الخلق في التاريخ الفدائي والكتابي

الخلق موضوع من الموضوعات الرئيسية في الكتاب المقدس وفي التاريخ الفدائي بأكمله. وهو لا يقتصر على أيام الخليقة الستة، بل يمتد عبر أجزاء الكتاب المقدس موازيا لموضوع الفداء ومتداخلا معه. 


نقرأ في أولى صفحات الوحي "في البدء خلق الله السماوات والأرض". خلق الله الكون والحيوانات والإنسان في ستة أيام طبيعية ورأى أن كل ما عمله وإذ هو حسن جدا. ولكن بسقوط الإنسان ودخول الخطية فسدت الخليقة وتوغل الشر. فجلب الله الطوفان على عالم الفجار قديما حتى كادت الخليقة تُدَمَّر لولا أن نوح وجد نعمة في عيني الرب فأبقاه هو وامرأته وبنيه ونساءهم وبعض المخلوقات الأخرى لإستبقاء حياة. ثم بعد الطوفان مباشرة نرى الخليقة تقريبا تبدأ من جديد. فنجد الله يبارك عالم ما بعد الطوفان بلغة مشابهة جدا للغة الخلق "اثمروا واكثروا واملأوا الأرض ولتكن خشيتكم ورهبتكم على كل حيوانات الأرض .." (تك 9 : 1 -7 مع تك 1 : 28). 

ولأن الخليقة الأولى فشلت بسقوط آدم وانتشار الفساد في عالم ما قبل الطوفان، فإن الرب يبدأ في خلق شعبا خاصا بأكمله ليوصيه بطاعته وحفظ وصاياه التي أخفق فيها آدم. فيبدأ الرب بإختياره لإبراهيم واسحق ويعقوب والأسباط الإثني عشر. وليس فقط أن الرب خلق الآباء من أرحام عقيمة (سارة ورفقة وراحيل)، بل أخرجهم أيضا من رحم العبودية والذل فَوُلِدَ له شعبا بأكمله. إلى أن صارت تلك الأمة مملكة بلغت أوجها بملك سليمان حتى سقطت وانقسمت أيضا بدورها بسبب خيانته. سقط الملك ومملكته معه كما سقط النائب الملكي من قبل في مقدس الرب جنة عدن.

إن شعب اسرائيل نفسه هو آدم آخر. لكن لأن اسرائيل الإبن البكر أثبت عدم صلاحيته في تحقيق ما أخفق فيه ابن الله الأول آدم (لو 3 : 38)، لهذا يَعْد الله بالخليقة الجديدة التي لها قلبا لحميا لا حجريا مكتوبا عليه الناموس من الداخل (إر 31 : 33 ، 2 كو 3 : 3). ولكن هذه الخليقة الجديدة لن تتحقق إلا بمجئ ذلك الذي هو بكر كل خليقة، يسوع، ليس أنه مخلوقا، بل يفوق كل الخلائق بمقدار عظمة الخالق على المخلوق. 

يسوع هو آدم الأخير (ليس بعده أوادم أُخَرْ) الذي جاء ليتسلط على الخليقة ويُخْْضِعْهَا، وهو الإبن الوحيد (مونوجينيس الذي لا يضارعه ابن آخر في تميزه وجوهره) الذي يُسرّ به قلب الآب. لهذا نرى يسوع، الذي جاء من رحم عذراء (عقيم) يعلن عن كونه الخالق الذي أتى لاسترداد وشفاء الخليقة الفاسدة من خلال معجزات الشفاء والخلق الجزئي والإقامة من الموت. إن معجزات الخلق الجزئي التي صنعها يسوع هي السُّلم الذي يأخذنا إلى مستوى روحي أعظم؛ معجزة الخليقة الجديدة. 

في يسوع نرى أعظم إعلان عن ارتباط الخلق بالخلاص. فالخطية والسقوط شوها الخليقة، لهذا جاء الفادي ليسترد الخليقة من فسادها وموتها وتشوهها ولعنتها وأنينها ومرضها. فالله "الذي قال أن يشرق نور من ظلمة هو الذي أشرق في قلوبنا" التي صارت مظلمة بفعل السقوط (2 كو 4 : 6). وإن كانت الخليقة قد أُخْضِعَت للبُطْل، إلا أنها تتوقع العتق والخلاص النهائي بواسطة آدم الأخير الذي استطاع اِخْْضَاع الموت والحية القديمة والشر لنفسه. 

وهذا يصل بنا إلى ذروة الخليقة في آخر صفحات الوحي وقمة المخطط الفدائي حيث نقرأ عن : "سماء جديدة وأرضا جديدة، لأن السماء الأولى والأرض الأولي مضتا" (رؤ 21). إن الله لن يدمر الأرض الحالية، حاشاه فقد صنع عهده وميثاقه مع نوح ألا يدمرها، لكنه سيقوم بتجديدها وكأنه خلقا جديدا. ستنمحى منها كل آثار السقوط والموت واللعنة والألم. 

إن الخلق والفداء خيطان رئيسيان مجدولان ومضفوران حول بعضهما البعض عبر التاريخ الفدائي بأكمله بصورة يصعب فصلهما عن بعض. لهذا يربط المرنم في تناغم عجيب بين الخلق وفداء اسرائيل مسبحا الرب على رحمته كالخالق والفادي "لأن إلى الأبد رحمته" (مز 136).

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس