لماذا تسجل الأناجيل معجزات المسيح؟


ليس الغرض الوحيد لمعجزات المسيح هو إثبات حقيقته المسيانية كما علّم يوحنا "لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله" (يو 20 : 31). بل هناك، على الأقل، غرض آخر للمعجزات يمكن أن نسميه الربط بين المادي والروحي. أو التصعيد من الزمني إلى الأبدي.

إن المعجزات كانت علامة أو إشارة إلى حقيقة أعظم: أن من يستطيع شفاء الجسد، أو تسديد الحاجة المادية، يستطيع أن يشفي الروح، ويستطيع تقديم الشبع الروحي (مت 9 : 6). فالذي له سلطان على الطبيعة المادية، له سلطان أيضًا على عالم الروح. لا يوجد شيء غير خاضع له. معجزات المسيح، من منظور ما، تشير إلى عمل تكاملي شامل للنعمة holistic . لهذا يرى بعض الشراح أن من شفوا جسديًا بواسطة المسيح خلصوا أيضًا روحيًا. وهذا ليس بأي حال من الأحوال تأييد لإنجيل الرخاء. المسيح يقدم فعلاً خلاصًا شاملاً للروح والجسد. ولكن خلاص الجسد مؤجل إلى وقت مجيئه.

وإن لم يكن كل الذين شفاهم المسيح جسديًا شفاهم أيضًا روحيًا، تظل هذه الحقيقة باقية وغير متأثرة: أن المعجزات تربط الخلاص الزمني بالخلاص الأبدي. خلاص الجسد بخلاص الروح. لقد كانت، بصورة جوهرية، للفت الأنظار إلى حقيقة الخلاص من سلطان الخطية وعقابها من خلال شفاء الجسد وتسديد حاجته. لم يقم الرب يسوع المسيح بالمعجزات ليقدم شفاءً وقتيًا عابرًا، بل ليقدم لهم الخلاص الأبدي. إنه نوع من التصعيد من الأدنى إلى الأسمى، أو من الزائل إلى الباقي. وليس أقل من الرب يسوع نفسه هو الذي علّم بهذا الإرتباط.

نستدل على أن معجزات الشفاء كانت مدخلاً للشفاء الروحي أو للخلاص من خلال الربط الذي يقوم به الرب يسوع المسيح نفسه بعد اجراءه لتلك المعجزات. والربط بين الشفاء الروحي والشفاء الجسدي يأتي من خلال الربط بين التعاليم والمعجزات كأسلوب أدبي تتميز به الأناجيل. لقد اتخذ الرب يسوع المسيح معجزاته للشفاء، وتسديده للحاجات الجسدية، كمقدمات تصويرية لتعليمه عن نفسه بأنه طبيب الروح ومخلصها. تقول مقدمة إنجيل يوحنا في الـ Reformation Bible Study :

تَظْهَرُ آيات يسوع المعجزية وتعاليمه على أنها مترابطة. على سبيل المثال، إطعامه للخمسة آلاف يمهد لإعلانه عن ذاته على أنه خبز الحياة، الذي أعطي من الآب ليقدم جسده من أجل حياة العالم ( يو 6). شفاءه للمولود أعمى يقود إلى مناقشات حول العمى الجسدي والروحي (يو 9). ترتبط إقامته الجسدية للعازر (يو 11) بالمناقشات السابقة واللاحقة بخصوص هويته على أنها "القيامة والحياة" (11 : 25)، وبالتالي سلطانه في إعطاء الحياة لأولئك الذين يؤمنون به في الحاضر ودعوة الموتى من قبورهم في نهاية التاريخ (5:19 - 29).

نستدل على ذلك أيضًا من استعمال الرب يسوع مصطلح الخلاص لوصف الشفاء الجسدي. وفي نفس الوقت أيضًا من خلال الربط بين الإيمان والمعجزة (وهذان الأمران بدورهما يدعمان فكرة أن من شُفُوا جسديًا نالوا الخلاص). أي أن الشفاء تَطَلَّبَ إيمانًا، ليس فقط لأن الشفاء الجسدي يشير إلى الخلاص، بل هو من منظور ما خلاص أيضًا، وإن لم يكن الخلاص النهائي. إننا لا يمكننا أن نقول عن الشفاء الذي أجراه الرب يسوع المسيح أنه خلاصًا بالمعنى التقليدي، أو أنه خلاصًا نهائيًا. وعليه، فإن الشفاء من المرض صورة مصغرة من الشفاء الروحي. يقول اللاهوتي الكتابي شراينر:

لقد صِيغَ الارتباط بين الإيمان والغفران في قصة شفاء المفلوج. على الرغم من أن الإيمان المذكور هو إيمان أصدقائه بدلاً من إيمانه (متى 9 : 2، مر 2 : 5، لو 5 : 20)، من المحتمل أن المفلوج مارس الإيمان أيضًا. إن معجزات الشفاء التي كان يصنعها يسوع غالبًا ما كانت تعمل على مستويين، الأمر الذي يشير إلى كمال عمل يسوع. أولئك الذين تم شفاؤهم جسديًا شُفوا أيضًا روحياً. شُفيت المرأة المصابة بالنزيف لمدة اثني عشر عامًا عندما لمست ثوب يسوع. تترجم جميع النسخ الإنجليزية تقريبًا كلمات يسوع لها: "إيمانك جعلك صحيحة [شفاكِ]". لكن يسوع أعلن لها حرفياً: "إيمانك قد خلصك [sesōken]" (مت 9 : 22، مر 5 : 34، لو 8 : 48). كان كل من شفاءها الجسدي والروحي بسبب إيمانها. ومن اللافت للنظر أيضًا أنه في قصة ابنة يايرس، التي تشكل الإطار لقصة المرأة التي شُفيت من نزيفها، قال يسوع ليايرس عندما بدأ أمله في حياة ابنته يتلاشى: "لا تخف. آمن فقط" (مر 5 : 36، راجع لو 8 : 50)، مما يشير إلى أن الإيمان هو أساسًا ما يُطْلَب من البشر.

إن التطبيق الذي يمكن أن نستخرجه هنا هو أن المعجزات ليست مجرد أشياء حدثت في حياة المسيح أراد البشيرون فقط التأريخ لها. بل كما رأينا، فإن الأناجيل نفسها، من خلال الأساليب الأدبية التي تستعملها، تربط ببراعة بين المادي والروحي، الزمني والأبدي، الأرضي والسماوي. عندما نقرأ الأناجيل، أو نعظ منها، لا ينبغي أن ننظر إلى المعجزات كمجرد إثبات لمسياينية المسيح، أو كأعمال رحمة من طرفه. بل كأسلوب الأناجيل في لفت الإنتاه، والتصوير، بل والترميز، إلى يسوع كمخلص الروح وشافيها. هذا ليس إقلال من شأن المعجزات أو الشفاء الجسدي. لكننا في نفس الوقت لا نستطيع إلا نراها من خلال منظور متمركز حول الكفارة والخلاص.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس