تعليق على بودكاست عن الخليقة لفريق كريدولوجس


شاهدت حلقة كريدولوجوس الأخيرة عن الخلق، والفكرة التي بدت محورية فيها هو أن الله أب خلق الإنسان للشركة معه. فهو لم يخلق الإنسان ليستعبده، كما تقول بعض الأساطير، وكأنه محتاج إلى شئ منه، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، لم يُخلق الإنسان صدفة طبقًا لبعض الأساطير أيضًا. أكد المتكلمان طيلة اللقاء على كون الله أب، ونحن أولاده. كما أنهما استعانا بثقافة شرق أدنى القديمة لشرح أجزاء في قصة الخلق الكتابية.

وبينما يوجد الكثير مما يقولانه صحيح. فالله أب خلق الإنسان للشركة معه. وأنه لم يخلقه ليستعبده. كما أن الإنسان لم يُخلق صدفة. إلا أنه لا ينبغي أن يغيب علينا أن هذا المنظور اللاهوتي بجملته هو منظور غير متوازن يخفي أجندة غير كتابية من خلفه. الأجندة هي أن الله يركز على العلاقة والشركة، وليس له مطالب. لا يطلب طاعة أو عبادة. يقولون أن الله لم يخلق الإنسان ليستعبده، ويقصدون من خلف ذلك أن الله غير محتاج لعبادة الإنسان. كما ادعى ماهر صموئيل في مرات كثيرة. صحيح أن الله غير محتاج إلى طاعة الإنسان أو عبادته. إلا أنه يطلبهما منه. بل ويستحقهما أيضًا لكونه الخالق والملك. وطلب الله للطاعة والعبادة من البشر يشكل بعدًا رئيسيًا في القصة المسيحية. المساس به يؤدي إلى تشويه الحق المتعلق بالخلاص.

وبينما نقدر للمتكلمين مقارنتهما أحداث الخلق بقصص الخلق في شرق أدنى، وبرؤية الإنسان كملك على الخليقة. إلا أنهما، من ناحية أخرى، أخفقا في نسبة المُلك لله. فالإنسان، طبقًا لهما، ملك على الخليقة، ولكن الله ليس ملكًا على الإنسان أو الخليقة. إنهما ينسبان المُلك للإنسان بينما يجردان الله منه، ومن ثم يجردانه القضاء أيضًا. إن صورة الله كملك وقاضي تغيب تمامًا عن المشهد طبقًا لهذا المنظور اللاهوتي المختل. وبدلاً من ذلك يتم التركيز بصورة جوهرية على أبوة الله.

وهذا الطرح غير الكتابي يغفل ما هو في مركز قصة الخلق الكتابية؛ أن الله أعطى وصية لآدم وامرأته لكي يطيعانها. كما أن إعطاء تلك الوصية كان مقترنًا بإنذار صريح "يوم تأكل منها موتًا تموت". إلا أن آدم وامرأته أكلا من الشجرة المحرمة بالفعل. فحلت عليهما لعنة السقوط فورًا. بالإضافة إلى وجود هذا البعد المركزي من قصة الخلق، أي أن الله خلق الإنسان في سياق عهدي؛ عصيان يؤدي للموت، وطاعة تؤدي للأكل من شجرة الحياة، نقرأ أيضًا في ذات قصة الخلق أن الرب خلق الإنسان ليعمل الجنة ويحفظها: "وأخذ الرب الإله آدم ووضعه في الجنة ليعملها [عَباَد] ويحفظها [شَمَار]" (تك ٢ : ١٥). نفس الفعلان العبريان "يعملها ويحفظها" اِسْتُخْدِمَا في قرينة الحديث عن خدمة اللاويين في خيمة الاجتماع: "فيحرسون [شَمَار] كل أمتعة خيمة الاجتماع، وحراسة بنى إسرائيل ويخدمون [عَبَاد] خدمة المسكن" (عدد ٣ : ٨ ، ٨ : ٢٦ ، ١٨ : ٥ - ٦). ونستدل من هذا أن حتى العمل المسند لآدم في الجنة، هو نوع من العبادة المطلوبة منه من منظور ما.

مرة أخرى، صحيح أن الله غير محتاج للعبادة أو الطاعة من البشر، إلا أنه يطلبهما منهم. لكونه ملك وقاضي. ادعى المتكلمان أن الله خلق الخليقة كبيت له. هذا صحيح من منظور ما. إلا أن السياق يخبرنا ما هو أكثر مركزية من ذلك؛ أن الله الملك أسس ملكوتًا على الأرض وخلق الإنسان كنائب ملكي له. وبينما شرح لنا المتلكمان قصة الخلق الكتابية في ضوء ثقافة شرق أدنى، في كون الإنسان صورة الملك. لكنهما أخفقا في إدراك أنه في ضوء ذات ثقافة شرق أدنى أيضًا، فالله ملك أعلى Suzarein، قام بتنصيب الإنسان، كملك أدنى منه على الأرض vassal ، ليكون نائبًا ملكيًا له على الخليقة طبقًا للعهد الآدمي الذي أقره الخالق في سلطانه. كل هذا يدعونا للقول أن الله يُصَوَّرُ في قصة الخلق على أنه ملك يطلب الطاعة والعبادة وإن كان لا يحتاجهما. وله كل الحق لكونه ملك الملوك ولكونه مصدر ومقياس كل صلاح. على أن كلا المتكلمين يحاولان طيلة الوقت تجريد قصة الخلق من هذا البعد الخطير.

بالإضافة إلى أحداث الخلق، فإن الإعلان الكتابي أيضًا بأكمله، يخبرنا في مواضع كثيرة منه، أن الله له ناموس، يطالب الإنسان بطاعته طاعة كاملة. وأولى وصايا ذلك الناموس تطالبه بعبادة الرب وحده. في سياق الخلق، وفي السياق الكتابي العام، الله ملك يأمر الإنسان بالطاعة الكاملة ويطالبه بالعبادة له وحده.

ما من شك أنه "في المفهوم المسيحي يريد الله أن يكون مع الإنسان" كما ذكر أحد المتكلمين. إلا أن الحق الكامل هو أن الله يريد أن يكون مع الإنسان، لا كأب فقط، بل كملك أيضًا وبنفس القدر. يطلب الطاعة والعبادة من الإنسان. وإن لم يجدهما كانت العواقب بل والعقوبة وخيمة كما تخبرنا باقي أجزاء التاريخ الكتابي.

إن المنظور الذي يقدمانه المتكلمين منظور متمركز حول الإنسان. إله ليس له مطالب كالطاعة أو العبادة. أو بالحري مطلبه الوحيد هو الشركة مع الإنسان. إله في خدمة الإنسان وليس العكس. استنكر المتكلمان أن يكون الله قد خلق الإنسان لعبادته وطاعته، فانتهى بهما الحال يقدمان لنا إلهًا متمركز حول الإنسان. الخطية إذًا ليست خرق لمطالب ناموسه البار، بل مجرد تأثير على الشركة مع الإنسان. كما أن الخطية ليست موجهة ضد الله، بما أنه لا يُصَوَّر كملك قدوس، بل فقط تؤثر على الإنسان. ومن ثم فالخلاص طبقًا لهذا المنظور هو مجرد استرداد للشركة وليس استرضاء لغضب الله ضد الإنسان وخطيته في الأساس. إنه تعليم للخلق متمركز حول الإنسان ويقدم منظور علاجي للخلاص.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس