إشكاليات الكفارة الأرمينية العالمية


بقلم د. جويل بيكي
مترجم عن الإنجليزية

تعتبر النظرة الأرمينية إلى حد بعيد الأكثر شعبية من بين وجهات النظر الأربعة للكفارة في الكنيسة المسيحية اليوم. ومع ذلك، ثمة اعتراضات خطيرة ينبغي تسجيلها ضد الخلاص الأرميني العالمي، من بينها:

أولا، الأرمينية تشوه صفات الله

إنها تشوه صفات الله مثل محبته. تقدم الأرمينية محبة لا تخلِّص على أرض الواقع. إنها محبة تحب ثم إذا رفضت تتحول إلى كراهية وغضب. إنها ليست محبة غير متغيرة من دور إلى دور. إنها توفر الكفارة للجميع، لكنها تحجب بعد ذلك وسائط النعمة التي تجعل هذا الخلاص فعالاً في جميع أشكال الحياة. هل علينا تصديق أن المسيح مات من أجل الجميع في عمق الأدغال وفي أحلك المدن، لكن محبته لا توفر المرسلين أو الوعاظ أو العظات التي تجعل موته أمرًا فعالاً؟

ثانيًا، الأرمينية تُشَوِّه حكمة الله

لماذا يضع الله خطة لخلاص الجميع، ثم لا ينفذها؟ هل سيكون من الحماقة لدرجة أن يدفع ابنه ثمن خلاص الجميع إذا عَلِمَ أن المسيح لن يتمكن من الحصول على ما قد دفع ثمنه؟ يقول البعض إنه لم يدرك العواقب. لقد رأى ما يكفي لتوفير الكفارة، لكنه لم يستطع رؤية أن البعض لن يأخذها. ألا يشوه هذا الإدعاء حكمة الله؟ هل يمكن أن يخطط الله ويوفر الله الكفارة، دون أن يدرك أن كفارته لن تُقبل؟

سأشعر بالحماقة إذا ذهبت إلى متجر واشتريت شيئًا، ثم خرجت بدونه. ومع ذلك، فإن الأرمينيون يطلبون منا أن نصدق أن هذا ينطبق على الخلاص، أن هناك عملية شراء تم إجراؤها، وفداء، ومع ذلك غادر الرب بدون أولئك الذين فداهم. هذه النظرة تشوه حكمة الله.

ثالثًا، الأرمينية تُشَوِّه قوة الله

تلزمنا الكفارة العالمية الأرمينية بالاعتقاد بأن الله كان قادرًا على تحقيق الجانب الاستحقاقي في الخلاص، لكن الجانب التطبيقي يعتمد على الإنسان وإرادته الحرة. إن الأرمينية تطلب منا أن نؤمن بأن الله قد عمل على خلاص الجميع إلى حد معين، ولكن ليس أبعد من ذلك لأي شخص. المعنى الضمني لذلك هو أن الله قد بنى جسر الخلاص بيننا وبينه، وما علينا إلا أن نسير عليه بقبول شروطه للخلاص من خلال عمل إرادتنا الحر. يقول الأرمينيون: "الله يقوم بدوره، والآن يجب أن نقوم نحن بدورنا".

يرد الكالفينيون على ذلك بالقول إن هذا يجعل الخلاص معتمدًا على إرادة البشر، مما يقلل من الله وقدرته. بدلًا من مجيئنا إلى الله بأيدينا اليابسة قائلين: 'إن أردت، تقدر أن تجعلنا كاملين'، فإن هذه النظرة الأرمينية ترى الله وقد أتى بيد يابسة، يد ليست قوية بما يكفي لخلاص الجميع، يد قائلة: "إن أردت، يمكنك إكمال هذا الخلاص؛ يمكنك أن تجعلني كاملاً. "من حيث الجوهر، غالبًا ما تتخذ العظات الإنجيلية الحديثة مثل هذا النهج:" لقد فعل الله الكثير، لكنه يحتاجك لإكمال المهمة ". ألا تؤدي طريقة التفكير هذه إلى تشويه قوة الله الكافية؟ إنها تجعل الله معتمدًا على إرادة الإنسان.

رابعًا، الأرمينية تُشَوِّه عدل الله

هل استرضى المسيح عدل الله من أجل الجميع؟ هل أخذ المسيح العقاب المُسْتَحَقّ على الجميع؟ إذا كان قد فعل ذلك فكيف يمكن أن يعاقب الله أحدًا؟ هل من العدل معاقبة شخص على خطايا آخر ثم معاقبة الجاني الأصلي مرة أخرى؟ كما قال أوغسطس توبلادي:

ثمن لا يطالبنا به الله مرتين،
من يد البديل النازفة أولاً،
ثم مرة أخرى من يدي أنا.

لا يقدر الله ولن يطالب بالثمن مرتين. العقوبة المزدوجة هي ظلمًا.

خامسًا، الأرمينية تعطل ألوهية المسيح

المُخَلِّص المهزوم ليس الله. يُعَلِّم هذا الخطأ الأرميني بأن المسيح حاول تخليص الجميع ولكنه لم ينجح. إنه ينكر قوة وفعالية دم المسيح، بما أنه لم يَخْلُص جميع الذين مات من أجلهم. ترتيبًا على ذلك، فإن دم المسيح قد أُهْدِرَ بسفكه على يهوذا وعيسو. وأن الكثير من مخاضه ودموعه ودمه قد أريق عبثًا. بعبارة أخرى، فهو لن يرى من تعب نفسه ويشبع (إشعياء 53 : 11) نيابة عن الكثيرين الذين مات من أجلهم. سيكون هناك العديد من حالات الإجهاض - أولئك الذين جاهد معهم بروحه ولكنهم لن يخلصوا في النهاية. ألا تجعل هذه الهزيمة المسيح أقل من الله؟ لا عجب أن أطلق تشارلز هـ. سبورجون على هذه العقيدة  "وحشية". 1

سادسًا، الأرمينية تقوض وحدة الثالوث

تمامًا كما يجب على الوالدين العمل معًا لإدارة الأسرة بشكل فعال، كذلك يعمل الثالوث معًا في كل أقانيمه بأهداف وأغراض متطابقة. لا يمكن لأي أقنوم أن يفكر في خلاص البعض، بينما هناك أقنوم آخر لم يقرر خلاصهم، لكن الكفارة الأرمينية العالمية تعلم ذلك ضمنيًا. إنها تنكر الاختيار السيادي للآب، لأن المسيح كان سيموت لأكثر مما عَيَّن الله أن يخلصهم، وهكذا تجعل المسيح يبدو وكأنه لديه أجندة مختلفة عن أجندة الآب. لو صَحَّ ذلك، لكان أناثيما بالنسبة إلى يسوع، الذي أكد أن خدمته الفدائية بأكملها كانت مصممة بوعي لتنفيذ خطة مرتبة إلهياً (يوحنا 6 : 38 - 39). كتب تي جيه كرافورد:

نشأت الكفارة من محبة الله. إنها نتيجة وليس سبب رغبة الله في خلاص الخطاة. في ضوء ذلك، يحرص المُخَلِّصُ نفسه على تقديمها. بدلاً من أن يَنْسِبُ إلى أبيه كل الصرامة والشِّدَّة، وفي نفس الوقت ناسبًا إلى نفسه  كل الحنان والرحمة، فإنه يبذل جهدًا خاصًا ليؤثر فينا بالتأكد على أن الغرض من إرساليته هو إعلان الرسالة المُحِبَّة وتنفيذ الإرادة المُحِبَّة لأبيه الذي في السماء. 2

في الكفارة، نحن لا نهرب من الآب، بصفته قاضيًا صارمًا على استعداد ليديننا، إلى الابن الذي هو ألطف من الآب. بل بالأحرى، لدينا في الكفارة طريقًا للركض إلى الآب والراحة فيه، من أجل المسيح، الطريق التي يركض بها الطفل إلى حضن أبيه ويستريح فيه.

أيضًا، وعلى ما يبدو، يفصل الفداء الأرميني المسيح [الفادي] عن المسيح [الكاهن]. تصر الكالفينية على أنه يجب أن يُنظر إلى عمل المسيح الكهنوتي بأكمله على أنه وحدة متناغمة. فداؤه بالموت الكفاري وشفاعته الكهنوتية يحتلان نفس المساحة. يا له من تناقض لفظي القول بأن المسيح مات من أجل الجميع ولكنه يشفع في البعض فقط (يوحنا 17 : 2 ، 4 ، 6 ، 9 ، 12 ، 20 ، 24).

أخيرًا، يتنصل الفداء الأرميني من خدمة الروح القدس الخلاصية، بما أنه يدعي أن لدم المسيح تطبيق أوسع من تطبيق الروح القدس الخلاصي. أي تقديم للخلاص يجعل عمل الآب أو عمل الروح في الخلاص يتأخر عن عمل المسيح يتناقض مع الوحدة المتأصلة في الثالوث. الآب والابن واحد. الروح والابن واحد. لا يمكن أن يكون المسيح قد مات من أجل أولئك الذين لم يقرر الآب خلاصهم والذين لا يعمل الروح القدس فيهم. لا يمكن أن يكون الله على خلاف مع نفسه. الكفارة الأرمينية هي  كفارة عالمية غير متسقة.

سابعًا، الكفارة الأرمينية العالمية ترفض كل النقاط الأخرى للكالفينية

 ترفض النظرة الأرمينية للكفارة عقيدة فساد الإنسان التام، وتعلِّم بأن الإنسان لديه القدرة في ذاته على أن يأخذ المسيح ويقبله. ترفض الاختيار غير المشروط، وتعلِّم بأن الله يختار على أساس الإيمان الذي سبق ورآه. إنها ترفض النعمة التي لا تقاوم، وتعلِّم بأن إرادة الإنسان أقوى من إرادة الله. إنها ترفض ثبات القديسين، وتعلِّم بأن الإنسان يمكن أن يرتد عن الإيمان. يقول جي آي باكر:

"لا يمكن المبالغة في التأكيد على أننا لم نرى المعنى الكامل للصليب إلا عندما نكون قد رأينا أنه مركز الإنجيل، في جانبه الواحد يوجد العجز التام والاختيار غير المشروط وفي جانبه الآخر النعمة التي لا تقاوم والضمان الأبدي". 3

ثامنًا، الكفارة الأرمينية العالمية تسلب مجد الله

إذا عمل الله كل شيء في الخلاص ، فإنه يحصل على كل المجد. لكن إذا كان الله يستطيع أن يفعل الكثير فقط وليس كل شيء، فإن الشخص الذي يكمل الجسر يحصل على بعض المجد على الأقل. لهذا السبب يوجد الكثير من التركيز في الحملات الكرازية على الإرادة الحرة للإنسان. إنه، بناء على ذلك، لا يُمَجَّدُ الله، ولا يُمَجَّد المسيح من أجل توفيره للخلاص التام والكامل. نُخْبَرُ عن الإرادة الحرة للإنسان، والتي بدونها لا يمكن تنفيذ الخلاص. يُقال لنا أن نمارس إرادتنا الحرة دون أن يُقال لنا أن هذه الإرادة مستعبدة بسبب طبيعتنا الفاسدة. لكننا لا يمكننا أن نختار الله والخلاص بحرية من تلقاء أنفسنا. لا يمكننا إكمال الجسر. لهذا يكمل الله الجسر، كما قيل لنا في 1 كورنثوس 1 : 18 - 31، حتى "لكي لا يفتخر كل ذي جسد أمامه". الكفارة العالمية تمجّد إرادة الإنسان وتحط من مجد الله.

تاسعًا، الكفارة الأرمينية العالمية تقوض الشكر واليقين

لماذا أشكر الله على شيء حققته أنا؟ إذا لم يفعل الرب يسوع من أجلي أكثر مما فعل ليهوذا وسكان سدوم، فلماذا أشكره ولا أشكر نفسي؟ وإذا كان هناك من مات المسيح من أجلهم وهم اليوم في الجحيم، فكيف لي أن أتأكد من أن الكفارة ستكفر عني؟

عاشرًا، الكفارة الأرمينية العالمية تفسد الكرازة

نسمع اليوم مرارًا وتكرارًا في الرسائل الكرازية: "المسيح مات من أجلك. فماذا ستفعل من أجله؟" ولكن هل نجد في الكتاب المقدس أن شخصًا ما قيل له شخصيًا:"المسيح مات من أجلك"؟ بل بالأحرى، نجد شرح عمل المسيح، متبوعًا بدعوة للجميع: "توبوا وآمنوا بالإنجيل". الرسالة ليست "آمن أن المسيح مات من أجلك" أو "آمن أنك من المختارين". إنها: "آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص".

حادي عشر، الكفارة الأرمينية العالمية تنتقص من الفعالية اللصيقة بالكفارة نفسها

يعلّم الأرمينيون أن عمل المسيح يحث الآب على أن يتقبل متعطفًا ما أنجزه يسوع في مقابل الإسترضاء الكامل لعدله. يبدو الأمر كما لو أن يسوع أقنع أبيه بقبول شيء أقل من العدالة المطلوبة. لهذا السبب ادعى أرمينيوس أنه عندما خلص الله الخطاة، انتقل من عرش عدله إلى عرش نعمته. ولكن ليس لله عرشان. فعرش عدله هو نفسه عرش نعمته (مز 85 : 19). نسيت الأرمينية أن الكفارة لا تكسب محبة الله بل هي تدبير محبته. في هذا التدبير دفع المسيح الثمن الكامل للعدالة. لم يسدد دفعة أولى على الدين المستحق؛ بل دفع الثمن الكامل للخطية حتى يتمكن الآب كقاضي من إلغاء الدين (عبرانيين 10: 14-18).

الأرمينية، إذن، هي في نهاية المطاف كفارة عالمية غير متسقة، كما أوضح جون أوين بقوة في كتابه "استعراض الأرمينية" A Display of Arminianism . يشرح أوين مغالطة النظرة الأرمينية للتصميم الإلهي للكفارة على النحو التالي:

أنزل الله سخطه، وكابد المسيح آلام الجحيم، إما لأجل جميع خطايا جميع الناس، أو لأجل جميع خطايا بعض الناس، أو بعض خطايا جميع الناس. إذا كانت الأخيرة، أي بعض خطايا جميع البشر، فلدى جميع البشر خطايا لِيُسَائَلُوا عنها، وبالتالي لن يخلص أي إنسان. إذا كانة الثانية، وهذا ما نؤكده، أن المسيح، عوضًا عن، وفي مكان [المختارين]، تألم من أجل جميع خطايا المختارين في العالم. إذا كانت الأولى، فلماذا إذن لم يتحرر الجميع من عقاب جميع خطاياهم؟ ستقول: "بسبب عدم إيمانهم، إنهم لا يريدون أن يؤمنوا". ولكن عدم الإيمان هذا، أهو خطية أم لا؟ إذا لم يكن كذلك، فلماذا يُعاقبون عليه؟ إذا كان الأمر كذلك، فإما أن يكون المسيح قد تألم من أجل العقاب المستحق على الخطايا أم لا. إذا كان الأمر كذلك، فلماذا يعيقهم ذلك أكثر من خطاياهم الأخرى التي مات من أجلها من خلال تناول ثمر موته؟ وإن لم يكن قد فعل ذلك، فهو لم يمت من أجل جميع خطاياهم. 4

 

 

1.       Autobiography, Volume 1: The Early Years (Edinburgh: Banner of Truth, 1962), p. 172. This chapter from The Early Years is also available in booklet form from the Trust, A Defence of Calvinism.

2.       The Doctrine of Holy Scripture Respecting the Atonement (Grand Rapids: Baker, 1954), p. 192. My heartfelt thanks to David Murray for several thoughts contained in this article.

3.       Quoted in John Blanchard, The Complete Gathered Gold (Darlington, England: Evangelical Press, 2006), p. 35; cf. Ronald Cammenga and Ronald Hanko, Saved by Grace: A Study of the Five Points of Calvinism2nd ed. (Grandville, Mich.: Reformed Free Publishing Association, 2002), pp. 122-123.

4.       The Works of John Owen, Volume 10 (Edinburgh: Banner of Truth, 1967), pp. 173-4.

 

تعليقات

  1. إيه رأي حضرتك في تعليم القسيس سامح موريس في "مدرسة المسيح"؟

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس