضفي مصداقية على تلك الممارسات.

ما هي الأخطاء اللاهوتية أو الكتابية للتدريبات الروحية؟

(١) يسوع مثال أكثر من كونه مُخَلَّص

إن حركة التدريبات الروحية تنظر إلى يسوع بإعتباره المثال وليس المخلص الذي خلصنا من دينونة الخطية ويخلصنا من فعاليتها. لهذا نسمع عبارات تُعَرِّف التشكيل الروحي على أنه سعي لمشابهة يسوع، أو نفعل ذلك على مثال يسوع، أو ماذا كان سيفعل يسوع لو كان مكاننا، إلخ (راجع تعريف أورتبيرج للتدريبات الروحية أعلاه). صحيح أن معلمو التدريبات الروحية لا ينكرون كون المسيح مخلص، إلا أننا لا نسمع أو نقرأ لدعاة التشكيل الروحي رسالة مركزها الخلاص من دينونة الخطية ومن سلطانها. وهذا أمر خطير، فالأخطاء اللاهوتية لا تتحدد فقط بما تقوله بل بما تغفله أيضًا. إن يسوع مثال لأن معضلة الإنسان التي يفترضها دعاة التشكيل الروحي بصورة ضمنية وخفية هي أن الإنسان باحث عن الراحة أو اللقاء الإلهي أو الملء الروحي، وليس أنه بصفة أساسية مذنب ونجس يحتاج إلى تبرير وتجديد. لا شك أن العلاقة مع المسيح تشبع وتملأ، إلا أن هذا ليس على حساب باقي أوجه الخلاص الجوهرية. كما أن الشبع أو الراحة أو الملء لا يأتي إلا من خلال التمركز حول العمل الكفاري للمسيح. إننا نشبع فقط عندما نأكل من وليمة الصليب.

(٢) الله هو مانح السعادة والسكنية

إن كان يسوع مثال أكثر من كونه مخلص، وإن كان الإنسان كائن باحث عن السعادة والراحة، فالله هو مانحهما. ولكن ما المشكلة في أن يكون الله هو مانح السعادة والراحة؟ صحيح أن الله هو مصدر السعادة والراحة، إلا أن دعاة التدريب الروحي ينشدون السعادة التي تجلبها العلاقة مع الله دون التركيز على العلاقة نفسها. بكلمات أخرى، إنهم يريدون نتائج العلاقة مع الله دون التركيز على العلاقة القائمة على المصالحة الكفارية التي أنجزها المسيح. وفي هذا تشترك حركة التدريب الروحي مع الإنجيل العلاجي في كونهما يبحثان عن ملطف أو مسكن للألم. إن حركة التدريبات الروحية هي بمثابة السُكْر الصوفي الجديد الذي افتتن به الكثير من المسيحيين المعاصرين. إلا أنه لا فرح ولا سلام ولا سعادة ولا سكينة يمكن أن نجنيها دون التمركز حول المصالحة والتبرير اللذان أنجزهما لنا المسيح. إن التمتع والتأمل فقط بهذه المصالحة هو الذي يجلب الراحة والفرح.

(٣) التركيز على الاختبار أو الشعور

في صميم حركة التشكيل الروحي تركيز على ما ينبغي أن يشعر به المسيحي؛ تلك الحالة من السكينة أو النشوة التي ينبغي أن ينشدها. الإحساس الصوفي هو جوهر هذه الحركة. فكما قلنا سابقًا أن فلسفة هذه الحركة قائمة على التفريغ ثم الملء ثم الاتحاد بالإلهي. لهذا لا نسمع من رواد هذه الحركة تأكيد على التعليم الكتابي أو استخدامه كالواسطة التي تُحدث تلك الحالة من الفرح أو الشعور بحضور الله. فحتى قراءة الكتاب المقدس لا يستخدمونها للدراسة التعليمية القائمة على التأمل العقلي النشط، بل لتنميل العقل. فالعقل بالنسبة لهم يُعتبر عدو أو عائق ينبغي الانتصار عليه. مثلاً قراءة الليكتيو ديفينا هي أن تأخذ مقطع كتابي ثم تقوم بتكرار جملة أو كلمة منه إلى أن يتم تفريغ عقلك من المشتتات حتى تحصل على الاستنارة (الملء) ثم تصل إلى حضور الله.

(٤) التوجه المسكوني والشمولي للخلاص

النتيجة الخطيرة للتركيز على الشعور هو المسكونية وشمولية الخلاص. وفي هذا فإن حركة التشكيل الروحي بتركيزها على الاختبار والشعور مع إهمال التعليم لا تختلف عن الليبرالية اللاهوتية. قال شلايرماخر والذي يُعرف بـ "أبو اللاهوت الليبرالي" أن: "جوهر الدين هو الحدس أو الشعور". لقد أرادت الليبرالية اللاهوتية أن تنأى بالمسيحية عن الكتاب المقدس والعقيدة لترتمي في أحضان الرومانسية الروحية بجعل المسيحية اختبار وليس تعليم، وذلك حتى تتجنب الصدام اللاهوتي مع العقلانية من ناحية، وحتى تكون جذابة للإنسان الطبيعي من ناحية أخرى. سام هاريس الملحد المعروف قال بدوره: "ينبغي الفصل بين الروحانية والدين، لأن هناك أناس من كل عقيدة، ومن لا عقيدة لهم، لديهم نفس جذور الاختبارات الروحية". لهذا لا عجب أن أنصار التدريبات الروحية مسكونيون وشموليون. فإن كان الشعور أو الاختبار هو أهم ما يميز الدين، إذًا، يمكن لجميع البشر أن يلتفوا حول هذه الخبرة المشتركة بغض النظر عن اختلاف عقائدهم.

على سبيل المثال، هنري نووين وهو أحد كبار رواد هذه الحركة الصوفية قال: "اليوم، أؤمن أنا شخصيًا أنه بينما جاء يسوع ليفتح الباب لبيت الله، فإن كل البشر يمكنهم الدخول من هذا الباب، سواء كانوا سمعوا عن يسوع أو لم يسمعوا. اليوم أرى أنها دعوتي لمساعدة كل شخص بالتأكيد على حقه في إيجاد طريقه الخاص إلى الله" (Sabbatical Journey).

(٥) الناموسية

تقريبًا في كل مقدمة تقرأها أو تسمعها عن التدريبات الروحية تجد تنويه أو تأكيد على أنها ليست ناموسية. على ما يبدو أن دعاة التدريبات الروحية أنفسهم يشعرون بهذا الخطر لهذا يحاولون التأكيد على خلاف ذلك. إلا أن ما يؤكدونه شيء وما تقوله حقيقة منهجهم شيء آخر. العبرة ليس بما ندعيه بل بما عليه الواقع فعلاً. لكن كيف يكون التركيز على التدريبات الروحية نوع من الناموسية؟ في الحقيقة إن حركة التشكيل الروحي بتأكيدها على أنه لابد أن يكون هناك شعور معين من السكينة أو السعادة أو النشوة الصوفية أو التفريغ الروحي هو ناموس يُثقل به المسيحي. صحيح أن المسيحي ينبغي أن يعيش حياة الإتكال الهاديء والفرح، إلا أن هذا مختلف عن النشوة الصوفية الفائرة التي يدعو إليها أولئك. كما أن التغيير والنمو يحدث فينا عند ممارسة وسائط النعمة حتى ولو لم نشعر شعور مباشر بحدوث هذا التغيير. فهو يحدث بهدوء في أعماق النفس. لهذا فإن التدريبات الروحية تتضمن بصورة خفية عودة إلى الأركان الضعيفة بإثقال ضمائر المسيحيين بناموس الشعور الصوفي الفائر.

"إذ كنتم قد متم مع المسيح عن أركان العالم، فلماذا كأنكم عائشون في العالم؟ تفرض عليكم فرائض: لا تمس، ولا تذق، ولا تجس. التي هي جميعها للفناء في الاستعمال. التي لها حكاية حكمة بعبادة نافلة، وتواضع وقهر الجسد، ليس بقيمة من جهة إشباع البشرية" (كو ٢ : ٢٠ – ٢٣).

(٦) البحث عن الله في الداخل وليس في إعلان الكلمة الموضوعي

إن أصحاب التدريبات الروحية يبحثون عن الله في داخلهم وليس كما أعلن هو عن نفسه في إعلان الكلمة الموضوعي؛ الكتاب المقدس. لهذا فحركة التشكيل الروحي فردية وداخلية التوجه في مقابل أن المسيحية الكتابية التي هي جماعية وكنسية وموضوعية التوجه. إنها نوع من عبادة الذات. صحيح أن فوستر وآخرون يتكلمون عن الانضباطات الجماعية إلا أن الحركة في مجملها تظل حركة ذاتية وشخصية التوجه. قال أيضًا نووين: "الله الذي يسكن في القدس الداخلي، هو نفسه الذي يسكن في القدس الداخلي في كل إنسان" (Here and Now). وهذا فضلاً عن كونه شمولية فهو ينم عن نوع من العبادة للذات وللأحساسيس الداخلية.

(٧) افتراض عدم كفاية الكتاب المقدس للتقديس

إن دعاة التدريبات الروحية يرتكبون خطًا فادحًا تجاه كلمة الله يتمثل في افتراضهم عدم كفايتها. فهم على سبيل المثال يقولون أننا علينا تَعَلُّم التدريبات الروحية من "خبراء التأمل" أو خبراء النفس Masters of the soul كما يسميهم فوستر. والسبب في أنهم خبراء هو أن ما يدعون إليه لم يرد في الكتاب المقدس. لهذا عليك أن تستمع لنصائح الخبراء. على أنها أصبحت ناموسًا وليست مجرد نصائح. بالمناسبة أليس هذا يذكرنا بالغنوصية التي كان لها معلمون يحتكرون ذلك الاختبار الصوفي؟ مثال آخر على الهجوم الخفي على كلمة الله بواسطة هذا التيار هو الادعاء بإمكانية سماع صوت الله داخل النفس وخارج الكتاب المقدس. فالصلاة التي من المفترض أن الله يسمعنا فيها، يَدَّعون أننا علينا أن نسمع صوت الله في الصلاة بعد تفريغ العقل من المشتتات. أخيرًا وليس آخرًا، تدريب تدوين الملاحظات اليومية من الممكن أن يصبح لدى أولئك كتاب مقدس جديد. المنهج والممارسات التي يدعو لها قائمان على افتراض بعدم كفاية الكتاب المقدس.

إلا أن الكتاب المقدس فيه كفايتنا للعلاقة مع الله والتقديس "كل الكتاب هو موحى به من الله، ونافع للتعليم والتوبيخ، للتقويم والتأديب الذي في البر، لكي يكون إنسان الله كاملاً، متأهبًا لكل عمل صالح" (٢ تي ٣ : ١٦ – ١٧).

(٨) ممارسات خطيرة

تدعو حركة التدريبات الروحية إلى الكثير من الممارسات الخطيرة التي تقود إلى خبرات شيطانية. منهج التشكيل الروحي نفسه قائم على التوجه الصوفي الخطير بـ التفريغ والملء والتوحد بالإلهي. إلا أن أوضح مثال على خطورة الممارسات التي تدعو لها هذه الحركة هو الخروج خارج الجسد. يقول ريتشارد فوستر:

"في مخيلتك، اسمح لجسدك الروحي، المشع بالنور، أن يخرج من جسدك المادي. انظر إلى الوراء حتى تتمكن من رؤية نفسك مستلقيًا على العشب وطمأنة جسدك أنك ستعود للحظات. تخيل ذاتك الروحية، حية ونابضة بالحياة، ترتفع عبر السحب إلى الستراتوسفير ... تعمق أكثر فأكثر في الفضاء الخارجي حتى لا يوجد شيء سوى الحضور الدافئ للخالق الأبدي. استرح في محضره. استمع بهدوء وتوقع غير المُتَوَقَّع. انتبه بحرص إلى أية تعليمات تُعْطَى لك. مع الوقت والخبرة سوف تكون قادرًا على التمييز بسهولة بين مجرد الفكر البشري الذي قد ينفجر في العقل الواعي والروح الحقيقية التي تتحرك داخل القلب".

الاقتباس السابق من كتاب "فرح الإنضباط" موجود فقط في طبعة ١٩٧٨ ص ٢٧ و ٢٨ ، وهي الطبعة الأولى. وقد تم حذفه من الطبعات اللاحقة والمسيحي الفطن يفهم لماذا. إلا أن هذا الكلام قد أقْتُبِسَ بالنص في موسوعة ديانة العصر الحديث New Age Encyclopedia إصدار ١٩٩٦ ص ٤٦١.

الخيال أيضًا هو أحد الممارسات الخطيرة التي يدعو إليها أصحاب مذهب التدريب الروحي. يوجد واعظ إنجيلي يروج للخيال من خلال تحريضات مثل: شغل الخيال والصور، اطلق الخيال، اغسل الخيال بجماله، صورة الله في خيالك. خذ مثلاً القول: "اغسل خيالك بجمال يسوع، احفظ آية من الكتاب المقدس ورددها لكي تحفظ روحك نقية". هل الترديد الذي يقود إلى تنميل العقل هو الذي يحفظنا أنقياء؟ أم تأمل العقل فيما نفكر فيه أو نردده؟ أيضًا تريزا الآفيلية تقول: "إذ لم أستطع أن أتأمل وأفكر بواسطة فهمي، لجأت إلى تصور السيد المسيح في داخلي". (فوستر، فرح الانضباط ص ٥٣)‏ إن هذا عبادة ليسوع من صنع الخيال، بل عبادة للذات.

يحرض أيضًا أصحاب هذا المنهج على استخدام الخيال في الصلاة وقراءة الكتاب إلى حد التخيل أنك مع يسوع عندما كان على الأرض وتراه شخصًا وتشم نفس الروائح وتسمع نفس الأصوات.

تنميل العقل أو تفريغه ومن ثم الإستسلام للأحاسيس الباطنية المبهمة هو إحدى الممارسات الخطيرة لهذه الحركة الخطيرة أيضًا. جاء في كتاب يستخدم كمرجع رئيسي لهذه الحركة: "لأننا في هذه الظلمة نختبر فهمًا باطنيًا لكل شيء مادي وروحي دون إيلاء اهتمام خاص لأي شيء على وجه الخصوص" (The Cloud of Unknowing).

وكمثال بارز على هذا التفريغ للعقل أو تلك الضبابية التي ينشدها أصحاب هذا المنهج هو ما قالته الأم تريزا.

سال أحدهم الأم تريزا: "ماذا تقولين عندما تصلين؟"
أجابت: "لا شئ! أنا فقط أسمع".
فسألها مرة أخرى: "ماذا يقول لكِ الله؟"
أجابت: "لا شئ! هو فقط يسمع".

التطبيق الرعوي

المسيح ليس مجرد مثال لكي يكون هدفنا فقط هو التمثل به والوصول إلى صورته، لكن هو مخلص من دينونة الخطية وسلطانها قبل كل شيء.
الاختبار الروحي مهم جدًا إلا أن العقيدة تحتل جانب مركزي في حياة وممارسة المسيحي.
الأورثودوكسي، أي التعليم الصحيح، هو الطريق إلى الأورثوباثي، أي العبادة السليمة والصادقة.
العقل ليس عدو، بل صديق وحليف لنا في ممارستنا لوسائط النعمة "عبادتكم العقلية". لا سبيل للتأثير على القلب إلا من خلال عقل يتأمل بوعي ونشاط في كلمة الله. لهذا علينا أن نحذر من أي حركة تدعو إلى تهميش أو تخدير أو تنميل العقل (ومن ثم العقيدة).
الكتاب المقدس به كل ما يكفينا من وسائط النعمة التي عينها الله للتقديس والنمو والعبادة والعلاقة معه.

***
بعض التعريفات

الصلاة التأملية Contemplative Prayer : تكرار كلمة مثل يسوع أو جملة "مثل اللهم ارحمني أنا الخاطيء" مرات كثيرة جدًا حتى يتم تفريغ العقل من المشتتات وسماع صوت الله في الصلاة.

الصلاة التنفسية Breath Prayer : تكرار صلاة مكونة من كذا مقطع، كل مقطع فيهم بطول النَفَسْ، جملة مع الشهيق، وأخرى مع الزفير، مرات كثيرة، حتى تسرى من العقل إلى القلب إلى الجسد. وممكن للشخص يسقتبل هذه الصلاة من الله (بحسب زعمهم).

صلاة التركيز Centering payer : تركيز على الصمت الداخلي.

الصلاة الكتفاتية Kataphatic prayer : تستخدم الأفكار والكلمات والصور والأشكال.

الصلاة الأبوفاتيكية Apophatic prayer : لا تستخدم الأفكار أو الكلمات أو الأشكال أو الصور. وهذه تبدو أنها مشابهة لصلاة التركيز.

صلاة سير المتاهة Labyrinth Prayer Walk : تسير دائريًا في شيء يشبه متاهة دائرية مرسومة على الأرض مع الصلاة أثناء ذلك. هذه الدائرة لها فتحة تقودك عبر مسارات دائرية أو حلزونية إلى مركز الدائرة، ثم إلى الخارج مرة أخرى. السير يكون على ثلاث مراحل، الدخول وترديد صلاة معينة (التفريغ)، ثم الوصول إلى المركز والتركيز على حضور الله مع الصلاة (الإستنارة)، ثم الخروج مرة أخرى بعد الاتحاد بالإلهي.

قراءة الكتاب المقدس بطريقة الليكتيو ديفينا Lectio Divina : أن تقرأ نص كتابي إلى أن تلمع أمامك كلمة أو عبارة فتقوم بترديدها عشرات أو مئات المرات إلى أن يتم تطهير عقلك من المشتتات ثم سماع صوت الله واختبار حضوره.

هذه التعريفات قد تختلف بين دعاة التشكيل الروحي نظرًا لأن المنهج نفسه هلامي وبه حرية كبيرة لاختيار ما يناسبك من الممارسات بل وبإجراء ما يروق لك من التغييرات على تلك الممارسات.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس