المشاركات

تبادل الصفات كمنهج لفهم العلاقة بين طبيعتي المسيح

تمهيد لا شك أن العلاقة بين طبيعتي المسيح تُعد من أصعب المواضيع في الفهم اللاهوتي المسيحي. وقد أدّت هذه الصعوبة إلى ظهور هرطقات متنوعة من جهة، وإلى انعقاد مجامع مسكونية وصياغة إقرارات إيمان من جهة أخرى للرد عليها. ومن بين محاولات الكنيسة لفهم هذه العلاقة، تأتي مساهمة اللاهوت المصلح التي تنظّم هذا الفهم من خلال مفهوم لاتيني يُعرف بـ Communicatio Idiomatum، والذي يمكن ترجمته إلى "تبادل الصفات" أو "نسبة الصفات". وقبل شرح هذا المصطلح، يجب التنويه أولًا إلى أن تعليم تبادل الصفات يقوم على أساس عقيدة الاتحاد الأقنومي، أي اتحاد الطبيعتين — الإلهية والبشرية — في شخص واحد هو الابن. لقد اتخذ الابن منذ لحظة تجسده في بطن العذراء مريم طبيعة بشرية، بحيث تتحد الطبيعتان في شخصه الإلهي الواحد بدون انفصال وبدون امتزاج. تعريف مبدأ تبادل الصفات بناءً على ذلك، يمكن القول إن مفهوم تبادل الصفات لا يعني انتقال الصفات بين الطبيعتين في المسيح، بل هو نسبة صفات كل طبيعة إلى شخص المسيح الواحد. ما يُنسب إلى كل طبيعة على حدة يمكن أن يُنسب إلى الشخص الواحد، أي إلى الابن المتجسد. لا تنتقل الصفات من ط...

كيف تقرأ سفر عاموس

"عاموس ليس مجرد نداء أخلاقي، بل إعلان عن قضاء إله قدوس على شعب نكث عهده. العدالة هنا ليست قضية اجتماعية فقط، بل قضية عهد بين الله وشعبه." (مايكل هورتون) "كان إعلان عاموس ضد الكاهن الكاذب أماصيا بمثابة نسخة مختصرة من رسالة الدينونة التي وجهها النبي للأمة بأكملها" (راجع ٧ : ١٠ - ١٧)" (جون والتون) مقدمة يختلف الباحثون حول طبيعة مهنة عاموس. إذ من خلال مقارنة النظير الأوغاريتي ugratic للكلمة العبرية "نوكيد" في (١ : ١)، والمترجمة "راعي"، استنتج الباحثون الأكاديميون أن هذا المصطلح يشير إلى مربي أغنام أو مالك قطعان ينتمي إلى الطبقة الغنية وليس إلى مجرد راعي غنم فقير كما كان يُعقتد سابقًا. إلا أنه من ناحية أخرى، سواء كان عاموس غنيًا أو فقيرًأ، فإن هذا لن يؤثر كثيرًا على فهم السفر. فهو مثلاً لم يكن من الكهنة. ولم يكن نبيًا جاء من مدرسة الأنبياء. الأمر الذي يسلط الضوء على سلطان الله في اختياره من ناحية وأصالة دعوة عاموس من قبل الرب. كما أنه من ناحية أخرى يضع عاموس في مقابلة مع فساد المنظومة الدينية (الكهنة) وتواطئها مع السلطة السياسية في بيت إيل. الخلف...

كيف تقرأ سفر يوئيل

  كيف تقرأ سفر يوئيل وَيَكُونُ بَعْدَ ذلِكَ أَنِّي أَسْكُبُ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ، فَيَتَنَبَّأُ بَنُوكُمْ وَبَنَاتُكُمْ، وَيَحْلَمُ شُيُوخُكُمْ أَحْلاَمًا، وَيَرَى شَبَابُكُمْ رُؤًى. وَعَلَى الْعَبِيدِ أَيْضًا وَعَلَى الإِمَاءِ أَسْكُبُ رُوحِي فِي تِلْكَ الأَيَّامِ، وَأُعْطِي عَجَائِبَ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، دَمًا وَنَارًا وَأَعْمِدَةَ دُخَانٍ. تَتَحَوَّلُ الشَّمْسُ إِلَى ظُلْمَةٍ، وَالْقَمَرُ إِلَى دَمٍ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ يَوْمُ الرَّبِّ الْعَظِيمُ الْمَخُوفُ. (٢: ٢٨ – ٣١) الخلفية التاريخية يحدثنا يوئيل في الأصحاح الأول منه عن ضربة جراد معاصرة له أحدثت خرابًا كبيرًا في المحاصيل لدرجة التأثير على البهائم والقطعان ( ١ : ١٨)، بل وأثرت على العبادة في الهيكل أيضًا بسبب نقص القمح المستخدم في تقدمة الدقيق ( ١ : ٩ ، ١٣) . وعلى ما يبدو أن هذا الخراب حدث على أربعة مراحل. ولكن غير معروف ما إن كان يوئيل يقصد بتلك المراحل أربعة أطوار مختلفة من حياة الجراد أم أربعة أنواع ( ١ : ٤). فيما عدا ذلك، لا يوجد بالسفر أية قرائن تاريخية تدل على تاريخ كتابته. على سبيل المثال، ليس هناك أي...

كيف تقرأ رسالة غلاطية

إِذْ نَعْلَمُ أَنَّ الإِنْسَانَ لاَ يَتَبَرَّرُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ، بَلْ بِإِيمَانِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، آمَنَّا نَحْنُ أَيْضًا بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، لِنَتَبَرَّرَ بِإِيمَانِ يَسُوعَ لاَ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ. لأَنَّهُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ لاَ يَتَبَرَّرُ جَسَدٌ مَا. (٢ : ١٦) لَسْتُ أُبْطِلُ نِعْمَةَ اللهِ. لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِالنَّامُوسِ بِرٌّ، فَالْمَسِيحُ إِذًا مَاتَ بِلاَ سَبَبٍ! (٢ : ٢١) تمهيد غلاطية هي ثاني رسالة في الترتيب بين رسائل العهد الجديد. ومع هذا فهناك الكثير من باحثي العهد الجديد يرون أنها الأولى من حيث تاريخ كتابتها. بل ويختلف الباحثون أيضًا حول ما إن كانت قد كُتبت إلى سكان شمال المقاطعة الأصليون (والمنحدرون من أصول قلطية Celtic) أم إن كانت موجهة إلى سكان الجنوب وهم ينتمون إلى المقاطعة سياسيًا فقط، وليس عرقيًا، وذلك بسبب توسيع الرومان للحدود السياسية للمقاطعة. مسألتي تاريخ الكتابة والجمهور متداخلتان. وطبقًا لكبار باحثي العهد الجديد المعاصرين، مثل شراينر وكوستنبرجر وستوت، فإن الرسالة موجهة إلى سكان الجنوب وقد كُتبت تقريبًا عام ٤٩ م. أيًا كان الرأي الذي نتخذه...

كيف تقرأ سفر هوشع

أَوَّلَ مَا كَلَّمَ ٱلرَّبُّ هُوشَعَ، قَالَ ٱلرَّبُّ لِهُوشَعَ: ٱذْهَبْ خُذْ لِنَفْسِكَ ٱمْرَأَةَ زِنًى وَأَوْلَادَ زِنًى، لِأَنَّ ٱلْأَرْضَ قَدْ زَنَتْ زِنًى تَارِكَةً ٱلرَّبَّ. (١: ٢) وَأَخْطُبُكِ لِنَفْسِي إِلَى الأَبَدِ. وَأَخْطُبُكِ لِنَفْسِي بِالْعَدْلِ وَالْحَقِّ وَالإِحْسَانِ وَالْمَرَاحِمِ. أَخْطُبُكِ لِنَفْسِي بِالأَمَانَةِ فَتَعْرِفِينَ الرَّبَّ. (٢: ١٩، ٢٠) "لدينا في سفر هوشع واحد من أكثر الإعلانات لفتًا للانتباه عن الطبيعة الحقيقية للخطية، وواحدًا من أوضح التفسيرات لقوة المحبة الإلهية. لا يستطيع أحد أن يقرأ قصة هوشع دون أن يدرك ألم قلبه. ثم ارفع الإنسان إلى مستوى اللانهائي، واعلم هذا: إن الخطية تجرح قلب الله." – ج. كامبل مورجان الخلفية التاريخية بدأت خدمة هوشع في العقد الأخير من حكم يربعام الثاني ٧٩٣ – ٧٥٣ ق.م. (غير يربعام الأول وهو أول ملك حكم المملكة الشمالية)، أي قبل السبيين الأشوري والبابلي. وانتهت في عهد حزقيا ٧١٥ - ٦٨٦ ق.م. (على ما يرجح كتب هوشع نبوته في عهد حزقيا)، أي بعد تدمير المملكة الشمالية وسبي أهلها إلى أشور. وهذا يعني أن خدمة هوشع امتدت لعدة عقود. و...

الخطية الجدية والخطية الأصلية في عجالة

الخطية الجدية Ancestral Sin مصطلح (ومفهوم) أرثوذكسي شرقي، وهو مختلف عن مصطلح (ومفهوم) الخطية الأصلية Original Sin الذي يعلم به البروتستانت. والفرق بين المصطلحين ومن ثم المفهومين كبير. يُقصد بالخطية الجدية وراثة تبعات السقوط فقط؛ الموت وفساد الطبيعة. بينا تعني الخطية الأصلية وراثة كل من الفساد والذنب والدينونة. ومفهوم الخطية الجدية شرقي أرثوذكسي تعلم به الكنائس اليونانية. وبينما لا يُستعمل هذا المصطلح بين البروتستانت، إلا أن المفهوم نفسه ينادى به بواسطة غير المحافظين منهم. مثل قولهم أننا وارثون لنتائج السقوط فقط دون الاشتراك في ذنب آدم. والحجة اللاهوتية لدى القائلين بمفهوم الخطية الجدية، سواء اِسْتُعْمِل هذا المصطلح أم لا، هو أن الله ليس بظالم حتى يجعل نسل آدم يرثوا ذنبه. إذ ليس من العدل أن يكونوا مشتركين في ذنب لم يفعلوه. إلا أنه يبدو أن أصحاب مفهوم الخطية الجدية لم يدرسوا جيدًا تبعات هذا الادعاء. فبينما يرون أننا لم نرث سوى الموت من آدم، لا يصبح لديهم سى خيار من الإثنين؛ إما أن هذا الموت يحدث بصورة تلقائية دون يد لله فيه، أو أنه عقاب الله للإنسان. الادعاء بأن الموت يحدث بصورة تلقائية...

لماذا مركزية الصليب؟ الرد على وعاظ يهمشون الصليب

لكفارة المسيح جوانب متعددة؛ تجسده، وطاعته الإيجابية، وموته، وقيامته، وصعوده، وظهوره أمام وجه الله لأجلنا. فبطاعته الإيجابية للناموس تمم مطالبه نيابة عنا. وبموته على الصليب كبديل قدم استرضاء لغضب الله عنا. وبقيامته أعطى فعالية للصليب وأثبت لاهوته ومن ثم صدق كفارته. وبصعوده دخل إلى الأقداس السماوية كسابق لأجلنا. وهو الآن يظهر أمام وجه الآب لصالحنا. كل جانب من هذه الجوانب الكفارية لعمل المسيح الواحد لا يقل أهمية عن الآخر. وكل جانب منها متداخل مع الآخر ويقود إليه. من منظور ما، فإن كل من الصليب والقيامة هامان بنفس القدر. إن القول أيهما أكثر أهمية مثلاً الصليب أم القيامة هو مثل القول أيهما أكثر أهمية للحياة المخ أم القلب؟ إذ بدون أي منهما ليس لدينا خلاص أو مسيحية. لكن، من منظور آخر يظل للصليب مركزية حتى أن القيامة نفسها تستمد قيمتها منه. فموت الصليب يؤدي إلى القيامة بحيث أنه يستحيل أن يكون لدينا قيامة بدون صليب. والقيامة إعلان بفعالية ونصرة وكمال عمل الصليب. كما أنه لو مات المسيح أية ميتة غير ميتة اللعنة والصلب، أو ليس بغرض التكفير عن الخطايا، ما كان للقيامة أية قيمة. وصحيح أن موت الصليب بدو...