سولا سكريبتورا لدى الآباء



لطالما كان سلطان الكتاب المقدس موضع هجوم من غير الكتابيين. ولا سيما الذين يضعون التقليد على نفس المستوى مع الكتاب المقدس. مدعين أن مبدأ "الكتاب وحده" (سولا سكريبتورا) هو بدعة بروتستانتية لم يعلم بها الآباء. ولكن هل هذا صحيح؟ لندع ما كتبه الآباء أنفسهم يجيب عن هذا السؤال. وفيما يلي بعض مما قاله آباء القرون الخمسة الأولى حول سلطان الكتاب المقدس. وقد اخترنا بعض أقوال آباء القرون الخمسة الأولى فقط لإثبات أن مبدأ "الكتاب وحده" غير مستحدث بواسطة المصلحين. بل هو قديم قدم الكنيسة الأولى. وما فعله المصلحون فقط هو أنهم عملوا على تصحيح المسار الذي انحرفت عنه كنيسة العصور الوسطى بوضع سلطة الكنيسة أو رجالها على نفس المستوى من الكتب المقدسة. (التواريخ أدناه مأخوذة عن موسوعة المسيحية المبكرة الطبعة الثانية تحرير إيفريت فيرجوسون، روتلدج)

ثمة ملاحظة أخيرة نود الإشارة إليها قبل أن نستعرض ما كتبه الآباء عن سلطان الكتاب المقدس. مبدأ "الكتاب وحده" لا يعني رفض أو احتقار التقليد أو قرارات المجامع الكنسية أو اجتهادات الآباء. على العكس هذه جميعها احترمها وأجلّها المصلحون واقتبسوا منها بدل المرة مئات المرات. ولكن ما يعنيه مبدأ "الكتاب وحده" هو أن الكتاب المقدس فقط  هو المصدر الوحيد المعصوم. أما عن اجتهادات الآباء والتقليد وقرارات المجامع فقد تصيب وقد تخطئ. وجميعها مصادر عظيمة للمعرفة المسيحية، إلا أن الكتاب المقدس يأتي فوقها وقبلها جميعًا كالمعيار الوحيد المعصوم للحق. 

1 - إيرينايوس (115 - 202 م):

لم نتعلم عن غاية خلاصنا من أحد سوى من أولئك الذين أتى إلينا الإنجيل من خلالهم، الذين أعلنوه في وقت من الأوقات على الملأ، وفي وقت لاحق، بمشيئة الله، سُلِّمَ إلينا في الكتب المقدسة، لتكون أساس وعامود إيماننا.
ضد الهرطقات
Irenaeus, Against Heresies, 3.2.1

ومع ذلك، فعندما يتم تفنيد الغنوصيين من الكتب المقدسة، فإنهم يعودون ويتهمون هذه الكتب المقدسة نفسها كما لو كانت غير صحيحة، وكما لو كانت بغير سلطان. يقولون أنها غامضة، وأنه لا يمكن استخلاص الحق منها بواسطة من يجهلون التقليد .. لكن، مرة أخرى، عندما نشيرهم إلى هذا التقليد الذي نشأ من الرسل .. فإنهم يعترضون على التقليد.
ضد الهرطقات
Irenaeus, Against Heresies, 3.2.2

هكذا، إذن، لقد أثبت الأمر [لكم] أنه كذلك، إذا قرأ أحد الكتب المقدسة. لأنه هكذا كان الرب يتحدث مع تلاميذه بعد قيامته من الأموات، مبرهنًا لهم من الكتب المقدسة نفسها أنه ينبغي للمسيح أن يتألم، ويدخل إلى مجده، وأنه ينبغي أن يُكْرَزُ بمغفرة الخطايا باسمه في كل أنحاء المسكونة. 
ضد الهرطقات
Irenaeus, Against Heresies, 4.26.1

2 - إكليمندس السكندري (160 - 215 م.):

وإذ قد أثبتنا أن الكتب المقدسة التي نؤمن أنها صالحة بناء على سلطانها المطلق، سنكون قادرين على فحصها فحصا متتاليًا، ومن ثم نبين لجميع الهرطقات أنه إله واحد ورب كلي القدرة ينبغي أن يُبَشَّرُ به بواسطة الناموس والأنبياء جنبًا إلى جنب مع الإنجيل المبارك.
المتفرقات
Clement of Alexandria, Stromata, 4.1

إن أولئك الذين هم على استعداد للكدّ في أرفع المساعي لن يكفوا عن السعي وراء الحقيقة حتى يحصلوا على البرهان من الكتب المقدسة نفسها.
المتفرقات 
Clement of Alexandria, Stromata, 7.16

لدينا الرب كالمصدر للتعليم بواسطة كل من الأنبياء والإنجيل والرسل المباركين .. إذن ، فمن يؤمن بنفسه أن الكتب المقدسة وصوت الرب (الذي يستخدمه الرب لمنفعة البشر) [يعتبر] بحق أمينًا. بالتأكيد نستخدمها [الكتب المقدسة] كمعيار في اكتشاف الأشياء. المتفرقات Clement of Alexandria, Stromata, 7.16

3 - ترتليانوس (200 م.):

على أي حال، سيكون من الواجب عليك تقديم الأدلة الخاصة بك من الكتب المقدسة، بشكل واضح كما نفعل، عندما نثبت أنه جعل كلمته ابنا له .. فإن كل الكتب المقدسة تشهد على الوجود الواضح والتمييز في (أقانيم) الثالوث، وبالحق تزودنا بقانون إيماننا.
ضد براكسيس
Tertullian, Against Praxeas, 11

حتى نتمكن من نوال معرفة أوسع وأكثر سلطانا عنه، وعن مشورته، وإرادته، أضاف الله إعلانا مكتوبا لمنفعة كل شخص وضع قلبه للبحث عنه.
الدفاع، 18
Tertullian, Apology, 18

إذا لم يكن مكتوبًا في أي مكان، فليخشى الويل الذي يأتي على كل من يضيف أو يحذف أي شيء [من الكلمة المكتوبة].
ضد هيريموجينيس
Tertullian, Against Heremogenes, 22

4 - هيبوليتيس (170 - 236 م.):

أيها الإخوة يوجد إله واحد، ذلك الذي نحصل على معرفته من الكتب المقدسة، ولا مصدر آخر سواها. لأنه كما يرغب أحدهم في أن يكون ماهرًا في حكمة هذا العالم، سيجد نفسه غير قادر على الوصول إليها بأي طريقة أخرى سوى بإتقان عقائد الفلاسفة، لذلك كل من يرغب منا في ممارسة التقوى لن يتمكن من تعلم ممارستها من أي مجال سوى أقوال الله. إذا فلنلاحظ أي شئ تعلنه الكتب المقدسة، ولنتعلم أي شئ تعلمه [تلك الكتب].
ضد نويتس
Hippolytus, Against Noetus, 9

5 - غايوس (بداية القرن الثالث):

ربما ما يزعمه [الهراطقة] يكون ذا مصداقية، إذا - في المقام الأول - لم تتناقض معهم الكتب المقدسة. لقد حَرَّفَ الهراطقة بجرأة الكتاب المقدس ورفضوا شرائع الإيمان القديم وتجاهلوا المسيح.
غايوس محفوظا ومقتبسا بواسطة يوسابيوس
Against Heresy of Artemon, 1, 3

6 - أوريجانوس (185 - 251 م.):

نحن .. نؤمن أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال تفسير وإحضار هذا اللوجوس الأسمى والأكثر ألوهية كإبن الله، وجعله في متناول المعرفة الإنسانية، إلا بواسطة تلك الكتب المقدسة، التي أُوْحِىَ بها وحدها من الروح القدس: الأناجيل والرسائل، والناموس والأنبياء، حسب إعلان المسيح نفسه.
في المبادئ
Origen, On First Principles, 3.1.3

لكي لا أبدو وكأني أبني تأكيداتي على أساس الاستنتاج وحده، لا سيما فيما يتعلق بالمواضيع ذات الأهمية والصعوبة. ولا أتمنى أن يوافق مُسْتَمِعِيَيَّ على ما هو تخميني فقط. لذلك دعونا نرى ما إذا كان يمكننا الحصول على أي تصريحات من الكتب المقدسة. لأنه بواسطة سلطتها، يمكن التأكيد على هذه المواقف [التعليمية] بشكل أكثر مصداقية.
في المبادئ
Origen, On First Principles, 1.5.4

7 - ديونيسيوس السكندري (264 م.):

بكل أمانة، وبقلوب مفتوحة أمام الله، قبلنا كل ما يمكن تأسيسه بواسطة إثباتات وتعاليم الكتب المقدسة.
المتفرقات
Dionysius, Fragments, Promises, 2

8 - جريجوريوس النيصي (331/40 - 395 م.): 

ما هو إذن ردنا؟ لا نعتقد أنه من الصواب أن تُجْعَل عادتهم [تقليدهم] السائدة القانون والقاعدة للعقيدة السليمة. لأنه إذا كانت العادة تنفع كبرهان لصحة [المعتقد]، فنحن أيضًا، بالتأكيد، نستطيع الدفع بعادتنا السائدة؛ وإذا رفضوا هذا، فنحن لسنا ملزمين بالتأكيد بإتباع عادتهم. ليكن الكتاب المقدس الموحي به، إذن، حَكَمَنَا، ومن المؤكد أنه سَيُمْنَح صوت الحق لأولئك الذين وُجِدَتْ عقائدهم في اتفاق مع الكلمات الإلهية.
الرسالة إلى يوستاثيوس
Gregory of Nyssa, Dogmatic Treatises, Book 12. On the Trinity, To Eustathius

9 - أثناسيوس السكندري (300 - 373 م.):

هذه هي ينابيع الخلاص، حتى يرتوي الذين يعطشون بالكلمات الحية التي تحويها. في هذه وحدها تُعْلَنُ عقيدة التقوى. لا أحد يضيف إلى تلك، ولا أحد يحذف منها. فبالنسبة لتلك وبخ الرب الصدوقيون قائلا: "تضلون، إذ لا تعرفون الكتب". ووبخ اليهود قائلا: "فتشوا الكتب لأنها تشهد لي".
رسائل أثناسيوس Athanasuis, Festal Letters, 39.6

10 - كيرلس الأورشليمي (386 م.):

فلنتكلم بعد ذلك لا عن شئ يخص الروح القدس ولكن عما هو مكتوب؛ وإذا كان أي شيء غير مكتوب، فلا نشغل أنفسنا به. الروح القدس بنفسه تَكَلَّمَ الكتب المقدسة. لقد تحدث أيضًا عن نفسه بقدر ما شاء، أو بقدر ما يمكن أن نقبل. فلتكن إذا تلك الأشياء المُتَكَلَّمُ بها، والتي قالها هو [في الكتب المقدسة]. لأن أي شئ لم يقله، حذار لنا أن نقوله نحن. المحاضرات التعليمية
Cyril of Jerusalem, Catechical Lectures, 4.17 

لا ينبغي لنا أن نقول حتى أكثر التصريحات عفوية بدون الكتب المقدسة، ولا أن نُشَتَّتُ جانبا بواسطة مجرد احتمالات وخداع جدالات. لا تصدقوني إذا لأني أخبرتكم بهذه الأشياء، إلا إذا استلمتم من الكتب المقدسة دليلاً على ما هو مُبَيَّن: لأن هذا الخلاص، الذي هو من إيماننا، ليس عن طريق البراهين العقلية البارعة، بل بإثبات من الكتب المقدسة.
المحاضرات التعليمية
Cyril of Jerusalem, Catechical Lectures,16.2

11 - يوحنا فم الذهب (347 - 407 م.):

لذلك دعونا لا نحمل آراء الكثيرين، بل نمتحن الحقائق. لأنه، أليس من السخف أننا فيما يتعلق بالمال، في الواقع، لا نثق بالآخرين، لكن نستشير الأرقام والحسابات؛ وعند حساب الحقائق، فإننا نميل قليلاً إلى الجانب بفعل آراء الآخرين؛ وهذا أيضًا، على الرغم من أننا نملك ميزانًا دقيقًا، معيارا وقاعدة لكل شيء، إعلان الوصايا الإلهية؟ لذلك أحثكم وأستعطفكم جميعًا، تجاهلوا ما يفكر فيه هذا الرجل أو ذاك حول تلك الأمور، وافحصوا الكتاب المقدس بخصوص كل هذه الأشياء؛ وإذ تَعَلَّمْنَا ما هي الكنوز الحقيقية، فلنسع في إثرها حتى نحصل أيضًا على الأشياء الصالحة الأبدية؛ والتي يمكن أن ننالها جميعًا، من خلال النعمة والمحبة تجاه أناس ربنا يسوع المسيح، الذي له مع الآب والروح القدس، مجدًا، وقدرة، وكرامة، الآن وإلى الأبد، وخليقة أبدية. آمين.
من عظة كريسوستوم (فم الذهب) 2 كو 6 : 11 - 12
Chrysostom, Homily on 2 Corinthians 6:11-12

12 - أغسطينوس (354 - 430 م.):

في حين أنه، في كل مسألة، تتعلق بالحياة والسلوك، ليس فقط التعليم، ولكن الوعظ ضروري أيضًا؛ لكي نعرف بالتعليم ما الذي يجب عمله، وبالوعظ، قد يتم حَثَّنَا على عدم التفكير في أن القيام بما نعرف أنه ينبغي علينا القيام به أمر مزعج؛ ماذا يمكنني أن أعلمك أكثر مما نقرأ في [ما كتبه] الرسول؟ لأن الكتب المقدسة تؤسس قاعدة لتعليمنا، حتى لا نتجرأ على أن نكون "أكثر حكمة مما يجب علينا"، ولكن حكماء كما يقول هو نفسه: "إلى التعقل كما قسم الله لكل واحد مقدارا من الإيمان". لذلك ليس لي أن أعلمكم أي شيء آخر، باستثناء أن أشرح لك كلمات المعلم، وأن أتعامل معها كما سيعطيني الرب. 
عن الصلاح الذي في الترمل
On The Good of Widowhood, 2 

لأن منطق البَشَرْ أيا كان، حتى وإن كانوا [مسيحيين حقيقيين]، وذوي سمعة رفيعة، لا ينبغي أن يُعَامَل بواسطتنا بنفس الطريقة التي نُعَامِل بها الكتب المقدسة. نحن في حرية، دون المساس بالاحترام الذي يستحقه هؤلاء الأشخاص، لإدانة ورفض أي شيء في كتاباتهم، إذا ما وجدنا لديهم آراء مختلفة عن تلك التي لدى الآخرين أو لنا نحن أنفسنا، والتي بواسطة العون الإلهي، اكتشفنا أنها الحق. هكذا أتعامل مع كتابات الآخرين، وأتمنى لقرائي الحكماء أن يتعاملوا بنفس الطريقة مع كتبي. 
رسالة 148، 15 
Augustine Letters, 148.15 

لقد تعلمت أن أهب الاحترام والإجلال فقط للأسفار القانونية للكتب المقدسة: لهذه وحدها، أؤمن إيمانًا راسخًا أن كاتبيها كانوا معصومون تمامًا من الخطأ. 
رسالة 82، 3 
Augustine Letters, 82.3

مما سبق، يتأكد لنا أن "سولا سكيبرتورا" لم تكن بدعة بروتستانتية استحدثها المصلحون. وإنما إيمان ومبدأ الكنيسة عبر العصور ومنذ يومها الأول. وعليه فالإدعاء بأن "سولا سكيبتورا" تعليم مستحدث هو افتراء غير مؤسس على التاريخ. وأخيرًا، بما أن كتابات الآباء جزء من التقليد، وبما أن كتابات الآباء تشهد بأن الكتاب المقدس وحده هو المصدر المعصوم للإيمان والحياة، إذًا فإكرامك للتقليد يعني أن تكرم الكتاب المقدس كالسلطة التعليمية العليا. التقليد نفسه يشهد بسمو الكتاب المقدس عليه!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس