تفنيد إدعاء الدكتور ماهر صموئيل حول الإختيار

في هذا الفديو (أنظر أدناه) للدكتور ماهر عدة أخطاء لاهوتية:


أولا خطأ المساواة بين اختيار لله البعض للخلاص، والبعض الآخر للهلاك. تعليم النعمة المُصْلَح لا ينادي بالإختيار المزدوج Double Predestination . بل أن الله اختار البعض للخلاص، وترك البعض الآخر لاختيارهم التمرد عليه. أعطى البعض نعمته. والبعض الآخر أعطاهم عدله. لو أن لله مضطر لإعطاء الجميع نعمته، إذا فالنعمة ليست بعد نعمة، بل استحقاق.

نعم، قد يبدو من اختيار الله البعض للخلاص، أنه اختار البعض للهلاك. لكن هذا غير صحيح. الكتاب المقدس لا يقل أبدا أن الله اختار أناس للهلاك. وإن كان قد يبدو هذا أمرا يمكن استنتاجه منطقيا من عقيدة الإختيار للخلاص، إلا أن ما يبدو منطقيا لنا ليس بالضرورة يعبر عن المنطق الإلهي الذي يسمو عن المنطق البشري. نحن لا نُعَقْْلِنُ الإيمان. لكننا نقبله كما هو. ونخضع للإعلان الكتابي الذي يؤكد على كل من سلطان الله في الإختيار وفي نفس الوقت مسئولية الإنسان في رفض الله. أما عن كلام الدكتور ماهر فهو محاولة لعقلنة للإيمان بإخضاعه للمنطق البشري عن طريق إخراج سلطان الله من المعادلة، وجعل الإنسان فقط هو المتحكم في أمر خلاصه برمته. أي إعطاء السلطان المطلق للإنسان وغلّ يد الله كليا.

ثانيا صحيح أن علم الهيرمانوتكس هام، لكن هذا الحق جلي في الكتاب المقدس ولا يحتاج مفسر. وهل نفهم من كلام الدكتور ماهر هنا أن حق التفسير حكر علي رجال الكنيسة الذين يدرسون علم التفسير؟ هل عدنا للعصور الوسطى بأن الكتاب المقدس غامض ولا يمكن قراءته بدون تفسير السلطة الماجيستيرية الكنسية؟ يبدو لي أن هذا هو المعنى. وبالمناسبة فما فعله الدكتور ماهر مع موضوع الإختيار ليس تفسيرا exegesis بل افتراض معنى مسبق واقحامه على الحق الكتابي eisegesis .

ثالثا الله فعلا يحترم حرية الإرادة في القبول والرفض. لكن قل لنا مِنْ فضلك، مَنْ هو الذي يريد، أو على استعداد للقبول بمعزل عن عمل النعمة؟ "ليس من يفهم. ليس من يطلب الله" (رو 3 : 11)، "وأحب الناس الظلمة أكثر من النور" (يو 3 : 19). صَلْب المسيح نفسه أكبر دليل على أن الإنسان لا يريد الله. لولا أن الرب اختار إسرائيل والمؤمنين والتلاميذ ماكنوا قد اختاروه هم. على العكس من ذلك يقول إشعياء: "أصغيت إلى الذين لم يسألوا. وجدت من الذين لم يطلبونني. قلت هأنذا. لأمة لم تسم بإسمي" (إش 65 : 1). يقول بولس أيضا: "فماذا نقول أن الأمم الذين لم يسعوا في أثر البر أدركوا البر الذي بالإيمان" (رو 9 : 30). أليس الحق الكتابي العام نفسه يؤكد هذا الأمر بأن الله وجدنا واختارنا ونحن بعد "فجار" و"أعداء" و"غرباء"؟ فهل كنا نريد اختيار الله أو نبحث عنه أو نريد التوبة ونحن بعد فجار وأعداء؟ وإن كانت النعمة ضرورية، فهل هي مجرد عامل مساعد؟ أم أنها العامل الكافي الفعال؟

رابعا بالنسبة للآيتين: "وهو لا يشاء أن يهلك أناسا بل أن يقبل الجميع إلى التوبة"،
"الله الذي يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون"،

فهناك فرق بين إرادة الله (الطبيعية) للمسرة will of disposition أي ما يسر الله (ميله الطبيعي إن جاز القول)، فمسرته هي بخلاص الجميع، وبين إرادته القضائية decretive will أنه عين في سلطانه أن يخلص البعض. لأنه لو ترك الأمر لإرادة الإنسان فمن سيخلص؟ ومن سيريد؟ لا أحد إلا بالنعمة المسبقة الفعالة.

هل الله متعارض أو متنازع في إرادته؟ قطعا لا! لكن ليس كل ما يحدث يجلب المسرة لله. فالله لا يُسَرُّ بالخطية، ولا بموت الشرير في خطيته، ولا بإصرار الشرير على رفضه له. 

خامسا بالنسبة لحل الإشكالية فلا يكون بهذا الشكل: "طلّع كل الآيات التى ذكرت في الكتاب المقدس عن الإختيار .." 

كون الإختيار يختلف معناه من قرينة لأخرى، فهذا لا يعنى أنه لا يوجد اختيار للخلاص. بل أن هناك بعض معاني الإختيار التي لا يذكر فيها الإختيار للخلاص لكن مشمول فيها ضمنا. فمثلا "اختارنا لنكون قديسين .." فهل اختارنا لنكون قديسين دون أن يكون قد اختارنا للخلاص؟ بل إن نفس القرينة تؤكد ذلك في الأعداد اللاحقة: "إذ سبق فعيننا للتبني" وما هو التبني سوى أن أصير ابن لله بعد أن كنت ابن لإبليس؟ ألا يشمل التبني الخلاص؟ 

"عينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه" .. وكيف سيكونوا مشابهين لصورة ابنه دون أن يكونوا قد خلصوا أولا؟ وهذا ما يؤكده بولس بقوله (تكملة الآية التي ذكرها الدكتور ماهر): "والذين سبق فعينهم فهؤلاء دعاهم أيضا. والذين دعاهم، فهؤلاء بررهم أيضا. والذين بررهم، فهؤلاء مجدهم أيضا" (رو 8 : 30). لا يمكن أن يكون الله اختار البعض ليكونوا قديسين وليكونوا مشابهين صورة ابنه دون أن يكون قد اختارهم للخلاص! اختيار الله شامل وغير منقوص. 

وعليه، فالقول: "أن الإختيار ((دائما)) لوظيفة ما لمقام معين لإرسالية معينة" ليس صحيح. لا .. ليس "دائما"!

فضلا عن ذلك، فهناك آيات كثيرة تتحدث عن الإختيار لم يرد بها كلمة اختيار. مثل قول الرب يسوع: "لا يقدر أحد أن يقبل إلىّ إن لم يجتذبه الآب الذي أرسلني" (يو 6 : 44). وقول بولس "لأنهما وهما لم يولدا بعد، ولا فعلا خيرا أو شرا، لكي يثبت قصد الله حسب الإختيار، ليس من الأعمال بل من الذي يدعو .. أحببت يعقوب وأبغضت عيسو" (رو 9 : 13). ناهيك عن باقي رومية 9 الذي ينسف كلام الدكتور ماهر بأكمله!

وهل قال أحد أن الرب أغلق الباب على أحد؟ لست أعلم إن قال أحد ذلك، لكن بكل تأكيد ليس التعليم المُصْلَح.

"كيف ينجو الإنسان من الهلاك؟ ليس بالإختيار ولكن بالتوبة"، نحن لا ننكر أن الإنسان عليه مسئولية التوبة. لكننا لا نستطيع أن ننكر من جهة أخرى أن الله يعطي التوبة لأن لا أحد يريدها. "إذ أعطى الله الأمم أيضا التوبة للحياة" (أع 11 : 18). فقد أعطى التوبة لمن لم يطلبوه أو يسألوا عنه أو يريدوه. بل إنه أعطى الإيمان أيضا: "لأنكم بالنعمة مخلصون، بالإيمان، وذلك [الخلاص، الإيمان] ليس منكم. هو عطية الله. ليس من أعمال [حتى التوبة] كي لا يفتخر أحد" (أف 2 : 8 - 9).

أخيرا بقي أن أجيب على السؤال المنطقي الذي يفرض نفسه، لو كان الله يختار للخلاص، فالإنسان غير مسؤول؟ غير صحيح! الكتاب المقدس يؤكد على الأمرين: إختيار الله ومسئولية الإنسان. أما عن كيفية التوفيق بينهما، فهذا ما لا أعلمه، ولا أظن أن هناك مِنْ البشر مَنْ يعلم ذلك. لكن أنا فقط أوكد ما يؤكد عليه الكتاب المقدس دون محاولة مني لعقلنة الأمر أو الخوض فيما يسمو عن المنطق البشري المحدود والملوث بالخطية الأصلية.

أن يخبرنا الكتاب المقدس عن وجود إختيار فهذه قضية، وألا يخبرنا عن إمكانية توفيق الإختيار بالمسئولية فهذه قضية أخرى. الأولى واضحة ومعلنة صراحة في الكتاب المقدس، والثانية سر لا يعلمه إلا الرب، ولم يحاول الكتاب المقدس القيام به أو حتى تشجيعنا على ذلك. والمشكلة تكمن في محاولة البعض أن يتخطوا حدود ما أعلنه الله في كلمته.

ورغم كل ما قيل: يظل على الخاطئ مسئولية التوبة، والكتاب المقدس يطالبه بذلك بدل المرة عشرات المرات!

ما أهمية هذا الكلام؟

التأكيد على أن الخلاص بالنعمة وليس بفضل الإنسان "لكي لا يفتخر كل ذي جسد أمامه" (1 كو 1 : 29). (ومع هذا يظل الإنسان الخاطئ مسؤول عن رفضه لله. كيف؟ لا أعلم)

التأكيد على أن عقلنة الإيمان - كما قلت سابقا - ستؤدى إلى تخفيفه وإضعافه وتهميش سلطان الله، وتحويل العقيدة المسيحية إلى عقيدة ربوبية Deism الله فيها متفرج وغير فاعل أو غير متسلط على خليقته.

وختاما، فإن النصيحة التي يسديها لنا وين جرودم، في لا هوته النظامي، حول تفسير الكتاب المقدس جديرة بالإصغاء إليها:

يجب ألا يتنازل المسيحيون أبدًا عن مهمة تفسير الكتاب المقدس لصالح "الخبراء" الأكاديميين: [بل] يجب عليهم الاستمرار في القيام بها كل يوم لأنفسهم.







تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس