هل يليق بنا كبروتستانت أن نستعمل مصطلح "والدة الإله"؟

تعودنا، كبروتستانت، أن نسمع الكثيرون بيننا يعلنون رفضهم القاطع لمصطلح ثيؤطوكوس، أي والدة الإله، والذي اِسْتُخْدَمَ في القرن الرابع للدفاع عن اتحاد الطبيعتان في المسيح منذ لحظة الحمل به. لكن الرفض البروتستانتي لهذا المصطلح غير مُبَرَّر. وإن كان هناك من منظور ما أسبابًا تجعلنا نتفهم الرفض، ألا وهي تلك الكرامات التي من الممكن أن يوحي بها ذلك المصطلح والتي نُسِبَت إلى العذراء بدءً من القرن الخامس حتى صارت مريم على قدم المساواة مع شخص المسيح نفسه.

إلا أن الأمر لم يكن هكذا منذ الوقت الذي دافعت فيه الكنيسة عن هذا المصطلح. بل ولم يكن هذا المصطح قد صيغ لإكرام العذراء أو للدفاع عنها هي بصورة أساسية. الأمجاد والكرامات التي ينسبها الطقسيون لمريم، كما أشرنا، جاءت لاحقًا. لكن المشكلة في القرن الرابع كانت إصرار النساطرة أنه لا يجوز القول أن مَنْ وُلِدَ من العذراء هو الله، بل المسيح كإنسان.

للرد على نسطور وأتباعه، كان لدى الكنيسة عدة إختيارات للتعبير عن إتحاد الطبيعتان في شخص المسيح منذ لحظة الحمل به: ١ - ثيؤطوكوس (والدة الإله)، ٢ - كريستوطوكوس (والدة المسيح)، ٣ - أنثروبوطوكوس (والدة الإنسان). من قالوا بأن مَنْ وُلد مِن العذراء ليس هو الله أرادوا مصطلح "أنثروبوطوكس". من الناحية الأخرى، أصرت الكنيسة التاريخية القويمة على استخدام المصطلح الأول "ثيؤطوكوس" للتأكيد على أن المولود من العذراء اتحدت به الطبيعتان قبل أن يولد ومنذ لحظة الحمل به. إلا أن نسطور أراد الثاني لأنه يسمح بعدم الخلط بين الطبيعتين (كما يرى هو) وفي نفس الوقت كنوع من المساومة بين المصطلحين الأول والثالث.

أرى أننا كإنجيليون لازلنا في حاجة ماسة للتمسك بهذا المصطلح التاريخي. كثيرون اليوم، دون وعي وربما بحسن نية، يدعون أن من وُلِدَ من العذراء هو الإنسان يسوع فقط، وأن الله لم يولد منها. لكن هذا معناه أنه لم يكن هناك اتحاد للطبيعتين منذ لحظة الحمل بالمسيح. وأنه صار كذلك في وقت لاحق على الولادة. الأمر الذي يقود في نهاية المطاف إلى بدعة التبنوية Adoptionsim. شتان الفرق بين القول أن اللاهوت لا يولد وبين القول أن المولود من العذراء هو إنسان والله معًا the God-man . تمامًا مثل القول أن اللاهوت لا يُجرَّب ولا يموت، لكن من جُرِّبَ ومات كان هو الإله-الإنسان يسوع المسيح. لهذا نحن لا نزال في حاجة إلى استعمال هذا المصطلح لحماية مفهوم اتحاد الطبيعتان منذ لحظة الحمل.

يؤكد المؤرخون البروتستانت على أن المقصود من وراء التمسك بمصطلح ثيؤطوكوس ليس نسبة كرامات خاصة إلى العذراء بل حماية الإتحاد بين الطبيعتان منذ لحظة الحمل بالمسيح. لم يكن المقصود من هذا المصطلح هو الحديث عن العذراء بقدر ما كان المقصود هو الحديث عن يسوع نفسه كالله الظاهر في الجسد منذ لحظة الحمل به. على سبيل المثال، يقول المؤرخ الكنسي خوستو جونزاليس:

"حدث هذا عندما أعلن نسطور أن مريم لا ينبغي أن تُدعى ثيؤطوكوس - أي حاملة الله - واقترح أن تُدعى كريستوطوكوس - حاملة المسيح. من الصعب على البروتستانت أن يفهموا ما كان على المحك هنا، لأننا تعلمنا أن نرفض فكرة أن مريم هي ‘والدة الإله’، ويبدو للوهلة الأولى أن هذا هو على المحك هنا. لكن في الحقيقة، لم يكن الجدل حول مريم بقدر ما كان حول يسوع. لم يكن السؤال هو ما هي الكرامات المستحقة لمريم، ولكن كيف يتكلم المرء عن ولادة يسوع". (Gonzalez, Story of Christianity)

نفس الشيء أيضًا يؤكد عليه المؤرخان راين ريفز ودونالد فيربيرن:

"بالنسبة للآذان البروتستانتية، فإن هذا اللقب [ثيؤطوكوس] ينم عن مريولوجي [ما يعلم به التقليديون من كرامات للعذراء]، وبحلول القرن الخامس كان الاهتمام بمريم بالفعل مفرطًا وفقًا للمعايير البروتستانتية اللاحقة. لكن في الوقت نفسه، فإن كلمة ثيؤطوكس، كما يستخدمها اللاهوتيون، لم تكن تتعلق بمريم بقدر ما كانت تتحدث عن ابنها. كان المعنى المقصود هو أن الطفل الذي ولدته، يسوع، كان هو الله. فقط إذا وضعنا جانبًا أي آراء سلبية لدينا – مهما كانت مبررة – حول المواقف المسيحية الشعبية تجاه مريم، يمكننا أن نفهم ما كان يحدث في عام ٤٢٨". (Fairbairn and Reeves, Story of Creeds and Confessions)

وأخيرًا، يشهد المؤرخ الكنسي نيك نيدهام عن نفس الحقيقة التاريخية بأن ثيؤطوكوس كان لقبًا لوصف المسيح أكثر من وصف العذراء نفسها:

"أعطى معظم المسيحيين مريم هذا اللقب (ثيؤطوكوس)، ودافع عنه بحماسة اللاهوتيون السكندريون مثل كيرلس بطريرك الإسكندرية من ٤١٢ إلى ٤٤٤. جادل الإسكندريون بأن المسيح هو الله، لذلك إن كانت مريم ولدت المسيح، فإن الذي وُلِدَ منها هو الله. لذلك كانت مريم هي والدة الإله. اتفق جميع اللاهوتيين تقريبًا الذين آمنوا بألوهية المسيح (بما في ذلك البروتستانت) على أن والدة الإله هو اللقب الصحيح لمريم. ومع ذلك، فإن درجة الحماس التي تمسك بها الناس بهذا اللقب في القرن الخامس قد تكشف أيضًا عن الطريقة التي كانت مريم قد بدأت بها تصبح موضوع العبادة الشعبية في الكنيسة. في غضون قرون قليلة أخرى، أصبحت مريم مهمة بنفس القدر الذي به كان المسيح مهمًا لدى الكثيرون". (Needham, 2000 Years of Christ’s Power)

بناء على ما سبق يتأكد لنا، ليس فقط أنه من المناسب لنا كبروتستانت استخدام هذا اللقب التاريخي، بل إننا في حاجة ماسة إليه لحماية عقيدة الإتحاد الهيبوستاتي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس