الخروج أكثر من مجرد حدث تاريخي واحد


(بتصرف عن أصداء الخروج لـ أليستير روبرتس)

الخروج ليس مجرد حدث تاريخي واحد منفصل، لكنه حدث ونمط pattern  يربط تعاملات الله ببعضها البعض عبر التاريخ الفدائي. 

في الخروج نجد: أزمة (غالبًا مجاعة) يبتعد بسببها شعب الله عن مسكنهم وموطنهم معه. ثم يقيم الرب خلاصًا، يفضح من خلاله الآلهة الوثنية موجهًا لها ضربات موجعة، ويخرج شعبه بمقتنيات وأملاك جزيلة، مظهرًا لهم قوته على الطبيعة. إلى أن يسكنهم في أرضهم الموعودة وهو ساكنًا في وسطهم في هيكله. 

الخروج كنموذج ونمط موجود عبر كل أجزاء التاريخ الفدائي. طبعًا لا ينبغي لنا أن نتوقع تطابق بين نموذج الخروج الأصلي في سفر الخروج وباقي الأحداث التي تشبه النموذج. ومع ذلك سنجد أحداث التاريخ الفدائي على مر تاريخ تعاملات الله الفدائية مع شعبه، جميعها مصممة على ذلك النمط. 

الخروج في الخليقة والبدايات: 

وهو خروج قبل خروج شعب إسرائيل من مصر. 
الخليقة خرجت من العدم إلى الوجود ex-nihilo ، والأرض من قلب المياه "لتجتمع المياه تحت السماء إلى مكان واحد ولتظهر اليابسة". 
خروج نوح وعائلته من مياه الموت والدينونة ثم عهد الله معهم. 
خروج إبراهيم من مصر بأملاك جزيلة بعد أن انحدر إلى هناك بسبب مجاعة فتعرض فرعون لضربات بسبب محاولته الإستيلاء على سارة، ثم عودة إبراهيم إلى أرض الموعد. 
خروج يعقوب من بيت لابان بأملاك كثيرة بعد أن عاش هناك عشرون سنة من العبودية، ثم خروج لابان وراءه متعقبًا إياه في الليل. ثم مصارعته مع الملاك في مخاضة يبوق، ثم عبور مياه المخاضة، إلى اليابسة، وشروع عيسو في الهجوم عليه. 

الخروج في تاريخ إسرائيل: 

خروج موسى من مياه النهر في السفط المطلي بالحمر والزفت. وخروجه لاحقًا لمدة أربعين سنة بعيدًا عن قصر فرعون في برية مديان بعدما اضطر للهروب بسبب قتله المصري. 
خروج الإسرائيليون بقيادة موسى من مصر في ظل عبودية قاسية بعد الكثير من الضربات التي وجهها الرب للمصريين وآلهتهم، وفي نفس الوقت بأملاك جزيلة بعدما سلبوا المصريين. ثم عبورهم مياه البحر الأحمر وتيهانهم في البرية أربعين سنة. إلى أن أدخلهم يشوع أرض الموعد ليستوطنوها. 

الخروج في تاريخ إسرائيل اللاحق: 

السبيان اللذان جاءا على اليهود كانوا عكس الخروج، أي أن دينونة الله لهم كانت بإخراجهم من أرض الموعد، إلى حالة عبودية لدى الآشوريين والبابليين. بل وهناك من اليهود من عاد إلى مصر في وقت نبوة إرميا (إر 41 – 44) فجاءت دينونة الله عليهم هناك. 

لهذا جاءت الآية الشهيرة في سفر هوشع "لما كان إسرائيل غلامًا أحببته، ومن مصر دعوت ابني" (هو 11 :1)، وهذه النبوة متعددة الطبقات. خروج إسرائيل الأصلي من مصر، وخروجهم من السبي كما يقول هوشع في عدد 11 من نفس الأصحاح "يسرعون كعصفور من مصر، وكحمامة من أرض أشور، فأسكنهم في بيوتهم يقول الرب". وأخيرًا نبوة عن الرب يسوع المسيح عندما ذهب إلى مصر وهو طفل ليختبيء من بطش هيرودس "لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل: من مصر دعوت ابني" (مت 2 : 15). 

الخروج في العهد الجديد: 

يسوع في محنته كطفل ذهب إلى أرض مصر كمنفي وغريب إلى أن مات الذين يطلبون نفسه، ثم عاد إلى أرض الموعد إسرائيل. وعند بداية خدمته، خرج من ماء المعودية، ليخرج إلى البرية مُجَرَّبًا لمدة أربعين يوم بواسطة الحية القديمة لكنها لم تصبه (مثلما أصابت الشعب قديمًا)، وبعدها جلس على الجبل ليعطي ناموس نعمته. في يوحنا 6: يسوع يعبر بحرية طبرية والجموع تتبعه، ثم يذهب إلى الجبل حيث يطعمهم هناك ويحدثهم عن شخصه كالمن النازل من السماء وليس كالمن الذي أكله الآباء في البرية وماتوا. يسوع أيضًا ظهر له موسى وإيليا يحدثانه عن خروجه العتيد، خروجه كنائب لنا على الصليب من العبودية، ثم خروجه إلى السماء أرض الموعد الروحية كسابق لأجلنا. 

المسيحي هو من أُنْقِذّ من سلطان الظلمة وعبوديتها إلى ملكوت ابن محبته. ثم صار كاهنًا وملكًا تحت رئاسة الكاهن والملك الأعظم يسوع. يدخل المسيحي أيضًا مياه المعمودية معتمدًا للموت، ثم يخرج منها إلى جدة الحياة. ويتذكر المسيحي عند كسر الخبز خروف الفصح، الحمل، الذي ذُبِحَ من أجله، متأملاً فيه ومتغذيًا عليه. 

الخروج النهائي: 

الخروج النهائي هو خروج الخليقة بأكلمها من عبودية الفساد. لهذا نقرأ عن الضربات الأخيرة في سفر الرؤيا على العالم بأكمله (كالضربات العشر)، ونقرأ عن الخروف المذبوح وعشاء عرسه، وعن المدينة العظيمة أورشليم المقدسة. "هوذا مسكن الله مع الناس، وهو سيسكن معهم، وهم يكونون له شعبًا، والله نفسه يكون معهم إلهًا لهم" (رؤ 21 : 3). 

ما نتعلمه مما سبق أمران: 

الأول هو أن تعاملات الله جمعيها بالنعمة. النعمة هي العامل المشترك بين كل الأحداث السابقة. نعمة الله في الإنقاذ والإخراج والإغناء والتمجيد. الخروج هو نعمة الله المرسلة لنا في شخص يسوع المسيح لكي ينقذ المستعبدين في غربة روحية عن خالقهم حتى يسكن معهم في المجد الأبدي. 

الثاني هو الوحدة العجيبة والرائعة للحق الكتابي. الخروج كنموذج يعطي وحدة عضوية لكلمة الله تربط أجزائها ببعض في نسق وتناغم فائق ومعزي. وجود الخروج كنموذج عبر صفحات الكتاب المقدس لهو دليل على أنه ليس كتاب بشري فقط، بل هو كتاب إلهي قبل أي شيء. جاء الكتاب المقدس بهذا التناغم العجيب البادي في نمط الخروج رغم تعدد كتابه واختلاف شخصياتهم وظروفهم وأزمنتهم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس