الأبوة العالمية لله والإخوة العالمية للبشر .. هل هي فكرة كتابية؟


يقول الدكتور آر سي سبرول أنه في القرن التاسع عشر كان هناك ولعا بين الفلاسفة والمؤرخين بالدراسات المقارنة والتحليلة للأديان، فسعوا لإستخلاص جوهر الدين مختزلين المسيحية إلي ما رأوا أنه القاسم المشترك الأصغر لها. وقد ظهر اللفظ الألماني (Wesen) والذي يعني "كينونة" أو "جوهر"، في الكثير من الدراسات اللاهوتية الألمانية، من ضمنها كتاب أدولف هارناك "ما هي المسيحية". قام هارناك بإختزال المسيحية إلي أمرين جوهريين "الأبوة العالمية لله والإخوة العالمية للبشر"، والكتاب المقدس لا يعلم بأي من هذين الإثنين بالمعني الذي ذكره هارناك. (من كتاب ما هو اللاهوت المصلح).

وقد يعترض أحدهم قائلا وماذا عن قول بولس للأثينيين "لأننا به نحيا ونتحرك ونوجد. كما قال بعض شعرائكم أيضا: لأننا أيضا ذريته" (أع 17 : 29). ردا علي ذلك نقول أن الكلمة اليونانية المترجمة "ذريته" هي (genos)، وتعني "نوع" أو "جنس" أو "قرابة"، وهي تحمل معني الإنتماء إلي فئة معينة بالميلاد البيولوجي فيها. والفكرة هنا أننا كبشر خلقنا خالق واحد وننتمي جميعا إلي الجنس البشري. وفوق هذا، فالآية لا تقل أن الله أب للبشر جميعا، لكنها تقول أننا بهذا المعني فقط ذريته. فالقاسم المشترك بين هؤلاء البشر الذي يجعلهم جميعا ذرية الله هو أنهم يحيون ويتحركون ويوجدون بواسطة الله. هذا هو المعني الوحيد الذي يمكن أن يكون فيه البشر جميعا ذرية الله.

وهذه الكلمة التي استعملها بولس في حديثه للأثينيين تأتي علي خلاف كلمتين أخريين استعملهما العهد الجديد في أماكن أخري لوصف أولاد الله. كما في قول يوحنا "أما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنين بإسمه" (يو 1 : 12). كلمة "أولاد" هنا في اليونانية هي (teknon) وتشير إلي أن أولاد الله "يجدون مسرتهم في الخضوع والإتكال عليه"، وليس مجرد الإنتماء الإسمي إليه. والكلمة اليونانية الأخري "أبناء" والتي لم يستعملها الوحي أيضا في حديث بولس للأثينيين، بل استعملت في أماكن أخري هي (huios)، والمعني به تشديد علي التشابه في الطبيعة بين الأبناء وأبيهم السماوي. والعهد الجديد لا يدعو المؤمنين بالمسيح أولاد الله فقط، بل يقول أيضا أن الله "أبيهم"، مثل (يو 20 : 17 ،  رو 1 : 7 ، 8 : 15 ، 1 بط 1 : 17). الأمر الذي لم يفعله بولس في عظته الأثينية.

لهذا يدعو بطرس أولاد الله "أولاد الطاعة" (1 بط 1 : 14). أما من لا ينتمون إلي عائلة الله الروحية فهم: "أبناء المعصية" (أف 2 : 2)، "أولاد إبليس" (1 يو 3 : 10)، "أولاد اللعنة" (2 بط 2 : 14)، "أبناء الغضب" (أف 2 : 3). فالأبوة الحقيقية تتحدد بمن نطيعه "أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا" (يو 8 : 44).


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس