تفنيد حلقة الدكتور ماهر صموئيل حول إعتقاده بعالمية الخلاص (يونيفيرساليزم)


طبعًا الدكتور ماهر صموئيل يحاول استغفالنا طيلة الربع ساعة لكي ينفي عن نفسه هذا التعليم. إلا أنه قطعًا يؤمن بعالمية الخلاص Universalism ويروج لها. فقد قال أن رابعة العدوية المسلمة المتصوفة وُلدت الولادة الثانية (الحلقة الأولى من سلسلة الله في الأدب العربي). وقال أن قدماء المصريين أول من عرف الله وآمن باليوم الآخر (مقال التدين الشكلي والتشوه النفسي على مدونته). وادعى أن أي تائب في أي دين سيخلص حتى ولو لم يدرك التعليم المسيحي (في لقاءه مع القس خالد غبريال). وتساءل في أحد لقاءاته مع أ. يوسف يعقوب ما المانع أن تكون فترة العقوبة في جهنم مؤقتة. وفي حديثه بعنوان "سرانية الصليب" رَوَّج لكتاب القسيسة الليبرالية فليمنج روتلدج التي تعلّم بعالمية الخلاص وأن الشيطان نفسه سيخلص في النهاية واصفًا كتابها بأنه كتاب "محترم جدًا جدًا".

فضلاً عن كل ما سبق، في هذا الفيديو الحديث الذي يرد فيه على سؤال مرسل له إن كان يؤمن بعالمية الخلاص، يطعن الدكتور ماهر صموئيل في أول جملة له في وحدة مفهوم الخلاص في العهدين. وكنا قد رأينا في حلقته الأولى عن الإختيار، كيف أنه حاول تفكيك العلاقة بين الخلاص والنجاة من الهلاك من ناحية، وبين الخلاص والإختيار من ناحية أخرى. في هذا الفيديو الخطير يحاول مجددًا تفكيك العلاقة بين مفهوم الخلاص في العهد القديم ومفهوم الخلاص في العهد الجديد. نفس المنهج التفكيكي الليبرالي الذي يسعي إلى هدم الترابط والوحدة التعليمية في الكتاب المقدس والإتساق اللاهوتي فيه. يقول الدكتور ماهر صموئيل:

"ما هو مفهوم الخلاص في العهد القديم؟ ليس هو مفهوم الخلاص اللي بيتكلم عنه الرسول بولس اللي بيقول بالنعمة أنتم مخلصون".

طبعًا هذا افتراء خطير يهدم الوحدة العضوية في مفهوم الخلاص بين العهدين. لكن بعض الآيات من العهد الجديد تدحض هذا الإدعاء تمامًا. يقول بطرس الرسول "الخلاص الذي فتش وبحث عنه أنبياء، الذين تنبأوا عن النعمة التي لأجلكم، باحثين أي وقت أو ما الوقت الذي كان يدل عليه روح المسيح الذي فيهم، إذ سبق فشهد للآلام التي للمسيح والأمجاد التي بعدها" (1 بط 1 : 10 – 11). لاحظ أنه نفس مفهوم الخلاص، لكن الأنبياء بحثوا عن وقت إتمامه. وأنهم توقعوا مجيء المسيا متألمًا ثم ممجدًا. روح المسيح الذي فيهم، شهد لعمل المسيح المسقبلي، من خلال آلامه وأمجاده. وإن لم يكن المفهوم لديهم بنفس الوضوح والمجد الذي لدينا، إلا أنه مفهوم واحد: مجيء المسيا متألمًا ثم ممجدًا. إن الفرق بين مؤمني العهد القديم ومؤمني العهد الجديد هو أن المجموعة الأولى (قبل تجسد المسيح) تطلعت مستقبلاً إلى الوعد بمجيء المسيا متألمًا ثم ممجدًا، بينما تنظر المجموعة الثانية (بعد التجسد) تاريخيًا إلى الوراء لترى الوعد متحققًا بالفعل في يسوع المسيا متألمًا منتظرين مع قديسي العهد القديم مجيء المسيا ممجدًا.

يُعَلِّم بولس الرسول أيضًا بأن مفهوم التبرير واحدًا في العهدين. التبرير الذي وصفه المصلحون العظماء بأنه التعليم الذي تقوم أو تسقط عليه الكنيسة نظرًا لمكانته المركزية في الحق الكتابي وفي المنهج المصلح. يقول بولس أن إبراهيم، في ظل التدير (أو العهد) الذي عاش فيه، وداود في ظل التدبير (أو العهد) الذي عاش فيه، كلاهما تبررا بالإيمان نفس التبرير الذي يتبرر به المؤمن في العهد الجديد: "لأنه ماذا يقول الكتاب؟ فآمن إبراهيم بالله فحسب له برًا .. كما يقول داود أيضًا في تطويب الإنسان الذي يحسب الله له برًا بدون أعمال: طوبى للذين غفرت آثامهم وسترت وغفرت خطاياهم، طوبى لرجل لا يحسب له الرب خطية" (رو 4 : 3 – 8). نفس التبرير الذي تبرر به إبراهيم قبل أن يختتن وقبل الناموس بخمسة قرون تقريبًا، هو نفس التبرير الذي تبرر به داود المختتن الذي عاش تحت الناموس، هو نفس التبرير الذي نتبرر به نحن الأمم الآن. ليس فقط أن التبرير واحدًا في العهدين، بل إن واسطة التبرير أيضًا واحدة: الإيمان. فنفس الإيمان الذي آمنه إبراهيم وداود هو نفس الإيمان الذي نمارسه نحن الآن. تبرير واحد وإيمان واحد في المخلص الواحد: المسيا يسوع موعودًا به ثم متجسدًا محققًا للوعد.

كيف لا يكون مفهوم الخلاص في العهدين واحدًا، وهو نفس الإله ونفس الإنسان عبر العصور؟ نفس الإله كلي البر الذي يكره الخطية، ونفس الإنسان الفاسد جذريًا المتعدي على ناموس الله. إن لم يكن هذا المفهوم الجوهري موجودًا في كلا العهدين، فالعهد الجديد إذًا جاء بشيء لم يعلمه العهد القديم. يقول العهد القديم: "لأن نفس الجسد هي في الدم فأنا أعطيتكم إياه على المذبج للتكفير عن نفوسكم، لأن الدم يكفر عن النفس" (لا 17 : 11). لهذا جاء قول كاتب العبرانيين ليؤكد على هذا الحق أيضًا في ظل العهد الجديد: "وكل شيء تقريبًا يتطهر حسب الناموس بالدم، وبدون سفك دم لا تحصل مغفرة" (عب 9 : 22). هو نفس الإله القدوس البار الذي لم يستطع أن يسكن مع الإنسان الشرير في جنة واحدة فطرده منها مُقَدِّمًا له القميص الجلد المصنوع من الذبيحة. وهو نفس الإله الذي لم يستطع أن يسكن مع إسرائيل إلا في ظل الذبائح وبسبب خيانتهم للعهد طردهم خارج جنتهم (أرض الموعد) في السببين الكبيرين وفي نفس الوقت واعدًا إياهم بالمسيا متألمًا ثم ممجدًا.

يقول الدكتور ماهر صموئيل في نفس الحلقة التي يجيب فيها عما إذا كان يؤمن بعالمية الخلاص:

"في العهد القديم، لدينا، مجازًا، ملايين، مئات الآلاف، على مر آلاف السنين، في كل بقاع الأرض، أناس عرفوا الله، ونجوا من الهلاك، ودخلوا في علاقة مع الله. ورؤيتي أن جميع هؤلاء، الله صفح لهم عن خطاياهم، وغفر لهم خطاياهم. إن جاز ليّ أن أستعمل كلمة غفران، خليني أقول صفح عن خطاياهم، على أساس دم المسيح، وعلى أساس كفارة المسيح. ده رومية 3، من 21 لغاية 31، كلام قاطع. بيقول إن الله قدم المسيح كفارة، لإظهار بره، من أجل الصفح عن خطايا السالفين. يعني كان لابد أن المسيح" وهنا يقاطعه أ. يوسف يعقوب قائلاً "رغم إن هما ما كنوش يعرفوه" فيجيبه ماهر صموئيل مصادقًا على قوله "ماكنوش يعرفوه". ثم بعد أن يؤكد الدكتور ماهر مجددًا أن من سبق وخلص قبل مجيء المسيح خلص بناء على عمله الكفاري يقول: "بس السؤال بقى: هما كانوا يعرفوا المسيح زي ماحنا نعرفه؟" فيجيب كل من يوسف يعقوب وماهر صموئيل في نفس واحد قائلان "لأ". ثم يكمل الدكتور ماهر: "خالص، ولا يعرفوا إسمه حتى، مايعرفوش يسوع، مايعرفوش إسم المسيح .. يعني مثلاً هل أيوب كان يعرف إسم المسيح وبيقوله: يا يسوع المسيح خلصني من خطاياي؟ أو بلدد الشوحي أو صوفر أو راعوث الموآبية أو هؤلاء الناس؟ كانوا يعرفون المحتوى الإنجيلي الذي نعرفه نحن اليوم؟ كلا .. لكن هل الناس دول خلصوا؟ نعم خلصوا. على أي أساس؟ على أساس ذبيحة يسوع المسيح التي بدونها لا خلاص".

من أين أتى الدكتور ماهر بأن هناك الملايين في كل بقاع الأرض على مر آلاف السنين عرفوا الله ونجوا من الهلاك ودخلوا في علاقة مع الله قبل مجيء المسيح؟ هل هذا الكلام في الكتاب المقدس؟ طبعًا هذا مجرد افتراض محض من طرفه ليس هناك ما يدعمه من كلمة الله. بل يوجد في كلمة الله ما يؤكد عكس ذلك.

قُل لنا مثلاً كام واحد خلص أثناء المئة والعشرون سنة السابقة للطوفان (وتكون أيامه مئة وعشرين) الذي يقول عنه "خلص قليلون أي ثماني أنفس بالماء"؟ (1 بط 3 : 20). قرن وربع من الزمان لم يخلص فيهم سوى ثماني أنفس! قُل لنا كام واحد خلص أثناء الخروج (طيلة تيهان الأربعون سنة) الذي يقول عنه الكتاب "بأكثرهم لم يسر الله"؟ (1 كو 10 : 5). ألم يتسم تاريخ إسرائيل العام نفسه بعبادة الأوثان ومن ثم إرسالهم إلى السبيين (الآشوري والبابلي) بواسطة الرب كعقاب على خيانتهم العهدية وزناهم الروحي؟ بل لولا أن الرب أبقى لنفسه بقية لصار اليهود أنفسهم مثل سدوم وشابهوا عمورة (إش 1 : 9 ، رو 9 : 29).

 قُل لنا، قبل مجيء المسيح، هل وُجد لدى الأمم الوثنية أي إعلان عن يهوه، تلك الشعوب التي يقول عنها الكتاب المقدس أنها كانت تعبد الشياطين المتخفية في صورة آلهة وثنية (1 كو 10 : 21، رؤ 9 : 20)؟ هل تاب أي شعب وثني، قبل مجيء المسيح، بدون كرازة أو إعلان من اليهود؟ لماذا أرسل الله يونان اليهودي إلى نينوى لكي يكرز لهم؟ كيف يخلص الوثنيون الذين يعبدون الشياطين كما يقول الكتاب بدون إعلان من اليهود لهم؟ لم يقل الرب يسوع نفسه عبثًا أن "الخلاص هو من (عند) اليهود" (يو 4 : 22)، حتى أن السامريون أنفسهم كانوا يحتاجون لكرازة اليهود "أنتم تسجدون لما لستم تعلمون، أما نحن فنسجد لما نعلم". لهذا تنبأ أنبياء الرب على الأمم (بابل وآشور ومصر) لكي يتوبوا ويرجعوا إلى الرب ولكن لأنهم لم يرجعوا أرسل الله عليهم دينونته. ألم يقل الرب يسوع أن قليلون هم الذين سيجدون الباب؟

الفكرة في كل ذلك هو أن الدكتور ماهر صموئيل يفترض صلاح الإنسان، وأن الإنسان يبحث عن الله ويريده. وهذا عكس تعليم الكتاب بكلا عهديه بأنه "ليس من يطلب الله" (مز 2 : 14 ، رو 3 : 11).

يقول الدكتور ماهر عن البشر قبل مجيء المسيح: "ماكنوش يعرفوه" .. مين هما اللي ماكنوش يعرفوه؟ اليهود؟ لاشك أن كلامك خاطيء جدًا. الرب يسوع المسيح قال: "أبوكم إبراهيم تهلل بأن يرى يومي فرأى وفرح" (يو 8 : 56). داود نفسه قَصّ علينا ما قاله الله الآب لله الإبن: "قال الرب لربي: اجلس عني يميني حتى أضع أعدائك موطئًا لقدميك" (مت 22 : 44). يقول بطرس أيضًا عن داود: "فإذ كان نبيًا، وعلم أن الله حلف له بقسم أنه من ثمرة صلبه يقيم المسيح حسب الجسد ليجلس على كرسيه، سبق فرأى وتكلم عن قيامة المسيح، أنه لم تترك نفسه في الهاوية ولا رأى جسده فسادًا" (أع 2 : 30 – 31). لاحظ أن داود تلقى حلف من الله بأنه سيقيم المسيح من ثمرة صلبه، وأنه سبق فرأى وتكلم عن قيامة المسيح، وهذا يعني أنه لم يكن يردد النبوات كالببغاوات بدون فهم، بل كان يعي معناها، متوقعًا وراجيًا مع جميع الأنبياء مجيء وقت وتحققها كما قال بطرس أيضًا (1 بط 1 : 11). وإلا فإن في هذا إهانة لداود إن لم يكن يعي معنى النبوات التي كان ينطق بها.

يقول الكتاب عن موسى أيضًا: "بالإيمان موسى لما كبر، أبى أن يدعى إبن إبنة فرعون مفضلاً بالأحرى أن يُذل مع شعب الله، على أن يكون له تمتع وقتي بالخطية، حاسبًا عار المسيح غنى أعظم من خزائن مصر، لأنه كان ينظر إلى المجازاة" (عب 11 : 24 – 26). كان موسى يعرف عن مجيء وآلام المسيا والعار الذي سيتحمله "لأنكم لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقونني، لأنه هو كتب عني" (يو 5 : 46). ليس من المعقول أن موسى كتب عن المسيح كالببغاء بدون فهم أو وعي. قطعًا لا، فهذا لا يليق به من الناحية الروحية كأعظم أنبياء إسرائيل، ولا من الناحية الإنسانية باعتباره أمير فرعوني تهذب بكل حكمة المصريين.

يوحنا يقول عن رؤيا إشعياء (ص 6) للرب عندما كان جالسًا وأذياله تملأ الهيكل "تكلم يسوع بهذا ثم مضى واختفى عنهم. ومع أنه كان قد صنع أمامهم آيات هذا عددها، لم يؤمنوا به، ليتم قول إشعياء النبي الذي قاله: يا رب من صدق خبرنا ولمن استعلنت ذراع الرب؟ لهذا لم يقدروا أن يؤمنوا. لأن إشعياء قال أيضًا: قد أعمى عيونهم، وأغلظ قلوبمه، لئلا يبصروا بعيونهم، ويشعروا بقلوبهم، ويرجعوا فأشفيهم. قال إشعياء هذا حين رأى مجده وتكلم عنه" (يو 8 : 36 – 41). لاحظ أن يوحنا ينسب رؤيا إشعياء في ص 6 للمسيح، أي أن من رآه إشعياء جالسًا وأذياله تملأ الهيكل كان المسيح شخصيًا قبل تجسده.

بل إن الشعب العاصي نفسه في البرية كانوا على دراية بالمسيح: "ولا نجرب المسيح كما جرب أيضًا أناس منهم، فأهلكتهم الحيات" (1 كو 10 : 9). يؤكد اسطفانوس أيضًا نفس الكلام: "ولما كملت أربعون سنة، ظهر له ملاك الرب في برية جبل سيناء، في لهيب نار عليقة .. صار إليه صوت الرب: أنا إله آبائك .. هذا هو موسى الذي قال لبني إسرائيل: نبيًا مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من إخوتكم. له تسمعون. هذا هو الذي كان في الكنيسة في البرية، مع الملاك الذي كان يكلمه في جبل سيناء، ومع آبائنا .. الذي لم يشأ آباؤنا أن يكونوا طائعين له" (أع 7 : 37 – 38). لاحظ أن الملاك الذي ظهر له في العليقة هو الذي قال له أنا الرب هو نفس الملاك الذي كان مع الكنيسة في البرية.

الظهورات المسيانية في العهد القديم (كريستوفوني)، والظهورات الإلهية (ثيوفوني)، كملاك الرب، وكرئيس جند الرب كانت جميعًا ظهورات للمسيا. ليس بالضرورة أن يكونوا قد عرفوه بإسم "يسوع" لكنه كان بالنسبة لهم المسيا المعلن ليهوه.

إن النظام اليهودي بطقوسه وذبائحه يشير بأكمله إلى عمل المسيا متألمًا ثم ممجدًا (كما يقول بطرس). يلخص إقرار الإيمان المعمداني المصلح لسنة 1689 هذه الحقيقة قائلاً: "لم يدفع المسيح ثمن الفداء في الواقع إلا بعد تجسده. ومع ذلك، فإن تأثيره وفاعليته وفائدته كانت تُنقل إلى المختارين في كل عصر منذ بداية العالم، في ومن خلال تلك الوعود والرموز والذبائح التي أعلنت عنه وأشارت إليه كالنسل التي سيسحق رأس الحية، وكالحمل المذبوح منذ تأسيس العالم. هو نفسه أمس واليوم وإلى الأبد".

كلمة أخيرة، بخصوص أيوب وأصدقاؤه وراعوث وغيرهم. طبعًا أيوب كان يقدم الذبائح، وراعوث تهودت وآمنت بإله اليهود ولاشك أنها قدمت ذبائح أيضًا. أما كل الذين لا نعرف عنهم كيف خلصوا، فهذا في حد ذاته لا يكفي للقول أنهم لم يعرفوا عن المسيا متألمًا ثم ممجدًا. فهذه مغالطة منطقية مؤسسة على الصمت أو غياب الدليل Argument form absence  . يوجد دليل في الكتاب المقدس مباشر أو غير مباشر، صريح أو غير صريح، بأن هناك في العهد القديم من خلص ولم يعرف عن المسيا. هناك حالات لا يوجد عنها تفاصيل. لكن لا يوجد أبدًا أدلة بأن أصحاب تلك الحالات آمنوا دون أن يسمعوا عن المسيا. وهكذا، فمن يدعي أن هناك من خلص دون أن يعرف عن المسيا متألمًا ثم ممجدًا يؤسس حجته على صمت الوحي في حالات معينة. وفي نفس الوقت فإن هذا الإدعاء يأتي كمخالفة صريحة لكل الأمثلة التي أوردناها أعلاه والتي تؤكد أن قديسو العهد القديم آمنوا بالمسيا متألمًا ثم ممجدًا.

يواصل الدكتور ماهر صموئيل حديثه عن الذين خلصوا في العهد القديم:

"هل نوعية البركات التي استمتعوا بها هي نفسها التي نستمتع بها نحن الآن؟ لأ. في امتيازات أعظم ترتبت على حدث جبار، حدث، وهو تجسد ابن الله، وإعلان السر اللي كان مكتوم، ونزول الروح القدس، وتكوين الكنيسة، وتكوين جسد المسيح، الكلام ده كله أعطانا اتساع في مفهوم الخلاص".

"يعني برضو في العهد القديم، كان فيه ناس في الأمم نجوا من الهلاك. يعني هل في كل ربوع الأرض، ماكانش بينجو من الهلاك إلا بني إسرائيل. أكيد كان فيه ناس بتنجو من الهلاك. بس مكانش عندهم إمتياز حضور الرب في الشكينة. ماكانش عندهم هيكل .. فعايز أقول حتى في العهد القديم هناك من نجا من الهلاك، لكن ليس الجميع متساوين في الإمتيازات الروحية، لكونهم نجوا من الهلاك .. يا جماعة في عصور مختلفة، نجا الملايين من الهلاك، على أساس دم المسيح، لكن ليس الجميع متساوين في طبيعة الإمتيازات، اللي أنا بسميها بقى مجمل البركات، الخلاص المسيحي".

رأينا في الجزء السابق أن الدكتور ماهر قام بمغالطة منطقية خطيرة وهي أنه أسس إدعاءه على غياب الأدلة أو صمت الوحي حول تفاصيل خلاص البعض، مثل صمت الوحي عن إخبارنا كيف عرف أشخاص مثل أيوب وآخرون عن المسيا، كان كافيًا لديه للإدعاء بأنهم لم يعلموا عن المسيا. طبعًا الكتاب لم يقل أنهم لم يعلموا عن المسيا. فاتخذ الدكتور ماهر صموئيل ذلك فرصة ليدعي أن مؤمنو العهد القديم خلصوا دون أن يسمعوا عن المسيح. إلا أن مغالطات الدكتور ماهر لا تنتهي.

يرتكب الدكتور ماهر صموئيل هنا مغالطة أخرى وهي تغيير الموضوع Red herring . فهو يقول أن مؤمنو العهد الجديد لهم إمتيازات أكثر وأعظم من تلك التي لمؤمني العهد القديم. ثم يستخدم ذلك كدليل على أن مؤمنو العهد القديم لم يسمعوا عن المسيح (المسيا). ويبرهن على ذلك بأنهم لم يعرفوا حتى أن إسم المسيا هو "يسوع". طبعًا إمتيازات مؤمنو العهد الجديد أكثر وأعظم من إمتيازات مؤمني العهد القديم، إلا أن هذا لا يعني أنهم لم يسمعوا عن المسيح. الفرق بين الإثنين فرق في مدى النور في ظل التدبير الذي عاش فيه كل منهما. كان لدى مؤمني العهد القديم نور، فعرفوا أنه لابد أن يأتي المسيا متألمًا ثم ممجدًا، وأنه سيتألم كبديل كما تنبأ إشعياء النبي الإنجيلي. ولدى مؤمنو العهد الجديد الآن نور أعظم، هو نور الوعد متحققًا. فعرفوا أن المسيا هو يسوع وأنه صلب وتألم على أيدى الرومان محكومًا عليه من اليهود ودُفن في قبر يوسف الرامي وقام في اليوم الثالث وظهر لكثيرين ثم صعد ليجليس عن يمين العظمة. النقطة هنا هي أن مدى لمعان نور الإعلان الذي يتمتع به قديسو العهد الجديد الآن لا يعني أنه لم يكن هناك نور لدى مؤمني العهد القديم. صحيح أن المسيح كان متواري وراء ظلال ورموز وطقوس العهد القديم، إلا أنه كان موجودًا. وصحيح أن هناك فرق بين نور الفجر ونور الظهيرة، إلا أن كلاهما نورين. وصحيح أن هناك بركات خاصة من الروح القدس للكنيسة في العهد الجديد، إلا أن مؤمنو العهد القديم تبرروا بالإيمان كما رأينا بولس مثبتًا ذلك في رومية 4.

الشيء المثير، والذي ربما لا يُلاحظ بسهولة، هو أن الدكتور ماهر صموئيل ظل يشرح كيف خلص الإسرائيليون والأمميون على السواء، بدون أن يسمع أي منهم عن المسيح، ولم يناقش السؤال الذي هو في صميم الموضوع صراحة، ألا وهو: هل يمكن لشخص من دين آخر، الآن وفي ظل العهد الجديد، أن يخلص دون أن يكون قد سمع عن المسيح؟ لكن الدكتور ماهر صموئيل أثبت لمشاهديه (أو كما توهم أنه فعل ذلك) أن مؤمنو العهد القديم، والأمميون المعاصرون لهم، خلصوا بدون معرفة عن المسيح، تاركًا مستمعيه يقومون بذلك الإستنتاج الخطير بأنفسهم، وهو أنه ليس من الضروري إذًا أن يسمع غير المسيحي الآن عن المسيح (وبعد تجسده) لكي يخلص. تحاشى ماهر صموئيل عن عمد أن يناقش هذه المسألة في حلقة خاصة حول ما إذا كان يعتقد بعالمية الخلاص، واكتفى بالحديث عمن خلصوا في ظل العهد القديم، يهود وأمم، تاركًا المشاهد يخطو هذه الخطوة شخصيًا، مجنبًا نفسه بذلك مشقة الإجابة على السؤال بطريقة مباشرة في حلقة تم تسليط الضوء فيها على عقيدته حول عالمية الخلاص.

لكن الدكتور ماهر بلا شك علّم بهذا الأمر أكثر صراحة في مرات أخرى، ونحيل القاريء إلى مقال مستقل وثقنا فيه كيف أنه علّم في مرات كثيرة، وعبر الوقت، بأن المؤمنين بالله والتائبين من الديانات الأخرى والذين لم يسمعوا عن المسيح، الآن في ظل العهد الجديد، سيخلصوا في النهاية بعمل المسيح رغم أنهم لم يسمعوا أو يؤمنوا بيسوع.

طبعًا القول بأن المؤمنين بالله من الأديان الأخرى يمكن أن يخلصوا طالما كانوا مؤمنين بالله وتائبين، يفترض افترضات مسبقة وغير كتابية كثيرة ناقشتها أيضًا في مقال مستقل، لكن سأكتفي للإشارة لأخطرها بإختصار. أولاً ذلك الإدعاء يفترض أن المسيح ليس هو الله. المسيح ليس فقط المعلن عن الله، بل هو الله نفسه. أن تقول أنه يمكن لشخص أن يخلص طالما آمن بالله دون الحاجة لأن يعرف عن المسيح هو أن تقول أن المسيح ليس هو الله. أيضًا أن تقول أن أي مؤمن بالله في أي دين سيخلص، هو إنكار للطبيعة الثالوثية لله. الديانة التي لا تعلم بالثالوث إلهها ليس إله حقيقي. وإلا فالطبيعة الثالوثية التي دافعت عنها المجامع غير جوهرية في الله، أو أنها ليست هامة للإيمان المسيحي. ثالثا وأخيرًا أن تقول أن شخص من دين آخر يمكن أن يخلص دون حاجته أن يسمع عن المسيح هو أن تقول أن آلهة الأديان الأخرى حقيقية. وهذا عكس ما علمه الكتاب المقدس بعهديه صراحة أن آلهة الأديان الأخرى في حقيقتها شياطين.

تطبيقًا لذلك، القول أن المسيح لم يكن معروفًا لدى قديسو العهد القديم لهو إنكار لألوهية المسيح من طرف خفي، ذلك لإن وإن لم يكن المسيح قد تجسد بعد، إلا أنه كإبن الله والمعلن له كان موجودًا في تعاملاته وإظهاراته للشعب بطبيعته الإلهية. إنه أشبه بالقول أن الله نفسه لم يكن معروفًا في العهد القديم، ذلك لأن يهوه هو المسيا، والمسيا هو يهوه. إنه نوع من دق الإسفين بين يهوه والمسيا. أن تقول أن المسيا (المسيح) في العهد القديم كان معلنًا بصورة أقل وضوح من تلك التي أُعلن بها في العهد الجديد هو شئ، وأن تقول أن مؤمنو العهد القديم لم يعرفوا عن المسيا هو شيء مختلف تمامًا. شتان الفرق بين الإثنين.

مقال:
الدكتور ماهر صموئيل يعلم بأن الله الحقيقي موجود في كل الأديان وأن الخلاص ممكن لمن لا يؤمنون بالمسيح
https://samysoliman.blogspot.com/2020/07/blog-post.html

مقال:
حقيقة الإفتراضات المسبقة حول الإدعاء بوجود خلاص خارج المسيحية
https://samysoliman.blogspot.com/2020/06/blog-post.html


الحلقة التي حاول فيها الدكتور ماهر أن ينفي إعتقاده بعالمية الخلاص






تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس