كيف يغير مشاهير الوعاظ معنى الخلاص بتحويل تأثير الكفارة من على الله إلى الإنسان


سبق وأشرت أن لكفارة المسيح تأثيرات (إنجازات) عديدة. فهي من الغنى بحيث أنها موجهة في كافة الإتجاهات؛ إلى الله والإنسان والشيطان والكون. إنها موجهة إلى الله لاسترضاء عدله. وللإنسان لشفاءه. وللشيطان لدحره. وللكون لعتقه من الفساد. على أن الجانب المركزي في الكفارة هو وجهتها العُليا؛ أي إلى الله. فمن خلال هذا الجانب المركزي تتحقق الإنجازات الأخرى للكفارة. فبطرد الإنسان من محضر الله، أصبح ليس فقط تحت حكم الموت، بل أيضًا تحت عبودية الفساد، وتحت سلطان الشيطان (من خلال الخديعة)، يعيش في عالم خاضع لعبودية الفساد. وبالتالي، فباسترضاء عدل الله، يُسترد الإنسان إلى محضر الله وفي نفس الوقت من عبوديته للفساد فيُشفى منها. وباسترضاء عدل الله أيضًا لم يعد للشيطان أي أحقية على الإنسان إذ كان قد نُفي من محضر الله في عدن. وبإسترضاء عدل الله سَيُسْتَرد الكون من تحت عبودية الفساد، وذلك من خلال طاعة المسيح كرأس عهدي بديل لآدم، إذ كان آدم كرأس عهدي سابق قد أخضع الخليقة للفساد بسقوطه.

من الأهمية بمكان أن نحفظ للبعد المركزي من الكفارة مكانته. أي أن كفارة المسيح حقًا تشفي الإنسان وتقهر الشيطان وتعتق الكون ولكن قبل كل ذلك، تسترضي عدل الله. بل وإنها تحقق كل ما سبق من خلال الاسترضاء. ذلك، لأنه قبل أن يصير الإنسان تحت عبودية الفساد وسلطان الشيطان، تم نفيه من محضر الله بسبب غضب الله عليه. إلا أن الوعاظ غير الكتابيون يُغَيِّرون معنى الكفارة بإزاحة هذا البعد المركزي من مكانه واستبداله بأحد جوانب الكفارة الأخرى. بكلمات أخرى؛ إنهم يحصرون تأثير الكفارة على الإنسان (أو حتى الشيطان)، متغافلين، بل وناكرين، تأثيرها الجوهري على الله بإسترضاء غضبه. والطرق التي يتم بها تحويل تأثير الكفارة من على الله إلى الإنسان عديدة. مثل التركيز على الله كأب وإغفال كونه ملك وقاضٍ. وأن الخلاص شفاء أكثر منه غفران أو تبرير. وأنه، أي الخلاص، دخول في علاقة أكثر من كونه إعلان قضائي بواسطة الله بتبرير الفاجر. أو أن الخلاص هنا والآن وليس خلاصًا إسخاطولوجيًا منتظرًا في الأساس. أو قل أن الخلاص إعلان عن الله وليس تغيير موقف الله تجاهنا. أو أنه، أي الخلاص، لتغيير صورة الله لدينا وكأننا نتذوقه أو نحكم عليه الآن ككائن جميل نحتمل السكنى معه، وليس أننا محكوم علينا بالدينونة بواسطته.

ولكن لماذا يقوم البعض بتحويل تأثير الكفارة من على الله وبدلاً من ذلك يتم حصرها في الإنسان؟ السبب في ذلك هو تقديم صورة عن الله أكثر استساغة لدى الإنسان المتمرد. إنهم لا يريدون الله كقاضٍ يغضب من شرور الإنسان ويحكم عليه بالدينونة الأبدية. إنهم ينادون بإله فقد السيطرة على محبته للبشر، لدرجة أنه أغلق الجحيم، وجعل التوبة أمرًا اختياريًا، ولا يغضب إطلاقًا. أو بكلمات ريتشارد نيبور عن اللاهوت الليبرالي: "إله بلا غضب، أحضر إلي ملكوته أناس بلا خطية، بلا دينونة، من خلال خدمات مسيح بلا صليب". إن إله أولئك أب فقط وليس ملك. يحزن على الإنسان ولا يغضب من شروره قط. يُحكم عليه بواسطة الإنسان ولا يحكم هو على الإنسان. يغيِّر موقف الإنسان من نحوه أما هو فمتبلد لا تضيره الخطية ولا تغضبه مقاومة الإنسان له.

وإليك بعض الأمثلة على طرق تحويل تأثير الكفارة من على الله واختزالها في الإنسان. سأقوم بالرد على تلك الادعاءات حسبما تقتضي الضرورة. في حين سأترك البعض الآخر دون تعليق نظرًا لأني قمت بالرد عليها بصورة غير مباشرة في هذا المقال أو بصورة صريحة في مقالات أخرى.

أولاً تحويل تأثير الكفارة من على الله للإنسان بالادعاء بان الله أب وليس ملك

ما من أدنى شئ أن الله أب وملك. إلا أن المشكلة هي في رسم صورة له على أنه أب فقط وليس ملك يقضي بالبر. لو كان الله أب فقط لما احتجنا الكفارة. لأن مغزى الكفارة هو تخليصنا من عدل الله. ولو كان الله ملك فقط لكنا قد هلكنا بدون رحمة. الكفارة هي أن الله بنفسه قام بتخلصينا من غضبه. في الصليب الرحمة والبر تلاثما. أبوة الله وقضاءه الملكي تقابلا. على أن هناك من مشاهير الوعاظ من يقوم باختزال صورة الله في أب لكي يجرد الكفارة من تأثيرها على الله. إن الله، طبقًا لهم، أب فقط وليس ملك كلي البر يحتاج لاسترضاء غضبه بسبب التعدي على ناموسه. وعلى سبيل المثال:

"الله مش زعلان منك، لكن زعلان عليك" (القس سامح موريس)
"غضب الله هو محبة الله المجروحة" (الدكتور ماهر صموئيل)

في المثالين السابقين، تم تقديم الله على أنه أب يحزن ويشفق على الإنسان، وليس ملك قدوس يقضي عليه بالدينونة لأنه تعدى على وصاياه. إن مقولة ماهر صموئيل ما هي سوى إعادة صياغة لعبارة سامح موريس ولكن بنوع من التفلسف الذي يخفي المنهجية أكثر. إن ماهر صموئيل بادعاءه أن غضب الله هو محبة الله المجروحة يريد القول أن غضب الله هو غضب أب مجروح نحو أبناءه، وليس غضب ملك كلي القداسة والسلطان. لقد تم تغيير معنى غضب الله بحيث أنه ليس موقف قضائي ضد الإنسان الخاطىء، بل شعور أبوي حزين أو جرح أو شفقة في صف الإنسان ولصالحه.

هذا الادعاء أيضًا يصاغ بصورة مختلفة بالقول مثلاً أن الله يطلب الشركة وليس العبادة:

في الحلقة الأولى من بودكاست "قصة نعيش بيها" لفريق كريدولوجوس، تم تقديم الله على أنه يركز على العلاقة والشركة، في الوقت نفسه الذي ليس له مطالب. لا يطلب طاعة أو عبادة. يقولان (أندرو أشرف ويوسف يعقوب) أن الله لم يخلق الإنسان ليستعبده، ويقصدان من خلف ذلك أن الله غير محتاج لعبادة الإنسان أو لطاعة وصاياه. كما ادعى ماهر صموئيل أيضًا في مرات كثيرة. صحيح أن الله غير محتاج إلى طاعة الإنسان أو عبادته. إلا أنه يطلبهما منه. بل ويستحقهما أيضًا لكونه الخالق والملك. وطلب الله للطاعة والعبادة من البشر يشكل بعدًا رئيسيًا في القصة المسيحية. المساس به يؤدي إلى تشويه الحق المتعلق بالخلاص. لقد خلق الله الإنسان في جنة عدن وأعطاه وصية إذا تعداها هلك. وهذا ما حدث بالفعل. إن القصة المسيحية كما تخبرنا بها الكتب المقدسة هي تداعيات عدم الامتثال لأمر الملك في جنة عدن. في قصة عدن الكثير من الإشارات على كون الله ملك. فهو يخلق من العدم، إنه ملك يُطاع حتى من اللاشئ. وملك أعظم Suzerain يسند المهام الملكية لآدم، الملك الأدنى منه Vassal. وملك له ناموس ينبغي ألا يتم تعديه وإلا لكانت العواقب وخيمة (الوصية بعدم الأكل). وملك يحاسب عبيده إن تم الإخلال بأمره الملكي تمامًا كما حدث بعد السقوط فأخذ الله ينزل عليهم دينونته الواحد تلو الآخر (الرجل والمرأة والحية). وملك كلي القداسة لا يطيق سكنى الإنسان الساقط فطرده من جنته وأقام الكروبيم، الحرس الملكي، لحراسة الطريق المؤدي إلى شجرة الحياة.

مثال آخر لماهر صموئيل:

"إن أصعب سؤال في الحياة هو: من هو الله؟ لأن عليه تتحدد كل بقية الأجوبة في الحياة، من هو إلهك؟ أخشى أن يكون إلى الآن نتعامل مع الله باعتباره تلك القوى العظمى البعيدة الساكنة. هناك الذي يجلس على عرش ضخم وهو نفسه ضخم، دكتاتور مطلق حدد كل شيء، وحتم كل شيء، وعليك أن تسترضيه، وعليك أن تطيع وصاياه وإلا نهايتك الجحيم وبئس المصير. إذا كنا مازلنا نتعامل مع صورة الله التي نسجها الخيال واعتمدت على اللاهوت الشعبي ما قيمة إيماننا المسيحي ما قيمة التجسد، لقد جاء المسيح لكي يقول لنا شيئا مختلفا، الله في الايمان المسيحي هو هذا الآب الذي يخرج من بيته يركض في الشوارع ويغمر ابنه الفاسد بحضن وقبلات، الذي عندما جعل الوصية جعلها من أجل الانسان وليس الانسان من أجل الوصية.." (ماهر صموئيل)

إن ماهر صموئيل هنا يستنكر على الله ملكه وقضاءه ويحصره في صورة أب فقط. إنه يقوم بتغيير الصورة الكتابية لله كملك كلي البر، متوازن الكمالات، إلى دكتاتور يجلس على عرش ضخم، حتى يخلق بين مستمعيه وبين الصورة الكتابية نفورًا، ولكن فقط بتشويه الصورة الكتابية. على سبيل المثال، فالكتاب يقول أن الرب يغضب، ولكنه بطئ الغضب. ولكن ماهر صموئيل قام بالشطب على هذه الصورة تمامًا من خلال مغالطة رجل القش، أي بتشويه صورة الله الملك البار الذي يغضب على الإنسان وشره. كل هذا ليتسنى له أن يرسم صورة لله أكثر قبولاً لدى الإنسان الجسدي المقاوم لله. صحيح أن الله في مثل الابن الضال أب يركض ويغمر ابنه الفاسد بأحضان وقبلات. ولكنه أيضًا في مثل الملك الذي رفض العبيد ملكه عليه أمر بأن يأتوا بهم ويذبحوهم قدامه.

أخيرًا، في هذه الجزئية، يدعي القس سامح موريس:

"ياما ناس بتتكلم عن ربنا وبتعظمه بتعظمه بتعظمه، مش أب، مش أب، سيد، ضلال، ضلال، ضلال محق، السم في العسل، أب، يقضي بالعدل بين ولاده لأنه ما عندوش خيار وفئوس، ما عندوش محاباة، بيحبهم أد بعض، بيدي كل واحد حقه من غير ما يظلم، ومش يرحم من يشاء ويقسي من يشاء، ويعمل من يشاء، والبشر دول عنده شطرنج بيحركهم، ضلال، ضلال، ضلال محق، ضلال، ضلال محق، سم في العسل، طبعا يخليك في الآخر تقول ده ظالم، ده كشر .. في العهد الجديد المسيح ورانا الأب ده، القلب ده، اللي سماه قلب أب، مليان إيه، قلب فيه حب، بس، مفيش غير حب" (سامح موريس)

يستعمل سامح موريس هنا نفس منهجية ماهر صموئيل، وهي مغالطة رجل القش. أي بتشويه الصورة الكتابية عن الله كملك كلي البر. وبدلاً من ذلك، تصويره على أنه سيد ظالم عنده خيار وفئوس. ربما يقصد القس سامح موريس هنا تعليم الاختيار. وهذا ليس موضوعنا هنا. لكن يكفي الإشارة إلى أن القس سامح موريس يستنكر كون الله ملك يقضي بالبر ويحصره في كونه أب فقط. وذلك من خلال إقحام صورة مشوهة عن ملك الله وقضاءه، بأنه ظالم، على الصورة الكتابية عن الله كلي البر والعدل. لماذا هذه المغالطة بتشويه الصورة الكتابية لله كملك متوازن الكمالات؛ يغضب ولكنه بطئ الغضب، يحكم على الإنسان بالدينونة ولكنه يدبر له الذبيحة الكاملة؟

أنظر نصوص كتابية تؤكد دينونة المسيح للأشرار كملك كلي البر: مت ۱٦: ۲۷، ٢٢ : ٧، لو ١٩ : ٢٧، يو ٥ : ٢٢، ٢ تس ۱: ۷ – ۱۰، ٢ تي ٤: ۱، عب ١٠ : ١٣، رؤ ۲۰: ۱۱ – ١٣.

ثانيًا تحويل تأثير الكفارة من على الله للإنسان بالادعاء أن الخلاص شفاء أو تغيير أو علاقة ولكنه ليس غفران أو تبرير أو نجاة من الجحيم

طريقة أخرى يتم من خلالها إزاحة تأثير الكفارة من على الله (بإسترضاء عدله)، بحصرها داخل الإنسان (كفارة علاجية، علاقاتية، اختبارية). وهذه المنهجية يتم التعبير عنها بوضعنا أمام مأزق مفتعل وكأن جوانب الكفارة متضادة وعلينا اختيار إحداها فقط. قد يوضع مثلاً التغيير الداخلي في الإنسان في تضاد مع تغيير موقف الله تجاهنا بإسرتضاء غضبه. أو قد يُصَوَّر الصليب على أنه علاقة أكثر من كونه إعلان قضائي حول موقفنا كخطاة تم تبريرهم. بكلمات أخرى، يتضح هنا حصر تأثير الكفارة في الجانب الشخصي، أي داخل الإنسان، وبدلاً من ذلك، إنكار تأثيرها الموضوعي، أي خارج الإنسان، وتجاه الله. على سبيل المثال يدعي القس سامح موريس:

"عايز أصلّح معلومة سمعتها كتير، وصلّحتها كتير؛ ولكن بالرغم من ده بسمعها معكوسة تاني وتاني!، وهي:
الفداء في نظر ناس كثيرين أن المسيح أخد العقاب بدلنا، ودي نظرية معروفة بيسمّوها "بدليّة العقاب"
أنا مذنب وحُكِمَ عليا من الله بسبب خطيتي بالموت، وجه المسيح أخذ العقاب وساب لي الخطية! خلّصني من الموت بس ساب لي سبب الموت؛ الخطية، ده يبقى خلاص.
يبقى خلّصني كده! لأ.
المسيح لم يتحمّل عني عقاب خطيتي؛ المسيح حمل عني "خطيـتي". (سامح موريس)

لن أقوم بالتعليق على هذا الادعاء فقد قمت بالرد عليه في مقال آخر مستقل أوضحت فيه كيف أن الكتاب المقدس يكني عن عقوبة الخطية بـ "الخطية" (تفنيد ادعاء القس سامح موريس بأن المسيح لم يتحمل عقوبتي بل حمل خطيتي).

أيضًا، يدعي أوسم وصفي: "هل الخلاص بدلية عقابية أم خليقة جديدة؟"، "القدماء قصدوا الخليقة الجديدة من خلال الحديث عن البدلية العقابية". إلا أن هذا مأزقًا مفتعلاً من قبل وصفي، كما اعتدنا أن يُطرح علينا المآزق المفتعلة من غير الكتابيين. فالخلاص هو الإثنين معًا، تغيير موقف الله من نحونا، وتغييرنا داخليًا. ولكن من خلال مركزية البدلية العقابية (تغيير موقف الله من نحونا). أي بتغيير موقف الله من تجاهنا صرنا خليقة جديدة. (أنظر مقال آخر بعنوان: هل البدلية العقابية هي طريقة القدماء في وصف الخليقة الجديدة كما يدعي أوسم وصفي؟).

يقول الدكتور ماهر صموئيل:

"من ٣٥ سنة امتلأت بهذا الشعور العميق إني فاسد، إني خاطيء، وإني ضايع ومفيش معنى لحياتي. صرخت له ومن يوميها واخدني في رحلة شفاء بيغيرني وبيعيشني للغرض اللي خلقني من أجله.. اللي عمله مع بولس، اللي عمله مع أنسيموس، اللي عمله مع السامرية، اللي عمله معايا، اللي عمله مع كثيرين غيري أؤكد لك ممكن يعمله معاكي ومعاك. افتح قلبك على الآخر ليسوع المسيح، اقبل الرب يسوع المخلص، مش اللي يدي لك السما، مش دي القضية، مش اللي يدي لك الصحة، ويحل المشكلة، اطلب من المسيح طلبة واحدة إنه يخلصك من الفساد اللي جواك والضياع اللي براك، تخلص من ذل الخطية اللي جواك، وتخلص من الشعور إنك عايش بلا معنى" (ماهر صموئيل)

في التصريح السابق، يضع ماهر صموئيل التغيير في تضاد مع الحياة الأبدية (السما)، معطيًا الأولوية للتغيير هنا والآن. وفي التصريحات التالية، يضع العلاقة الشخصية بالمسيح في مقابلة مع الجانب القضائي من الخلاص (غفران، تبرير، حياة أبدية، نجاة من الدينونة)، معطيًا الأولوية للعلاقة الشخصية على حساب الجانب القضائي المركزي من الخلاص:

"الصليب هو توحد الله الذي هو محبة في صورته البشرية مع الانسان الساقط في الخطية لكي يخرجه من هذه الحاله ويأتي به إلى الشركة معه." (ماهر صموئيل)

"ودعوة الروح القدس تعالى للتوحد مع المصلوب، اتحد به كظالم فيأخذ عقوبتي ويبطل خطيتي وأتحد به كمظلوم فيرد كرامتي ويشفيني، عمل الصليب حدث قائم طازج موجود الآن في الواقع الروحي، لا أدعو الناس إلى عقيدة عن حدثت تاريخي لكن أدعوهم إلى حدث طازج موجود اليوم، المسيح المصلوب وطبعا القيامة فمن سيتحد مع المسيح في موته سيتحد معه في قيامته." (ماهر صموئيل)

بخصوص التصريح السابق ينبغي التنويه إلى أن ماهر صموئيل يستعمل مصطلح عقوبة لكنه لا يعني به المعنى اللاهوتي المعتاد بأن المسيح أخذ عنا عقوبة خطايانا والتي هي الجحيم. ولكنه، كما ادعى في نفس الحلقة (سرانية الصليب) بأن العقوبة التي تحملها المسيح هي إظهار بشاعة الشر في صليبه. أي أن الصليب طبقًا لذلك مجرد عبرة أو عظة وليس كفارة.

نستكمل باقي التصريحات التي يعطي فيها ماهر صموئيل المركزية للعلاقة مع الله وفي نفس الوقت يهمش الجانب القضائي من الخلاص:

"الغفران مش محو الذنوب، الغفران اصلاحك من الداخل واصلاح موقف الله تجاهك، إعادتي للوضع الذي ينبغي أن يكون بيني وبين خالقي" (ماهر صموئيل) (وهنا يطمس ماهر صموئيل جوانب الخلاص معًا غير مميز بين الجانب الموضوعي القضائي من الخلاص ألا وهو الغفران بالجانب الشخصي العلاجي ألا وهو التغيير الداخلي)

"أنا في المسيحية لا أقدم لك عرض إسمه الخلاص، خد خلاص علشان تروح السما، لكن أنا بأدعيك لشخص اسمه يسوع بيدعوك مش لتبعيته بالفكر، مش إنك تتبع سنته، مش إنك تتبع تعاليمه، مش إنك تردد اسمه وتشهد له فتبقى تبعه، لكن أدعوك لتتوحد بهذا الشخص" (ماهر صموئيل)

طبقًا لهذه المنهجية، إذًا، يتم تحويل تأثير الكفارة من على الله إلى الإنسان، من خلال تحويل الله إلى طبيب معالج فقط (وليس قاضٍ أيضًا)، يريد علاجك داخليًا. أو يتم رسم صورة له على أنه عاشق ولهان يصبو إلى علاقة معك ولكنه ليس ملك قدوس تغضبه الخطية. إلا أن الأمر الذي يعفله أولئك هو كيف تم الشفاء. إنهم يؤكدون حدوث الشفاء (التغيير) بدون أن يكون لديهم شرح لكيفية حدوث ذلك. ولكن، كما أشرت سابقًا، أن الشفاء حدث بإسترضاء عدل الله. لأنه من خلال ذلك الاسترضاء تم استرداد الإنسان إلى محضر الله الملك ومن ثم استرداده من عبودية الخطية. أي تم عكس ما حدث في السقوط؛ نفي الإنسان من محضر الله وفي نفس الوقت تسليمه لفساد الطبيعة.

ثالثًا تحويل تأثير الكفارة من على الله للإنسان بالادعاء بأن الخلاص (سواء كان تغيير أو علاقة أو كلاهما) هو هنا والآن وليس إسخاطولوجيًا

بالاتساق مع النقطة السابقة، أي جعل الخلاص علاجي علاقاتي اختباري، وليس قضائي، فإنه ما يتم في مرات أخرى، هو جعل الخلاص حالة حاضرة، أكثر منه خلاصًا اسخاطولوجيًا سيحدث عند الإعلان القضائي الأخير. بكلمات أخرى، عندما يتبرر المؤمن، يتم إعلانه بار قضائيًا الآن بواسطة الله. هذا الإعلان هو بمثابة عربون للإعلان النهائي الأخير. إلا أن غير الكتابيون، في محاولة للطعن في الجانب القضائي من الخلاص، يدَّعون بأن الخلاص هو هنا والآن أكثر منه هناك في الأبدية. إنه مأزق مفتعل آخر يضعنا أمامه غير الكتابيون مختزلين الخلاص إلى حالة حاضرة بصورة أساسية. وفي الحقيقة، فإن الخلاص هو الإثنين معًا. الآن وفي الأبدية. هنا وهناك. مع الأخذ في الاعتبار مركزية الخلاص الإسخاطولجي من الدينونة العتيدة. وكأمثلة على هذا الادعاء:

"هذه هي الحياة الأبدية إذاً! ليست الحياة التي تبدأ بعد الموت، بل الحياة التي لا نهاية لها، فتوصف بالأبدية، لأن معرفة الله هي الحياة الأبدية. الله هو ينبوع الحياة ‘فيه كانت الحياة’. فالحياة مرتبطة به .. وكل من يعرفه معرفة حقيقية تسري حياة الله الأبدية فيه" (سامح موريس)

"ليه يا حبيبي غيرت شغلك مرة واتنين وتلاتة في اخر عشر سنين؟ يقول لك عايز ألاقي نفسي، أنا اللي فاقده مش حاجة، أنا فاقد حاجة أخطر من أي حاجة، أنا فاقد نفسي، هذا هو البحث عن الحياة كما يقدمها يوحنا: لكي تكون لكم حياة إذا أمنتم باسمه، ما يقصدش تروحوا السما، لأنه المسيح بيتكلم على الحياة الأبدية باعتبارها شيء ناخده هنا ولا لما نروح هناك؟ الحياة الأبدية عطية من الله، عرفها يسوع ببساطة وقال هذه هي الحياة الأبدية، أن يطير في السحب للذهاب للسماء؟ ارجوكم يا اخوتي خلصوا أذهانكم من هذا المفهوم الخاطئ، هذه هي الحياة أن يعرفوك، وكلمة يعرفوك في علاقة شخصية حميمة، لما يقول يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك، شركة عميقة مع الله، ويسوع المسيح الذي أرسلته، هذه هي الحياة الأبدية، فلما نقول انه شغف الانسان هو البحث عن ما ينقصه وما ينقصه ليس شيء لكنه يبحث عن الاكتمال، يبحث عن أن يجد نفسه ان يجد حياته هذا هو ما يقدمه يوحنا لكن يوحنا لا يتكلم عن حياة في المستقبل لكن يتكلم عن عطية في الحاضر، من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني له حياة ابدية ولن يأتي إلى دينونة، بل قد انتقل من الموت، انتقل مش لما يبقى مرحوم وينتقل لأ، خد حياة وبيعيش هذه الحياة مش حاططها زي ما قلت في الفريزر لغاية ما روح السما، لكن فعالة ونشطة ومثمرة نافعة ومؤثرة حياة يكون لكم حياة إذا أمنتم باسمه". (ماهر صموئيل)

في التصريحين السابقين، لسامح موريس وماهر صموئيل، يتم استغلال مفهوم معقد عن الحياة الأبدية لاختزاله في علاقة اختبارية حاضرة. في حين، كما أوضحت في مقالي "كيف تقرأ إنجيل يوحنا"، كيف أن الحياة الأبدية لدى يوحنا هي كم وكيف في نفس الوقت. الحياة الأبدية هي شخص المسيح، وفي نفس الوقت امتياز السكنى معه للأبد. ليست إحداهما دون الأخرى. أنظر مقال آخر بعنوان "الحياة الأبدية" يثبت كونها عطية تبدأ عند القيامة وتكون بالمقابلة مع الدينونة.

عودة للتصريحات الدالة على محاولة تهميش الخلاص الإسخاطولوجي واختزال الخلاص في حالة حاضرة ..

"كتير من المؤمنين رسالة الخلاص اللي وصلتهم مش علشان تدخل في علاقة حميمة مع يسوع ومع الله أبيك لكن علشان تغفر خطاياك وتروح السما، بوليصة تأمين مجانية ضد الجحيم" (ماهر صموئيل)

"أحتاج للخلاص، ليس الخلاص من الجحيم، ولا الخلاص من الضيقات، لكن خلاص من الخطية اللي ضيعت لي إنسانيتي، وضيعت لي الغرض اللي أعيش من أجله، أريدك يارب أن تخلصني" (ماهر صموئيل)

"لا يتعلق الإنجيل بكيفية الدخول إلى ملكوت السماوات بعد موتك، بل يتعلق أكثر بكيفية العيش في ملكوت السماوات قبل أن تموت" (دالاس ويلارد)

الخلاص إذًا لدى هؤلاء هو حالة حاضرة أكثر منه توقع في المستقبل. اختبار نحصل عليه الآن وليس مقام ننتظره في الأبدية. وإن كان الحال هكذا، فالكفارة إذًا ليست موجهة إلى الله لإسترضاء عدله بخصوص دينونته العتيدة. بل إلى الإنسان لتمكينه من حالة حاضرة هنا والآن.

رابعًا تحويل تأثير الكفارة من على الله إلى الإنسان بالادعاء بأن الخلاص هو إعلان عن الله وليس تغيير موقفه تجاهنا

فضلاً عما سبق من الطرق التي يتم من خلالها إستبدال تأثير الكفارة على الله بتأثيرها على الإنسان، أو بكلمات أخرى، اختزال تأثير الكفارة على الإنسان، هو الادعاء بأن الخلاص هو إعلان عن الله أكثر منه غفرانًا للخطايا أو تبرير أو نجاة من الجحيم. صحيح أن جزء من الفداء هو الإعلان عن الله. وأننا عندما نخلص، نتخلص من الصورة الفاسدة في أذهاننا عن الله. إلا أن هذا ليس في تعارض مع كون الجانب المركزي من الخلاص هو غفران الخطايا والحياة الأبدية. إنه مأزق مفتعل آخر أن يتم تخييرنا فيه بين كون الخلاص إما إعلان عن الله أو نجاة من دينونة الخطية. مرة أخرى، إنه الإثنان معًا، بل وأكثر، ولكن مع مركزية الجانب القضائي من الكفارة ألا وهو الغفران والتبرير والحياة الأبدية.

وإليك مثالين على ذلك:

"الله ظهر في الجسد مش بس عشان يحل مشكلة. كتير من المسيحيين فاهمين إن الله جاء وتجسد لكي ما يخلصنا. نو no الله جاء لكي ما يتكشف لنا ونعرفه" (ماهر صموئيل)

في هذا اللقاء، حاول يوسف يعقوب استدراك الموقف بالتصحيح لماهر صموئيل، بأنه هذا وذاك، أي ليتكشف لنا ويخلصنا في نفس الوقت. ٱلا أن ماهر لم ينفي أن المركزية لم تزل بالنسبة له للتكشف أو لكون الخلاص إعلان.

مثال آخر، هو ما كتبه أحد دعاة اللاهوت الشرقي:

"البدلية العقابية هي إحدى النظريات التي تشرح عقيدة الفداء وتقول في أصلها أن الآب صب غضبه على الابن في الصليب بدلًا من أن يصب غضبه علينا. وهذا مفهوم يرفضه اللاهوت الشرقي لإن خلاص المسيح غير محصور في الصليب فقط، فالمسيح جاء لكي: ١ – يصلح بين الطبيعة الإلهية والطبيعة البشرية بتجسده حيث اتحدت فيه الطبيعتان. ٢ – يصلح أفكارنا البشرية المشوهة عنه الله حيث المسيح هو إعلان الله عن ذاته كما هو، كما أن لتعاليمه هذه الدور في خلاصنا. ٣ – بتألمه شارك البشرية آلامها ليشفي آلامها فيه. ٤ – بموته وقيامته أمات الموت الذي سيطر على طبيعتنا". (أمجد بشارة)

وكما أصر أصحاب الادعاء بأن الكفارة لتغيير الإنسان وشفاءه من داء الخطية، دون أن يشرحوا لنا كيف حدث ذلك الشفاء. يدعي هنا أيضًا البعض بأن الخلاص هو للإعلان عن الله وليس للإنقاذ من دينونة الخطية. على أن الإثنين متضافران معًا بحيث أنه لا يوجد إعلان عن الله لو لم يكن هناك استرضاء لعدل الله في كفارة المسيح. أليس بإسترضاء غضب الله تكشفت لنا كمالاته؛ إذ أن "الرحمة والحق إلتقيا، البر والسلام تلاثما" (مز ٨٥ : ١٠)؟ أو كما يقول بولس "الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه، لإظهار بره، من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله. لإظهار بره في الزمان الحاضر ليكون بارًا ويبرر من هو من الإيمان بيسوع المسيح" (رو ٣ : ٢٥، ٢٦). إن المعضلة كانت كيف يبرر الله الفاجر ويظل الله بار (عادل) رغم ذلك. كيف تسامح رحمة الله الخاطئ، وكيف يقتص منه عدله في نفس الوقت؟ الحل في الكفارة العقابية. في البديل الذي تحمل وفاء الدين نيابة عن الإنسان الفاجر. وهكذا تم الإعلان عن الله. بأنه كلي البر والمحبة في نفس الوقت. بأنه يطلب منا البر وفي نفس الوقت يهبه لنا مجانًا. إلا أن أصحاب هذا الادعاء يريدون إعلان عن الله وفي نفس الوقت بدون استرضاء لعدله. فليقولوا لنا إذًا ما هو فحوى هذا الإعلان أو كيف تم. المثير للدهشة أن ماهر صموئيل يعامل الصليب على أنه سر مبهم (كما ادعى قائلاً: هل تعلم يا يسوع أني لا أفهم صليبك)، وفي نفس الوقت يصرح أن الفداء هو إعلان عن الله وليس لينقذنا من مشكلة!

خامسًا، تحويل تأثير الكفارة من على الله إلى الإنسان بجعل الخلاص حُكم الإنسان على الله وليس حُكم الله عليه

أخيرًا وليس آخرًا، يتم حصر تأثير الكفارة على الإنسان وليس الله، من خلال جعل الخلاص نوع من التلذذ أو الاستطعام أو إصدار رأي أو حكم على الله. إنه نوع من إجراء التغيير في نظرتنا لله. أي أنه لا يتم هنا التركيز على تغيير في سلوكنا أو شفاءنا من الخطية بقدر ما هو تغيير في منظورنا لله. صحيح أن هذا يحدث في الخلاص، أن الله يهبنا إنسان مخلوق حسب البر يُسَر بالعلاقة مع الله. إلا أن هذا أيضًا يكون من خلال استرضاء عدل الله. ذلك لأننا بالسقوط طُردنا من محضر الله وتم تسليمنا للفساد والذي يشمل العداوة تجاه الله والنفور منه. ولكن عندما استرضى الابن عدل الله على الصليب، تم استردادنا إليه، ومن ثم تغييرنا وبالتبعية تغيير نظرتنا إليه. لكن أصحاب هذا الادعاء يقولون بصورة غير مباشرة أن الخلاص هو كيف ترى الله وليس كيف يراك هو. ذلك لأن لا تأثر للكفارة على الله طبقًا لهم.

أمثلة على ذلك:

"ينبغي أن نكون نوعية الناس التي تصلح أن تسكن مع الله للأبد ... إذا لم تتعود على السكنى معه هنا لن تتحمل السكنى معه هناك". (ماهر صموئيل)

"إن المتدينين يرون الله على أنه نافع، بينما يراه المؤمنون على أنه جميل." (تيموثي كلر)

"الاختبار الحاسم لأي لاهوت هو: هل الله المقدم (في الرسالة) يمكن أن يُحَبّ من القلب والنفس والعقل والقوة؟ ... إذا فشلت (الرسالة) في إرساء (صورة) لإله يمكن أن يُحَبّ – ككائن مشرق وسعيد وودود ويمكن الوصول إليه وكفء تمامًا – أمام الناس العاديين، فقد أخطأنا". (دلاس ويلارد - كتاب المؤامرة اإلهية)

في الثلاثة أمثلة السابقة، بدلاً من أن يكون الله هو الذي يحكم على الإنسان، صار الإنسان هو الذي يحكم على الله؛ بأنه يصلح للسكنى معه، أو أنه جميل وليس فقط نافع، أو أنه يمكن أن يُحب ككائن مشرق وسعيد. إن اللاهوت الكتابي بأكمله يخبرنا بأن الله هو الذي يحكم علينا كخطاة وليس أننا نحكم عليه. جوهر مشكلة الخطية ليس كيف يرى الإنسان الله، بل أن الله يراه كعدو منفي من محضره وتحت الغضب بسبب نجاسته. وعندما نؤمن بعمل المسيح يرانا الله أبرار فيه. لكن أنصار هذه الأجندة غير الكتابية حولوا تأثير الكفارة على الله، إلى مجرد تأثير على الإنسان، وذلك بجعل الخلاص تغيير في نظرتنا لله بدلاً من كونه في الأساس تغيير في نظرة الله لنا. إنها محاولة لتحييد الله تجاه الإنسان. نوع من التدجين لصورة الله كملك كلي البر. وبينما يفعلون ذلك لم يدركوا أنهم جعلوا أنفسهم آلهة تحكم على الله.

سادسًا، بعض الأدلة على أن الكفارة موجهة إلى الله في الأساس

رأينا الطرق التي يتم من خلالها تحويل تأثير الكفارة من على الله إلى الإنسان. إن الله يمكن أن يكون أي شئ بالنسبة لهم؛ أب، طبيب، حبيب، إلا كونه ملك كلي البر وقاضٍ عادل يحتاج لإسترضاء غضبه. مما يعني أن تأثير الكفارة، لدى أصحاب تلك الادعاءات هو على الإنسان وليس الله. إلا أن هناك الكثير من الأدلة الكتابية على كون الكفارة موجهة في الأساس لاسترضاء غضب الله. ومن خلال هذا الاسترضاء تتحقق باقي الجوانب الأخرى من الكفارة؛ شفاء الإنسان، النصرة على الشيطان، واسترداد الخليقة من تحت عبودية الفساد.

بعض هذه الأدلة:

الدليل الأول على أن الكفارة موجهة ضد الله في الأساس هو كون الخطية موجهة ضده بصورة أساسية. صحيح أن الخطية قد تكون موجهة ضد الإنسان، أو ضد نفسه، أو ضد الخليقة، لكنها في كل هذه تظل موجهة ضد الله في الأساس. وذلك لأنها خرق لناموسه، وتعدى على خليقته، واحتقار لسلطانه (أنظر مقال آخر بعنوان: ما معنى أن الخطية موجهة ضد الله في الأساس؟). إن لم تكن الخطية موجهة ضد الله، فهذا سيتركنا مع صورة مشوهة له؛ إله لا يبال بالخطية ولا تضيره النجاسة. لقد أراد أولئك التخلص من غضب الله (بتغيير معنى هذا الغضب)، فتخلصوا من قداسة الله وبره أيضًا.

الدليل الثاني على كون الكفارة موجهة إلى الله في الأساس، هو الجانب القضائي من الخطية. للخطية جوانب متعددة. من أهمها الجانب القضائي. ونستدل على هذا الجانب القضائي للخطية على الأقل من خلال أمرين؛ فالكتاب المقدس يكني (يستعيض) عن العقوبة بالخطية: "فقال قايين للرب: ذنبي أعظم من أن يُحْتَمَل" (تك ٤ : ١٣). وقد وردت "ذنبي" في الترجمات الإنجليزية "عقابي". أيضًا "الرب قد نقل عنك خطيتك. لا تموت" (٢ صم ١٢ : ١٣). للمزيد أنظر (لا ٢٠ : ١٦ – ٢١، ٢٤ : ١٤ – ١٥، ٢٦ : ٤١، ٤٣، ١ صم ٢٨ : ١٠، مراثي ٤ : ٦، ٢٢، حز ١٤ : ١٠، ١ بط ٢ : ٢٤). الكتاب المقدس يصف أيضًا الخطية على أنها دين يستوجب السداد: واغفر لنا ذنوبنا" (مت ٦ : ١٢). وذنوبنا في اليونانية "ديوننا". وقد وردت debts في الترجمات الإنجليزية. أنظر أيضًا مت ١٨ : ٢٣ - ٣٥، لو ٧ : ٤٠ - ٥٠. فالخطية إذًا ذنب له عقوبة، ودين يستوجب السداد. ومن ثم فالكفارة موجهة إلى الله نيابة عنا.

الدليل الثالث على أن الكفارة موجهة إلى الله في الأساس هو كون ذبائح العهد القديم موجهة إلى الله في الأساس أيضًا. ورغم أن الكهنة كانوا يأكلون منها. ومع انه كانت هناك ذبائح تُرفع للحمد والشكر. إلا أن الجانب المركزي في الذبيحة يظل هو تقديمها لله للكفارة عن الخطايا. وموسى يصف الذبائح الهارونية بعبارة تتكرر كثيرًا في سفر اللاوييين: "أمام الرب". أيضًا وضع مقدم الذبيحة يده على رأسها يشير إلى عنصر البدلية هنا. أي أن الله قَبِلَ الذبيحة كبديل عن الخاطئ. وما ذبائح العهد القديم سوى إشارة باهتة للذبيح الأعظم؛ حمل الله الذي يرفع خطية العالم، الخروف القائم كأنه مذبوح، المسيح فصحنا.

الدليل الرابع على كون الكفارة موجهة إلى الله في الاساس، هو أن ما تحمّله الابن المتجسد كان من يد الآب. كتبت مقال آخر بعنوان "ما تحمله الابن المتجسد على الصليب من يد الله". وقد كان ما تحمله؛ الترك (مت ٢٧ : ٤٦، مر ١٥ : ٣٤)، وتناول كأس الغضب من الآب (يو ١٨ : ١١، مر ١٤ : ١٦)، تحمل اللعنة من الآب (غل ٣ : ١٣، ٢ كو ٥ : ٢١)، تحمل الضرب أي الآلام والموت (مز ٦٩ : ٢٦، زك ١٣ : ٧، مت ٢٦ : ٣١، مر ١٤ : ٢٧، إش ٥٣ : ١٠). إن كان الابن المتجسد عوقب من الله، فهو عوقب كبديل. ومن ثم فكفارته موجهة لله في الأساس.

الدليل الخامس على كون الكفارة موجهة لله في الأساس هو أن الله في الكتاب المقدس هو غافر الخطايا وماحي الذنوب. مما يؤكد أن الكفارة موجهة له في الأساس. لا أحد يستطيع غفران إساءة إن لم تكن موجهة له. والله لا يستطيع غفران خطايا غير موجهة له (خر ٣٤ : ٧، مز ١٣٠ : ٤، إش ٤٣ : ٢٥، مي ٧ : ١٨، مر ٢ : ٧، رو ٤ : ٧ – ٨، أف ١ : ٧، ٤ : ٣٢).

الدليل السادس على كون الكفارة موجهة إلى الله في الأساس هو أن التاريخ الكتابي بأكمله يشهد بأن الله هو الملك القاضي وفي نفس الوقت المخلص الذي يخلصنا من غضبه؛ فالرب هو الذي قضى بالموت والطرد من الجنة على آدم وامرأته، وفي نفس الوقت هو الذي دبر جلد الذبيحة ليكسو عريهما. خروف الفصح كان هو وسيلة النجاة التي دبرها الرب للنجاة من غضبه. والذبائح الهارونية التي أمر بها الرب كانت للتكفير عن خطاياهم حتى لا يقعوا تحت الهلاك اللحظي من الرب. فضلاً عن ذلك خلاصه لليهود من السبي الذي أرسلهم إليه. كل هذه تؤكد بما لا يدع مجالاً من الشك أن الرب قاضٍ ومخلص في نفس الوقت.

الدليل السابع على كون الكفارة مقدمة إلى الله في الأساس هو بعض نصوص العهد الجديد:

وَنَادَى يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَ: «يَا أَبَتَاهُ، فِي يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي». وَلَمَّا قَالَ هذَا أَسْلَمَ الرُّوحَ. (لو ٢٣: ٤٦)

وَٱسْلُكُوا فِي ٱلْمَحَبَّةِ كَمَا أَحَبَّنَا ٱلْمَسِيحُ أَيْضًا وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لِأَجْلِنَا، قُرْبَانًا وَذَبِيحَةً لِلهِ رَائِحَةً طَيِّبَةً. (أف ٢:٥)

فَكَمْ بِٱلْحَرِيِّ يَكُونُ دَمُ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ لِلهِ بِلَا عَيْبٍ، يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ مِنْ أَعْمَالٍ مَيِّتَةٍ لِتَخْدِمُوا ٱللهَ ٱلْحَيَّ! (عب ٩: ١٤)

فَإِنَّ ٱلْمَسِيحَ أَيْضًا تَأَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ أَجْلِ ٱلْخَطَايَا، ٱلْبَارُّ مِنْ أَجْلِ ٱلْأَثَمَةِ، لِكَيْ يُقَرِّبَنَا إِلَى ٱللهِ، مُمَاتًا فِي ٱلْجَسَدِ وَلَكِنْ مُحْيىً فِي ٱلرُّوحِ، (١بط ١٨:٣)

الدليل الثامن على كون الكفارة موجهة إلى الله في الأساس هي النصوص الكتابية الكثيرة التي تقول أن الآب أقام المسيح. والقيامة هي إكرام الآب للابن على ذبيحة كفارته الكاملة. وبكلمات إس لويس جونسون "القيامة هي آمين الآب لـ قد أكمل الابن". إن الابن قدم نفسه ذبيحة لله، واستودع نفسه بين يديه، فما كان من الآب سوى أنه، إكرامًا للابن، رد له روحه بعد اكتمال كفارته واستيفاء الثمن كاملاً.

الدليل التاسع على كون الكفارة موجهة إلى الله في الأساس هو طاعة المسيح الإيجابية. إن طاعة المسيح للناموس جزء لا يتجزأ من كفارته. ليس فقط أنه كبديل أطاع حكم الناموس علينا بموته. بل أطاع أيضًا وصايا الناموس نيابة عنا بحياته. طاعته للناموس تلك هي ما يُسمى بالطاعة الإيجابية (أنظر مقال آخر بعنوان: الطاعة الإيجابية للمسيح). إن كانت الطاعة الإيجابية موجهة إلى الله، فمن البديهي أن تكون طاعة موت الصليب موجهة إلى الله الآب نيابة عنا. إن كل من حياة المسيح وموته كفارة واحدة موجهة إلى الله نيابة عن الإنسان.

الدليل العاشر على كون الكفارة موجهة إلى الله في الأساس هو أن المسيح يشفع فينا حاليًا أمام الآب. إنه يواصل عمله في السماء أمام الله لأجلنا. ليس فقط أن حياة المسيح (طاعته الإيجابية) كانت موجهة إلى الله لأجلنا، بل أيضًا ظهوره الآن أمام وجه الله لأجلنا. لكي يُسكت شكاية الشيطان لدى الآب ضدنا. ولكي يردنا إلى الشركة مع الآب أيضًا. إن كان كل من حياة المسيح على الأرض، وظهوره الآن في الأقداس السماوية، موجهان إلى الله الآب لأجلنا، فلماذا يُستثنى موت الصليب من ذلك؟ "فمن ثم يقدر أن يخلص أيضًا إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله، إذ هو حي في كل حين ليشفع فيهم" (عب ٧ : ٢٥)، "لأن المسيح لم يدخل إلى أقداس مصنوعة بيد أشباه الحقيقية، بل إلى السماء عينها، ليظهر الآن أمام وجه الله لأجلنا" (عب ٩ : ٢٤)، "يا أولادي، أكتب إليكم هذا لكي لا تخطئوا. وإن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب، يسوع المسيح البار" (١ يو ٢ :١).

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس