هادمين ظنونا (5)


أكاذيب العلم الكاذب الإسم

تعرضنا في موضوع الفصل السابق إلي أن هناك فرق بين العلوم التأريخية والعلوم التجريبية، وأنه بشهادة كبار علماء التطور أنفسهم أن الداروينية تندرج تحت البند الأول من العلوم، وذلك لأنه لا يمكن التحقق منها تجريبيا كباقي العلوم القائمة علي التجربة والملاحظة مثل الفيزياء والكيمياء، بل هي تاريخا (إفتراضيا) ملحقا بعلم الأحياء القائم علي المشاهدات الحاضرة. ثم رأينا أخيرا خطأ الظن بأن الحقائق تبدأ كنظريات وكأنها تتطور هي أيضا بدورها، ولكن النظرية ينبغي أن تفسر حقيقة علمية وليس نظرية أخري. ولأنه ليس هناك الكثير يستطيع الدراونة فعله تجريبيا لكي يثبتوا صحة فرضيتهم الهشة التي هم منحازون إليها جدا، قاموا بتزوير الأدلة العلمية لكي يوهموا العالم بأن التطور حقيقة مثبتة. فما بين إنحياز خفي وتلفيق صريح تندرج معظم الأدلة التي يقدمونها لإثبات صحة فرضيتهم. وهذا سيكون موضوع حديثنا هنا.

علي فرض أن فرضية التطور قابلة للإثبات تجريبيا فهل هناك حيادية في البحث العلمي؟

في أحد البحوث التي طالعتنا عليها مجلة الخليقة العلمية الكتابية الفخمة وتحديدا في العدد الصادر في ديسمبر 2004 بعنوان "لماذا لم يُشفَي العلم من وباء الكذب إلي الآن" للدكتور العلامة جيري برجمان (وهو صاحب تسعة درجات علمية منها علي الأقل درجة دكتوراه في علم البيولوجيا) نقرأ أن معظم حالات الكذب في العلم حديثا تكون في مجال العلوم الحياتية وخصوصا علم البيولوجيا الطبية. إذ أن عدد حالات سوء السلوك العلمي التي تم رصدها في عام 2001 فقط هي 127 حالة وذلك بحسب ما سُجل لدي مكتب نزاهة البحث العلمي في الولايات المتحدة الأمريكية. وأشهر الأمثلة علي ذلك هو فضيحة الدكتور زولتان لوكاس في مجال المناعة الطبية المتعلق بزرع الكلي حيث تم العثور علي بيانات مضللة في بحثه. وكان من اكتشف هذا الكذب هو تلميذه راندال موريس عندما علم أن هناك تقارير بحثية لم يقم بإجراءها الدكتور لوكاس. والطامة الكبري في كل ذلك هو أن الكذب لم يقتصر علي هذا البحث وحده بل امتد ليشمل أبحاث أخري اعتمدت عليه كمرجع. وقد يُخيل إلينا أن الأكاذيب العلمية لا تحدث إلا في بعض الجامعات المغمورة ، ولكننا فوجئنا بأنها رُصدت أيضا في جامعات عريقة مثل هارفارد ، يال ، كورنيل .. وهي شائعة جدا لدرجة أنه في بعض الدول قد يُمنح من يستطيع حفظ سجل بحثه العلمي نظيفا تقديرا خاصا مثلما حدث مع العالم الإيطالي فرانكو رايزيتي. (1) وهنا تكمن خطورة الكذب في البحث العلمي ليس فقط لأنه ينسب لنفسه إمكانية الإجابة علي كل الاسئلة بما فيها المتيافيزيقية الإيمانية بل لأن ذلك أيضا يمكن أن يعرض حياة الكثيرين للأخطار الناجمة عن تلك الضلالات العلمية الغير مدروسة والغير مختبرة.

واضح أن الفساد يشوب العلم أيضا، لكن هل هناك أمثلة من أقوال العلماء ما يؤيد وجود إنحيازا لصالح فرضية التطور؟

طبعا يوجد الكثير جدا وباعتراف الدراونة أنفسهم بالتحيز المسبق الذي يتعاملون به مع قضية النشأة والأصول، وهذه بعض الأمثلة التي يمكن أن نسوقها:

قال عالم الأحياء والجينات والمعلق الإجتماعي ريتشارد لويانتن: "نحن نأخذ جانب العلم علي الرغم من السخافة الظاهرة لبعض نظمه ، علي الرغم من اخفاقه في إنجاز الكثير من وعوده المبالغ فيها بخصوص الصحة والحياة، علي الرغم من تساهل المجتمع العلمي مع قصصه الغير مثبتة، وذلك لأن لدينا التزام مسبق بالمادية (المادة هي كل ما هو موجود). وليس أن الطرق والمؤسسات العلمية تجبرنا بأي كيفية علي قبول التفسير المادي لظواهر الكون، بل علي العكس إننا مجبرون علي التزامنا (السابق للتجربة) للأسباب المادية لخلق جهاز بحث (علمي) ومجموعة من المفاهيم تنتج تفسيرات مادية رغم مخالفتها البديهية ورغم غموضها بالنسبة لغير العلماء. علاوة علي ذلك فإن تلك المادية مطلقة حيث أننا لا نستطيع السماح لقدم الله بالدخول من الباب". (2) وفي هذا التصريح السابق سفورا ما بعده سفور، ويذكرنا بقول الكتاب "وكما لم يستحسنوا أن يبقوا في معرفتهم أسلمهم الله إلي ذهن مرفوض ليفعلوا ما لا يليق" (رو 1 : 28).

عالم الحفريات الدارويني الشهير ستيفن ج. جولد يقول أن "طرقنا للتعلم عن العالم متأثرة بشدة بقناعاتنا المسبقة وطرق التفكير الإنحيازية التي يلتزم بها كل عالم عند تطبيقها علي أي مشكلة. والصورة النمطية للطريقة العلمية الموضوعية المنطقية بما لها من علماء منطقيين مثل الماكينات هي خرافة لا تخدم إلي ذاتها". (3) ويعترف صراحة هنا هذا العالم الكبير بأنه لا يوجد عالم غير منحاز لقناعاته الفكرية السابقة لدراساته وأبحاثه ، لدرجة أن الصورة التي في أذهاننا عن علماء منطقيين يقومون بتطبيق الطريقة العلمية النموذجية هي خرافة لا وجود لها.

ديفيد واطسون عالم الزولوجيا (الحيوان) ".. نظرية التطور مقبولة عالميا ليس لأنه يمكن إثبات صحتها بالدليل المترابط منطقيا بل لأن الخيار الوحيد أمامنا هو الخلق الذي الأمر الذي لا يمكن تصديقه". (4) وهذا عالم آخر يقول أن علماء العالم مضطرون لقبول فرضية داروين رغم عدم منطقيتها وعدم إمكانية التحقق منها تجريبيا وإلا لكان عليهم الإعتراف بالخلق، الأمر الذي عقدوا العزم علي إنكاره ومقاومته حتي ولو كان السبيل إلي ذلك هو تصديق الهراءات الداروينية.

فيليب سكيل الكيميائي وعضو الأكاديمية القومية للعلوم "التفسيرات الداروينية لمثل هذه الأشياء مطاطة، الإنتخاب الطبيعي يجعل البشر أنانيون، إلا إذا أراد جعلهم يفضلون غيرهم ومسالمون. أو الإنتخاب الطبيعي ينتج رجال فحوليون يتوقون لإنتاج نسل، إلا عندما يفضل جعلهم حماة أمناء مُعِيلُون. عندما يكون الشرح مرنا هكذا لتفسير أي سلوك يكون من الصعب اختباره تجريبيا وتكون الصعوبة أكثر لاستخدامه كمحفز للإكتساف العلمي". (5) بمعني آخر فإن فيليب سكيل يري أن العلماء يقررون النتيجة قبل أن يصلوا إليها بطرق البحث العلمي من استقراء واستنتاج، وإذا لم تأت الدراسات علي هوي نتائجهم المسبقة قاموا بتطيوعها حسب ما يشتهون، لهذا جاءات تفسيراتهم متناقضة.

هل هناك حالات فعلية تظهر بوضوح التحيز الموجود لدي المجتمع العلمي لجعل التطور حقيقة ومن ثم مقاومة الإيمان بالله وتضييق الخناق عليه؟

رأينا في الفصل الأول محاولات الدارونة لتضييق الخناق علي الحق الكتابي المتعلق بتعليم الخليقة وذلك عن طريق مقاومة العلماء الذين ينادون أو يسمحون بالمناداة بفكرة التصميم الذكي ، ولكن محاولاتهم لم تقتصر علي ذلك فقط بل إمتدت لإختلاق الأكاذيب العلمية. وللأسف يمتلأ التاريخ بالأمثلة التي تظهر تحيز العلماء للداروينية، وسنستعرض بعضها فقط لضيق المجال. ولعل أول ما يتبادر إلي الذهن منها هو إنسان نبراسكا (Nebraska Man). وأعتقد أننا كنا سنتعاطف مع هذه الكذبة قليلا – بإعتبارها غير متعمدة – إن كانوا قد اكتشفوا هيكلا عظميا أو جمجمة وأقنعونا أن تلك الحفرية هي الحلقة الإنتقالية بين الإنسان وقرد الغاب. ولكن تخيل ماذا وجدوا؟ لقد وجدوا أحد الضروس في غرب ولاية نبراسكا وأوهمونا أن هذا هو الإنسان الإنتقالي المذكور في نظرية داروين. فقاموا برسم هذا الإنسان من وحي خيالهم وجعلوا له هيكلا عظميا وقد اكتسي هذا الهيكل لحما وجلدا داكنا (لماذا داكنا؟) وجعلوا له شعرا كثيفا، بل ورسموه أيضا مع زوجته وأبناءه. كل هذا من مجرد ضرس واحد! ويا ليته ضرس إنسان أو قرد بعد كل هذا ولكن إتضح أنه ينتمي إلي خنزيرا أمريكيا منقرضا. أليس هذا مثالا علي التحيز وعدم الموضوعية التي لا ينبغي أن يتصف بها أي باحث علمي؟ والأمثلة علي إعادة بناء إنسان كامل (Reconstruction) من مجرد جزء صغير لحفرية مكتشفة كثيرة ويعوزنا الوقت والمساحة لذكرها ولكننا نكتفي هنا بذكر أشهرها وهو إنسان نبراسكا. (6)

يبدو أنها كانت سقطة غير مقصودة وحسنة النية، فهل هناك سقطات مقصودة؟

نعم وهي فضيحة إنسان بيلت داون (Piltdown Man) وربما سمع البعض عن تلك الأكذوبة الكبيرة والتي تعتبر وصمة العار الكبري في جبين كل دارويني. حدثت في عام 1912 ، وملخصها هو أن ثلاثة من المهتمين بمجال الحفريات وعلي رأسهم تشارلس داسون ، أخذوا النصف الأعلي من جمجمة إنسانية وبطريقة ما قاموا بتركبيها بالنصف الأسفل من جمجمة قرد الغاب وقدموها للعالم علي إنها تمثل حفرية الإنسان الإنتقالي الذي تكلم عنه داروين. وبعد أربعين عاما تقريبا وبعد أن كتب عنها الكثير من الأبحاث العلمية ومنح علي أساسها بعض الدرجات العلمية كشفت تقنيات العلم الحديث تلك الخدعة الكبيرة والتي تعد الأسوأ علي الإطلاق في تاريخ العلم عموما وفي تاريخ الداروينية علي وجه الخصوص. (7)

كل هذه الأشياء قديمة نسبيا، لعلهم شفيوا من هذا الداء وتعلموا من أخطاءهم القديمة؟

كنت أتمني أن تكون هذه هي الحال ولكن إن أردت أكذوبة حديثة وطازجة خرجت لتوها من الفرن الدارويني للاكاذيب، ها هي خدعة حفرية الأركيورابتور (Archaeoraptor) المكتشفة في الصين والتي قدمت للعالم سنة 1999 علي أنها الحفرية الإنتقالية بين الديناصورات آكلة اللحوم وبين الطيور. ويقول موقع أخبار الناشيونال جيوجرافيك أنه تم اكتشاف هذه الضلالة العلمية بسرعة حيث وجدوا أن رأس الحفرية وجسمها ينتمي لطائر صائد للأسماك اسمه يانورنيس مارتيني، أما الذيل والأطراف الخلفية فقد كانت لديناصور اسمه ميكرورابتو زايانوس ، وقد تم إلصاق أجزاءها جميعا بالصمغ بواسطة أحد المزارعين الصينيين. (8)

وتعليقا علي هذه الأكذوبة ذكر البروفيسير وعالم الحفريات آلان فيدوشيا أن "حفرية الآركيورابتور Archaeoraptor هي مجرد جز صغير من مشكلة كبري. فهناك العديد من الحفريات الزائفة ألقت بظلال قاتمة علي الساحة بأكملها. وعندما تذهب إلي معارض تلك الحفريات، يصعب عليك معرفة أيها مزيف وأيها حقيقي. لقد سمعت بوجود مصنع حفريات مزيفة في شمال شرق الصين، في مقاطعة Liaoning ، بالقرب من المستودعات التي اكتشفت فيها مؤخرا هذه الديناصورات المزعومة ذوات الريش". (9)

ويعوزنا الوقت للحديث عن باقي أكاذيب الداروينية مثل التشابهات الجينية لإيرنست هيكل وفراشات (بيبارد موث) وغيرها من الكثير من الإدعاءات التي اتضح فيما بعد خطئها. إذا فإن إفترضنا جدلا أن علم النشأة أو العلم التجريبي يستطيعان أن يخبرانا عن أصل الحياة كيف لنا أن نثق في نزاهة أي منهما بعد كل هذه الأكاذيب المختلقة؟ لذلك فالظن الذي يتحتم علينا هدمه هنا هو أن العلم يصلح لأن يكون قاضيا في مسألة وجود الله نظرا لأن الفساد يشوبه والتحيز لصالح الإلحاد الدارويني هو سمته. وفي مقابل ذلك لدينا كتابا صادقا لا تشوبه شائبة، هو كلمة الله المعصومة والغير متحيزة "ناموس الرب كامل يرد النفس، شهادات الرب صادقة تصير الجاهل حكيما" (مز 19 : 7).




(1) Why the epidemic of fraud exists in science today by Jerry Bergman
https://creation.com/images/pdfs/tj/j18_3/j18_3_104-109.pdf
(2) Defeating Darwinism by Opening Minds by Phillip E. Johnson, page 81
(3) Stephen Jay Gould : Reflections on His View of Life: Reflections on His View of life by Warren D. Allmon, Patricia H. Kelly & Robert M. Ross, page 5
(4) Scientific Creationism By Dr. Henry M. Morris, page 8
(6) The Creation-Evolution Controversy by R. L. Wysong, 295
(7) Piltdown man, encyclopedia Britannica
http://www.britannica.com/topic/Piltdown-man
(8) Dino Hoax Was Mainly Made of Ancient Bird, Study Says, Hillary Mayell
http://news.nationalgeographic.com/news/2002/11/1120_021120_raptor.html
(9) Ornithologist and Evolutionary Biologist Alan Feduccia—Plucking Apart the Dino-Birds
http://discovermagazine.com/2003/feb/breakdialogue



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس