إجابات علي كتاب "أسئلة في العهد القديم" (6)


إِجابة 6:

نعم هناك مسافات ثقافية وحضارية بيننا وبين الكتاب المقدس لكن ليس به أخطاء




في هذا الفصل يشرح د.أ. كيفية تفسير الكتاب المقدس في ظل فكرة الأغلفة الثقافية والحضارية فيقول نص كتابه (ص 23) أن "قراءة الكتاب المقدس هي بين عصرين وعالمين، عصر الكتابة الأول وعصر القارئ المعاصر. فمن القواعد الأساسية للتفسير الكتابي أن يكون التفسير جسرا نعبر به من عالمنا المعاصر إلى عَالَم النص. وعندما ندخل إلى عَالَم النص، علينا أن نرى النص في إطاره الثقافي والتاريخي، وأيضا نتبين قيمته اللاهوتية. ففي نفس الوقت الذي فيه يحتوي النص على مبادئ وحقائق روحية صالحة لكل زمان ومكان، تظل به أيضا أغلفة ثقافية وحضارية منتمية للعالم الذي نشأ فيه النص. من هذه الأغلفة الرؤى العلمية القديمة التي أثبت العلم الحديث عدم دقتها، مثل تصوير الأرض باعتبارها مثل حقل كبير له أربعة أطراف أو زوايا، أو كونها مركز الكون كما أشرنا سابقا". وفي حاشية الكتاب (ص 24) يضع د.أ. الشواهد الكتابية كدليل على وجود أفكار علمية غير دقيقة في تلك الأغلفة الثقافية، والشاهدين المذكورين في الحاشية هما (إش 11 : 12) و (رؤ 7 : 1) وسنتناولهما بالتفصيل تباعا.

وقبل أن نشرع في شرح معنى الآيتين اللتان استخدمهما د.أ. لإثبات عدم دقة المحتوى العلمي للكتاب المقدس –  بحسب ادعاءه – أحب أن أعبر عن دهشتي هنا من موقفه، إذ يبدو لي أنه لم يقرأ كتابا للدفاع عن شبهات الكتاب المقدس، وإلا لما كان قد كتب ما كتبه. أو على الأقل كان من الإنصاف الرجوع إلى ما جاء في الكتب التي تقدم دفاعا عن الآيات التي استشهد بها كنوع من التقدير للقارئ وإحاطته علما بما يقال على جانبي المناقشة ومن ثم ترك الحكم النهائي له. على أي حال فالآيات التي استشهد بها د.أ. لإثبات وجود الأغطية الثقافية والحضارية التي تحتوي على إشارات علمية غير دقيقة ولا تتمشى مع مكشفات العلم الحديث لا تثبت صحة كلامه*.

معنى زوايا الأرض الأربعة

ونبرهن على قولنا هذا بأن تعبير "أربعة زوايا الأرض" (إش 11 : 12) جاء في السبعينية: "أربعة أجنحة الأرض"، وفي الترجوم: "أربعة رياح الأرض"، وجاء بنفس المعنيين السابقين في بعض الترجمات الإنجليزية أيضا. واللفظة العبرية (כּנף) والتي تُرْجِمَت "زوايا" تُنْطَق "كنف"، والقرابة بينها وبين الكلمة العربية "كنف" لا تخفي على القارئ. وقد ورد معنى "كنف" العربية في معجم المعاني الإلكتروني: "جانب، ناحية". كما ذكر أيضا قاموس سترونج بأن لفظة "كنف" العبرية يمكن أن تعني الآتي "حافة، طرف، جناح، ربع". وقد تُرْجِمَت نفس اللفظة العبرية تلك بمعنى "أطراف" كما في قوله "تحت كل السموات يطلقها كذا نوره إلى أطراف الأرض" (أي 37 : 3). بالإضافة إلى ما سبق فإن تعبير "أربع زوايا الأرض" والذي ينطق بالعبرية "أربع كنفوت هآرتس" جاء بكل من معجم ديفيد سجيف ومعجم المصطلحات الطبيعية (عبري-عربي) من موقع الدكتور فؤاد عبد الواحد ليعني: "الجهات الأصلية الأربعة" [1]. من كل ما سبق نخلص إلى أن أشعياء قصد بقوله "أربعة زوايا الأرض" هو أربعة اتجاهات الأرض: الشمال والجنوب والشرق والغرب.

وبالنسبة لقوله "أربع زوايا الأرض" (رؤ 7 : 1) فكلمة زوايا جاءت في النسخة اليونانية γωνία (جُونْيَا) ويمكن أن تعني "رُبْع"، وبالإنجليزية Quadrant أي "رُبْع الدائرة" وبناء على ذلك فالمقصود هنا هو أربعة أرباع الأرض. [2] يقول القاموس الإلكتروني (LSJ) أن كلمة "جُونْيَا" اليونانية استخدمت أيضا للإشارة إلى أربعة أرباع البوصلة كما في كتابات كلوديوس بطليموس.

بالإضافة إلى ذلك، فإن مفهوم أربعة اتجاهات، أو أجزاء، أو أرباع، أو أطراف، الأرض جاء في العهد القديم بتعبيرات مختلفة ليشير إلى نفس المعنى. فمثلا يرد "رياح السماء الأربع" في كل من حزقيال (37 : 9)، ودانيال (7 : 2، 8 : 8، 11 : 4)، وزكريا (2 : 6). ويرد "أربعة أطراف الأرض" في (اش 11 : 12)، و"أربعة أطراف السماء" في (إر 49 : 36). كل هذه التعبيرات المختلفة جاءت لتعني مفهوما واحدا: كل الأرض بامتداد اتجاهاتها أو أطرافها الأربعة، شمالا وجنوبا وشرقا وغربا. ولهذا فقد جاء تعبير يوحنا "أربعة زوايا الأرض" في تمام الاتساق مع أسلوب الأنبياء في العهد القديم.

وعلى العكس مما هو شائع فقد ذكر الكتاب المقدس في أكثر من موضع أن الأرض كرة: أولا قوله في (إش 40 : 22) "الجالس على كرة الأرض وسكانها كالجندب". ولفظة "كرة" في العبرية هي " חוּג" (خوج). والتأكيد على كروية الأرض هنا واضح جدا. ثانيا قوله "رَسَمَ حَدَّا على وجه المياه عند اتصال النور بالظلمة" (أي 26 : 10)، وقد وردت في بعض الترجمات كالآتي "رسم دائرة على وجه المياه". ولفظة "حدا" في الأصل العبري هي نفس الكلمة العبرية السابق الإشارة إليها (خوج) وتعني "يرسم دائرة". وفي قوله اتصال النور بالظلمة يشير إلى أنه عندما يكون نصف الكره مضيئا بسطوع الشمس عليه فإن النصف الآخر يكون مظلما لغياب الشمس عنه.  وثالثا قوله "لما ثبت السماوات كنت هناك أنا. لما رسم دائرة على وجه الغمر" (أم 8 : 27). يمكن أن يعني ذلك أن كل من الأرض والمياه أخذا شكلا دائريا. يقول جون جيل في تفسيره لهذه الآية: "أنه جعل الأرض والبحر كرويان .. كرة واحدة من الماء والأرض".

نظرية التطور ليست علما تجريبيا بشهادة العلماء الداروينيون أنفسهم

وفي نفس الصفحة يؤكد د.أ. على مبدأ إمكانية تصديق الكتاب المقدس فيما يتعلق بالحقائق الروحية التي نجنيها بعد عبورنا فوق الجسور الثقافية والحضارية فقط وفي نفس الوقت علينا إغفال كل ما يمس الحقائق العلمية. وقد جاء نص الكلام كالآتي "وعندما نتعامل مع النصوص بهذه الطريقة، فإننا نستطيع أن نأخذ الحقائق اللاهوتية التي يمكن تطبيقها في حاضرنا، ونعود بها عبر جسر التفسير إلى عالمنا المعاصر لكي نطبقها على واقعنا الروحي الحالي، وبهذا نحقق الهدف الرئيسي من قراءة الكتاب المقدس، وهو هدف ليس علميا مطلقا وإنما هو هدف روحي، وهو أن نعرف الله ونعرف أنفسنا ونقدم أنفسنا له في علاقة حب وخضوع وتكريس. أما عندما لا نقرأ الكتاب المقدس بهذه الطريقة، ونقرأه بطريقة حرفية معتبرين أن هذه النصوص تعبر عن حقائق علمية عن طبيعة العالم وبدايته، ونشوء الحياة، فإننا، كما قال أغسطينوس نقدم تفسيرات مضحكة تلوي عنق النص الكتابي والعلم المعاصر على حد سواء. ولا نستطيع عندئذ أن نلوم من يحاورون ويتساءلون ويفقدون الإيمان تماما".

أعتقد أنه آن الأوان لنسأل د.أ. ما الذي يقصده بلفظة "عِلْمْ"؟ ويبدو لي من اللغة المستخدمة هنا في الكلام الذي أوردناه أن هناك خلطا للمفاهيم بأسلوب دوجماتي متزمت من د. أ. كعادته، فقد ذُكر بالنص "معتبرين أن هذه النصوص تعبر عن حقائق علمية عن طبيعة العالم وبدايته، ونشوء الحياة". والسبب في أننا نرى في ذلك خلطا للمفاهيم هنا هو أن د.أ. يعتبر بداية العالم ونشوء الحياة "حقائق علمية"! وهذا غير صحيح، فبداية العالم ونشوء الحياة وتطورها، إلى آخر كل هذه، لا تندرج تحت بند "الحقائق العلمية"، ولكنها كلها علوما تأريخية تقوم على افتراضات محض وغير مثبتة بواسطة أدوات العلم التجريبي من تجربة ومشاهدة. إذا فهنا نجد خلطا من جانب د.أ. بين العلوم التجريبية Operational Sciences والعلوم التأريخية Historical Sciences. ولعل أحدهم يعترض هنا بأن هذا التصنيف هو من اختراع الخلقيين (الذين يؤمنون بستة أيام خلق حرفية)، حينئذ يمكننا أن نحتج بما جاء على لسان عالم الأحياء الدارويني إيرنست ماير فهو يرى أن "داروين أدخل التاريخ إلى العلم. فالبيولوجيا الداروينية هي علما تأريخيا وذلك على خلاف الفيزياء والكيمياء. التطوريين يحاولون شرح الأحداث والعمليات التي حدثت بالفعل، ولكن القواعد والتجارب هي تقنيات غير ملائمة لشرح تلك العمليات والأحداث". [3]

يُعَرِّف قاموس ميريام ويبستر الإنجليزي مصطلح "العلم" Science بأنه "معرفة أو دراسة العالم الطبيعي تأسيسا على الحقائق التي تم تعلمها من خلال التجارب والرصد". تعرفه أيضا الموسوعة البريطانية على الإنترنت بأنه: "أي نظام معرفي مَعْنِيِ بالعالم المادي وظواهره والذي يستتبع مشاهدات [رصد] غير متحيزة وتجريب منهجي". وبناء على هذين التعريفين اللذان يؤكدان على ضرورة الرصد للعالم الطبيعي في الحاضر، يحق لنا أن نسأل: هل يمكن إدراج بداية العالم ونشوء الحياة – بحسب ما ذكر د.أ. – تحت بند العلم التجريبي؟ لا أعتقد ذلك. فالداروينية تقول أن الانفجار الكبير حدث منذ حوالي أربعة عشر مليار عام، وأن المحيطات تكونت منذ 3.8 مليار سنة، وأن الحياة نشأت في المحيط ثم تطورت وانتقلت إلى اليابسة، ثم بدأ الإنسان في الظهور من حوالي مليون أو مليوني سنة مضت. وكل هذه الاستنتاجات مؤسسة على افتراضات محض لم يراها أحد أثناء حدوثها وبالتالي لا علاقة لها بالعلم التجريبي، وذلك ببساطة لأنه لا يمكن قياسها والتأكد من صحتها باستخدام وسائل العلم التشغيلي لأنها حدثت في الماضي، فلا تستطيع تكرارها أو رصدها. بل هي أحداث تاريخية فريدة وغير متكررة (هذا طبعا إن صَحَّتْ). وعندما تسأل التطوريين بما أننا لا نستطيع العودة للماضي لمشاهدة التطور أثناء حدوثه، فكيف إذا يمكننا رصده وملاحظته في الحاضر، يجيبونك بأن هذا غير ممكن الحدوث لأن عملية التطور بطيئة جدا لدرجة لا يمكن ملاحظتها.

وهناك الكثير من أقول العلماء تثبت أنه لا يمكن تطبيق أدوات العلم التجريبي على فرضية التطور بكل أنواعها، الأمر الذي يُخْرِجُهَا خارج مجال العلوم التجريبية. ولكننا سنكتفي ببعض ما قيل من أبرز العلماء الذين يؤمنون بالداروينية. فمثلا ذكر ثيودوسيوس دوبزانسكي عالم الجينات والأحياء التطورية أنه "حتى عندما تحدث التغيرات التطورية فإنها بطبيعتها تكون "فريدة وغير متكررة ولا يمكن عكسها"، ويضيف أيضا "أن إمكانية تطبيق الأسلوب العلمي التجريبي لدراسة مثل هذه العملية التاريخية الفريدة محدودة جدا" [4].

وإن كان دوبزانسكي يرى أن إمكانية تطبيق الأسلوب العلمي على نظرية التطور محدودة، فإن هناك من يرى أن هذه الإمكانية غير متاحة بالمرة. وهذا ما يقوله العالم الدارويني المعروف بول إيرلتش: "أن نظرية التطور لا يمكن دحضها بأي طريقة رصدية ممكنة وبذلك تكون خارج مجال العلم التجريبي" [5]

ريتشارد دوكينز الملحد الدارويني الغيور نفسه اعترف قائلا: "عملية التطور تم رصدها إلا أنه لم يتم رصدها أثناء حدوثها". [6] وطبعا لا نتوقع أن يرفع دوكينز الراية البيضاء بسهولة لهذا نجده يناقض نفسه بقوله تم رصدها ولم يتم رصدها.

عالم الحفريات والأحياء والمؤرخ بجامعة هارفارد سابقا  ستيفين ج. جولد (وهو من كبار علماء التطور توفي عام 2002)، يقول أيضا: "الندرة الشديدة في الأشكال الانتقالية للسجل الحفري تظل باقية كَسِرّ المهنة لعلم الحفريات .. ولكي نحافظ على قصتنا التطورية المحببة بواسطة الانتخاب الطبيعي فإننا عندما نستعرض البيانات التي لدينا (نجد) أنها سيئة للغاية لدرجة أننا لم نرى العملية التي نعترف أننا ندرسها إطلاقا". [7] أيضا "الانحياز العام لدى الكثيرين منا تجاه نظرية التطور التدريجي هو موقف ميتافيزيقي [توجه إيماني] مترسخ في التاريخ الحديث للحضارة الغربية: وهو ليس مشاهدة تجريبية قوية تم استنتاجها من الدراسة الموضوعية البحتة للطبيعة". [8]

يعترف أيضا ديفيد واطسون عالم الزولوجيا (الحيوان) بصراحة شديدة بالطبيعة الدينية لنظرية التطور كبديل للخلق الكتابي، مما يدل على أنها شيئا لا يمكن رصده. وعلى حد تعبير واطسون الشديد الصراحة: ".. نظرية التطور مقبولة عالميا ليس لأنه يمكن إثبات صحتها بالدليل المترابط منطقيا بل لأن الخيار الوحيد أمامنا هو الخلق الذي الأمر الذي لا يمكن تصديقه". [9]

يرى جيري أ. كُويْنْ (أستاذ في قسم البيئة والتطور بجامعة شيكاغو وهو كاتب غزير الإنتاج في مجال التطور)، أن نظرية التطور شبه علم، أو قل علما زائفا، المكان الذي يليق بها هو القاع حيث أشباه العلوم التي عاف عليها الزمن: "في ترتيب العلوم، يقبع علم الأحياء التطورية بالقرب من القاع، أقرب جدا إلى علم الفرينولوجيا [علم فراسة الدماغ وهو علم زائف] منه إلى الفيزياء. إذ أن علم الأحياء التطورية هو علم تأريخي مُحَمَّل بافتراضات التاريخ المحتومة والتي لا يمكن معرفة صحتها. ونحن علماء الأحياء التطورية، غير قادرين على توليد حديقة ترجع إلى العصر الطباشيري ليمكننا رصد ما الذي قتل الديناصورات بالضبط، على خلاف العلوم الصعبة الأخرى، فنحن لا نستطيع حل المشكلات بمجرد تجربة بسيطة مثل إضافة المادة "أ" إلى المادة "ب" ملاحظين لون الخليط الناتج". [10]

ولا ينبغي أن نغفل هنا أن العلماء الذين أوردنا أقوالهم يؤمنون بفرضية التطور، ولكن إيمانهم بها لم يمنعهم من رؤية عيوبها الخطيرة والتحلي بالأمانة العلمية، الأمر الذي نمدحهم عليه ونقدره لهم. بل إن هناك من العلماء من هم أكثر صراحة وجرأة في إعلانهم ليس فقط أن نظرية التطور تندرج تحت بند العلوم التاريخية المؤسسة على الافتراضات الغير قابلة للرصد بواسطة العلم التجريبي، وأنها عقيدة دينية، وأنها علم زائف، بل هناك أيضا من يرون أنها خاطئة. يقول كيفين كِيلِّي (مُحَرِّر وصحفي له مؤلفات عديدة):

'إنها خاطئة تماما. إنها خاطئة مثلما كان الطب المُعْدِي خاطئا قبل باستور. إنها خاطئة مثلما كان علم الفرينولوجيا خاطئا' إن قائل ذلك هو عالمة الأحياء الجريئة لين مارجوليس بخصوص هدفها الأخير: عقيدة التطور الدارويني. ... إن مارجوليس ليست وحدها في تحدي معقل النظرية الداروينية، لكن القليلين استطاعوا أن يكونوا صرحاء هكذا. إن الاختلاف مع داروين يمثل لدى العاميين اعتناق عقيدة الخلق التاريخية، وبالتالي فإن وصمة العار التي يمكن أن تتحملها السمعة العلمية لاعتناق عقيدة الخلق، والمقترنة بعفريت داروين المخيف، منعت الجميع، فيما عدى مُحَطِّمِي الأيقونات الشجعان، من الشك على الملأ في نظرية داروين. [11]

(الكاتب يستخدم هنا حادثة معروفة في التاريخ المسيحي البيزنطي في القرن الثامن عندما قام البعض بتحطيم أيقونات القديسين وتماثيلهم لأنها خاطئة، كإسقاط على ما يحدث الآن في الساحة العلمية بتحطيم بعض العلماء الشجعان لأيقونة التطور الدارويني لأنهم يرونها خاطئة. ملاحظة: مارجوليس بقيت داروينية كما هي ولكنها احتجت بأن العلاقات التكافلية هي التي دفعت التغيرات التطورية)

وكل ما قيل سابقا حول كون نظرية التطور علما زائفا، يجعلنا ألا نُفَاجَئ بأنه لا يوجد إسهاما علميا واحدا لها. خذ مثلا مجال الطب: نقلا عن عالم النبات المسيحي دون باتون والذي يؤمن بالنظرة الحرفية التاريخية للإصحاحات الإحدى عشر الأولى من سفر التكوين، يقول د. مارك كيرشنر المؤسس لقسم علم أنظمة الأحياء بجامعة هارفارد: "في الحقيقة عبر المائة سنة الماضية تقريبا كل علم الأحياء (البيولوجيا) أحرز تقدما باستقلال عن التطور، ما عدا الأحياء التطورية نفسها. فعلم الأحياء الجزيئي والكيمياء الحيوية والفسيولوجيا لم تأخذ أبدا في اعتبارها نظرية التطور". [12]

أيضا، وفي هذا الصدد، بعث الدكتور مايكل إجنور أستاذ جراحة الأعصاب بجامعة ستوني بروك، بخطاب لطلاب مدرسة ثانوية يؤكد فيه أن الطبيب لا يحتاج أن يتعلم عن نظرية التطور لكي يمارس الطب، فتعرض لحملة من التشويه كادت تودي بمستقبله المهني. وجدير بننا أن نقتبس بعض ما جاء بهذا الخطاب نظرا لأهميته:

"الأطباء لا يدرسون التطور. لا يدرسها الأطباء أبداً في كلية الطب، ولا يستخدمون أبدًا الأحياء التطورية في ممارستهم. لا توجد دورات في كلية الطب في التطور. لا يوجد "أساتذة للتطور" في كليات الطب. لا توجد أقسام للأحياء التطورية في كليات الطب".

"أنا أستاذ جراحة المخ والأعصاب، أعمل وأدرّس في كلية الطب، وأقوم بالبحث في المخ، وخلال 20 عاما قمت بإجراء ما يزيد عن 4000 عملية جراحية في المخ. أنا لا استخدم أبدا الأحياء التطورية في عملي. هل سأكون جراحا أفضل إذا افترضت أن المخ نشأ عن طريق أحداث عشوائية؟ بالطبع لا. الأطباء هم رجال مباحث".

"لكن الأحياء التطورية نفسها، والمختلفة عن هذه المجالات العلمية ]ويقصد العلوم الحقيقية كعلم الجينات وعلم الأحياء الدقيقة[، لا تُسْهِم في الطب الحديث".

"في الواقع، أعتقد أنه من الصواب أن نقول إن الإسهام الوحيد الذي قدمته نظرية التطور للطب الحديث هو بالانحدار به في الطريق المرعب لعلم تحسين النسل، والذي جلب التعقيم القسري والأذى الجسدي إلى آلاف عديدة من الأمريكيين في أوائل القرن العشرين. هذه مساهمة جلبت العار – وليس التقدم – إلى المجال الطبي". [13]

وفي النهاية أود القول هنا بأني أنا شخصيا كنت واحد من أولئك الذين "يحاورون ويتساءلون" ولكني لم أفقد الإيمان بتاتا، حتى عندما لم أكن أمتلك إجابات على أسئلتي. بل بحثت عن إجابات وأنا في حالة من الخضوع والتصديق بكل ما جاء بالكتاب المقدس. حتى تلك النصوص التي بدت متعارضة مع الحقائق العلمية. بحثت عن إِجابة لها وأنا أصدق أن كلمة الله ستنتصر في النهاية. ولم أكن يوما متحفزا ضد كلمة الله، بل دائما ما كنت أنظر إليها على أنها أقوال الله التي لا تخطئ أبدا. بل ولازال هناك الكثير من الأمور التي لا أفهمها في كلمة الله، ولكني أقترب من تلك النصوص الصعبة وأنا منحني الرأس باسط اليدين لأعلى جاعلا كلمة الله هي مرجعي الذي لا يخطئ ومتسائلا مع أهل بيرىة "هل هذه الأمور هكذا؟". ولعل التوجه القلبي هو الذي أحدث الاختلاف بين رد فعلي تجاه ما لم أفهمه وبين ردود فعل أولئك الذين فقدوا إيمانهم تماما إبان بحثهم عن إجابات شافية لأسئلتهم.

---------- 

*نحب هنا أن نسجل تحفظنا على استعمال كلمة "أغلفة حضارية وثقافية"، ونري أن الأصح هو القول "مسافات حضارية وثقافية" بيننا وبين الثقافات القديمة التي كتبت في ظلها أسفار الكتاب المقدس. وذلك لأن كلمة "أغلفة" يمكن أن توحي بأن الكتاب المقدس مغلفا ومدفونا تحت طبقات حضارية وثقافية جعلته غير واضح في رسالته العامة. ولكن هذا غير صحيح، فكلمة الله واضحة وصريحة في رسالتها، حتى وإن كان هناك بعض الأجزاء عسرة الفهم بها كما قال بطرس. بل وحتى في ذلك، فإن الأجزاء السهلة من الكتاب المقدس  يمكنها أن تلقي ضوءا على الأجزاء الصعبة منه. وإن جاز لنا (على سبيل الجدل) أن نستخدم تعبير د. أ. بوجود أغلفة حضارية وثقافية، إلا أنه لا يمكننا القول أن تلك الأغلفة الحضارية والثقافية سببت بأي  حال من الأحوال أن تحوي كلمة الله أخطاء علمية أو تاريخية. نعم هناك مسافات حضارية وثقافية ولغوية وجغرافية ولاهوتية بيننا وبين الظروف والأوقات التي كتبت بها أسفار الكتاب المقدس، إلا أن تلك الأسفار الستة والستين جاءتنا خالية من أية أخطاء علمية أو تاريخية.





[1] قاموس ديفيد سجيف عبري - عربي
[2] The MacArthur Bible Commentary
[3] Darwin's Influence on Modern Thought by Ernst Mayr, November 4, 2009
http://www.scientificamerican.com/article/darwins-influence-on-modern-thought/
[4] The Darwinian Delusion: The Scientific Myth of Evolutionism by Michael Ebifegha, p55
[5] Scientific Creationism by Henry Morris, p6-7
[6] The New Answers Book 1 by Ken Ham, page 295
[7] The Death of Evolution By Michael Ebifegha, page 202
[8] Punctuated Equilibrium's Threefold History by Stephen Jay Gould
http://www.stephenjaygould.org/library/gould_structure.html
[9] Scientific Creationism By Dr. Henry M. Morris, page 8
[10] Evolution, Gender and Rape Cheryl Brown Travis (editor), Chapter by Jerry A. Coyne, p171
[11] Evolutionists Say the Oddest Things, Lita Cosner, Editor, Chapter by Don Batten, PhD, p27-28
[12] 15 Questions for Evolutionists, Evolution: the naturalistic origin of life and its diversity
https://creation.com/15-questions-for-evolutionists
[13] ‘Why would I want my doctor to have studied evolution?’, Michael Egnor, March 9, 2007
https://evolutionnews.org/2007/03/why_would_i_want_my_doctor_to/

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس