هل السكنى مع الله شئ نتعود عليه أم نعمة تعطى لنا؟


"ينبغي أن نكون نوعية الناس التي تصلح أن تسكن مع الله للأبد ... إذا لم تتعود على السكنى معه هنا لن تتحمل السكنى معه هناك". (ماهر صموئيل)

الافتراضات المسبقة الموجودة في هذا التصريح

هذه العبارة لماهر صموئيل خطرة من أوجه كثيرة. فهي تفترض عدة افتراضات غير كتابية؛ أن المصير الأبدي للإنسان متوقف على ما يفعله هنا على الأرض (خلاص بالأعمال)، وليس على ما فعله الله من أجله في الجلجثة. كما أنها تعني أن السكنى مع الله شىء يمكن أن يُستحدث بالمجهودات الذاتية وليست خليقة جديدة. وتجتزأ كل من العلاقة مع الله والحياة الأبدية وليسا أنهما عطية واحدة تُعطى عند الإيمان. ليس ذلك فقط، بل تفترض أيضًا أن السكنى مع الله حالة داخلية تحدث فينا تدريجيًا وليست مقام يُمنح لنا. بل وتعني أخيرًا أن العداوة من جانبنا فقط وليست من جانب الله أيضًا. إن تصريح ماهر صموئيل ذلك محمل بالافتراضات المسبقة والمضادة للحق الكتابي.

بكلمات أخرى، هل السكنى مع الله، هنا أو هناك، شىء نسعى له ونتعود عليه ونجتهد من أجله، أم أنه عطية بالنعمة؟ هل السكنى مع الله أبديًا متوقفة على ما نعمله هنا على الأرض؟ هل السكنى مع الله شىء يُجتزأ أم أنه عطية واحدة كاملة؟ هل السكنى مع الله حالة داخلية فقط أم أنها أيضًا مقام أو مركز يوهب لنا بواسطة ملك الملوك؟ هل المشلكة من جانب الإنسان نحو الله أم هي من جانب الله نحو الإنسان في الأساس؟ هل فقط نحن الذين لا نحتمل قداسة الله أم أنه أيضًا لا يطيق ذنوبنا ونجاستنا؟

ماذا يقول الكتاب؟

يعلمنا الكتاب المقدس أنه عندما سقط آدم هرب من محضر الله "سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان فاختبئت" (تك ٣ : ١٠). وآدم ليس فقط اختبئ من الله، بل الأخطر أنه طُرد من محضره "فَطَرَدَ (الله) الإنسان وأقام شرقي جنة عدن الكروبيم ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة" (تك ٣ : ٢٤).

إن الإنسان الطبيعي، الوارث للفساد والسقوط، هارب من الله ولا يسعى إليه "ليس من يطلب الله" (رو ٣ : ١١). وهو مستعبد لهذه الحالة ولا يستطيع تغيير نفسه "كل من يفعل الخطية هو عبد للخطية" (يو ٨ : ٣٤). كما أن الإنسان الخاطىء لا يستطيع الاقتراب من الله كلي القداسة إلا من خلال الذبيحة والكفارة لأنه تحت غضب الله ودينونته "ليس من يعمل صلاحًا، ليس ولا واحد" (رو ٣ : ١٢)، "بدون سفك دم لا تحصل مغفرة خطية" (عب ٩ : ٢٢)، ولهذا السبب كانت سكنى الله وسط شعبه في الهيكل مرهونة بصورة مطلقة بتقديم الذبائح.

المشكلة الحقيقية

إن الإنسان، ولو أراد، لا يستطيع الاقتراب أو السكنى مع الله. فكم وكم لا يستطيع الاقتراب من الله وهو في حقيقة الأمر مقاوم لسلطان الله وكاره قداسته؟ المشكلة ليست فقط في إنسان لا يريد الله، بل أيضًا لا يستحقه، وغير مسموح له الاقتراب من نور ونار قداسته. المشكلة ليست فقط في إنسان لا يتحمل إله قدوس، بل أيضًا، وفي الأساس، في إله كلي القداسة لا يستطيع التساهل مع أدنى الشرور سواء في الطبيعة البشرية أو أفعالها. صحيح أنه من منظور ما أن الإنسان، في وضعه الساقط، لا يتحمل الله، إلا أن المشكلة الأساسية هي من نحو الله تجاه الإنسان.

إن هذا التصريح لماهر صموئيل هو لاهوت متمركز حول الإنسان. إذ يفترض أن مشكلة الإنسان الجوهرية هي أنه لو لم يتمتع بمحضر الله هنا لن يتمتع به هناك. بينما مشكلة الإنسان الجوهرية هي أن الله كلي القداسة لا يتمتع، ولا يحتمل، ولا يطيق، اقتراب الخطاة الفجار منه بدون ذبيحة كفارية. المشكلة هي من نحو الله تجاه الإنسان في الأساس قبل أن تكون من نحو الإنسان تجاه الله. المشكلة الأساسية هي أنه لا يرضى عنا لأننا خطاة وليس إن كنا نحن راضون عنه أم لا. المشكلة هي أننا تحت غضب الله ودينونته وليست أننا نضعه هو تحت الاختبار أو المحاكمة لنرى ما إذا كنا سنرضى عنه أم لا. المشكلة الأساسية ليست كيف نرى الله بل كيف يرانا هو. هو يرانا كخطاة فجار أعداء ويحتملنا كل يوم، إما إلى وقت الدينونة، أو إلى أن نحتمي في دم المسيح فيقبلنا ويرضى علينا فيه. أن تعتبر الخلاص هو أن ترضى عن الله أم لا هو قلب للموازين، هو وضع الله الخالق والديان في موضع المحاكمة بينما الإنسان الخاطىء هو المحكوم عليه بالموت الأبدي.الأول لاهوت متمركز حول الإنسان، بينما الآخر لاهوت متمركز حول الله. والفرق بين الأول والثاني هو كالفرق بين الباطل والحق. من الذي يتحمل من إذًا؟ ومن الذي يرضى عن من؟ ومن الذي يحاكم من؟

السكنى مع الله بالنعمة وليست بالتعود

الاقتراب من الله، أو السكنى معه، ليست حالة في الداخل فقط، كما يحاول ماهر صموئيل أن يختزلها، بل أيضًا مقام خارجي يُعطى لنا بالنعمة على أساس عمل المسيح الكفاري. إن السكنى مع الله تحتاج إلى الخليقة الجديدة وليس التعود. بل إن السكنى في محضر الله القدوس، باعتبارها رغبة داخلية (التجديد)، ومقام خارجي (التبرير)، كلاهما عملاً للنعمة يُعطى لنا في نفس الوقت بدون تجزئه. السكنى مع الله أمر لا نستطيع أن نُحدثه نحن بأن نتعود عليه، بل عطية النعمة للقلب الذي لا يريد الله، ولا يريد سكناه، ولا يرى أنه في حاجة إلى ذلك. السكنى مع الله هي فقط نتاج عمل نعمة الله من أجل بشر خطاة لا يطيق طبيعتهم الشريرة أو خطاياهم.

السكنى مع الله، الآن وفي الأبدية، كلاهما، كحالة داخلية ومقام خارجي، يعطيان لنا بالنعمة، وعلى أساس الذبيحة الكفارية للرب يسوع المسيح.

السكنى مع الله هي عمل الثالوث لأجل الإنسان

أن تقول أن السكنى مع الله شىء نتعود عليه أو نسعى إليه، هو أن تطعن في نعمة التجسد (اتضاع الله الابن) الذي هو سكنى الله مع البشر، وذلك بناء على إرسالية الآب وتهيئته جسدًا للابن "هيأت لي جسدًا" (عب ١٠ : ٥). وأن تطعن في الصليب الذي صار به لنا قدومًا. وتطعن في عطية نزول الروح القدس وسكناه في القلب. وأخيرًا في صعود المسيح كنائب عنا إلى عرش الآب ونحن فيه. إنه عمل الثالوث من الألف إلى الياء. كيف تكون السكنى مع الله شىء يُتَعَوَّد عليه بعد كل ذلك؟

الخلاصة

جوهر مشكلة السكنى مع الله إذًا هو من جانب الله تجاه الإنسان أكثر من كونها من جانب الإنسان تجاه الله. والسكنى مع الله أيضًا تخص مقامنا أمامه هو بصفة أساسية قبل أن تخص حالتنا القلبية تجاهه. ومع ذلك، فهي خليقة جديدة وتبرير. والسكنى مع الله بالنعمة وليست بالتعود. كما أن السكنى مع الله، هنا والآن، عطية واحدة غير مجتزئة، تُعطى بالإيمان في نفس الوقت. فضلاً عن ذلك، فإن السكنى مع الله هي عمل الثالوث لأجل الإنسان.

نصوص كتابية

"ولكن الآن في المسيح يسوع، أنتم الذين كنتم قبلاً بعيدين، صرتم قريبين بدم المسيح ... مبطلاً بجسده ناموس الوصايا في فرائض ... بالصليب ... لأن به (يسوع) لنا كلينا قدومًا في روح واحد إلى الآب" (أف ٢ : ١٣ – ١٨).

"فاحتملتهم سنين كثيرة، وأشهدت عليهم بروحك عن يد أنبيائك فلم يصغوا، فدفعتهم ليد شعوب الأراضي (نح ٩: ٣٠)

"ونحو مدة أربعين سنة، احتمل عوائدهم في البرية" (أع ١٣: ١٨)

"فماذا؟ إن كان الله، وهو يريد أن يظهر غضبه ويبين قوته، احتمل بأناة كثيرة آنية غضب مهيأة للهلاك" (رو ٩: ٢٢)

"ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكلمه يسوع، الذي من أجل السرور الموضوع أمامه، احتمل الصليب مستهينًا بالخزي، فجلس في يمين عرش الله، فتفكروا في الذي احتمل من الخطاة مقاومة لنفسه مثل هذه لئلا تكلوا وتخوروا في نفوسكم" (عب ١٢: ٢، ٣)



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس