هل أُصِيبَ يسوع بالاكتئاب؟


نسمع أحيانًا ادعاءات بأن يسوع عانى من أو أُصَيبَ بالاكتئاب. حتى أن بعض المواقع الإنجيلية المحافظة، ادعت ذلك. مثل موقع اشتهاء الله للواعظ الكتابي القدير جون بايبر. أو دار النشر الإنجيلية المحافظة Crossway . ولا شك أن من يقولون أن يسوع صارع مع الاكتئاب يفعلون ذلك بحسن نية، حتى يكون يسوع بالنسبة لهم مجرب في كل شيء مثلنا بلا خطية. كما أنه من المحتمل جدًا أن قولهم أن يسوع عانى من الاكتئاب جاء بدون فحص ذلك في ضوء الأعراض الإكلينيكة لهذا المرض.

لكن الرب يسوع المسيح لم يعاني من كل ألم يعانيه الإنسان. وليس بالضرورة أن نقول ذلك لكي يكون مجرب في كل شيء مثلنا. إذ أن "كل شيء" قطعًا لا تفيد الحصر. وإلا فإن هذا يعني أن يسوع عانى مثلاً من الفصام أو الذهان. لقد اختبر يسوع آلامًا نفسية شديدة دون الحاجة للقول أنه اختبر أمراضًا نفسية أو عصبية تفقده السيطرة على نفسه أو الاتصال بالواقع. فقد اختبر الحزن حتى الموت "نفسي حزينة جدًا حتى الموت". لدرجة أن عرقه كان يتصبب دمًا. شتان الفرق بين القول أن يسوع اختبر الحزن العميق، وبين الإدعاء أنه عانى من الاكتئاب. إن تعبير "كل شيء" هنا يفيد الأنواع والطرق التي جُرِّبَ بها وليس الحصر. لهذا جاء في بعض الترجمات الإنجليزية الحديثة tempted in every respect أو عبارات أخرى تفيد ذلك المعنى.

قبل أن نجيب عن سؤال هل صارع يسوع مع الاكتئاب، علينا أولاً أن نُعَرِّف ما هي أعراض ذلك المرض. طبقًا لبعض المواقع الطبية رفيعة المستوى مثل: المعهد القومي الأمريكي للصحة النفسية، جمعية الطب النفسي الأمريكية، مايو كلينيك، و Webmd (أنظر الروابط أسفل المنشور)، فإن أعراض الاكتئاب تكون:

عدم القدرة على التركيز، أو تذكر التفاصيل، أو صنع القرارات.
التعب الجسماني أو فقدان الطاقة حتى أن المهام الصغيرة تتطلب مجهودًا كبيرًا.
التفكير أو الكلام أو الحركة الجسمانية ببطيء.
الشعور بالذنب، وعدم الإستحقاق، والعجز، ولوم النفس، والنظر إلى الماضي.
التشاؤم واليأس.
الأرق والتيقظ في الصباح الباكر، أو النوم الكثير.
التهيج أو حدة الطبع حتى تجاه الأمور الصغيرة أو التافهة.
الضجر أو التوتر.
فقدان الاهتمام بالأشياء التي كانت ممتعة في السابق، بما في ذلك الأنشطة والرياضة والهوايات.
الإفراط في الأكل، أو فقدان الشهية.
أوجاع أو آلام أو صداع أو تقلصات مستمرة.
مشاكل في الجهاز الهضمي لا تتحسن، حتى مع العلاج.
مشاعر متواصلة من الحزن أو القلق أو الفراغ.
أفكار أو محاولات إنتحارية (واحد من كل عشرة أشخاص مكتئبون ينتحر).

طبعًا ليس من الضروري أن يعاني كل مريض اكتئاب من الأعراض السابقة كلها. لكن حتى في تعرض مريض الاكتئاب لبعض الأعراض السابقة فقط، لا يوجد حصانة، ولا يوجد اختيار لدى مريض الاكتئاب، في أن يتجنب معاناة أقسى تلك الأعراض وأخطرها. وعليه، فأن تقول أن يسوع أُصِيبَ بالاكتئاب، هو أن تقول أن يسوع كان عُرضة لأخطر الأعراض السابقة.

لنطبق إذًا بعض الأعراض السابقة على الرب يسوع المسيح لنرى إن كان قد أُصِيبَ بالاكتئاب حقًا. أي في ضوء تلك المصادر الطبية، هل صارع يسوع مع الاكتئاب لدرجة التأثير على قدرته في اتخاذ القرارت؟ كيف يمكن أن يتسق ذلك مع قرار سيره على الماء، وتوبيخه لليهود، وتطهيره للهيكل، وأصعب الكل عندما ثبت وجهه لينطلق نحو أورشليم؟ إن كلمة الله لا تعلم بأن الرب يسوع المسيح عانى من صعوبة أو صراع في اتخاذ القرارت. لقد كان له مطلق السيطرة على إرادته وعقله ونفسه.

هل عانى يسوع من الاكتئاب لدرجة أنه لم يكن يتذكر الأشياء؟ كيف تذكر كلمة الله إذًا؟ وكيف تذكر هويته المسيانية؟ ومهمته الكفارية؟ إن الادعاء بأن الرب يسوع عانى من الاكتئاب، وأنه إثر ذلك، كان عُرضة ألا يتذكر الأشياء، يطعن في مدى ادراكه لهويته المسيانية.

هل شعر الرب يسوع المسيح بفقدان طاقته؟ إن هذا ليصطدم بقول الكتاب أنه كان يجول باستمرار يصنع خيرًا، ويعظ ويصنع معجزات، وصام أربعين نهارًا وأربعين ليلاً حتى جاع أخيراً. ليست هذه سلوكيات من يشعر بفقدان الطاقة.

هل كان الرب يسوع يتكلم أو يفكر أو يتحرك أكثر بطئًا من الإنسان العادي؟ لا يمكن. إذ أن بشرية يسوع تخلو من كل تأثيرات الخطية الأصلية على الروح والجسد. إن قدرات يسوع العقلية والنفسية والجسدية كانت تساوي قدرات آدم قبل السقوط. وقدرات آدم قبل السقوط لم تكن قد تأثرت بعد بالفساد الذي أصابه وأصاب نسله. لقد استطاع آدم أن يقوم بتسمية الحيوانات في اليوم السادس. ويسوع ليس أقل من آدم قبل السقوط.

هل يمكن أن نقول أن الرب يسوع المسيح عانى من الشعور بالذنب ولوم النفس؟ إن كلمة الله تعلم بعكس ذلك "من منكم يبكتني على خطية؟".

هل صارع الرب مع الإحساس بعدم الاستحقاق؟ حاشا له فهو الذي باستحقاقه نلنا البركات. فمهما سألنا من الآب بإسمه يفعله لنا ليتمجد الآب بالابن (يو ١٤ : ١٣). كما أن الآب أرسل الروح القدس بإسم الابن (يو ١٤ : ٢٦). كل هذا يؤكد أن المسيحي كان يعي ويعلم باستحقاقه الشخصي.

ماذا عن التشاؤم واليأس؟ إن قلنا أن الرب يسوع المسيح أُصيب بهما، فكيف يستقيم ذلك مع إيمانه الذي لا تشوبه شائبة؟ وثقته في الوعود الكتابية؟ وثقته أن مهمته المسيانية ستنجح ويقوم من الموت ليتوج ويجلس عن يمين عرش الله كما صرَّح هو شخصًا؟

هل جاءت الرب يسوع المسيح نوبات من حدة الطبع أو الاهتياج حتى على الأمور الصغيرة التافهة؟ إن هذا لا يمكن أن يتسق حتى مع قول الكتاب أنه صلى من أجل صالبيه. بل وحتى في تطهيره للهيكل لم يتلفظ لفظًا ليس في محله، ولم يرتكب أي عنف أو أذى ضد الآخرين. 

هل عانى من الضجر أو التوتر؟ إنه رئيس السلام، ومانحه، ومصدره. إنه الإنسان الكامل الذي له سيطرة على عقله وجسده. في أقسى لحظات الظلم التي ممكن أن يتعرض لها إنسان لم يفتح فاه، بل سيق كشاة صامتة أمام جازيها.  

هل فقد الرب يسوع المسيح شغفه بالحياة أو الأشياء؟ إن الرب يسوع المسيح لم يفقد شغفه بمشيئة الله أو بخلاص الإنسان حتى أنه اعتبرهما طعامه "لي طعام لستم أنتم تعرفونه".

هل عانى الرب يسوع المسيح من صداع أو آلام مستمرة في الجهاز الهضمي؟ إن كلمة الله لا تقول ذلك.

هل شعر بالفراغ؟ كيف ونحن الذين من ملئه جميعًا أخذنا نعمة فوق نعمة؟

هل فكر يسوع في الإنتحار أو حاول أن ينتحر؟ طبعًا حاشا له، لأن هذا يعني أنه فكر في فعل الخطية، إذ أن الانتحار قتل للنفس. لكن لنفترض جدلاً أنه فكر في الإنتحار. ما الذي يضمن إذًا أن الصليب نفسه لم يكن محاولة إنتحارية، ولا سيما أنه في الليلة السابقة اختبر شديد الحزن؟ إن هذا عكس ما تعلمه كلمة الله. عندما حاول اليهود رميه من فوق الجبل جاز من وسطهم ومضى (لو ٤ : ٢٩ – ٣٠). وعندما حان الوقت ليضع نفسه تسليمًا لإرادة الآب ثبت وجهه لينطلق نحو أوروشليم. إن الرب يسوع المسيح كان في سلام مع نفسه، وسلطان تام عليها، لأنه قال "ليس أحد يأخذها مني، بل أضعها أنا من ذاتي. لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها".

نستنتج مما سبق أن الادعاء بأن الرب يسوع المسيح عانى من الاكتئاب، أو صارع معه، هو تصريح غير مسؤول، يصل، في رأيي، إلى حد التجديف. كما أن له تضمينات خطيرة على كمال بشرية يسوع وكفارته الكاملة.

للرب يسوع المسيح المجد الدائم إلى أبد الآبدين. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس