خطورة التمييز بين العقائد المركزية والعقائد غير المركزية


ليست كل التعاليم المسيحية متساوية من حيث الأهمية. بل يوجد فيها تعاليمًا جوهرية وأخرى ثانوية. وقد أدرك المصلحون البروتستانت هذا الأمر الخطير فقاموا بالتمييز بين ما هو جوهري وما هو ثانوي. وعن هذا التمييز الحرج الذي قام به المصلحون، يقول المؤرخ ريتشارد مولر:

"العقائد الأساسية articuli fundamentales : هو مفهوم عقائدي ... يتم بموجبه تمييز العقائد الأساسية الضرورية للإيمان المسيحي عن العقائد الثانوية أو المشتقة منطقيًا. وبالتالي فإن العقائد الأساسية هي تلك العقائد التي بدونها لا يمكن للمسيحية أن توجد والتي تكون سلامتها ضرورية للحفاظ على الإيمان. هذه الفئة من العقائد الأساسية تشمل فقط العقائد التي قدمها الوحي، أي عقيدة الخطية وعواقبها، عقيدة شخص وعمل المسيح، عقيدة القيامة، وعقيدة الكلمة المكتوبة كأساس للإيمان".

وعن العقائد غير الأساسية، يضيف مولر:

"العقائد غير الأساسية articuli non-fundamentales : هي عقائد لا يهدد إنكارها عقيدة الخلاص لأنها ليست أساسية للحفاظ على الحق المسيحي ولا تتعلق بالأهداف الأساسية للإيمان ... مثل هوية ضد المسيح وطبيعة الملائكة. هذه العقائد، مع ذلك، هي كتابية، وبالتالي، إذا تم ذكرها بشكل صحيح، فهي بناءة".

فضلاً عن ذلك، هناك عقيدة بعينها خصها المصلحون بالوصف كالأكثر جوهرية من بين كل العقائد articulum omnium fundamentalissimum ، وهي عقيدة التبرير بالإيمان وحده. بالاتساق مع ذلك، ما ينطبق على المركزية المطلقة للتبرير بالإيمان ينطبق على باقي أوجه الجانب القضائي الإسخاطولجي من الخلاص مثل غفران الخطايا والحياة الأبدية.

إلا أن إحدى الطرق الشائعة للطعن في العقائد الخطيرة، ليس بإنكارها صراحة، بل بإزاحتها من المركز. بإعلاء حقائق أخرى غير مركزية فوقها. أو بتمويع فكرة المركزية عمومًا وجعل كل الحقائق متساوية من حيث الأهمية. لهذا، فالهرطقة يمكن أن تأخذ شكل ماكر. فهي ليست بالضرورة إنكار صريح للحق الكتابي. بل يكفي أن تكون فقط عملية إحلال وإستبدال لحقائق كتابية ولكن ليست على نفس الدرجة من الأهمية أو المركزية.

أو طبقًا لكلمات وثيقة دالاس عن الإنجيل والعدالة الإجتماعية والتي خطها مجموعة من كبار اللاهوتيين من بينهم مكارثر: "إن الهرطقة غالبًا ما تتضمن استبدال الحقائق الجوهرية بمفاهيم مختلفة، أو إعلاء الأشياء غير الجوهرية إلى مرتبة الجوهريات".

أو بحسب كلمات المفسر الكبير دوجلاس موو (مع بعض التصرف) في سياق تفنيده لتعليم إن تي رايت حول المنظور المحدث لبولس: "أن تضع في الخلفية ما يضعه الكتاب المقدس في الطليعة، وتُحضر إلى الطليعة ما يحيله المقدس إلى الخلفية". ‏

اتخاذ الهرطقة لهذا الشكل، أي باستبدال ما هو مركزي بما هو ليس مركزي، أو بتمويع الحق وجعل كل الحقائق متساوية من حيث الأهمية، غالبًا ما يصعب رصده بواسطة المسيحي العامي. مما يزيد من خطورة الأمر.

التصريحات التالية لمشاهير الوعاظ هي أمثلة للطعن في مركزية الجانب القضائي الإسخاطولوجي من تعليم الخلاص:

"اختزال الخلاص إلى مجرد الذهاب للسماء هي هرطقة مسيحية" (الدكتور ماهر صموئيل)

"نعم هناك سماء، نعم هناك جحيم لكن الكتاب المقدس لم يعطي تفاصيل هذا وذاك لأنه لا يريد أن يرهبنا أو يرغبنا لكن الله يبحث عن علاقة شخصية معه" (الدكتور ماهر صموئيل)

"نحن كانجيليين تركيزنا كله على غفران الخطايا والتبرير، مفهوم الخلاص لدينا اختزل إلى غفران الخطايا والتبرير، هذا خطير لأن التبرير في الايمان المسيحي وسيلة وليس الغاية، وسيلة للتبني، التبرير والمصالحة وغفران الخطايا ليس الغاية لكن مجرد وسيلة" (الدكتور ماهر صموئيل)

"هذه هي الحياة الأبدية إذاً! ليست الحياة التي تبدأ بعد الموت، بل الحياة التي لا نهاية لها، فتوصف بالأبدية، لأن معرفة الله هي الحياة الأبدية" (القس سامح موريس)

"لا يتعلق الإنجيل بكيفية الدخول إلى ملكوت السماوات بعد موتك، بل يتعلق أكثر بكيفية العيش في ملكوت السماوات قبل أن تموت" (دالاس ويلارد)

في التصريحات السابقة لم يتم الإنكار الصريح للجانب القضائي الإسخاطولوجي من الخلاص، ولكن تم تنحيته إلى الهامش. أو على الأقل طمس مركزيته وجعله يتساوى مع باقي التعاليم من حيث الأهمية. وهذا الطعن في مركزية ذلك الجانب الخطير من الخلاص هو بمثابة الإنكار له. من هنا تكمن أهمية هذا التمييز الخطير بين ما هو جوهري وما هو غير جوهري في الإيمان المسيحي. عدم الحفاظ إذًا على مركزية العقائد التي ينبغي أن تكون في المركز يكلفنا الإنجيل نفسه. إنها هرطقة أن تزيح الحقائق المركزية عن مكانتها التي تليق بها.

فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي الأَوَّلِ of first importance مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضًا: أَنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ الْكُتُبِ، وَأَنَّهُ دُفِنَ، وَأَنَّهُ قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَسَبَ الْكُتُبِ، (١ كورنثوس ١٥: ٣، ٤)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس