هادمين ظنونا (7)

تحولات جينية وإحتيالات داروينية


في الحلقة السابقة تحدثنا عن الإجماع العلمي المزعوم حول فرضية التطور، ثم تعرضنا للفرضيات الموجودة علي الساحة، ورأينا إنتقال الدراونة من اللاماركية إلي الداروينية الحديثة مرورا بالداروينية الكلاسيكية، وكيف أن هناك ميلا بين بعض العلماء حاليا للعودة إلي اللاماركية مع الإحتفاظ بالقليل من مخلفات الداروينية الحديثة. ولأن الغالبية الآن لازالوا يعتنقون الدارونية الحديثة بكل من آليتيها اللتان تعملان من خلالهما: التحولات الجينية الموجهة بالإنتخاب الطبيعي، سنتناول التحولات الجينية ببعض الملاحظات. وقبل أن نشرع في ذلك نريد التنويه علي أن العلماء المسيحيين الخلقيين (Creationists) يقرون بوجود التحولات الجينية لكونها شيئا يمكن التحقق منه تجريبيا، أما ما لا يوافقون الدراونة عليه هو أنها تؤيد التطور من الميكروب إلي الإنسان. بمعني آخر فهم يقولون أن التحولات الجينية حقيقة ولكن التطور فرضية غير مثبتة. وسنري لماذا يعتقدون ذلك.

ما هي التحولات الجينية وعلاقتها بفرضية التطور؟

للجين أربعة أحرف كيمائية، وأي تغيير في ترتيب أو في عدد الأحرف بالزيادة أو النقصان يسبب التحولات الجينية. وتتنوع الآليات التي يحدث بها ذلك التحول. فقد تحدث عن طريق استبدال واحدا من الأربعة أحرف الكيميائية بحرف آخر. أو قد يتم ادخال حرف أو أكثر ليزيد علي الوحدة الجينية. أو كأن يُزال حرف أو أكثر للشفرة الجينية. وهناك أيضا العكس والتضاعف والنقل إلي آخره. والتحولات الجينية تحدث عندما ينسخ الحمض النووي نفسه فتأتي كأخطاء لهذا النسخ، أو قد تحدث بسبب التعرض للإشعاع أو لغاز الخردل. ولكن معتنقي الداروينية الحديثة أو كما يصطلح عليها أحيانا بالنظرية الحديثة يرون أنها تأتي بخصائص جديدة تقوم بوظائف جديدة بحيث أن الإنتخاب الطبيعي يقوم بعد ذلك بإزالة الأقل تكيفا أو صلاحية أو قوة منها وبالتالي يحدث التطور. وبدلا من أن يفسر لنا أولئك الدراونة التعقيد الشديد في الجينات وكيف نشأت الأحماض الأمينية المكونة لها من الأساس، ومن الذي وضع الشفرة التي تترجم في صورة خصائص فسيولوجية لدي الكائنات الحية فإنهم يقفزون فوق كل هذه ويدعون أن التحولات الجينية جنبا إلي جنب مع الإنتخاب الطبيعي هي آلية التطور.

حسنا، إن كانت التحولات الجينية هي أخطاء في تناسخ الحمض النووي فكيف للتطور أن ينتفع بها؟

هذا ما يدعيه الدراونة، ولكن الحقيقة هي أن نسبة ساحقة من التحولات الجينية تكون ضارة. فالتحولات الجينية هي المسؤولة عن حدوث الشيخوخة ومن ثم الموت. ولدينا من أقوال العلماء ما يؤيد هذا الأمر:

يري عالم الأحياء جاري باركر أن التحولات الجينية تسير عكس الإتجاه الذي يريده الدراونة، فكل تحول جيني نحن علي دراية به يعتبر هو والمرض الذي يسببه شيئا واحدا. وبإعتباره مسيحيا خلقيا فهو يقول أيضا أن الخلقيين يستخدمون التحولات الجينية في تعليل أصل الأمراض والفطريات والعيوب الخلقية وفقدان الصفات. وبمعني آخر فإن الزمن والصدفة والتغيرات العشوائية تأتي بما نتوقعه تماما: هدم الأشياء وجعل الأمور أسوأ. واستخدام التحولات الجينية في تفسير إنهيار النظام الجيني الموجود هو تماما عكس إستخدامها لشرح كيفية نشوء وتكون النظام الجيني. فهي إذا – أي التحولات الجينية – لا تخلق شيئا ولكنها تفسد الخلق الموجود بالفعل. وليس فقط أن المنطق يقول أن النظام ينبغي أن يأتي أولا قبل عدم النظام بل أيضا أغلب المشاهدات التجريبية تؤيد ذلك. (1)

وبإفتراض صحة ما يقوله الدراونة أن التطور هو محصلة التحولات الجينية التي يقودها الإنتخاب الطبيعي، فلو أخذنا مثلا الأسباب التي تسبب التحولات الجينية وطبقناها (منطقيا) علي هذه القاعدة لوصلنا إلي نتيجة لن يحبذها الدراونة. وفي هذا الصدد يقول الصحفي الإنجليزي المتخصص في الكتابة عن العلم فرانسيس هيتشينج "إن اثنان من أقوي الأسباب لإحداث التحولات الجينية هما غاز الخردل وأشعة اكس. وإن تأملنا قليلا في الأهوال التي ولد بها أطفال هيروشيما، كالأطراف والأجساد المشوهة، وأمراض الدم التي تحكم عليهم بالموت المبكر، لكانت كافية لتثبت لنا – وهو أقل ما يقال – أنهم كانوا مرشحين غير محتملين للفوز في معترك لعبة الحياة والتي مبدأها الحاكم هو: البقاء للأقوي". (2)

وليس هذا هو رأي الخلقيين فقط، بل إن هناك من كبار علماء التطور من يؤيدون ذلك. علي سبيل المثال يؤكد عالم الأحياء والجينات الكبير ثيودوسيوس دوبجانسكي "إن أغلبية التحولات الجينية، تلك التي تظهر في المعامل أو المختزنة في الأفراد الطبيعيين، تنتج افسادا للقابلية علي الحياة والنمو، أمراض وراثية، وأمور مفزعة. إن مثل هذه التغييرات، كما يبدو، لا يمكن أن تكون كقوالب تخدم البناء الدارويني". (3) وعليه فالتطور إذا لا يستطيع أن يتنفع بالتحولات الجينية بل ولا يمكن أن يتم من الأساس لأن تلك التحولات تعمل عكس ما يتطلبه التطور لحدوثه.

هل المانع الوحيد أمام التطور هو كون الأغلبية الساحقة من التحولات الجينية ضارا؟

إلي جوار كون معظم التحولات الجينية ضارة كعائق أمام حدوث التطور، فإن إطراد معدل حدوثها يزيد من المشكلة تعقيدا. فكل جيل جديد من الكائنات الحية يضيف إلي الجيل السابق له تحولات جينية جديدة. وهي تتراكم بالتناسل وتبدأ من لحظة الحمل بالجنين. الأمر الذي يسبب افسادا للجينوم الإنساني. ويوجد أيضا مما ذكره العلماء ما يعزز ما نقوله هنا بخصوص فساد الجينوم الإنساني عبر الوقت:

فعلي سبيل المثال ذكر البروفيسير جون سانفورد مخترع مسدس الجينات (وهو مسيحي يؤمن بخليقة تمت في ستة أيام حرفية منذ ستة آلاف سنة) ، أنه إذا زاد معدل التحولات الجينية أكثر من واحد في المائة فإن كل الأنواع ستنقرض. ويقول أيضا البروفيسير جون سانفورد أن عالم الجينات د. كوندراشوف أفصح له بأنه لا يعرف عالم جينات واحد يشك في أن الجينوم الإنساني يفسد. (4) وفي تصريح صادم للدراونة لعالم الجينات البروفيسير جيمز كراو ذكر فيه أن الإنسان المعاصر أقل من إنسان الكهف، ويقصد هنا أننا إنحدرنا أو تخلفنا جينيا عن إنسان الكهف البدائي والمفترض أنه أقل منا تطورا بحسب زعم الدراونة. (5) فليس فقط أن التحولات الجينية ضارة ولكنها أيضا تتراكم عبر الأجيال، فيزداد الضرر ويتضاعف مع الوقت. ولذلك فلكي يفلح التطور فعلي أصدقاءنا الدارونة أن يوقفوا أو يقللوا من هذا المعدل للتحولات الجينية، ولن تكون كل العقبات قد تذللت حينئذ، بل واحدة منها فقط زالت، الأمر المستحيل حدوثه في كل الأحوال في الواقع العملي بحسب ما يري الخبراء في مجال الجينات.

إن كانت التحولات الجينية قد تحدث عن طريق إضافة أحد الأحرف الكيميائية إلي الوحدة الجينية، ألا يعني ذلك أن التحولات الجينية قد تزيد المعلومات الوراثية وبالتالي يصبح هناك امكانية للتطور من البكتريا إلي الإنسان؟

كون أن واحدة من الآليات التي تعمل بها التحولات الجينية هو إضافة أو تضاعف أحد الأحرف الجينية فإن هذا لا يعني إزدياد في المعلومات الوراثية المتطلبة لظهور صفات وخصائص وراثية جديدة. علي العكس من ذلك، فكما ذكرنا أن هناك آليات كثيرة تحدث بها تلك التحولات، وجميعها تؤدي إلي إفساد المعلومات الوراثية. وإن كان إضافة أو تضاعف أحد الأحرف في الوحدة الجينية لا يزيد من المعلومات الوراثية فإن هذا ينطبق من باب أولي علي باقي الأنواع من التحولات الجينية. وعليه فإننا نستطيع القول أن الآليات التي تعمل بها التحولات لا تزيد المعلومات الوراثية، وإن كان القليل جدا من تلك التحولات الجينية يكون نافعا.

وكبرهان علي صحة ما نقول، فمثلا ذكر د. لي سبيتنر (حاصل علي الدكتوراه من جامة ام. آي. تي وأستاذ نظرية المعلومات والإتصلات بجامعة جون هوبكينز) في كتابه الذي ضحد فيه نظرية التطور قائلا "ولكن في كل القراءات التي قمت بها في مجال علوم الحياة لم أجد ولو حتي تحول جيني واحد أضاف معلومات .. كل التحولات التي تم دراستها علي المستوي الجزيئي وجد أنها تُنقص المعلومات الجينية ولا تزيدها". (6) وفي هذا الصدد ذكر أيضا مايكل بيتمان أستاذ الكيمياء بجامعة كامبردج قائلا "لا الملاحظة ولا التجارب المُتَحَكَّم فيها أظهرت أن الانتخاب الطبيعي إستطاع التلاعب بالجينات بحيث أمكن إنتاج جين جديد أو هرمون أو نظام انزيم أو عضو". (7)

ولو فرضنا علي سبيل الجدل أن التحولات الجينية نافعة وأنها تزيد من المعلومات الوراثية، لظهرت عقبة أخري أمام ذلك وهي أن التحولات الجينية إنحسارية. بمعني أنه لا يتم توريثها للجيل التالي لو كانت في أحد الأبوين فقط دون الثاني، أي أنها لابد أن تكون موجودة في كلا الوالدين حتي يتم نقلها إلي النسل الناتج. والمثال علي ذلك هو أن مرض التليف الكيسي Cystic Fibrosis لا يتم توريثه إلي إذا كان عند كلا الأبوين. (8) فمن ناحية فإن التحولات الجينية إنحسارية، لا يتم توريثها إلا إذا كانت في الأبوين، ومن ناحية أخري فإذا توافرت في الأبوين وتم توريثها فهي تزاد مع تعاقب الأجيال.

لهذا ذكر البروفيسير بيير بول جراسيه أن: "الظهور الموات للتحولات الجينية والذي يسمح للحيوانات والنباتات أن تلاقي ما تحتاجه لهو أمر صعب التصديق. ومع ذلك فإن الداروينية تتطلب أكثر من ذلك بكثير، فحيوان واحد أو نبات واحد يتطلب الآلاف والآلاف من الأحداث المواتية والملائمة. وهكذا فإن المعجزات تصبح القاعدة: أحداث احتمالية وقوعها ضئيلة جدا جدا ولكنها تحدث فعلا". إذا فلكي يصبح هناك إمكانية لكي تصير البكتريا بشرا فالتطور في حاجة إلي الملايين من تلك التحولات المواتية الأمر الذي وصفه البروفسير جراسيه بالمعجزة، ثم بعد ذلك يتهمنا الدراونة بأننا غير علميين ونؤمن بالخزعبلات والمعجزات. (9)

ماذا عن البكتريا التي إستطاعت مقاومة المضادات الحيوية نظرا للتحولات الجينية التي حدثت لها؟

بعض أنواع البكتريا تمتلك بالفعل مقدرة جينية علي مقاومة أنواع بعينها من المضادات الحيوية، ولكن لا دخل للتحولات الجينية بتلك القدرة. وفي حالات معينة فإن التحولات الجينية تسبب خلل في التركيب البنائي للريبوسومات (وهي تلك الأجزاء من الخلية التي تتحد بها المضادات الحيوية مثل الاستربتومايسين). وبما أن المضاد الحيوي لا يستطيع الإرتباط بالريبوسوم المشوه الشكل فإن البكتريا تصبح هنا مقاومة له. وهناك أيضا بعض الحالات الأخري التي يحدث فيها للبكتريا تحولا جينيا فيسبب لها ذلك خللا في الغشاء فتصبح غير قادرة علي امتصاص المواد الغذائية والمضادات الحيوية. ولا شك أن فرص البكتريا المتحولة في البقاء تكون أكثر من نظيراتها الطبيعية التي لم تتحول. ولكن تظل كما هي بتكتريا لم تتطور إلي شئ آخر ولم تصبح أقوي من ذي قبل ولم تزداد فيها المعلومات الوراثية. لتوضيح ذلك نقول أنه اذا اختفي النور في العالم فإن فرض الأكفاء (جمع كفيف) في البقاء تكون أكثر من غيرهم لأنهم تدربوا علي العيشة بدون نور. ولكن هذا لا يعني أن فقدان القدرة علي البصر هو شئ جيد أو نوع من التطور. (10) والسؤال الذي نريد طرحه علي الدراونة، بما أن البكتريا توجد بالبلايين، ودورة حياتها صغيرة، وبسيطة التكوين، وتتكاثر بكميات كبيرة، ومن ثم تصبح إذا المرشح الأول لإظهار التطور الدراويني من البكتريا إلي الإنسان، إلا أن البكتريا لازلت بكتريا، لم تطور إلي شئ آخر غير نفسها، كيف تفسرون ذلك إذا؟

فما هو الظن الذي نريد أن نهدمه هنا؟

الظن هو أن التحولات الجينية تغييرات تأتي بخصائص فسيولوجية جديدة تمكن الكائن الحي من آداء وظائف جديدة. أما الحقيقة فهي أن نسبة ساحقة منها ضارة، وهذا الضرر يتراكم ويسبب الأمراض والشيخوخة والوفاة، بل وهي إنحسارية وغير مواتية للتطور أيضا حتي لو كانت نافعة، وأهم الكل فهي لا تزيد المعلومات الوراثية ولو قيد أنملة. والبكتريا رغم أن فرصها في التطور أكثر من باقي الكائنات الحية لازلت كما هي. إذا فهناك حقا تحولات جينية ولكننا لا نصدق تلك الإحتيالات الداروينية القائلة بأن الميكروب يمكن أن يتطور إلي إنسان. وهذا يقودنا للقول الفصل في هذا الصدد أن الله خلق الأنواع كما هي ولم تتطور من البسيط إلي المعقد عبر التحولات الجينية والإنتخاب الطبيعي. "وقال الله: لتخرج الأرض ذوات أنفس حية كجنسها: بهائم ودبابات، ووحوش أرض كأجناسها. وكان كذلك" (تك 1 : 24).


(1) Creation Facts of Life by Dr. Gary Parker, chapter 2, Mutations
(2) Tornado in a Junkyard by James Perloff, page 25
(3) Tornado in a Junkyard by James Perloff, page 25
(4) Critic ignores reality of Genetic Entropy by Dr. John Sanford
http://creation.com/genetic-entropy

(5) A Christian Student’s Guide to Truth in Science, By Stanley J. O’Briant
(6) The New Answers Book Volume 1 by Ken Ham (general editor) page 14
(7) Darwin's Demise by Joe White, Nicholas Comninellis, page 46
(8) Tornado in a Junkyard by James Perloff, page 26
(9) Are mutations helpful?
http://creation.com/are-mutations-helpful

(10) Tornado in a Junkyard by James Perloff, page 27-28

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس