لماذا لم يقل يسوع "أنا هو الله"؟


السؤال يفترض أنه لم يقل، لهذا عند الإجابة عليه لا ينبغي التسليم بهذا الإفتراض الخفي كما فعل البعض فادعوا أنه لم يقل ذلك لكي يتجنب الاصطدام مع اليهود.

يسوع قال أنه الله لكن على الطريقة اليهودية، حتى أن اليهود أنفسهم فهموا ذلك فأرادوا قتله أو رجمه عدة مرات لأنه جدف في نظرهم. كل شيء يخص الرب يسوع ينبغي تفسيره في السياق اليهودي. 

خذ مثلاً المرات التي اِتَّهَمَ فيها اليهود المسيح بأنه جدف لأنه جعل نفسه مساويًا لله حتى حاولوا قتله أو رجمه: 

رئيس الكهنة مخاطبًا يسوع "هل أنت المسيح ابن الله؟" أجابه يسوع: "أنت قلت. وأيضًا أقول لكم من الآن تبصرون ابن الإنسان جالسًا عن يمين القوة، وآتيًا على سحاب السماء" فكان رد فعل رئيس الكهنة: "فمزق رئيس الكهنة حينئذ ثيابه قائلاً: قد جدف، ما حاجتنا بعد إلى شهود؟ ها قد سمعتم تجديفه" (مت ٢٦ : ٦٣ - ٦٥). في الذهن اليهودي، وطبقًا للكتب المقدسة اليهودية، المسيا هو نفسه ابن الله هو نفسه يهوه، وهو من يجلس عن يمين القوة طبقًا لمزمور ١١٠، لهذا جاءت هذه المفاهيم والألقاب مجتمعة في سؤال رئيس الكهنة "المسيح ابن الله".

عندما غفر يسوع للمفلوج خطاياه كان هذا تصريح غير مباشر منه بالألوهية، وبأنه يهوه غافر الخطايا. قال الرب يسوع للمفلوج: "ثق يا بني مغفورة لك خطاياك. ماذا كان رد فعل اليهود على ذلك؟ يقول متى: "وإذا قوم من الكتبة قالوا في أنفسهم: هذا يجدف". فقال لهم يسوع "لكي تعلموا أن لابن الإنسان سلطانًا على الأرض أن يغفر الخطايا. حينئذ قال للمفلوج: قم احمل فراشك واذهب إلى بيتك" (مت ٩ : ٢ - ٦). يضيف لوقا هذه الكلمات التي توضح أنه في الذهن اليهودي كان غفران الخطايا في سلطان الله وحده قائلاً: "فابتدأ الكتبة والفريسيون يفكرون في أنفسهم قائلين: من هذا الذي يتكلم بتجاديف من يقدر أن يغفر خطايا إلا الله وحده" (لو ٥ : ٢١). 

قال يسوع: "أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل"، ثم يعلق يوحنا على قول يسوع قائلاً: "من أجل هذا كان اليهود يطلبون أكثر أن يقتلوه، لأنه لم ينقض السبت فقط، بل قال أيضًا إن الله أبوه، معادلاً نفسه بالله" (يو ٥ : ١٧ – ١٨). هذا التصريح من الرب يسوع محمل بالمفاهيم التي تدل على ألوهيته، فهو يعمل نفس أعمال الله الآب، وأن الله الآب أبوه، وأن هذه البنوة للآب تعني أنه معادلاً له. وهذا ما فهمه اليهود بالضبط.

قال يسوع "قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن (إيجو إيمي)"، فكان رد فعل اليهود أنهم "رفعوا حجارة ليرجموه" (يو ٨ : ٥٨ – ٥٩). وهذا تصريح من يسوع بالأزلية. إن كان يسوع أزلي فهو الخالق يهوه إيلوهيم. فقد كان هذا ما يعنيه اسم "يهوه" أي الكائن بذاته الأزلي "أهيه الذي أهيه (إيجو إيمي)" (خر ٣ : ١٤).

قال يسوع: "أبي الذي أعطاني إياها هو أعظم من الكل، ولا يقدر أحد أن يخطف من يد أبي. أنا والآب واحد" وكالعادة كان رد فعلهم: "فتناول اليهود أيضًا حجارة ليرجموه". وعندما سألهم ابن الله لماذا يريدون رجمه مع أنهم لم يروا منه سوى الأعمال الحسنة أجابوه: "لسنا نرجمك لأجل عمل حسن، بل لأجل تجديف، فإنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهًا" (يو ١٠ : ٣١ - ٣٩). فهم اليهود أنه معادل للآب وواحد معه.

إذًا، في كل مرة قال فيها يسوع أنه المسيح، أو ابن الله، أو أن الله أبوه، أو أنه الكائن الأزلي، أو أنه والآب واحد، أو أنه جالس عن يمين القوة، أو أنه يغفر الخطايا، في الأناجيل، كان تصريحًا بألوهيته وفُهِمَ من اليهود على أنه كذلك، فأرادوا قتله أو رجمه طبقًا للناموس. 

لم يكن الرب يسوع المسيح في حاجة لأن يقول حرفيًا "أنا هو الله" لأن ذلك لم يكن لدى اليهوي التصريح الوحيد بالألوهية، بل كما رأينا أي تصريح بحقيقته المسيانية أو بنوته للآب أو وحدانيته معه أو أزليته أو غفرانه للخطايا كان هذا يكفي جدًا بالنسبة لهم.

هذه وعشرات التصريحات والأعمال الأخرى التي قالها وعملها يسوع لعامة اليهود على الملأ تشير إلى تصريح منه بالألوهية. لكن الغرض هنا فقط هو إظهار الخلفية اليهودية لتلك التصريحات. سواء انتبه لها اليهود كما مثل الحالات السابقة أو لم ينتبه كما في حالات أخرى. المسيح قال أنه الله ولكن طبقًا للمفاهيم اليهودية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس