هل حقًا الخطية لم توقف مضخة الحب في القلب ولكن حولت اتجاهها كما يدعي الدكتور ماهر صموئيل؟

في هذه الكلمات الخطيرة يفترض الدكتور ماهر صموئيل هنا عدة افتراضات مسبقة غير كتابية:

١ – يفترض أن المحبة هي الصفة المركزية في الإنسان كما هي في الله.

في حين أن المحبة لا هي الصفة المركزية في الإنسان ولا الله. فالبر والقداسة جوهريان في الله بقدر جوهرية المحبة فيه. لا يوجد صفة مركزية في الله على حساب صفة أخرى. فهو محبة، وفي نفس الوقت قدوس قدوس قدوس، ونار آكلة، بنفس القدر. والإنسان لكونه مخلوق على صورة الله ومثاله فقد خُلق بمجموعة من الصفات المتساوية؛ البر، المحبة، القوة (مع ملاحظة أنها جميعًا محدودة). والكتاب يطالبنا بالقداسة بقدر ما يطالبنا بالمحبة.

٢ – يفترض أن التأثير الرئيسي للخطية هو على الإنسان وليس على الله، بالقول أن الخطية جعلت مسار المحبة ينحرف لدى الإنسان.

هذا صحيح من منظور ما، إلا أن التأثير الرئيسي للخطية هو نحو الله؛ فهي تغضبه وتؤدي إلى عقابه. إن الله هنا يغيب عن الصورة وكأن الخطية لا تضيره. إن ماهر صموئيل يختزل مشكلة الخطية في الإنسان مع نفسه بدلاً من الإنسان في مواجهة قداسة الله وعدله.

٣ – يفترض أن الخطية لم تؤثر بصورة جوهرية في الإنسان، بل فقط غيرت اتجاه محبته فظل كائن محب حتى بعد دخول الخطية.

مرة أخرى، إن هذا مؤسس على الافتراض بأن المحبة صفة مركزية في الإنسان. إلا أن تأثير الخطية على الإنسان تأثير عميق. بما أن للإنسان (عند خلقه) صفات أخرى لها نفس المركزية التي للمحبة، مثل القداسة والبر، فالخطية جعلت الإنسان شرير وفاسد بطبعه. هل يخطئ الإنسان ولذلك فهو خاطئ؟ أم أنه خاطئ ولذلك فهو يخطئ؟ الإجابة هي الأخيرة؛ إنه فاسد (خاطئ) لذلك هو ينبع فسادًا (يخطئ). في حين أن الصورة التي يريد رسمها ماهر صموئيل هي العكس من ذلك؛ بما أنه يخطئ فلذلك هو خاطئ (وهذا صحيح من منظور ثانوي، لكن تظل الحقيقة المركزية أنه خاطئ بالطبيعة لذلك يخطئ بالأفعال).

٤ – يفترض أن عدم محبة ما ينبغي أن يُحَبُّ هو مجرد خطأ سطحي في تصويب المحبة لكن يظل الإنسان محب بطبعه.

بينما الفشل في محبة ما ينبغي أن يُحَبُّ (البر، الله) هو بغضة لمن لم نُرد محبته. فمحبة العالم عداوة لله كما يقول الكتاب. كما أن البشر بدون سبب أبغضوا الآب والابن (يو ١٥ : ٢٣ – ٢٤). إن كان الله هو المحبة، وإن كان الإنسان يبغض الله، فالإنسان يبغض المحبة. لقد أحدثت الخطية خلل عميق في جوهر الإنسان.

٥ – يفترض أن الإنسان باحث عن الله أو المحبة ولكنه يبحث في الاتجاه الخطأ. وهذا قاله بصيغة مختلفة في مناسبة أخرى:

"الفلاسفة بيقولوا: نحن كائنات متجهة ... مش ساكنة، متجهة، ماشية ... في اتجاه. وعمرها ما هتقف. واحتاروا هي متجهة ناحية إيه. البعض قال للتسهيل هي متجهة نحو الامتلاء. البعض قالوا متجهة نحو، حاجة أخطر: الاكتمال. فهذه الكائنات تشعر بالفراغ، وفي حاجة شداها كإنه مغناطيس، وهي مش عارفة هي رايحة لفين. لكنها في اتجاهها تبحث عن؟ اشباع! .. فنحن كائنات، ليست صامتة ليست ساكنة، لكنها متجهة. ومتجهة ناحية امتلاء أو اكتمال أو اشباع. اسمع العبارة التانية دي: ونحن كائنات يحركها ما تحب وليس ما تعرف. واحنا متجهين، مش ماشيين خالص طبقًا للي احنا عارفينه (يقصد العقيدة)، لكن طبقًا للي إحنا بنحبه .. "

إلا أن الإنسان هارب من الله ومقاوم له. الإنسان يبحث عن كل شئ وأي شئ إلا الله. (أنظر مقال آخر بعنوان: الله والإنسان: من الذي يبحث عن من؟). لكن الدكتور ماهر صموئيل هنا يتبنى نظرة اللاهوت الشرقي للإنسان بأنه لم يسقط ولكن إنحرف عن المسار السليم. إنه مما لا شك فيه تخفيف من وطأة كل من السقوط والخطية.

٦ – يفترض أن حل مشكلة الإنسان هو في توجيه المحبة نحو الهدف الصحيح.

مرة أخرى، إن رسالة ماهر صموئيل ليست النعمة بل الناموس. ليست ما عمله المسيح لأجلنا بل ما ينبغي أن تفعله أنت من أجله ومن أجل الآخرين. ليست محبته المُخَلَّصة من نحونا، بل محبتنا له. أليست الوصية الأولى والعظمى للناموس هي تحب الرب إلهك من كل فكرك ومن كل قلبك؟ إنها ناموس إذًا وليست نعمة الرسالة التي يقدمها ماهر صموئيل.

أخيرًا وليس آخرًا، إن تهوين الدكتور ماهر صموئيل للخطية والسقوط والفساد الجذري للإنسان يأتي بالاتساق مع تقليله من خطورة الجحيم كما سبق ووثقت ذلك في مقال آخر. وكل هذا يؤدي إلى نظرة يونيفرسالية للخلاص!

*****
نص كلام الدكتور ماهر:

"الخطية لم تغيرك ككائن محب لكنها حولت اتجاه المحبة فجعلتك تحب الشيء الخطأ، أنت كائن محب حتى بعد دخول الخطية، الخطية ما حطمتكش ككائن محب لأنه الجوهر الانسان على صورة الله بيحب، لكنها عملت انحراف في الإتجاه فخلتك تحب اللي ما يتحبش وما تحبش اللي يتحب، الخطية لم تغير جوهرنا إلى كائنات غير محبة لكن جعلتنا نحب الخطأ، كثيرا ما لا نستطيع التفسير لماذا نفعل هذا؟ لماذا نتحمل هذا؟ لماذا نشتري هذا؟ لماذا نضحي بهذا؟ مش عارف بس بحب كده! "فوق كل تحفظ احفظ قلبك، لأن منه مخارج الحياة" الخطية لم توقف مضخة الحب في قلوبنا لكنها حولت اتجاهها لتحب الشيء الخطأ، لقد  تفوقت صناعة الدعاية والاعلان على الكنيسة في فهمها للانسان، فبينما أدركت تلك الصناعة أن الإنسان في المقام الأول هو كائن محب توجهه الرغبة، اتفقت الكنيسة وتوافقت مع الحداثة الديكارتية التي رأت الانسان مجرد كائن مفكر وبالتالي عندما تراه يتجه بقوة نحو ما يرغب لا تملك أن تقدم له إلا الفكر فتكون كمن يريد ان يطفئ لهيب الرغبة بسكب ماء على الرأس، بينما النار تشتعل في القلب، ساعدني أغير قلبي وأغير محبتي للأشياء من خلال العلاقة مع الله ومع الكنيسة ومع الطقس ومع الممارسات المسيحية"




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس