كيف تستمع لأي محتوى لاهوتي بأكثر تمييز؟

الرسالة التي تسمعها ليست فقط ما يُقال صراحة، بل ما يُقال ضمنًا، وما يتم إغفاله، وما تعنيه لباقي جوانب الحق

أن تكون مؤمن فهذا يعني أنك تستمع إلى أو تشاهد مادة لاهوتية سواء في الكنيسة أو على هاتفك. والمؤمن في حاجة أن يكون مُمَيِّزًا إلى ما يسمعه. إنها وصية كتابية أن نمتحن كل ما يقال (أع ١٧ : ١١ ، ١ تس ٥ : ٢١ ، ١ يو ٤ : ١). ولا غنى لمعرفة الكلمة المقدسة لتمييز الادعاءات غير الكتابية. لكن إلى جوار الكلمة، توجد بعض الأدوات الأخرى التي تساعدنا على كشف الأكاذيب التعليمية. وأرى أن هناك على الأقل ثلاثة أسئلة ينبغي أن نسألها عن المحتوى اللاهوتي المُقَدَّم لنا.

السؤال الأول: ما هي الافتراضات المُسْبَقَة الموجودة في هذا الطرح؟

لا تستطيع التعامل معاملة صحيحة ووافية مع أي خطأ لاهوتي دون تحليل الافتراضات المُسْبَقَة الموجودة فيه. الافتراضات المُسْبَقَة لا تقال صراحة ولكن تم افتراض صحتها قبل صياغة ذلك التصريح. إنها الأساسات التي لا تراها مباشرة ولكن تم تأسيس هذا التصريح عليها. في الكثير من الأحيان لن يمكنك تفنيد الخطأ دون وضع يدك على تلك الافتراضات الخفية. عند سماعك أي تصريح أو عظة أو تعليم، اسأل نفسك هذا السؤال: ماذا يفترض هذا التصريح عن الله والإنسان والخطية والخلاص؟ على سبيل المثال، لاحظ هذا الادعاء "ينبغي أن نكون نوعية الناس التي تصلح أن تسكن مع الله للأبد ... إذا لم تتعود على السكنى معه هنا لن تتحمل السكنى معه هناك". هذا الادعاء يفترض عدة افتراضات غير كتابية؛ أولاً، أن المصير الأبدي للإنسان (السكنى مع الله هناك) متوقف على ما يفعله هنا على الأرض (التعود على السكنى معه الآن)، وليس على ما فعله الله من أجله في الجلجثة. وهذا افتراض مسبق عن الخلاص يجعل كفارة المسيح بلا قيمة. إنه ناموس وليس نعمة. ويفترض أن الإنسان هو القاضي أو الحكم الذي يحكم على الله وليس أن الله هو الذي يحكم على عدم أهلية الإنسان الخاطئ للوجود في محضره المقدس. وهذا افتراض بمركزية الإنسان. ويفترض أن العداوة من جانبنا فقط وليست من جانب الله أيضًا وفي الأساس. وهذا افتراض عن الله والخطية بأنها لا تغضبه ولا تضيره. إن الواعظ هنا افترض عدة افتراضات بصورة مسبقة عن الله والإنسان والخطية والخلاص ولكنه لم يقولها صراحة بل أسس عليه مقولته أعلاه. وهنا يأتي دورنا في فحص الأساسات التي يتم التأسيس عليها.

السؤال الثاني: ما الذي تم إغفاله في هذا الطرح؟

الواعظ غير كتابي يقول أشياء صريحة ومباشرة وهي ما نسمعه مباشرة في التصريح الذي يقوله. ويقول أيضًا أشياء أخرى بصورة ضمنية ومفترضة في صميم ذلك التصريح (كما رأينا في النقطة السابقة المتعلقة بـ الافتراضات المُسْبَقَة). وأشياء أخرى هامة ينبغي أن تُقال ولكن يُتَعَمَّدُ إغفالها. علينا أن نسأل أنفسنا عند سماع أي تعليم: هل أغفل هذا الواعظ أشياء مهمة ينبغي أن تُقال؟ على سبيل المثال: هناك واعظ دائم الحديث عن ضرورة التغيير في الإنسان، والاختبار مع الله. وهذه أشياء هامة. إلا أن ذلك الواعظ يغفل دائمًا غفران الخطايا والتبرير والحياة الأبدية وضرورة الإيمان وحده للخلاص. وهو دائم الحديث عما يبنغي أن تفعله أنت في حين يغفل ما فُعِلَ من أجلنا. ويشير إلى الخطية كمرض أو خلل ولكنه لا يتحدث عنها كتعدي على الناموس أو كدين يحتاج إلى السداد. إنه يبدو وكأنه يتحدث عن الله، ولكنه في الحقيقة يتحدث عن الإنسان. فكل من عمل الإنسان ومطالبه حاضران، بينما يغيب عن المشهد كل من عمل الله ومطالبه.

السؤال الثالث (الأبعاد المنطقية): إن افترضنا صحة هذا الطرح ماذا يعني ذلك؟

ليس فقط علينا الانتباه لما يُقال ضمنًا، وما يتم إغفاله، بل علينا أيضًا أن نقوم بتطبيق ما نسمعه على باقي أوجه الحق. وسؤال الأبعاد المنطقية هو أن تأخذ التصريح الذي تسمعه إلى أبعاده المنطقية لترى إلى ماذا سيصل بك. ماذا لو صح هذا الادعاء؟ على سبيل المثال، يقول نفس هذا الواعظ المشار إليه: "لو قلبك ماتغيرش إذًا إنت مش مؤمن". إن صح هذا التصريح إذًا فمن بدى عليه أي تغيير هو مؤمن حتى ولو لم يسمع عن المسيح طالما أن المعيار هو تعمله وليس ما تعرفه. المؤمن إذًا هو الذي يعمل (لأجل نفسه) وليس الذي يؤمن (بعمل المسيح لأجله). أو تأمل تصريح آخر له: "الإنجيل ليس خبر نتناقله". ما الذي يمنع شئ أن يكون خبرًا؟ هو أنه غير مسموح الكلام به، أو هو شئ لا يفهم بالعقل ومن ثم لا يمكن التعبير به شفويًا. ولا أعتقد أن هذا الواعظ يقصد أنه غير مسموح الكلام بالإنجيل، وبالتالي هو يقصد أنه شئ لا يفهم بالعقل وذلك لأنه يختزله "في قوة تغير" بدلاًم كونه خبر يتم نقله. إنه نوع من الدعوة إلى ديانة صوفية.

بناء على ما سبق، ليست الرسالة فقط هي التصريحات المباشرة التي نسمعها أو نقرأها من أي واعظ. بل هي أيضًا الأساسات الخفية التي تم التأسيس عليها (الافتراضات المسبقة). وهي ما تم التعمد في إقصاءه من المشهد (الإغفال). وهي أخيرًا ما تعنيه لباقي جوانب الحق (الأبعاد المنقطية). إن طرحنا الأسئلة الثلاثة السابقة بخصوص أي محتوى لاهوتي نسمعه سنتجنب ابتلاع الكثير من الأكاذيب التي تطرح على مسامعنا.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس