كيف تقرأ سفر المزامير


إن كانت القاعدة العامة في أسفار الكتاب المقدس هي أنها أقوال الله إلى الإنسان، فإن المزامير، في الأساس، هي صلوات أو كلمات الإنسان إلى الله. على أن هذا لا ينبغي أن ينتقص من كونها وحيًا معصومًا كما يحاول بعض الليبراليون الفعل بحجة أنها صلوات للتعبير عن المشاعر الإنسانية. ففي النهاية هي صلوات موحى بها من الروح القدس مثلها في ذلك مثل أقوال الأنبياء وتعاليم الرسل.

إلا أنه تظل هناك أهمية لإدراكنا أن المزامير هي في الأساس كلمات الإنسان إلى الله. وهذه الأهمية تكمن في أن المزامير تعبر عن صلوات نابعة من عمق الخبرات الروحية البشرية للأتقياء. فالمزامير كما قال لوثر "كتاب مقدس صغير". وطبقًا لكلمات سبرجون: "هي مستودع أسلحة كامل لمعارك الحياة، وإمدادات مثالية لاحتياجات الحياة. هنا لدينا كل من البهجة والفائدة، العزاء والتوجيه. لكل ظرف يوجد مزمور مناسب ومشجع".

ثراء المزامير .. صعوبة وميزة في نفس الوقت!

كتبة المزامير كثيرون. وهم كالتالي:

مزمورًا واحدًا لموسى ٩٠.
٧٣ مزمورًا لداود في الجزئين الأول والثاني.
مزموران لسليمان ٧٢ ، ١٢٧.
١٢ مزمورًا لآساف ٥٠ ، ٧٣ – ٨٣.
١٠ مزامير لبني قورح ٤٢ ، ٤٤ – ٤٩ ، ٨٤ – ٨٥ ، ٨٧.
مزمورًا لهيمان الأزراحي ٨٨.
مزمورًا لإيثان الأزراحي ٨٩.

هذا الثراء الذي في المزامير أحد أهم أسبابه هو أن كتابتها ومن ثم تجميعها استغرقا ألف عام. بدءًا من موسى (مزمور ٩٠)، مرورًا بداود (مزمور ٥١) وسليمان (مزمور ٧٢)، ووصولاً إلى وقت العودة من السبي (مزموري ١٢٦، ١٣٧). وهذا يعني أن المزامير ظل سفرًا متناميًا طيلة ألفية بأكملها. إلا أن هذا الثراء والتنوع في المزامير أيضًا يشكل صعوبة من ناحية أخرى. إذ يرى رايكن أن المزامير هي تجميع من الأشعار التي لا يجمعها رواية تاريخية أو سياق تاريخي موحد كسفر أيوب مثلاً رغم اشتراكه مع المزامير في كونهما سفرين شعريين. وأن أي إضفاء لنظام ما عليها هو بمثابة إقحام لشئ غير أصيل فيها:

"نقطة البداية لفهم المعنى الأدبي للسفر هي الاعتراف بأنه مختارات من الأشعار. المزامير الفردية (اللاجماعية) هي كتابات حكمة وليست فصولاً في قصة مستمرة أو رسالة. حتى التقسيم التقليدي إلى خمسة ‘أقسام’ مضلل، وذلك بالنظر إلى أن ما يحتويه كل من هذه الوحدات ليس مُوَحَّدًا بقوة. أكثر ما يمكننا قوله هو أن هناك مجموعات عرضية من المزامير التي تنتمي معًا (على سبيل المثال، المزامير ١٢٠ – ١٣٤ كلها تحمل عنوان ‘مزامير المصاعد’، مما يعني أنها مزامير حج تُتلى أو يُتأمل فيها بواسطة عابدي العهد القديم عند صعودهم لعبادة الله في الهيكل في أورشليم). بالإضافة إلى ذلك، نحتاج إلى التخلي عن جميع الترتيبات غير الأصيلة (الإصطناعية) للسفر وندرك أن هناك أنواع فرعية من الاشعار، مثل الرثاء، والتسبيح، وما شابه ذلك. الانتماء الأقرب، في أي مزمور، هو لأعضاء آخرين من نفس أسلوبه الأدبي، وليس الأشعار التي تسبقه وتتبعه مباشرة". (رايكن)

لونجمان يوافق رايكن الرأي في أن اتساع القرينة التاريخية يشكل صعوبة عند قراءة السفر نظرًا لأن كتابته استغرقت ألف عام، أي تقريبًا تاريخ إسرائيل بأكمله. فضلاً عن ذلك، طبقًا للونجمان أيضًا، فإن قرينة كل مزمور على حدة غير واضحة تاريخيًا. على أن لونجمان يرى أنه رغم الطبيعة التاريخية غير المحددة للسفر، بسبب اتساع سياقه التاريخي، والتي تشكل صعوبة عند قراءته، إلا أنه من ناحية أخرى يراها ميزة في السفر إذ تزيد من المساحة التطبيقية له:

"المزامير غير محددة تاريخيًا، لذا يمكن استخدامها باستمرار في عبادة إسرائيل الجماعية والفردية لله. دائمًا ما تكون المزامير ذات صلة باحتياجات الشعوب وكذلك احتياجات الأفراد الإسرائيليين". (لونجمان)

بكلمات أخرى، فإن كتبة المزامير تعمدوا كتابتها بأسلوب عام أو بأسلوب به من المرونة ما يسمح بإستخدامها في العبادة في أي وقت أو ظرف ولا سيما في عبادة إسرائيل اللاحقة. أي أن عمومية السياق وعدم حصريته هي ميزة مقصودة في المزامير للسماح باستخدامها على نطاق واسع في العبادة بواسطة الأفراد والجماعات.

ماذا عن التقسيم الخماسي للسفر؟

التقسيم الخماسي لسفر المزامير، بالتوازي مع أسفار موسى الخمسة، هو تقسيم شائع. على أن القارئ لسفر المزامير يجد صعوبة في إيجاد أي مادة أو خيوط داخلية تبرر هذا التقسيم. بل إن قارئ سفر المزامير، عوضًا عن التقسيم الخماسي، سيلحظ وجود وحدات أو أقسام أخرى في السفر مثل مزامير المصاعد ١٢٠ – ١٣٤، ومثل المزامير الإيلوهيمية أي التي تستعمل إسم "إيلوهيم" بدلاً من "يهوه" ٤٢ – ٨٣. وليس رايكن وحده، كما رأينا، الذي لا يعتقد بأصالة التقسيم الخماسي للسفر. يؤكد لونجمان أيضًا هذا الأمر بصورة أكثر قوة:

"من المستحيل تحديد سبب تقسيم أجزاء السفر كما هي طبقًا لأماكنها. تم تجميع بعض المزامير معًا على أساس التشابه في التأليف أو المحتوى أو الغرض. ورغم هذا الترتيب، فإن هذه المجموعات عرضية، ولا يمكن ملاحظة أي هيكل تنظيمي شامل للسفر. لم تُحسم المسألة بعد. في حين أنه قد لا يتم اكتشاف بنية أساسية عامة في سفر المزامير، إلا أن هناك ما يبدو أنه توجهات ومواضع متعمدة داخل السفر ككل". (لونجمان)

إن التقسيم الخماسي لسفر المزامير يمكن أن يكون تقسيمًا ثانويًا فيه إلا أنه ليس أصيلاً في السفر. ليس خطأ ولكنه ليس في صميم بنية المزامير حتى يساعدنا على قراءتها أو تفسيرها.

الأسلوب الأدبي والأساليب الفرعية للسفر

إن كان كل من عدم أصالة التقسيم الخماسي للسفر، واتساع السياق التاريخي له، وعدم وضوح القرينة التاريخية لكل مزمور على حدة، تشكل جميعًا صعوبة عند قراءة السفر. فهل ثمة أدوات أخرى تساعدنا على قراءته؟

الأسلوب الأدبي المكتوب به سفر المزامير هو الشعر العبري. ومن ثم يمكننا تطبيق قواعد قراءة الشعر العبري والتي سنعالجها في بحث آخر. إلا أن هناك أساليب أدبية فرعية للمزامير. أكثر ثلاثة شيوعًا في السفر هي الترانيم، والرثاء، والشكر.

الترانيم، وهي صلوات صادرة عن حالة من السلام يتمتع بها المرنم تكون فيها أموره على ما يُرام. يقوم المرنم فيها بتسبيح الله لأجل شخصه وعمله. وتتكون كل ترنيمة من هيكل ثلاثي: دعوة للتسبيح، التسبيح، تجديد الدعوة للإيمان أو التسبيح. أمثلة على الترانيم: ٨، ١٩، ٢٩، ٣٣، ٦٥، ٦٧، ٦٨، ٩٦، ٩٨، ١٠٠، ١٠٣ – ١٠٥، ١١١، ١١٣، ١١٤، ١١٧، ١٣٥، ١٤٠ – ١٥٠.

مزامير الرثاء (الشكوى)، وهي الأكثر شيوعًا. وتكون إما فردية أو جماعية، للتعبير عن الضيق والآلام الحاضرة، أي عندما لا تكون الأمور على ما يُرام. تتكون بصفة عامة من تضرع للمعونة متبوعًا بثقة أو تسبيح. خاتمة أي مزمور للرثاء إذًا دائمًا إيجابية. أمثلة لمزامير الرثاء الفردية: ٣، ٥ – ٧، ١٣، ١٧، ٢٢، ٢٥ – ٢٨، ٣٢، ٣٨، ٣٩، ٤٢، ٤٣، ٥١، ٥٤ – ٥٧، ٥٩، ٦١، ٦٣، ٦٤، ٦٩ – ٧١، ٨٦، ٨٨، ١٠٢، ١٠٩، ١٢٠، ١٣٠، ١٤٠ – ١٤٣. وكأمثلة على مزامير الرثاء الجماعية: ٤٤، ٧٤، ٧٩، ٨٠، ٨٣، ٨٩.

مزامير الشكر، وتتكون من دعوة للشكر، وتَذَكُّر للضيق في الماضي واستجابة الله، ثم تجديد الدعوة للشكر. أمثلة على مزامير الشكر: ١٨، ٣٠، ٣٤، ٤٠، ٤١، ٦٦، ٩٢، ١١٨، ١٢٤، ١٣٨.

وإن لاحظنا، سنجد أنه بصفة عامة فإن أي مزمور من المزامير السابقة، له هيكل ثلاثي. وطبقًا لرايكن فإن هذا الهيكل الثلاثي يتكون من: "مقدمة لموضوع المزمور (الباعث الذي يستجيب له المرنم)، جسد المزمور، وصلاة ختامية أو أمنية أو حل عقلي للقضايا المطروحة".

بالإضافة إلى ما سبق، يوجد فئات فرعية أخرى للمزامير غير الثلاثة السابقة ولكنها أقل شيوعًا. مثل مزامير الحكمة والتي تضع اختيارين أمامنا؛ الحكمة والتي هي التقوى المؤسسة على معرفة وطاعة الناموس (التوراة). وذلك في مقابلة الجهل أي الشر والتمرد على الرب وكلمته. مثل مزامير: ١، ١٤، ٣٧، ٧٣، ٩١، ١١٢، ١١٩، ١٢٨. وفي هذا الصدد يقول كبار باحثي العهد القديم أن وضع مزمور ١ في أول المزامير ليس أمرًا عشوائيًا. بل مدخل ضروري للسفر إذ يتم الإشارة من خلال وضعه في الصدارة إلى كون المزامير ليست مجرد تعبير عن مشاعر داخلية كما يحاول بعض الليبراليون اختزالها، بل هي الحكمة الموحى بها والتي يحتاجها كل تقي ليحيا حياة مباركة كشجرة مغروسة عند مجاري المياه. إنها على نفس المستوى من "ناموس الرب" الذي كتبه موسى مع الفارق في الأسلوب الأدبي لكل من التوارة والمزامير. على النقيض من ذلك الأشرار الذي يعيشون، لا حسب مشورة الرب، بل حسب مشورة أنفسهم الشريرة وطرقهم الضالة والتي تؤل بهم في النهاية إلى الهلاك.

عناوين المزامير .. مرشد في الطريق!

من ضمن الأدوات التي تساعدنا على قراءة سفر المزامير بصورة مثمرة هي رؤوس المزامير، أو عناوينها. على الرغم أنه ليس كل المزامير تسبقها تلك الرؤوس أو العنوانين، إلا أنها متى وُجدت، تمدنا بشيئًا عن الكاتب، والسياق التاريخي، والاستخدام في العبادة (مثل مزامير المصاعد التي اِسْتُخْدِمَت أثناء الصعود إلى أورشليم)، والأسلوب الأدبي. قد تجتمع هذا الأمور معًا في عنوان واحد أو قد تُذكر إحداها فقط.

على أن هناك من الباحثين من يرى أن حرف الجر "لـ" الذي ينسب المزمور لمن كتبه مثل داود (لداود) أو بني قورح (لبني قورح) أو غيرهم، يمكن أن يعني في اللغة العبرية "بواسطة"، أو "إهداء لـ"، أو "عن". ومع أن هذا صحيح لكن العنوان في مز ١٨ يشير إلى المعنى الأول "لإمام المغنين. لعبد الرب داود الذي كلم الرب بكلام هذا النشيد في اليوم الذي أنقذه فيه الرب من أيدي كل أعدائه ومن يد شاول". الأمر الذي يتأكد لنا أيضًا من نص تاريخي آخر موازٍ ٢ صم ٢٢ : ١. الرب يسوع المسيح أيضًا في متى ٢٢ : ٤١ – ٤٥ نسب مزمور ١١٠ لداود كما يقول العنوان "لداود. مزمور". بطرس أيضًا في أعمال ١ : ١٦، ٢٠ يعتبر كاتب مزمور ٦٩ هو داود طبقًا لعنوانه "لإمام المغنين على السوسن. لداود". أيضًا بولس في رومية ٤ : ٦ يُرجع مزمور ٣٢ لداود طبقًا لرأس المزمور "لداود. قصيدة". كل هذه تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن المقصود من حرف الجر "لـ" هو نسبة المزمور إلى كاتبه.

المزامير تسير في حركة مسيانية

وما نقصده بذلك هو أنه بالرغم من أن الصفة الغالبة للمزامير هي الرثاء، فإن المزامير الختامية يسود عليها التسبيح (١٤٦ – ١٥٠). أي ليس فقط أننا نجد حركة داخلية في كل مزمور رثاء على حدة؛ من الشكوي إلى الحمد والتسبيح. فإننا نجد المزامير بصفة عامة تتحرك هذه الحركة من الرثاء إلى الحمد، ومن الألم إلى المجد. هذه الحركة العامة في سفر المزامير تعكس حياة الرب يسوع المسيح في آلامه والأمجاد التي بعدها. إن المزامير، فضلاً عن نبواتها عن المسيح (والتي جعلت السفر أكثر الأسفار اقتباسًا بواسطة كتبة العهد الجيدد)، تسير في حركة أفقية متوقعة تجسد ابن الله واتضاعه وآلامه ثم الأمجاد التي يحصدها كمكآفأة لاحتماله تلك الآلام (لو ٢٢ : ٤٤، ٤٦، ١ بط ١ : ١١).

شخص الله في المزامير

الله في المزامير هو إله العهد (٢٥ : ١٠، ١٤، ٤٤ : ١٧، ٥٠ : ٥، ٧٤ : ٢٠، ٧٨ : ١٠، ٨٩ : ٣، ٢٨، ٣٤، ١٠٣ : ١٨، ١٠٥ : ٨، ١٠، ١٠٦ : ٤٥، ١١١ : ٥، ٩، ١٣٢ : ١٢). طبقًا لهذا العهد فإن الرب يحامي عن أتقياءه، ويحفظهم، ويباركهم، ويدين أعدائهم، وهم يحفظون وصاياه. إن كل من الترانيم ومزامير الرثاء ومزامير الحمد ينبغي أن تُقرأ جميعًا في هذا السياق العهدي. فإن أتقياء الرب يرنمون له ترانيمهم لأنه الإله المنعم الذي تنازل ليدخل في عهد مع شعبه ويحفظ هذا العهد معهم. ويطرحون أمامهم شكواهم (رثائهم) لأنه الإله المخلص طبقًا للعهد. ويسبحونه أيضًا على خلاصه لهم ومن ثم حفظه للعهد معهم.

الرب في المزامير أيضًا هو الإله الحي الحقيقي في مقابل الأوثان البكم. وليس فقط أننا نجد نصوص تتكلم صراحة عن هذه المقابلة بين الرب الحي الحقيقي والأصنام (٨٦ : ٨، ٩٥ : ٣، ٩٦ : ٤، ٩٧ : ٧، ٩، ١٣٥ : ٥، ١٣٦ : ٢، ١٣٨ : ١). بل أيضًا في نصوص أخرى، يُبرز في خلفيتها، سلطان يهوه على الطبيعة في تحدٍ للآلهة الوثنية، ودون إشارة صريحة لتلك الآلهة الوثنية. أي أن هذا يحدث في الخلفية فقط وبصورة ضمنية. فبينما كان بعل إله الريح والمطر والعاصفة والخصوبة نجد مزمور ٢٩ ينسب كل ذلك للرب باعتباره الإله الحي الحقيقي وحده. مزمور ١١٤ هو مثال آخر لسلطان يهوه على الطبيعة دون الآلهة الوثنية الكاذبة لمصر وكنعان.

مزامير اللعنات

أو مزامير القضاء، أو مزامير الدينونات. كلها مسميات واحدة لنفس المفهوم الذي نجده في بعض المزامير والتي فيها يصلي المرنم من أجل القضاء والدينونة على أعدائه. مثل النص الشهير الذي يطوب فيه المرنم من يضرب أطفال بنت بابل في الصخر "طوبى لمن يمسك أطفالك ويضرب بهم الصخرة" (١٣٧ : ٩). وصعوبة هذه النصوص تكمن في القسوة البادية فيها من ناحية، وفي كونها تبدو مخالفة لروح العهد الجديد. من أشهر أصحاب النقد اللاذع ضد هذه النصوص هو سي إس لويس والذي وصف تلك النوعية من المزامير بأنها حقيرة وشيطانية. يقول لاهوتي ليبرالي آخر من جامعة ييل أن مزامير اللعنات هي تنفيس عن الكراهية الداخلية وإن كان هذا شئ في الطبيعة البشرية إلا أنها ليست مثالية أو صالحة. الدكتور ماهر صموئيل في فيديو له عن الوحي قال أن تلك النصوص التي ينطق فيها المرنم بالدينونة أو اللعنة على الآخرين هي وحي في كونها تسجيل لما حدث إلا أنها ليست مصادقة من الوحي عليها. أي أن المرنم كان مخطئًا في نطقه بالدينونة واللعنة.

لا يمكننا الرد على كل هذا الاتهامات الباطلة هنا، فقد كتبت مقال آخر مستقل عن هذه المزامير. لكن سأشير باختصار هنا لأهم المبادئ للتعامل مع هذه الصعوبة. ينبغي أن ندرك أولاً أن أولئك الأعداء الذين أنزل المرنم اللعنات ضدهم هم في الأساس أعداء الرب الذين نصابوا الرب العداء في شعبه وأتقياءه. إنهم يبغضون شعب الرب ومسيحه (المرنم في هذه الحالة أو ملك إسرائيل) بسبب انتمائهم للرب. وهذا ما عبر عنه المرنم صراحة في نصوص مثل "تعييرات معيريك وقعت علي" (٦٩ : ٩)، "ألا أبغض مبغضيك يا رب، وأمقت مقاوميك" (١٣٩ : ٢١).

هذه النصوص التي وردت بها تلك اللعنات اقتبسها الرب يسوع وكتبة العهد الجديد مصادقين عليها ودون أدنى إشارة إلى وجود ما يشينها. قارن مثلاً (مز ٣٥ : ١٩، ٧ : ٤ ، ٦٩ : ٤ ، ١٠٩ : ٣)، مع (يو ١٥ : ٢٥). أيضًا راجع (مز ٦٩ : ٩)، في ضوء (يو ٢ : ١٧) وأيضًا ‏‏(رو ١٥ : ٣).‏ وهذا يعني أن الاختلاف بين العهدين القديم والجديد، فيما يتعلق بنصوص اللعنات، ليس اختلاف من حيث المبدأ، بل من حيث التدبير فقط.



وفيما يتعلق بالنص في مزمور ١٣٧ : ٩ فإن المرنم هنا ينطق بدينونة الله في صورة نبوة على البابليين وكجزاء لهم من جنس عملهم ضد شعب الرب. وهذا ما يؤكده ذات السياق في العدد السابق "يا بنت بابل المخربة، طوبى لمن يجازيك جزائك الذي جازيتنا" (١٣٧ : ٨). أخيرًا وليس آخر، إن من يحدد ما إذا كانت نصوص اللعنات في المزامير مشاعر آثمة أم لا، ليس الإنسان، بل الكتاب المقدس نفسه سواء في السياق المباشر أو في نص آخر من نصوصه. أما أن يدعي أحدهم أنها مشاعر شريرة أو آثمة فهو حكم متجاسر على كلمة الله التي لا يُحكم عليها من البشر بل هي التي تحكم فيهم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس