كيف تقرأ سفر حزقيال


يَا ابْنَ آدَمَ، إِخْوَتُكَ ذَوُو قَرَابَتِكَ، وَكُلُّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ بِأَجْمَعِهِ، هُمُ الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ سُكَّانُ أُورُشَلِيمَ: ابْتَعِدُوا عَنِ الرَّبِّ. لَنَا أُعْطِيَتْ هذِهِ الأَرْضُ مِيرَاثًا. لِذلِكَ قُلْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: وَإِنْ كُنْتُ قَدْ أَبْعَدْتُهُمْ بَيْنَ الأُمَمِ، وَإِنْ كُنْتُ قَدْ بَدَّدْتُهُمْ فِي الأَرَاضِي، فَإِنِّي أَكُونُ لَهُمْ مَقْدِسًا صَغِيرًا فِي الأَرَاضِي الَّتِي يَأْتُونَ إِلَيْهَا. لِذلِكَ قُلْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: إِنِّي أَجْمَعُكُمْ مِنْ بَيْنِ الشُّعُوبِ، وَأَحْشُرُكُمْ مِنَ الأَرَاضِي الَّتِي تَبَدَّدْتُمْ فِيهَا، وَأُعْطِيكُمْ أَرْضَ إِسْرَائِيلَ. فَيَأْتُونَ إِلَى هُنَاكَ وَيُزِيلُونَ جَمِيعَ مَكْرُهَاتِهَا، وَجَمِيعَ رَجَاسَاتِهَا مِنْهَا. وَأُعْطِيهِمْ قَلْبًا وَاحِدًا، وَأَجْعَلُ فِي دَاخِلِكُمْ رُوحًا جَدِيدًا، وَأَنْزِعُ قَلْبَ الْحَجَرِ مِنْ لَحْمِهِمْ وَأُعْطِيهِمْ قَلْبَ لَحْمٍ، (حزقيال ١١: ١٥ – ١٩)

الخلفية التاريخية

رأينا في مقدمة سفر إشعياء كيف سقطت الملكة الشمالية (إسرائيل) على يد الإمبراطورية الأشورية ٧٢٢ ق. م. إلا أن هذه الأخيرة أصابها الضعف على مدار القرن التالي وذلك لحساب الإمبراطورية البابلية الصاعدة. وكما أخربت أشور المملكة الشمالية، قامت بابل بتدمير المملكة الجنوبية وهدم عاصمتها وحرق هيكلها وسبي أهلها على ثلاث دفعات أو إجلاءات ٦٠٥، ٥٩٧، ٥٨٦ ق. م. ثم بعد رحيل إشعياء، تنبأ إرميا منذرًا أهل المملكة الجنوبية بمجئ الدينونة البابلية عليها. إلا أنهم لم يلتفتوا لتحذايرته. فصارت الدينونة أكيدة لا تنفع معها صلاة إرميا. وقد تزامنت خدمتي كل من إرميا وحزقيال في التحذير من السبي البابلي. لكن الأول كان شيخًا في الوقت الذي كان فيه الأخير شابًا في الخامسة والعشرين. كما أن إرميا، بعد خدمته في أورشليم، أُجِبِرَ على الذهاب إلى مصر بواسطة الفارين من السبي البابلي. في حين سُبي حزقيال إلى بابل. وبعد خمسة سنوات من سبيه بدأت نبوته هناك وهو في سن الثلاثين. وبينما يختلف الشراح حول ما إذا كان ترحيل حزقيال قد تم في الإجلاء الأول أم الثاني. إلا أنهم يرون أنه سُبي عام ٥٩٧ ق. م. ضمن نبلاء مملكة يهوذا. عَيَّنَ البابليون صدقيا ملكًا على يهوذا إلا أنه تمرد عليهم فيما بعد، فعادوا (في الإجلاء الأخير) ليدمروا أورشليم وهيكلها ويسبوا معظم ما بقي من أهل المملكة الجنوبية عام ٥٨٦ ق.م. مما يعني أن معظم خدمة حزقيال (٥٩٣ – ٥٧١ ق. م.) جاءت بين الإجلائين الأخيرين وإن كانت قد استمرت إلى ما بعد تدمير أورشليم في الإجلاء الأخير. عُومل حزقيال وباقي المسبيين كمهاجرين أكثر منهم كأسرى. فقد امتلكوا الأراضي الزراعية. كما أن حزقيال كان يمتلك بيتًا. بعضهم صار له شأنا كبيرًا في السبي ورفض العودة إلى أورشليم فيما بعد.

مقارنة سريعة بين الأنبياء الكبار

اقترنت دعوة كل من إشعياء وحزقيال للخدمة برؤيا الرب في مجده (إش ٦ ، حز ١). وبينما كانت رؤيا إشعياء في الهيكل قبل السبيين الأشوري والبابلي، كانت رؤيا حزقيال وهو في السبي خارج الهيكل بل وخارج أورشليم على نهر خابور في بابل. ومن منظور ما يمكننا أن نعتبر أن خدمة حزقيال هي امتدادًا لخدمة إرميا بيقينة الخراب الآتي على الهيكل وأورشليم ثم الرجاء الآتي. بكلمات أخرى، وكما رأينا في مقدمة سفر إرميا، كيف كانت تحذيراته عن السبي ومن ثم حثهم على التوبة. إلا أنه برفضهم التوبة صارت الدينونة أكيدة مما جعل إرميا يحثهم الآن، لا على التوبة، بل على الخضوع لنبوخذ نصر. كانت نبوة حزقيال بمجئ السبي (في الإجلاء الأخير المدمر) مؤكدة مثل نظيرتها لدى إرميا. عالج أيضًا إرميا موضوع الهيكل بقوله أنه ولا حتى وجود الهيكل في وسطهم سيشفع لهم لأنه كانوا يعتقدون أن الهيكل سينجيهم من الدينونة رغم خطاياهم (راجع مقدمة سفر إرميا). على أن حزقيال يولى اهتمامًا أكبر بالهيكل كما سنرى إذ يشكل الهيكل الموضوع الرئيسي المُوَحِّد للسفر. وبينما كان إشعياء من الأسرة المالكة، كان كل من إرميا وحزقيال كاهنين للرب بالإضافة إلى كونهما نبيين. على أن حزقيال لم يمارس الكهنوت لأنه سُبي وهو في الخامسة والعشرين قبل حلول السن القانوني لممارسته (سن الثلاثين). على أن الطبيعة الكهنوتية لسفر حزقيال تظهر في أمرين. الأول، وكما سنرى، يركز حزقيال على مجد الرب الذي فارق الهيكل والذي سيعود إليه مرة أخرى بمجد أعظم. أيضًا، بينما يقتبس كل من إشعياء وإرميا من تثنية يقتبس حزقيال من سفر الللاويين.

الأسلوب الأدبي للسفر

سفر حزقيال له سمعة في كونه سفرًا صعبًا بسبب الرؤى الأبوكاليبسية التي فيه ١ ، ٨ ، ٤٣. لدرجة أن اليهود لم يكونوا يسمحون بدراسته إلا عند بلوغ الشخص سن الثلاثين. كما أن به بعض النصوص الصعبة ١٦، ٢٣ التي تستعمل فيها لغة العلاقة الزوجية لوصف الزنا الروحي للأختين الزانيتين السامرة واليهودية. الأمر الذي يستغله نقاد الكتاب المقدس للطعن فيه. بالإضافة إلى ذلك يوجد بالسفر الكثير من الأقوال النبوية والأمثال.

يتميز سفر حزقيال أيضًا بوجود الكثير من الأفعال التصويرية (المسرحية) الغريبة التي يؤمر حزقيال بفعلها مثل: أن يصير رجلاً أبكم ٣ : ٢٢ – ٢٧، أن يبني مجسم صغير من الطين لحصار أورشليم ٤ : ١ – ٣، أن يتكئ على جنبه الأيسر ٣٩٠ يومًا حاملاً إثم بيت إسرائيل ثم يتكئ ٤٠ يومًا على جنبه الأيمن حاملاً إثم يهوذا ٤ : ٤ – ٨، أن يمزج أنواع كثيرة من الحبوب مثل القمح والشعير والذرة والفول والعدس ويصنع منها خبزًا ليأكله طيلة بقاءه على جنبه ٤ : ٤ – ٨، ثم يأكل ويشرب بالوزن من وقت لآخر، ثم يأكل كعكًا من الشعير مخبوزًا على براز البشر فيستبدله الرب له بروث البهائم بعد اعتراض حزقيال ٤ : ٩ – ١٧، أن يحلق رأسه ولحيته ويقوم بتقسيم الشعر إلى ثلاثة أجزاء يحرق منها جزءًا ويضرب آخر بالسيف والأخير يذريه في الهواء ٥ : ١ – ١٢، أن ينقب في السور ويخرج منه حاملاً حقيبة السبي ويذهب ويجئ أمامهم كمسبي ١٢ : ١ – ١٢، أن يخلق مفترق طرق للملك البابلي ليقرر أي طريق يتخذه ٢١ : ١٨ – ٢٣، ألا ينوح على زوجته أو يبكي عليها عندما تموت ٢٤ : ١٥ – ٢٤، ألا يكون أبكم فيما بعد ٣٣ : ٢١ – ٢٢. كل هذه مشاهد مسرحية قام بها حزقيال لتجسيد الدينونة البابلية الوشيكة.

أقسام السفر وموضوعه الرئيسي

ينقسم السفر إلى ثلاثة أقسام رئيسية: الدينونة على يهوذا ١ – ٢٤ (الأصحاحات الثلاث الأولى من هذا القسم تتحدث عن دعوة حزقيال)، ثم الدينونة على سبعة أمم ٢٥ – ٣٢، وأخيرًا رجاء لإسرائيل والأمم ٣٣ – ٤٨. المثير للانتباه هو أن تقسيم السفر يسير بالاتساق مع موضوعه الرئيسي الذي يتكشف شيئًا فشيئًا عبر أجزاءه الثلاث. يلخص لنا فريدمان الموضوع الرئيسي للسفر كالتالي:

"إن موضوع الهيكل يسري عبر السفر بأكمله، وهو مفتاح وحدته. إنه، باختصار، قصة خروج مجد الله من الهيكل وعودته."

ففي الأصحاح لأول نجد رؤيا حزقيال لمجد الرب خارج أورشليم والهيكل. أي بدلاً من أن نجد مجد الرب حالاً على هيكله في أورشليم نجده خارجهما (ولكن في نفس الوقت أيضًا مع المسبيين في بابل). ولكن، في رؤيا أخرى لحزقيال في الأصحاحات ٨ – ١٠، سرعان ما نجد مجد الرب يغادر هيكله بسبب وجود أصنام وعبادة وثن في الهيكل بواسطة الهيود. إنه لأمر مرعب بالنسبة لإسرائيل أن يغادر الرب هيكله ومدينته. فقد كان عهده معهم منذ أن أخرجهم من مصر أن يسكن بينهم فيكون لهم إلهًا وهم يكونون له شعبًا (لاويين ٢٦ : ١١ – ١٣). ولكن بسبب شرورهم الروحية ومظالمهم الاجتماعية وطقسيتهم الفارغة، اضطر الرب أن يتركهم لاختياراتهم الشريرة. على أنه من مراحم الرب أنه لم يتركهم مطلقًا. لهذا نجد في رؤيا أخرى لحزقيال مجد الرب يعود إلى الهيكل مرة أخرى وبصورة أعظم ٤٣. إن الرب لم يزل أمينًا لعهده مع الآباء واختياره الأبدي لإسرائيل.

موضوعات أخرى يتميز بها السفر

من بين ما يتميز به السفر أيضًا هو رسالته الكونية. فالسفر لا يخص فقط دينونة إسرائيل واستردادها، بل أيضًا خلاص العالم وتجديده. ففي الرؤيا الأولى لمجد الرب على عرشه المتحرك المحمول على الكروبيم (ص ١)، يُستحضر إلى الأذهان جنة عدن باعتبارها الهكيل الأول للرب والذي صار يحرسه كروبيم بلهيب سيف متقلب بعد طرد الإنسان منه (راجع مقال آخر بعنوان: "جنة عدن أول هيكل للرب"). ليس ذلك فقط، بل أيضًا بسقوط إسرائيل المتكرر، وفشلهم في أن يكونوا نورًا للشعب، جاءت الدينونة بدورها على الأمم (كما نقرأ في الجزء الثاني من السفر). إن فشل الأمم ومجئ الدينونة عليهم سببه غير المباشر هو فشل إسرائيل في أن يسلك بالبر كآدم أو كنائب عهدي جديد. فضلاً عن ذلك، وفي القسم الأخير من السفر الذي نقرأ فيه عن عودة مجد الرب إلى الهيكل، يخبرنا حزقيال عن نهر يتدفق من تحت عتبة الهيكل نحو المشرق ثم يصير نهر سباحة لم يستطع النبي عبوره. إن هذا بدوره أيضًا يسترجع إلينا مشهد الهيكل العدني القديم والذي كان يخرج منه نهر يسقي جنة عدن ثم ينقسم إلى أربعة روافد. كل هذه الإشارات تخبرنا ليس فقط عن عمل الله التجديدي في إسرائيل، بل في الخليقة كلها أيضًا. فمن إسرائيل سيأتي الرأس العهدي الأعظم، الرب يسوع، والذي بعمله الكفاري سيجدد قلوب إسرائيل ثم يعتق الخليقة من تحت عبودية الفساد.

لهذا نجد السفر يحدثنا مرات كثيرة عن التجديد ولا سيما في الرؤيا الشهيرة في وادي العظام الجافة ٣٧، أنظر أيضًا ١١ : ١٩، ٣٦ : ٢٦ – ٢٧. بالاتساق مع ذلك، يُبرز سفر حزقيال عمل الروح القدس لكونه الذي سيقوم بذلك العمل التجديدي ٣٦ : ٢٧ ، ٣٧ : ١٤ ، ٣٩ : ٢٩. وفي هذا يقول الباحثون أن إشعياء يُبرز عمل الابن، وإرميا عمل الآب، بينما يركز حزقيال على عمل الروح القدس. فضلاً عن ذلك، نقرأ في سفر حزقيال بصفة خاصة عن المسؤولية الفردية ١٨. فالنفس التي تخطئ هي تموت وليس أن الأبناء يموتون بذنب الآباء (أنظر مقال آخر بعنوان: "أكذوبة كاريزماتية معاصرة: اللعنات المتوارثة عبر الأجيال"). أخيرًا وليس آخرًا، الخلفية الكهنوتية هي أمر آخر يميز السفر لاقتباساته من سفر اللاويين ولتركيزه على مجد الرب في الهيكل.

المسيح في السفر

بالإضافة إلى ما ذكرنا سابقًا، عن كون إسرائيل من منظور ما رأس عهدي جديد فاشل، مما يتوقع مجئ الرب يسوع كالرأس العهدي الأعظم. فإن حزقيال يخبرنا عن الرب يسوع بطرق أخرى. ففي الأصحاح الأول نقرأ "وفوق المقبب الذي على رؤوسها شبه عرش كمنظر حجر العقيق الأزرق، وعلى شبه العرش شبه كمنظر إنسان عليه من فوق. ورأيت مثل منظر النحاس اللامع كمنظر نار داخله من حوله، من منظر حقوية إلى فوق، ومن منظر حقوية إلى تحت، رأيت مثل منظر نار ولها لمعان من حولها. كمنظر القوس التي في السحاب يوم مطر، هكذا منظر اللمعان من حوله. هذا منظر شبه مجد الرب. ولما رأيته خررت على وجهي، وسمعت صوت متكلم" ١ : ٢٥ – ٢٨. وتعليقًا على ذلك، يقول مكارثر "الذات الإلهية تظهر في شبه الناس، مع أن الله روح (يوحنا ٤ : ٢٢). المسيح، الله المتجسد، هو الممثل لـ ‘ملء اللاهوت’ (كولوسي ٢ : ٩)؛ لذلك، يمكن أن يكون هذا مقدمة لتجسد المسيح في شخصيته كمخلص وقاضي (راجع رؤيا ٩ : ١١ – ١٦)." ومما لا شك فيه إن هذا الوصف يتشابه كثيرًا مع وصف يوحنا للمسيح في المجد كما نجده في سفر الرؤيا.

الرب يسوع المسيح في السفر أيضًا هو الملك الراعي من نسل داود والذي يرعى شعبه بالبر عوضًا عن الرعاة الذين يستغلون الخراف (ص ٣٤ بأكمله وخاصة ٢٣ ، ٣٧ : ٢٤ ، ٢٥). فضلاً عن ذلك، فإن الهيكل الذي فارقه مجد الرب يتوقع الهيكل الحق الذي يحل فيه كل ملء اللاهوت جسديًا. لهذا يصف يوحنا في إنجيله تجسد الابن "والكلمة صار جسدًا وحلَّ (خَيَّم) بيننا" (يو ١ : ١٤). بل والرب يسوع المسيح نفسه يضع جسده في مقابلة مع هيكل اليهود قائلاً "انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمة .. أما هو فكان يقول عن هيكل جسده" (٢ : ١٩ – ٢١). وتعليقًا على موضوع الهيكل في سفر حزقيال، ورد في قاموس "النبوة الكتابية وأحداث النهاية" أن "حضور الله لا يُوصف أبدًا بأنه عاد إلى الهيكل في أورشليم – حتى دخل يسوع عبر أبوابه." إن تصريح يهوه في العهد الجديد بأنه هو الهيكل الحق (٢ : ١٩ – ٢١) يأتي في تمام الاتساق مع تصريحه في العهد القديم وبالأخص في سفر حزقيال بأنه هو نفسه سيكون لهم "مَقْدِسًا صغيرًا في الأراضي التي يأتون إليها" (١١ : ١٦).

نصوص جدلية

لا شك أن سفر حزقيال صعب التفسير بصفة عامة. ليس فقط بسبب الرؤى التي رآها النبي. ولكن أيضًا في نصوص مثل حزقيال ٢٣ الذي يتكلم عن الأختين الزانتين. يستغل ناقدي الكتاب المقدس هذا النص للطعن فيه بحجة أنه لا يليق بكتاب مقدس أو سماوي. على أنه هناك عدة ملاحظات ينبغي أن نأخذها في الاعتبار. أولاً أن الأنبياء، ولا سيما حزقيال، يستعملون الصور الصادمة لإيصال رسالتهم. مثل طهي حزقيال خبزه على البراز ثم تعديل ذلك إلى روث البهائم (بعد اعتراض النبي). ثانيًا، إن الحديث هنا ليس عن امرأتين حرفيتين. بل عن المملكة المنقسة؛ إسرائيل في الشمال، والتي تسمى بـ "أُهولة"، أي "خيمتها" (الخاصة للعبادة)، بما أنها كانت لها عبادتها المستقلة على الجبال. وعن يهوذا في الجنوب، والتي تسمى بـ "أهوليبة" أي "خيمتي فيها" بما أن هيكل الرب كان في أورشليم. إن شعب الرب، لكونهم كانوا في عهد معه، قد اقترفوا الخيانة الروحية أو الزنى الروحي بعابدتهم الأصنام. والكتاب المقدس بعهديه يصور العلاقة الروحية مع الله كالعلاقة العهدية بين الرجل وامرأته. إن المعنى المقصود هنا استخدام الأرضي كرمز إلى الروحي. فضلاً عن ذلك، إن النظرة الدونية للجنس نظرة غير كتابية. فالجنس خليقة الله. المشكلة تكمن في استخدامه خارج الإطار العهدي الذي صممه الله في الزواج. إننا علينا أن نحكم على تصوراتنا بواسطة الكتاب المقدس، وليس أن نقحم تصوارتنا الفاسدة عليه. ومع هذه الاعتبارات، تظل التفاصيل الموجودة في النص صادمة إلى حد كبير. وهذا هو المطلوب. إن انتزعنا الأجزاء الصادمة منه لكن هذا افراغًا للرسالة المقصودة. إن المقصود تمامًا من هذا النص هو رسالته الصادمة بأن شعب الرب زنى وتجنس كما تتنجس الزوجة الخائنة.

نص آخر جدلي في السفر هو الأصحاح ٣٨ والذي يتحدث عن جوج وماجوج، ولا سيما في ظل الحربين المعاصرتين. يقول الباحثان دانيال ج. هايز وسكوت دوفال أن هوية جوج كانت محل جدل بواسطة مختلف الكُتاب عبر التاريخ الكنسي. ما بين أشخاص أو أماكن أو مجموعات معاصرة لهم. على سبيل المثال، فقد اعتقد الباحثون المسيحيون في القرن الرابع أنها قبائل القوط الجرمانية. وفي القرن السابع اعتقد أنها العرب. وفي القرن الثالث عشر قيل أنها المغول. بل واعتقد أنها تشير إلى أباطرة رومان وبابوات بل والأتراك. وإن اتبعنا ببساطة مبدأ أن الكتاب المقدس يفسر نفسه بنفسه سنجد سفر الرؤيا يلقي الضوء على هوية جوج وماجوج. فمتى تم الملك الألفي للمسيح على الأرض "سَيُحَل الشيطان من سجنه ليخرج ويضل الأمم في أربع زوايا الأرض: جوج وماجوج، ليجمعهم للحرب، الذين عددهم مثل رمل البحر" (رؤ ٢٠ : ٧ ، ٨). إن جوج وماجوج سيكون تحالف عالمي تقوده قوى شمالية ضد إسرائيل وذلك بعد الملك الألفي لربنا يسوع.

تطبيق

إن التطبيقات العملية لسفر حزقيال يمكن أن تكون عديدة جدًا فهو سفر كبير وملئ بالتفاصيل والعمق. لقد الرب ترك شعبه مؤقتًا بسبب خطاياهم ولكنه يعيدهم إليه بل ويعود إليهم بمجد أعظم. الرب لا ينقض وعوده. وهي غير مرهونة بما نفعله نحن، بل بالعهد الأبدي بين الآب وابنه. إن كلمة الرب جديرة بالاتكال عليها مهما كانت اخفاقاتنا المتكررة.

سلطان الرب في السفر ظاهر أيضًا في دينونته لشعبه، وفي دينونته للأمم، ثم في استرداده لشعبه من الشتات. إن سلطان الرب لا يحده مكان أو زمان كما تخبرنا رؤى حزقيال وأحداث سفره. إن كل الأحداث تخدم أغراض الله ذلك لأن كل شئ مقصود بسلطانه.

إن رؤى حزقيال تحدثنا عن مجد الله المنقطع النظير. بالاتساق مع ذلك يستخدم الرب تعبير "يا بن آدم" قرابة المائة مرة لمخاطبة حزقيال. إن في هذا تأكيد على محدودية النبي وبشريته وضعفه وذلك في مقابلة مجد الله. علينا ألا ننسى أنه بالرغم من قرب الرب إلينا يظل مجيدًا وساميًا ومختلفًا عنا.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس