آباء الكنيسة يرفضون التطور ويؤكدون على حرفية أيام الخلق

تمهيد

على خلاف ما هو شائع بأن التطور اكتشاف علمي حديث، وثورة علمية انطلقت منذ القرن التاسع عشر، إلا أن الحقيقة هي أن التطور، على الأقل، فكرة قديمة قدم الحضارة اليونانية الكلاسيكية، قبل مجئ المسيح بخمسة قرون. ولكن قبل أن نبدأ في إثبات أن فكرة التطور ليست حديثة، بل ضاربة في القدم، وأن آباء الكنيسة كانوا على دراية بها وقاوموها وفندوها، ولم يحاولوا دمجها بالخلق، على خلاف ما يُفعل في يومنا هذا، مع أن الآباء واجهوا نفس الضغوط التي تواجهها الكنيسة اليوم، بل وربما أكثر منها، يتحتم علينا أولا أن نقوم بتعريف ما هو التطور. 

يعرّف عَالِم الحيوان ووظائف الأعضاء، الدارويني، چيرالد كيركوت، وهو حُجَّة في هذا المجال، نظرية التطور، كالآتي:

"هناك نظرية تنص على أنه يمكن رصد العديد من الحيوانات الحية تجتاز، عبر الوقت، تغيّرات، بحيث تتشكل أنواع جديدة. يمكن أن تُسمى هذه بـ "نظرية التطور الخاصة"، ويمكن إظهارها في بعض الحالات عن طريق التجارب. من ناحية أخرى، هناك نظرية مفادها أن جميع الأشكال الحية في العالم قد نشأت من مصدر واحد هو نفسه جاء من شكل غير عضوي. يمكن تسمية هذه النظرية بـ "النظرية العامة للتطور" والأدلة التي تدعمها ليست قوية بما يكفي للسماح لنا بأن نعتبرها أكثر من مجرد فرضية راسخة. ليس من الواضح ما إذا كانت التغييرات التي تُحْدِثُ تنوعا هي من نفس طبيعة التغييرات التي أحدثت تطور شُعبة جديدة. سيتم العثور على الإجابة في العمل التجريبي في المستقبل وليس من خلال التأكيدات العقائدية بأن النظرية العامة للتطور يجب أن تكون صحيحة لأنه لا يوجد شيء آخر يحل محلها بصورة مقنعة". [1]

طبعا أنا لا أؤمن بأي شكل من أشكال التطور، بالعكس، الخليقة تكابد تدهورا من نوع ما. والتطور الخاص الذي يراه كيركوت، يُرجعه الكثير من العلماء المسيحيين (ذوي الدرجات العلمية الرفيعة) إلى آليات أخرى غير تطورية، مثل التنوع، والانتخاب الطبيعي (وهو لا يساوى التطور)، والتحورات الجينية. العملية الأولى (التنوع)، لا تزيد من المعلومات الوراثية، والعمليتين الأخرتين (الانتخاب الطبيعي والتحورات الچينية) تنقصان من المعلومات الوراثية المتاحة في جيل ما. وعليه فلا يوجد آلية ما متاحة يمكنها أن تزيد المعلومات الوراثية في چينوم أي كائن، الأمر الذي يستلزم حدوثه ملايين المرات لكي يصبح التطور ممكنا. ليس هذا موضوعنا، لكن هدفنا هنا أن نركز على ما دعاه كيركوت "النظرية العامة للتطور". أي الإعتقاد بوجود أصل عضوي واحد مشترك جاء بدوره من أصل غير عضوي. الأمر الذي يمكن أن تسميه التطور من "الجزئ إلى الإنسان".

التطور، بمفهومه العام، كان معروفا لدى فلاسفة اليونان القديم. يقول المفسر المسيحي آدم كلارك: "كان لدى الأثينيون فكرة حمقاء بأنهم ذاتيو الخلق، وأصل الجنس البشري. يسخر لوسيان من هذا الرأي: يقول الأثينيون أن الإنسان الأول نبت في أفريقيا مثل الفجل". [2]

يقول المفكر والكاتب الدكتور مجدي عبد الحافظ (أستاذ الفلسفة بجامعة حلوان والأستاذ الزائر السابق بجامعة جيل فيرن - بيكاردي بمدينة أميان بشمال فرنسا): "يرجع قدم الفكرة لآلاف من السنين في الخرافات والميثولوچيا التي صاغها حكماء بابل وأشور ومصر .. وفي الحقيقة أن فلاسفة اليونان كانوا أول من عالج هذه المسألة معالجة فلسفية .. إذ يرى أنكسمندروس (610 ق. م. - ؟) أن تكوّن المخلوقات منسوب إلى تأثير الشمس في الأرض، وتمييز العناصر المتجانسة بالحركة الدائمة، وأن الأرض كانت في البدء طينية ورطبة أكثر مما هي الآن، فلما وقع فعل الشمس، فارت العناصر الرطبة التي في جوفها، وخرجت منها على شكل فقاقيع، فتولدت الحيوانات الأولى، غير أنها كانت كثيفة ذات صور قبيحة غير منتظمة. وكانت مغطاة بقشرة سميكة تمنعها عن التحرك والتناسل وحفظ الذات، فكان لابد من نشوء مخلوقات جديدة، وازدياد فعل الشمس في الأرض لتوليد حيوانات منتظمة، يمكنها أن تحفظ نفسها وتزيد نوعها. أما الإنسان فظهر بعد الحيوانات كلها، ولم يخل من التقلبات التي طرأت عليها، فَخُلِقَ أول الأمر شنيع الصورة ناقص التركيب، وأخذ يتقلب إلى أن حصل على صورته الحاضرة .. وأكثر من ذلك فإن إنجلز ينقل عن بلوتارك من كتابه .. أن أنكسمندروس قال بأن أصل الإنسان سمكة، ليشرح واقع انتقاله من الماء إلى اليابس". [3]

نفس الأمر يؤكده لنا الفيلسوف والمؤرخ الأمريكي المعروف ويل ديورانت في كلاسيكيته "قصة الحضارة" بأن أرسطو كان يعتقد بأن الجنين البشري يتطور مثل الكتكوت. وعلى حد كلمات أرسطو نفسها كما نقلها لنا ديورانت: "بالطريقة نفسها التي يكون بها الرضيع داخل رحم أمه ... لأنه يمكن تشبيه طبيعة الطائر بجسم الإنسان". تمكنه نظريته حول تشابه الأعضاء من رؤية عالم الحيوان كواحد: "الظفر هو نظير المخلب، يد كماشة الكابوريا، ريشة قشرة السمكة". ويرى ديورانت أن أرسطو "في بعض الأحيان يقترب من عقيدة التطور". ثم يقتبس ديورانت من أرسطو مبرهنا على ذلك بهذه العبارات التي قالها الأخير:

"تنطلق الطبيعة شيئًا فشيئًا من الجماد إلى الحياة الحيوانية بطريقة تجعل من المستحيل تحديد الفواصل [بينها] ... وبالتالي، يأتي بعد الجماد في التدريج التصاعدي جنس النباتات، وهو بلا حياة نسبيًا مقارنة بالحيوانات، ولكنه حي مقارنة بالأجسام المادية. هناك في النباتات تدريج مستمر من الصعود نحو الحيوان. هناك أشياء معينة في البحر، والتي فيما يتعلق بها، فإن المرء يكون في حيرة من أمره لتحديد ما إذا كانت حيوانات أو خضروات .. فالإسفنج مثل الخضروات من كل الإعتبارات .. بعض الحيوانات متجذرة، وتموت إذا اقتلعت فيما يتعلق بالحساسية، بعض الحيوانات لا تُظهر أي علامة على ذلك، بينما يشير البعض الآخر إلى أنها غامضة .. وهكذا، فهناك تمايز متدرج عبر التدريج الحيواني".

ويضيف ديورانت قائلا عن أرسطو أنه: "يعتبر القرد شكلاً وسيطًا بين الإنسان والحيوانات الأخرى الولودة. يرفض فكرة إمبيدوكليس عن الانتخاب الطبيعي للطفرات العشوائية؛ فليس هناك حظ في التطور. يتم تحديد خطوط التطور من خلال الإلحاح المتأصل لكل شكل ونوع وجنس لتطوير نفسه [للوصول] لأكمل تحقيق لطبيعته. هناك تصميم، لكنه أقل توجها من الخارج عن كونه محركا داخليا أو دافعا يتم من خلاله جذب كل شيء لتحقيقه الطبيعي". [4] 

بالإضافة إلى ما أوردناه من شهادات رجال الفلسفة والتاريخ حول اعتقاد قدماء اليونان بوجود أصل غير عضوي واحد مشترك للكائنات الحية، أي التطور من الجزئ إلى الإنسان، سنختم أدلتنا هنا بدليل آخر جاء في كتاب اشترك في تأليفه ثلاثة من العلماء المسيحيين وفي نفس الوقت باحثون لاهوتيون أيضا: دون باتون (عالم زراعي)، وچوناثان سارفاتي (عالم كيمياء)، وديڤيد كاتشپول (عالم فيسيولوچيا النبات). يقول العلماء الثلاثة: "لاحظ أن داروين لم يخترع التطور؛ فمثل هذه الأفكار ترجع إلى ما قبل ميلاد المسيح للفلاسفة المعارضين لفكرة الخالق صاحب السلطان، مثل أناكسيماندر، إپيمينيديس ولوكريتيوس. لقد كانت ولا تزال فكرة وثنية مضادة لله منذ أصولها المبكرة". [5]

الآباء والتطور

وكما رأينا، فإن التطور، بمفهومه العام، ليس فكرة حديثة على الإطلاق، بل قديمة لدرجة الإبتذال، تكلم بعض الفلاسفة اليونان في تفاصيلها. الكثير من آباء الكنيسة، إن لم يكن كلهم، كانوا على معرفة جيدة بتلك الفلسفة التطورية الوثنية. المثير في الموضوع أن أحدا منهم لم يقم بالدمج بين أحداث الخلق التاريخية المسجلة لنا في سفر التكوين، وبين المزاعم التطورية الوثنية الإلحادية كما يفعل مسيحيو داروين في يومنا هذا. لم يدعي أحدا منهم أن الله استخدم التطور في الخلق، أو أن الخليقة عمرها ملايين السنين، مع ملاحظة أن الفلاسفة قديما كانوا علماء طبيعة في نفس الوقت، فلم تكن الفلسفة منفصلة عن العلم في ذلك العصر. وكل ما ادعاه الفلاسفة اليونانيون في وقتهم كان له ثقل كل ما يدعيه العلماء في وقتنا الحاضر. والسبب في عدم مساومة الآباء على الحق الكتابي المتعلق بالخلق، لا ينبغي أن يَخْفَىَ علينا، وهو أن الآباء أدركوا أن الفلاسفة الوثنيون أرادوا التخلص من فكرة الإله الخالق. على الأقل الإله الخالق صاحب السلطان، الذي خلق الكون ولا يزال متسلطا فيه وحاكما له ومعتنيا به. إن الآباء وعوا جيدا أن قبول فكرة الأصل غير العضوي الواحد المشترك للكائنات الحية يعنى هدم فكرة وجود الله وسلطانه وعنايته من جذورها. ولنتوجه الآن لما كتبه الآباء تفنيدا لفكرة التطور.

يقول يوستين الشهيد (165 م.): "وفقا لأبيقور، فإن الذرات والفراغ غير قابلان للتدمير. يقول أبيقور أنه كان بترتيب وتعديل محددين للذرات، عندما اجتمعت، تم إنتاج جميع التكوينات، بما في ذلك الجسم نفسه". [6] طبعا، أي شئ مكون من ذرات، لكن يوستين الشهيد هنا يقول أن أبيقور رأى أن ترتيب الذرات شئ حدث بفعل الصدفة ومن تلقاء نفسه، وليس بحكمة إله خالق ومتسلط، الأمر الذي أنتج في النهاية، كما يرى أبيقور، تَكَوُّنْ الأجسام.

يستنكر أوريجانوس (185 - 251 م.) اعتقاد الفلاسفة الوثنيون بأن نشأة الأشياء وتكوّنها وترتيب الذرات أمور جائت عن طريق الصدفة: "لا أستطيع أن أفهم كم من الرجال المتميزين يكونون من أنصار الرأي القائل بأن المادة .. لم تُخْلَق. أي أنها لم تُشَكَّل بواسطة الله نفسه، الذي هو خالق كل شيء. بدلا من ذلك، يقولون أن طبيعتها وقوتها جاءت نتيجة للصدفة .. معتقدون بأن عمل عظيم مثل الكون يمكن أن يوجد من دون مهندس أو مشرف". [7] ألا يذكرنا هذا بما يقوله علماء التطور والإنفجار الكبير بأن أصل الكون هو الصدفة والوقت، وأن تطور الكائنات من البسيط إلى المعقد يرجع إلى التحورات الجينية العشوائية والانتخاب الطبيعي الأعمى؟

يقول أوريجانوس أيضا: "دع سيلسوس إذا يقول بوضوح أن التنوع الكبير بين منتجات الأرض ليس عمل العناية الإلهية، ولكن أن هناك تسابق تصادفي معين للذارت تولد عنه الصفات شديدة التنوع. دعه يقول أنه نتيجة الصدفة أن أنواع كثيرة من النباتات والأشجار والأعشاب تشبه بعضها البعض. دعه يقول إنه لا يوجد عقل ذو سلطان أعطاهم وجودًا، وأنهم لا يستمدون أصلهم من عقل يتجاوز كل الإعجاب. في المقابل، فإننا نحن المسيحيون نشعر بالامتنان لهذه الأشياء، لأننا مكرسون لعبادة الإله الوحيد الذي خلقهم". [8]

واضح من كلمات أوريجانوس أن سيلسوس كان يؤمن بالأصل غير العضوي المشترك لكل الكائنات، والدليل على ذلك هو التشابه الذي بينها. لكن أوريجانوس يرفض هذا الفكر الوثني متمسكا بما يقوله الكتاب حول هذا الأمر. 

ليس فقط أن سيلسوس يعتقد بالأصل غير العضوي الواحد لكل الكائنات الحية، وليس فقط أن الصدفة هي المسؤولة عن ذلك، بل إنه يعتقد بالفلسفة المادية، أي أن المادة هي كل ما يوجد، مختزلا بذلك الإنسان إلى مجرد جسد، لا روح له، والمخ مجرد عضو يؤدى وظيفته. مرة أخرى يقول أوريجانوس: "سيلسوس يبذل قصارى جهده لاختزال الجنس البشري إلى حالة أدنى ولإيصاله إلى مستوى الحيوانات غير العاقلة". [9]

كان هناك الكثيرون من قدماء اليونانيين الذين اعتقدوا بأن كل ما هو موجود جاء نتيجة الصدفة التي قامت بترتيب الذرات معا، فنشأت الأصول الأولى للموجودات والتي تطورت فيما بعد إلى كائنات أخرى. وردا على هذا المعتقد التطوري الوثني، يقول ديونيسيوس السكندري (264/5 م.)، أن التشابه بين الموجودات ليس مرجعه الأصل المشترك، بل الخالق المشترك، أي أن التشابه سببه أن مصمم وخالق واحد هو الذي خلقها جميعا تاركا بصمته الهندسية علي كل منها. يقول ديونيسيوس السكندري: 

"لأنه يوجد من يعطون اسم الذرات لبعض الأجسام التي لا يمكن اختراقها والمتناهية الصغر والتي من المفترض أنها غير محدودة العدد .. يزعمون أن هذه الذرات، كما حملتها الصدفة في الفراغ، تصادمت جميعها ببعض، بفعل الصدفة، وضد بعضها البعض، في دوامة لا تحكمها أي قوانين. وهكذا اختلطوا مع بعضهم البعض في أشكال متعددة. من خلال الاندماج مع بعضهم البعض، شكلوا هذا العالم تدريجياً وكل الأشياء التي فيه .. كان هذا هو رأي أبيقور وديموقريطوس .. كيف سنتحمل هؤلاء الرجال الذين يؤكدون أن كل تلك .. المنشآت الحكيمة ليست سوى أعمال الصدفة العامة؟ .. لكن هؤلاء الرجال لا يتمعنون حقًا في أوجه التشابه حتى في الأشياء الصغيرة المألوفة والتي قد تأتي أمام بصرهم في أي وقت. لأنه، من هذه الأشياء، يمكن أن يتعلموا أنه لا يوجد أي كائن له أي قيمة - وثبتت منفعته - لم يُصْنَعُ بدون تصميم". [10]

يسخر ديونيسيوس السكندري من معتقد أبيقور بأن كل شئ أصله الذرات والصدفة قائلا:

"كيف جمعت بذرة التكاثر الصغيرة هذه الذرات العديدة معا والتي كانت ستشكل أبيقور؟ .. كيف شكلتها وهيأت أعضائها وأجزائها الكثيرة؟ .. لكل هذه الأشياء، لا يوجد شيء إما خامل أو عديم الفائدة. ولا حتى أصغرها - مثل الشعر والأظافر. لكل منها جميعًا وظيفة تؤديها .. فهل صُنِعَ أبيقور، كما يقولون، بواسطة عدد مهول من الذرات الغير عاقلة؟ لا، فاندماج الذرات لا يستطيع حتى تصميم صورة من الطين!" [11] ويبدو أن الفلاسفة الوثنيون كانوا يعتقدون أن هناك أعضاء عديمة الفائدة أو لا وظيفة لها. أليس هذا أيضا ما ادعاه التطوريون بأن هناك أعضاء مندثرة لدى الإنسان، مثل الزائدة الدودية، وهي ليست سوى بقايا تطورية؟ ألم يقولوا إلى عهد قريب، عن بعض أجزاء الحمض النووي DNA أنها بلا فائدة فأسموها "الحمض النووي الخردة" Junk DNA ؟

ولعل أكثر من عارض هذا الفكر التطوري الوثني بين الآباء هو لاكتانتيوس (250 - 325 م.). فبالإضافة إلى فكرة وجود أعضاء لا وظيفة لها، علّم أبيقور أيضا أن الأعضاء الجسمية نشأت أولا ثم اتخذت وظيفتها لاحقا بفعل التطور، مهاجما بذلك حقيقة كونها مصممة بواسطة خالق حكيم. يقول لاكتانتيوس مدافعا عن التصميم الإلهي ومنتقدا اتحاد الذرات عن طريق الصدفة كأصل للأشياء:

"ولكي يُفَعِّلُ [أبيقور] الأمر الذي افترضه مسبقا في تهوره، أضاف عبثية أخرى للإتفاق مع السابقة. قال إنه لم يتم إنتاج العينين للرؤية ولا الآذان للسمع ولا القدمين للمشي. وعوضا عن ذلك، تم إنتاج هذه الأعضاء قبل وجود وظائف الرؤية والسمع والمشي. فقد تطورت جميع استخدامات هذه الأعضاء بعد أن ظهرت بالفعل .. من الواضح أن من فقد النقطة الأساسية للحق يجب أن يكون دائمًا على خطأ. لأنه إذا كانت كل الأشياء قد أُنْتِجَتْ من خلال تلاقي الذرات على سبيل الصدفة، وليس من خلال العناية الإلهية، فلماذا لا يحدث أبدًا بالصدفة أن تلتقي تلك المبادئ الأولى معًا بطريقة تجعل الحيوان من هذا النوع يمكن أن يسمع بأنفه، أو يشم بعينيه ، أو يرى بأذنيه؟". [12] ما أشبه اليوم بالبارحة، ألا ينادي ريتشارد دوكينز اليوم أن الخليقة تبدو مُصَمَّمَة ولكنها ليست كذلك في حقيقة الأمر؟

ولكن ماذا عن البشر بالتحديد؟ ماذا اعتقد أولئك الفلاسفة الوثنيون عنهم؟ وماذا كان رد لاكتانتيوس على ذلك؟

"يقول بعض [غير المؤمنين] أن البشر الأوائل قضوا حياة الترحال بين الغابة والسهول. لم يكن البشر متحدين بأي رابطة كلام أو عدالة متبادلة بينهم. كانت أَسِرَّتَهُمْ من العشب وأوراق الشجر، واستخدموا الكهوف والمغارات كمساكن لهم. وعلاوة على ذلك، كانوا فريسة للوحوش والحيوانات الأقوى. في وقت لاحق، أولئك الذين فروا (بعد أن مزقتهم الوحوش) .. لاذوا إلى بشر آخرين. التمسوا الحماية منهم. في البداية، جعلوا رغباتهم معروفة بواسطة الإيماءات. ثم حاولوا بدايات المحادثة. عن طريق إرفاق اسم لكل كائن، أكملوا نظام اللغة شيئًا فشيئًا. ومع ذلك، عندما رأوا أن العدد وحده لم يكن حماية كافية من الوحوش، بدأوا في بناء مدن .. آه أيتها العقول التي لا يستحقها البشر، والتي اختلقت هذا العبث الأحمق .. هذه الأشياء ليست صحيحة بأي حال من الأحوال. لم يولد البشر من الأرض في جميع أنحاء العالم، كما لو أنهم نبتوا من أسنان تنين ما. بدلا من ذلك، فقد خُلِقَ رجل واحد بواسطة الله. ومن ذلك الرجل الواحد امتلأت الأرض كلها من الجنس البشري .. لم يكن هناك أبداً بشر على الأرض لم يستطيعوا التحدث (باستثناء الرضع)". [13]

يضيف لاكتينتيوس إلى ما سبق ما يدل على اعتقاد الفلاسفة الوثنيون بأن الحيوانات والبشر جميعا نشأوا من الأرض، من أصل غير عضوي واحد مشترك بينهم جميعا: "لا أستطيع أن أغفل هنا أن بعض الفلاسفة المخطئين يقولون أن البشر والحيوانات الأخرى نشأوا من الأرض دون أي خالق". [14]

حرفية وتاريخية الخلق لدى الآباء

بالإضافة إلى الرفض الصريح من الآباء لفكرة التطور والأصل المشترك غير العضوي لجميع الموجودات، علّم الآباء أيضا بحرفية وتاريخية أحداث الخلق. ولنبدأ بلاكتانتيوس نفسه. يقول هذا الأخير: "إذا كنا جميعا نستمد أصلنا من رجل واحد خلقه الله، فمن الواضح أننا من دم واحد". [15] وهنا يؤكد على انحدار جميع البشر من أب بشري واحد، وهو آدم، مؤكدا بذلك ما قاله بولس في آريوس باغوس، بأن الله خلق جميع البشر "من دم واحد" (أع 17 : 26). ولا نشك أن بولس الرسول الذي كان فيلسوفا كبيرا ومطلعا على الشعر والفلسفة اليونانية كان على دراية بهذا الفكر التطوري اليوناني القديم، لهذا أراد التأكيد على حقيقة مساواة البشر جميعا لانحدارهم من أب بشري واحد خلقه الله.

يؤكد أيضا إسكندر السكندري (328 م.) على حقيقة حرفية وتاريخية آدم كالأب الأول لجميع البشر: "علاوة على ذلك، لم نُخْلَقْ، مثل بقية العالم، بالكلمة وحدها، بل بالفعل أيضًا. لأن الله أوجد العالم بقوة كلمة واحدة، لكننا أُنْتِجْنَا بفعالية كلمته وعمله. لأنه لم يكن كافياً أن يقول الله، لنخلق الإنسان على صورتنا، كشبهنا (تك 1:26)، ولكن الفعل اتبع الكلمة؛ لأنه، إذ أخذ التراب من الأرض، خلق الإنسان منه، بما يتوافق مع صورته وشبهه، ونفخ فيه نسمة الحياة، حتى صار آدم نفسا حية". ما يقوله إسكندر السكندري هنا هو عكس ما ادعاه الفلاسفة اليونانيون الماديون بأن الإنسان مجرد جسم مادي تكوّن عن طريق اتحاد الذرات معا بفعل الصدفة، ولكنه صنعة يد الخالق والمصمم الإلهي، وصورته وشبهه لأنه نفخ في أنفه نسمة حياة. [16]

طبعا كان هناك من الآباء من لم يعتقد بحرفية الأيام الستة، لكن من الناحية الأخرى كان هناك كثيرون علموا بحرفيتها وتاريخيتها. فمثلا يقول ثيؤفيلوس الأنطاكي (القرن الثاني): "في اليوم الرابع، خَلَقَ الأجرام السماوية. وهذا لأن الله، الذي له سبق العلم، عرف حماقات الفلاسفة الباطلين. كان يعلم أنهم سيقولون أن الأشياء التي تنمو على الأرض تنتج من الأجرام السماوية. لأنه بهذه الطريقة، يستبعد الفلاسفة الله. لذلك، لكي يكون الحق جليا، خُلِقَتْ النباتات والبذور قبل الأجسام السماوية. لأن اللاحق لا يمكن أن يُنْتِجُ ما يسبقه". [17] فلم يكن عبثا أن الكتاب المقدس قال أن الشمس خُلِقَتْ في اليوم الرابع، أي بعد خلق النباتات، حتي يغلق الطريق على الفكر الوثني التطوري القائل بأن الشمس هي مصدر الحياة.

يؤكد باسيليوس الكبير (330 - 379 م.) بدوره على نفس السبب لخلق الشمس في اليوم الرابع: "وقال الله ليكن نور في السماء ليضيء على الأرض، ويفصل النهار من الليل. كانت السماء والأرض هما الأولان؛ من بعدهم خُلِقَ النور. وقد مُيِّزَ النهار عن الليل، ثم الجلد والعنصر الجاف [اليابسة]. تم تجميع المياه في الخزائن المخصصة لها، وعَرَضَتْ الأرض منتجاتها، فقد تسببت في إنبات أنواع كثيرة من الأعشاب وتزينت بكل أنواع النباتات. ومع ذلك، فإن الشمس والقمر لم يوجدا بعد، حتى لا ينظر أولئك الذين يعيشون في جهل الله إلى الشمس كأصل وأب النور، أو كصانع لكل ما ينمو خارج الأرض. هذا هو السبب في أنه كان هناك يوم رابعا، ثم قال الله: لتكن أنوار في جلد السماء". [18]

وعن حرفية أيام الخلق الستة، يقول إيريناؤس (115 - 202 م): "لأنه قيل: 'فصار مساء وصار صباح يوما واحدا'. والآن، ففي نفس اليوم الذي أكلوا فيه، ماتوا أيضًا". [19] والسؤال هنا، اليوم الذي أكل فيه آدم وحواء الثمرة المحرمة، هل كان يوما حرفيا، أم حقبة زمنية؟ طبعا لا يعقل أن يكون حقبة زمنية، فالأكل لا يحتاج إلى حقبة زمنية طويلة. وعليه فيوم الخلق كان أيضا يوما من أربعة وعشرون ساعة. 

يقول باسيليوس الكبير أيضا في موضع آخر: " 'وكان مساء وكان صباح يوما واحدا. لماذا قال 'واحدا' وليس 'أولاً'؟ . . . قال 'واحدا' لأنه كان يحدد مقياس النهار والليل .. بما أن أربع وعشرين ساعة تملأ مدة يوم واحد". [20] إذ فبحسب ما يرى باسيليوس الكبير فإن الكتاب قال "واحدا" وليس "أولا"، على خلاف باقي الأيام التي يقول عنها "ثانيا .. ثالثا .. (وهكذا)"، لأنه يؤسس لمعيار اليوم كفترة زمنية مكونة من تعاقب مساء وصباح فقط.

يؤكد أيضا أمبروسيوس (339 - 397 م.) على حرفية الأيام الستة للخلق: "أسس الكتاب المقدس قانونًا ينص على أن أربعة وعشرون ساعة، شاملة النهار والليل، تُعْطَى اسم يوم واحد فقط، كما لو أن طول أحد الأيام يبلغ أربع وعشرين ساعة .. تعتبر الليالي في هذا الحساب جزءًا مكوّنًا من الأيام التي يتم حسابها. لذلك، تمامًا كما توجد دورة واحدة من الوقت، فليس هناك سوى يوم واحد. هكذا خُلِقَا المساء والصباح. الكتاب المقدس عَيَّنَ مساحة اليوم والليلة، وبعد ذلك لا يقول اليوم ليلا ونهارا، لكنه يدعو كلاهما تحت اسم الأكثر أهمية: وهي العادة التي ستجدها في جميع أنحاء الكتاب المقدس". [21]

الآباء وعُمْر الخليقة

رغم أن هناك من الآباء من اعتقد برمزية أيام الخلق الستة، إلا أنهم لم يعتقدوا بملايين السنين. على العكس من ذلك، فقد اعتقد كل من أوريجانوس وأغسطينوس بأن الخليقة حدثت في لحظة. وهذا هو السبب الذي جعلهما يقومان بترميز أيام الخليقة الستة. ولكونهما من مدرسة الإسكندرية اللاهوتية التي تبنت الرمزية كمنهج لها في كل شيء. ضف الي ذلك، فإن أغسطينوس اعتبر أيام الخليقة غير حرفية لأنه كان يستعمل ترجمة لاتينية غير دقيقة فهم منها أن الله خلق اليوم، وليس كما يقول النص الأصلي: "في اليوم الذي خلق فيها الله السماوات والأرض". لهذا أراد أن يجعل الخلق حدثا لحظيا تم فيه كل ما قال عنه الكتاب أنه استغرق ستة أيام. ولكن يظل مع كل هذا أن لا أوريجانوس ولا أغسطينوس علّما بملايين السنين أو الأيام الحقيبة أو الخليقة التي استغرقت آلاف السنين. ورغم أن هناك من الفلاسفة الوثنيون من اعتنق فكرة الأزمنة السحيقة وعُمْر الكون الذي يرجع إلى حقب زمنية طويلة انقضت، إلا أن الآباء آمنوا بأن عمر الخليقة لم يتعدى العشرة آلاف سنة كحد أقصى.

يقول أيضا أوريجانوس: "إن سيلسوس، بسبب رغبة خفية في الإلقاء بالشكوك على السجل الموسوي للخليقة، والذي يعلّم بأن الخليقة لم تبلغ بعد عشرة آلاف عام، ولكن أقل من ذلك بكثير جدا، يصرح بموافقته لهؤلاء الذين يعتقدون أن العالم غير مخلوق". [22]

إيريناؤس أيضا يعتقد بخليقة حديثة العهد: "لأنه بقدر عدد الأيام التي صُنِعَ فيها هذا العالم، يجب أن ينتهي في عدة آلاف من السنين. ولهذا السبب يقول الكتاب المقدس: وهكذا أُكْمِلَتٍ السماء والأرض، وزينتهما. وختم الله أعماله التي صنعها في اليوم السادس؛ واستراح الله في اليوم السابع من جميع أعماله (تك 2: 2). هذا هو سرد للأشياء التي خُلِقَتْ سابقا، كما أنها نبوءة لما هو آت. لأن يوم الرب هو ألف سنة (2 بط 3: 8)، وفي ستة أيام اكتملت الأشياء المخلوقة: من الواضح، إذن، أنها ستنتهي في الألف السادسة". [23] لاحظ معي عدة أشياء هنا. أولا كان إيريناؤس يعتقد أن الأيام الستة حرفية ولكن لها تطبيق نبوي رمزي في نفس الوقت. ثانيا عمر المخلوقات في أقصاها هو ستة آلاف سنة. ثالثا أن ما دونه موسى هو "سرد" أو سجل تاريخي وليس قصة خيالية تحوي معاني رمزية فقط.

لاكتانتيوس يرى نفس الشئ أيضا، وهو أن الأيام حرفية لكنها في نفس الوقت تشير نبويا ورمزيا إلى أحداث النهاية وعمر الخليقة: "لذلك، دع الفلاسفة، الذين يعددون آلاف الحقب الزمنية من بداية العالم، يعرفون أن الستة آلاف سنة لم تكتمل بعد .. لذلك، بما أن جميع أعمال الله قد اكتملت في ستة أيام، يجب على العالم أن يستمر في حالته الحالية عبر ستة حقب، أي ستة آلاف سنة. لأن يوم الله العظيم محدد بدائرة من ألف سنة، كما يوضح النبي القائل: ألف سنة في عينيك يا رب كيوم واحد". [24]

ثيؤفيلوس أيضا: "كل السنوات منذ إنشاء العالم [حتى يوم ثيؤفيلوس] تبلغ مجموع 6969 سنة والأشهر والأيام الناقصة .. [حتى] إذا ارتكبنا خطأً زمنياً، على سبيل المثال، من 50 أو 100 أو حتى 200 عام، ومع ذلك [لم يكن] هناك آلاف وعشرات الآلاف، كما كتب أفلاطون وأبولونيوس وغيرهم من المؤلفين الكاذبين حتى الآن". [25]

وآخر مثال نسوقه من الآباء على الاعتقاد بخليقة حديثة العهد هو هيپوليتوس (170 - 236 م.): "ويجب أن تتحقق ستة آلاف سنة ... 'لأن يوم لدى الرب كألف سنة'. وبما أنه في ستة أيام صنع الله كل شيء، إذن، يستتبع ذلك أنه يجب أن تتم ٦٠٠٠ سنة [للخليقة]. ولكن [مدة] الستة آلاف سنة لم تتحقق بعد". [26]

آمن فيكتورينوس (ما بعد 363 م.) بسرعة الخلق، أي حرفية الأيام الستة: "بالنسبة لي، وأنا أتأمل وأتمعن في عقلي بخصوص خلق هذا العالم الذي يحيط بنا، حتى مع سرعة هذا الخلق؛ كما ورد في كتاب موسى الذي كتبه عن الخليقة، والذي يسمى سفر التكوين. أنتج الله تلك الكتلة بأكملها لتزيين جلاله في ستة أيام". [27]

أخيرا وليس آخرا، ذكر ميثوديوس (311 م.) ما معناه أن البعض عامل سفر التكوين برمزية شديدة لدرجة احتقار المعني الحرفي بالكامل. ولكنه يرى أنه لا مانع من التطبيق الرمزي، شريطة ألا يبطل ذلك المعنى التاريخي الحرفي والأساسي لسفر التكوين: "إنه لأمر خطير أن تحتقر بالكامل المعنى الحرفي .. ولا سيما لسفر التكوين، والذي فيه تُرْسَىَ أحكام الله غير المتغيرة لتأسيس الكون". [28]

بناء على كل ما سبق، فالتطور بمعناه العام، أي الأصل غير العضوي والمشترك لجميع الكائنات الحية، هو فلسفة وثنية إلحادية قديمة. أراد بها قدماء اليونان الإستغناء عن فكرة الإله الخالق المصمم والمتسلط والمعتني بخليقته. فنسبوا وجود الكائنات الحية بتعقيدها ووظائف أعضائها المتميزة إلى اجتماع واتحاد الذرات على سبيل الصدفة المحضة. وأن الإنسان لا يختلف عن الحيوان، فقد كان غير قادر على الكلام بداية ولكنه استطاع عن طريق الصدفة أيضا، أن يصبح قادر على المحادثة. وظل الإنسان مجرد جسم لا روح له، وفي ذلك لا يختلف عن الحيوانات. فهو في أفضل حالاته حيوان أكثر تطورا. إلا أن الآباء فطنوا لهذه المحاولة الوثنية الإلحادية ولم يحاولوا أن يدمجوا بين هذا الفكر الوثني القديم، الذي كان ولا يزال غرضه الإطاحة بفكرة الخالق من أساسها، وبين أحداث الخلق بحسب سفر التكوين، والتي تعلّم بالإله الخالق والمصمم والمعتنى بخليقته. 

لعل يكون في التاريخ درسا لنا! 



[1] Kerkut, G.A., Implications of Evolution, Pergamon, Oxford, UK, p. 157, 1960
[2] Clarke, Adam, Commentary on Acts 17:26
[3] مجدي عبد الحافظ، فكرة التطور عند فلاسفة الإسلام، ترجمة هدى كشرود (المشروع القومي للترجمة) (الطبعة الأولى 2005) ص 24 - 27.
[4] Durant, Will, The Story Of Civilization, The Lif of Greece, Vol. 2, New York: Simon & Schuster, p530
[5] Batten, Don, David Catchpoole, Jonathan D. Sarfati, and Carl Wieland. The Creation Answers Book, Powder Springs, GA: Creation Book Publishers, p30, 2014
[6] Justin Martyr, On the Resurrection, 6
[7] Origen, Principles, 2.4
[8] Origen, Against Celsus, 4.75
[9] Origen, Against Celsus, 4.86
[10] Dionysius of Alexandria, Nature, 1-2
[11] Dionysius of Alexandria,Nature, 4
[12] Lactantuis, On The Wrokmanship of God, 6
[13] Lactantuis, Divine Institutes, 6.10
[14] Lactantuis, Divine Institutes, 2.11
[15] Lactantius, Divine Institutes, 6.10
[16] Alexander of Alexandria, On the Soul and Body and the Passion of the Lord, 5.2
[17] Theophilus of Antioch, Autolycus 2.15
[18] Basil, Homily 6.2
[19] Irenaeus, Against Heresies, 5.23.2
[20] Basil The Great, The Six Days Work 1:1–2
[21] Ambrose, Hexaemeron 1.10.3–7
[22] Origen, Against Celsus, 1.19
[23] Irenaeus, Against Heresies, 5.28.3
[24] Lactantuis, Divine Institutes 7.14
[25]Theophilus of Antioch, Autolycus, 3.28-29
[26] Hippolytus, Exegetical Fragments, On Daniel, 2nd Fragment, Of The Vision, 4
[27] Victorinus, On The Creation of the World
[28] Methodius, Banquet of the Ten Virgins, 3.2





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس