هل كلمة "ثيؤبنويستوس" المترجمة "موحى به" في ٢ تي ٣ : ١٦ تعنى "قادمة من الله"


في تعريفه لكلمة "ثيؤبنويستوس"، يقول جون دانيال مدرس اللغة اليونانية في كلية اللاهوت المشيخية بالعابسية:

الكلمة اليونانية θεόπνευστος المترجمة موحى هي كلمة هيلينستية (أي ظهرت في العصر الهيلينستي، القرن الثالث قبل الميلاد على أقصى تقدير) وهي دمج للكلمة اليونانية θεός وتعني "الله" (أي اله حتى لو وثني) مع الكلمة πνευστός وتعنى "متنفس به" والكلمة ايتومولوجيا (العلم الذي يهتم بأصول الكلمات) تعني "متنفس به من قبل الله" ولكننا لا يمكننا التعامل ايتومولوجيا مع الكلمة إذ اصبح لها معنى جديد بتركيبها وتعني هنا "قادمة من الله" أو "مصدرها الله". والكلمة وجدت ثلاث مرات خارج العهد الجديد:
١) في كتاب Pseudo Phocylides 129 وهو كتاب يهودي يثبت اليهودية من الفلسفة ويقول فيه أن "الحكمة قادمة من الله".
٢) في Plutarchus Biographus et Philosophus 2.904f وهو كتاب للمؤرخ Plutarch ويقول فيه أن "الأحلام قادمة من الله".
٣) في Astrologus لعالم الفلك Vettius Valens ويقول فيه أن "الخليقة كما نحن مصدرها الله".
بالتالي فأنه في ٢ تيموثاوس ٣: ١٦ يقصد أن كل الكتاب مصدره الله.
(انتهى كلام جون دانيال)

ارتكب الصديق جون دانيال عدة مغالطات في شرحه لمعنى كلمة "ثيؤبنويستوس". وإليك التفاصيل.

يقول أولاً، بدون تقديم أية أسباب، أن المعنى الإيتيمولوجي لا يصلح، ويكتفي بالقول أن الكلمة تأخذ معنى جديد لا علاقة له بالمعنى الإيتيمولوجي. وهذا المعنى الجديد يقوم بتحديده هو (جون دانيال) من خلال الإستخدام التاريخي في الثقافة الهيلينستية. لكن، لماذا لم يقدم سبب لعدم صلاحية المعني الإيتيمولوجي، سؤال لا يزال يطرح نفسه. مع أن هناك كلمات لم تزل تحتفظ بالمعنى الإيتيمولوجي الخاص بها. مثل "ثيؤديداكتوس"theodidactos في (١ تس ٤ : ٩) والتي تعني "متعلمون من الله". وهذه الكلمة تتكون من: متعلم + الله = متعلمون من الله. نفس هذا التعبير جاء بدون ذلك الدمج في يوحنا ٤٥:٦ θεοῦ τοῦ διδακτοὶ. الكلمة إذًا حافظت على المعني الإيتيمولوجي الخاص بها.

بالإضافة إلى ذلك، هناك على الأقل ٧ ترجمات حافظت على المعنى الإيتيمولوجي. من ضمنها ترجمات محترمة جدًا مثل ترجمة ESV الشهيرة التي ترجمتها إلى "مُتَنَفَّسُ به من الله"breathed out by God . ومثل ترجمة NIV التي ترجمتها إلى "مُتَنَفَّس الله" God-breathed .

ثانيًا، يحاول جون دانيال بترجمته لكلمة "ثيؤبنويستوس" على أنها "قادمة من الله" (اسم فاعل) أن يقدم المعنى على أنه حدث تاريخي ليس له آثار على الحاضر. أي أن كلمة الله خرجت من الله وإنتهى الأمر. إلا إن بولس استعملها كصفة. والصفة تدل على طبيعة الشىء. أي أن "ثيؤبنويستوس" ليس فقط تدل على حدث تاريخي، بأن الله تنفس كلمته الموحى بها، بل أيضًا لم تزل هذه الكلمة تحمل تلك الطبيعة كأنفاس الله. أي أنها حاليًا "مُتَنَفَّسُ الله". صحيح أن الكلمة مصدرها الله، وقادمة من الله، إلا إن المعنى الذي أراد بولس إيصاله أكثر من ذلك. الكلمة (كصفة) لم تزل "مُتَنَفَّسُ بها من الله".

ثالثًا، جون دانيال أيضًا، بشرحه لمعنى الكلمة من خلال استخداماتها التاريخية الهيلينستية، يضع كلمة الله على قدم المساواة مع الفلسفة والأحلام والخليقة. طبعًا النتيجة المنطقية التي لم يقلها لكن يريدك أن تخلص بها مما قاله هي أنه لا يوجد فرق بين الكتاب المقدس وبين الفلسفة والأحلام والمخلوقات. كلها مصدرها الله. الأحلام التي بها تخاريف هي وحي قادم من الله ونافع للتعليم إلخ. والفلسفة تتميز بالشىء وعكسه هذه أيضًا بدورها وحي قادم من الله ونافع للتعليم إلخ. وأي وأي مخلوق هو وحي من الله نافع للتعليم.

لكن هذه مغالطة أن تقول أن الإستخدام الهيلينستي متطابق مع الإستخدام الكتابي. أنا لا أقول أنه مختلف عنه تمامًا. لكن هناك إستمرارية ولاإستمرارية. على سبيل المثال، معنى كلمة "إله" (ثيؤس) في الهلينستية مختلف عنه في الإستخدام الكتابي. عندما استخدم بولس هذه الكلمة لم يقصد بها الآلهة الوثنية المذكورة في الميثولوجيا الإغريقية، لكن الإله الكتابي يهوه-إيلوهيم المتجسد. وعندما استخدم يوحنا كلمة "لوجوس" لم يقصد بها الإستخدام الفلسفي الهيلينستي بأنها تعني "مبدأ" rule (طبقًا لأي قاموس فلسفي مثل كامبريدج أو روتلدج). لكن المسيح كلمة الله وحكمته وُمعْلنه وخالق الكون وحافظه (يو ١).

اعتمد جون دانيال هنا تمامًا في تعريفه لكلمة "ثيؤبنويستوس" على مصادر خارجية extrabiblical . لا يوجد مانع من الاستعانة بمصادر خارجية طالما لا يوجد خرق لـ سولا سكريبتورا. المعنى يتم تحديده من القرينة. وطالما لا يوجد شىء يتعارض مع القرينة يمكن الإستعانة بالمصادر الخارجية. ما يتعارض مع القرينة هنا هو اعتبار الكتاب المقدس على قدم المساواة مع الحكمة والأحلام البشرية.

استخدام بولس للكلمة فيه تغيير للمعنى عن استخدامه الهيلينستي، لتصبح "كلمة الله (الإله المسيحي) المُتَنَفَّس بها" والتي لم تزل لها تلك الصفة بحيث أنها نافعة الآن للتعليم والتأديب والتقويم والتوبيخ لكي يكون إنسان كاملاً متأهبًا لكل عمل صالح.

ثم إن بولس كان يقصد بـ "كل الكتاب" العهد القديم، لأن العهد الجديد وقت كتابة بولس له كان قيد الإكتمال. هل يمكن أن يقصد بولس اليهودي الفريسي الغيور المضطهد للكنيسة أن العهد القديم على قدم المساواة مع الفلسفة اليونانية والأحلام البشرية؟ مستحيل! طبعًا هذا الوصف ينطبق على العهد الجديد أيضًا، لأن بولس اعتبر إن ما يكتبه مساوي لما كتبه الأنبياء في العهد القديم ١كو ٣٧:١٤. وبطرس رأى نفس الشىء بخصوص ما كتبه بولس ٢ بط ‎٣:‏١٥-١٦.

كلمة الله ليست شىء مخلوق كما يحاول جون دانيال الادعاء، لكنها مشورة الله الأزلية الموحى بها والمعصومة. وليست على قدم المساواة مع الحكمة البشرية أو الأحلام الليلة. لكنها الكلمة النقية المعصومة لفظيًا. كلمة تشهد لنفسها بأنها حية وتعطي حياة للمائت، وتخلق، وتشفي، وتجدد، وتدعو الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس