تفنيد إدعاء الدكتور ماهر صموئيل أننا لا نؤمن بحقائق عن الصلب والقيامة ولكن بالمسيح مصلوبا ومقاما

رغم أن الدكتور ماهر هنا (في الفديو أدناه) يؤكد على ضرورة العلاقة الشخصية مع المسيح، وهذا شيء خطير وهام جدا، إلا أن هذا لا يبرر من ناحية أخرى هجومه الواضح على الحق العقيدي propositional truth . 

يدعي الدكتور ماهر، وسط تصفيق حار، أنه لا يؤمن بحقائق عن المسيح، لا يؤمن بصلب المسيح أو قيامته، ولكن بالمسيح المصلوب والمقام. وفي كلامه هنا ما يسمى بمغالطة المأزق المفتعل. فقد خلق مأزق غير موجود في الحقيقة، بأن يجعلك تظن أنك مضطر للإختيار بين الشخص والحقائق المتعلقة به. ولكن لسنا مضطرين لهذا الإختيار. فقد آمنا بشخص من خلال الحقائق المتعلقة به. وهذا يعني أن هناك حقائق موضوعية متعلقة بالشخص، توجد باستقلال عنه، لكن لا يمكن أن يوجد هو بمعزل عن تلك الحقائق المتعلقة بشخصه. فالحق المتعلق بشخص المسيح موضوعي objective truth . وأن يكون لك علاقة بالمسيح هو أن تأخذ في الاعتبار الحقائق المتعلقة بشخصه. 

فمثلا، هل هناك من يعرف حقائق عن المسيح دون أن يعرف شخصه ويكون له علاقة شخصية به؟ كثيرون، فالشياطين يؤمنون ويقشعرون. لكن هل يوجد شخص له علاقة شخصية مع المسيح دون أن يعرف عنه بعض الحقائق الجوهرية؟ مستحيل! فمصطلح "مسيح" في حد ذاته محمّل بالعقائد والحقائق (مسيح أي ملك وكاهن ونبي ممسوح ومرسل من الله، ولك أن تتخيل كم العقائد والحقائق في هذه الكلمة وحدها). 

ولكن، هل صحيح أننا لم نؤمن بحقائق عن المسيح؟ لندع الكتاب المقدس يحكم في هذا الأمر. ورد في قاموس ماونس التفسيري لكلمات العهدين القديم والجديد أن استخدام مصطلح "حق" في اليونانية بإعتباره "شيء دقيق" هو الإستخظام الأكثر شيوعا لتلك الكلمة في العهد الجديد: "لعل الإستخدام الأكثر شيوعا للإسم أليثيا [حق] والصفتين المطابقتبن له [أليثيس، أليثينوس] هو الإشارة إلى شيء دقيق. على سبيل المثال، يصرّح بولس أمام فستوس وأغريباس أن ما قاله بخصوص يسوع والقيامة هو: 'الحق' .. (أع ٢٦ : ٢٥)". في ترجمة كتاب الحياة وردت الآية التي أشار إليها ماونس كالآتي: "أنا أنطق بكلمات الحق والصواب". يشير بولس أيضا مرتين في رسالة غلاطية إلى "حق الإنجيل" (غل ٢ : ٥ ، ١٤) بالمقابلة مع الإنجيل الكاذب الذي نادى به المتهودون. وفي كولوسي يدعوه "كلمة حق الإنجيل" (١ : ٥). لهذا فالحق المسيحي شئ ثمين تمتلكه الكنيسة وتسلّمه من جيل إلى جيل (٢ تي ٢ : ٢ ، يه ١ : ٣ ). وشئ يُسمع مقابلة بالخرافات: "فيصرفون مسامعهم عن الحق وينحرفون إلى الخرافات" (٢ تي ٤ : ٤). 

لا شك أن يسوع نفسه هو الحق "أنا هو الطريق والحق والحياة". لكن يسوع أيضا أشار إلى كلمة الله بإعتبارها حقائق موضوعية لها نوع من الإستقلال الذاتي: "كلامك هو حق" (يو ١٧ : ١٧). وكان يسوع أيضا يقول الحق (يو ٨ : ٤٥). ولكن، بالإضافة إلى كون الحق شخص، وحقائق متعلقة به (عقائد)، فهو سلوك أيضا. فقد أخبرنا يوحنا عن الذين يسلكون حسب الحق، بل وعن الذين يفعلون الحق: "إن قلنا أن لنا شركة معه وسلكنا في الظلمة، نكذب ولسنا نعمل الحق" (١ يو ١ : ٦). هل يحق لنا بناء على ذلك أن نختزل الحق إلى مجرد أفعال أو سلوكيات؟ الإجابة طبعا بالنفي. فالحق شخص وعقيدة وسلوك. فالحق شخص لنا علاقة به، ونعتقد عنه حقائق، ونسلك طبقا للعلاقة والحقائق.

بعض الآيات الكتابية التي تؤكد أننا آمنا بحقائق تخص شخص المسيبح

من فم الرب يسوع نفسه نتعلم أننا آمنا بحقائق عن شخصه. فقد كلف بولس بأن يشهد بالحقائق الخاصة به في رومية أيضا: "ثق يا بولس، لأنك كما شهدت بما لي في أورشليم، هكذا ينبغي أن تشهد في رومية أيضا" (أع ٢٣ : ١١). في اليونانية ترد أداة التعريف τὰ في صيغة جمع المحايد لتشير إلى أن بولس شهد عن أشياء. وقد ترجمتها الترجمة الإنجليزية ESV إلى "حقائق" facts ، ليصبح المعنى حسب تلك الترجمة: "كما شهدت للحقائق المتعلقة بي في أورشليم". وما هي الحقائق (الأشياء) المتعلقة بيسوع سوى صلبه وموته وقيامته ومن ثم مسيانيته؟

في أعمال (١٩ : ٨) يرد أمرا مماثلا: "ثم دخل المجمع .. محاجا ومقنعا في ما يختص بملكوت الله". في الأصل اليوناني أيضا تأتي أداة التعريف τὰ في صيغة جمع المحايد لتشير إلى الأشياء المختصة بملكوت الله. لهذا جاءت في ترجمة كتاب الحياة: "الحقائق المختصة بملكوت الله". إذا فبولس ينادي بحقائق متعلقة بملكوت الله. ولهذا فلا غرابة أنه كان محاجا ومقنعا. طبعا بولس كان ينادي بشخص يسوع في نهاية المطاف، وليس بحقائق نظرية محضة. ولكن الحقائق جزء لا يتجزء من الإيمان.

وقبل أن ينادي بولس بحقائق معينة تخص يسوع وملكوت الله، فقد كان هو نفسه يؤمن بها على المستوى الشخصي. فهو يؤكد أيضا في سفر الأعمال أنه يؤمن بالحقائق المدونة في الناموس والأنبياء: "ولكنني أقر بهذا: أنني حسب الطريق الذي يقولون له 'شيعة'، هكذا أعبد إله آبائي مؤمنا بكل ما هو مكتوب في الناموس والآنبياء" (أع ٢٤ : ١٤).

وأخيرا، ليس أننا آمنا بيسوع وبالحقائق المتعلقة به فقط، بل إن لوقا يُعامل الإيمان كما لو كان شخص يتطلب الطاعة. فمثلا يقولون في الغرب: "أطع القانون". فالقانون هنا تم تجسيده، أو أنسنته personified ، أي اعتباره شخصا يأمرنا بالطاعة والإمتثال. وهذا ما نجده فيما يقوله لوقا: "وجمهور كثير من الكهنة يطيعون الإيمان" (أع ٦ : ٧). بل وبولس أيضا يعتبر التعليم المستلم نفسه شيئ يتطلب الطاعة: "فشكرا لله لأنكم كنتم عبيدا للخطية، ولكنكم أطعتم من القلب صورة التعليم التي تسلمتموها" (رو ٦ : ١٧).

الخلاصة، لا يمكن أن نؤمن بشخص دون أن نصدق الحقائق المتعلقة به تاريخيا. والمحاولة السخيفة للفصل بين الشخص والحقائق المتعلقة به هي مأزق مفتعل يُراد به تهميش الحق العقيدي لحساب الإختبار الروحي. لكن كلاهما مطلوبان. بل بدون الحقائق التاريخية لا يقوم للإختبار الشخصي قائمة.

ما أهمية كلامي؟

الحقائق (العقائد) أمر خطير، لا يمكن الإستغناء عنه. كثيرون صُلبوا في أيام الرومان، ولكن ما الذي يميز المسيح عن هؤلاء سوى أننا نعتقد أشياء بعينها عنه ولا نعتقدها عن الآخرين؟ طبعا لا يمكن أن نتوقف عند الحقائق، بل لابد أن نصل إلى العلاقة الشخصية مع يسوع. لكن لا يمكن أن نصل إلى هذا الغرض دون أن ننطلق من نقطة البداية الصحيحة: الحقائق. الإنجيل نفسه هو "الأخبار (الحقائق) السارة". لهذا ميّز اللاهوت المُصْلَح بين عناصر ثلاثة للإيمان: المحتوي المعلوماتي (الحقائق) Notitia ، تصديق المحتوي المعلوماتي Assensus ، الخضوع القلبي له Fiducia . لا يمكن أن توجد علاقة حقيقية بيسوع بمعزل عن معرفة حقائق معينة عنه كلاهوته وكفارته. كون أن البعض يقفون عند مرحلة التصديق العقلي للحقائق فقط ولا يبلغون مرحلة التسليم القلبي لها فهذا لا يعيب الحقائق في شيء، ولا يبرر أي محاولة لإقصاء الحق العقيدي كشيطان غير مرغوب فيه. 

ختاما، الغريب أن الدكتور ماهر يستخدم ما يظن أنه حقائق (الإيمان يكون بشخص وليس بحقائق، هذا في حد ذاته إدعاء بحقيقة ما) لينفي بها عدم اشتمال الإيمان على حقائق! إن هذا الأمر في حد ذاته يدحض كل ما قاله!


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس