تفنيد ادعاءات ماهر صموئيل حول التبرير والإصلاح ولوثر


تصريح حديث لماهر صموئيل يطعن فيه في كل من تعليم التبرير بالإيمان وحده باعتباره، المبدأ الجوهري لحركة الإصلاح البروتستانتي، وفي صلاحية لوثر كلاهوتي. وجاء تصريحه مليئًا بالمغالطات التي تدل على منهج معادٍ للإصلاح البروتستانتي بما يمثله من مباديء كتابية مثل التبرير بالإيمان وحده والجانب القضائي للخطية. في هذا المقال سأقوم بالرد على تلك التصريحات الخطيرة.

يقول ماهر صموئيل في هذا المقطع أن "الكنيسة كانت لا تتكلم كثيرًا عن التبرير، بينما نحن كإنجيليين تركيزنا كله على غفران الخطايا والتبرير".

الكنيسة لم تتكلم كثيرًا عن التبرير قبل الإصلاح ليس معناه أن التبرير كان أمرًا غير هامًا كما يحاول ماهر صموئيل تهميشه. بل كانت هناك قضايا أخرى ماسة أولت الكنيسة اهتمامها إليها نظرًا للهجوم عليها بواسطة الهراطقة. مثل الثالوث وطبيعتا شخص المسيح الواحد. إن الكنيسة لم تتكلم عن الخلاص (بصورة مباشرة) بقدر كلامها عن الثالوث وطبيعتا المسيح في شخصه الواحد. طبعًا شَكَّلَ الخلاص خلفية الصراع مع الهرطقات التي تعرضت لتعليم الثالوث وأقنومية الابن والروح القدس. وإن كانت الكنيسة لم تتكلم عن التبني كثيرًا (أو بنفس القدر)، الأمر الذي ينسب له ماهر صموئيل مركزية فوق التبرير، فهل هذا يعني، طبقًا لنفس منطق ماهر صموئيل، أن التبني لم يكن أمرًا هامًا قبل الإصلاح؟ إن كثرة حديث الكنيسة عن تعليم ما في حقبة ما معيار غير دقيق لقياس مدى مركزية هذا التعليم للمسيحية.

يقول أيضًا ماهر صموئيل أن "مفهوم الخلاص لدينا اِخْتُزِل إلى غفران الخطايا والتبرير".

هذا كلام غير صحيح من طرف الدكتور ماهر صموئيل. على العكس من ذلك، فإن المصلحون أولوا اهتمامًا مماثلاً إلى باقي التعاليم كالتجديد، والتقديس. ولا سيما هذا الأخير في خلافهم مع الكنيسة القروسطية، الأمر الذي ظهر في حرصهم الشديد على التمييز بين التبرير والتقديس. إلا أن اعطاء المركزية للتبرير من قبل المصلحين كان له مسوغاته لديهم. إذ يكمن في خلفية ذلك إدراكهم للخطية كذنب. الأمر الذي يحاول ماهر صموئيل تهميشه وطمسه بالقول أن لوثر، ما معناه، كان غير سوي نفسيًا لوجود عقدة ذنب لديه. إلا أن الخطية كذنب أمر في صميم الحق الكتابي من التكوين إلى الرؤيا (طبقًا لمنطق ماهر صموئيل يبدو أن داود هو الآخر كان يعاني من شعورًا مفرطًا بالذنب عندما قال: "لأني عارف بمعاصيَّ وخطيتي أمامي دائمًا" مز٥١). الأمر الملفت للنظر أن تهميش ماهر صموئيل للتبرير، ومن ثم للجانب القضائي للخطية، يأتي بالاتساق مع تعريفه للخطية تعريفات سيكولوجية كما قال قبل ذلك بأنها "الدوران حول الذات"، وبالاتساق أيضًا مع وصفه للجحيم بأنه نوع من الحجر الصحي (ولا سيما أنه تسائل ما المانع أن تكون العقوبة في الجحيم مؤقتة).

للخطية بعد خارجي وبعد داخلي. البعد الخارجي هو الجانب الموضوعي الذي يخص علاقتنا (القضائية) مع الله. والذنب يصف كسرنا لناموس الله. البعد الداخلي للخطية، أي النجاسة، يصف حالتنا الداخلية. أي مسيحي كتابي لا يمكن إلا وأن يعطي جانب مركزي للخطية كذنب (هذا لا يعني تهميش البعد الداخلي للخطية)، ومن ثم للتبرير كالحل المقدم من الله على هذه المشكلة. لكن ماهر صموئيل يريد أن يعطي أولوية للجانب الاختباري، كعادته، كما في تشديده على التبني باعتباره مركزي للخلاص لديه (إلا أن التبني يخص مركز المؤمن وليس فقط اختباره مع الله كما سنرى).

ثم يصرح ماهر صموئيل عن اعطاء المركزية للتبرير في المنهج المصلح: "هذا خطير، لأن التبرير في الإيمان المسيحي وسيلة، وليس الغاية".

الخطير هنا هو أن ماهر صموئيل يحاول جعل التبرير مجرد وسيلة والتبني هو الغاية. إلا أن هذا غير صحيح. فكل من التبني والتبرير مركزان قضائيان أمام الله. صحيح أن أحد جوانب التبني هو العلاقة الاختبارية كأبناء لله، إلا أنه في الأساس مركزًا أمامه يصير لنا بناء عليه حق الورثة (وليس جانب علاقاتي كما يحاول ماهر صموئيل أن يظهره). نحن لا نكف عن كوننا مبررون، بل نظل مبررون إلى الأبد. ولم تنته علاقتنا بالتبرير بمجرد أن تبررنا كأنه أصبح شيئًا من الماضي، بل "نحن متبررون (اسم مفعول) الآن" (رو 5 : 9)، و"متبررين (اسم مفعول) مجانًا بنعمته" (رو 3 : 24). إننا نظل عبيد مبررون بقدر ما نظل أبناء أحباء إلى الأبد. ذلك لأن الله يظل بالنسبة لنا ملك وأب. التبرير يظل واقعنا حتى في الأبدية.

إن ماهر صموئيل وقع هنا في نفس الخطأ الذي يحاول عبثًا أن ينسبه للمنهج المصلح (اختزال الخلاص في التبرير) من خلال اختزاله لأمجاد الفداء والعلاقة مع الله في التبني. فنحن في الأبدية سنظل مختارين وقديسين ومبررين ومجددين وأبناء وإخوة بنفس القدر. مرة أخرى أكرر، كان لدى المصلحون المسوغات الكافية لاعطائهم المركزية للتبرير: ألا وهو الجانب القضائي للخطية. ذلك البعد الموضوعي من الخلاص الذي يعني أن المسيح وَجَّهَ كفارته لله بصفة أساسية (منظور متمركز حول الله) لكي يحمل عنا عقاب خطايانا أمامه (البعد الخارجي للخطية).

يواصل ماهر صموئيل تصريحاته قائلاً: "سبق وعيننا مش للتبرير، للتبني".

في الحقيقة لا يوجد استغفال أكثر من العبارة السابقة. فهي غاية في الاجتزاء والاختزال. فالأبناء لا يمكن أن يكونوا إلا أبناء مبررين لأنهم كانوا قبلاً "بالطبيعة أبناء الغضب" (أف 2 : 3). إن الله لم يمنحنا التبرير لكي نكون أبناء، بل منحنا الإثنان معًا عند اتحادنا بالمسيح. إن نفس النص الذي اقتبسه ماهر صموئيل ينسب الاختيار لأمر آخر إلى جوار التبني: "التقديس". وهذا واضح في قول بولس "اختارنا فيه ... لنكون قديسين" (أف 1 : 4). كما أن سلسلة الخلاص في رومية 8 تنسب قصد الله الأزلي في الاختيار إلى التبرير والتمجيد أيضًا "لأن الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه، ليكون هو بكرًا بين إخوة كثيرين. والذين سبق فعينهم، فهؤلاء دعاهم أيضًا. والذين دعاهم، فهؤلاء بررهم أيضًا. والذين بررهم فهؤلاء مجدهم أيضًا". إن الله اختار خطاة ليدعوهم ويبررهم ويقدسهم ويمجدهم وليس فقط ليكونوا أبناء. قد يكون هنا نوع من الترتيب، إلا أنه ترتيب منطقي وليس ترتيب زمني.

كما أنه بناء على منطق ماهر صموئيل فإن رومية 8 : 29 التي تقول أن الله عيننا لنكون مشابهين صورة ابنه ليكون هو بكرًا بين إخوة كثيرين تصبح في تناقض مع الاختيار للتبني. إن بولس هنا لم يذكر شيء عن التبني بل إخوة المسيح لنا.

ثم بعد أن يغدق ماهر صموئيل المدح على لوثر يقول بلغة الطبيب النفسي كما اعتدناه، وليس بلغة المعلم الكتابي، أن: "لوثر كان محكوم بالشعور بالذنب. ومن يقرأ قصة حياته يجد أن الشعور بالذنب كان مرعبًا ثقيلاً في حياته. فكانت أعظم نعمة عنده أن يحصل على الغفران والتبرير".

الغريب أن الدكتور ماهر يردد الهجوم الذي يُقال عن لوثر بواسطة العلمانيين لتشويه حركة الإصلاح البروتستانتي. الأكثر من ذلك أن العلمانيين قالوا هذا الأمر عن أغسطينوس أيضًا. الأمر الذي يدل على أن منهج الطعن في تعاليم النعمة واحد، سواء كان أغسطينوس أو لوثر هو من دافع عنها. وإن افترضنا جدلاً أن لوثر كان يعاني من الشعور المفرط بالذنب، ماذا عن كوكبة أخرى من المصلحين العظماء مثل كالفن وزوينجلي وجون نوكس الذين كان لهم اهتمامًا مماثلاً بهذا التعليم الجوهري؟ هل كانوا جميعًا مرضى بالشعور بالذنب؟ ماذا عن الآلاف من البيوريتان؟

إلا أنه لم يكون شعورًا مرضيًا بالذنب لدى لوثر، بل كان إحساسًا روحيًا مرهفًا بقداسة الله. يقول سبرول عن ذلك:

"كمن فُتِحَت أعيننا على طبيعة الرب الحقيقية، فإننا نعرف لماذا صارع لوثر مع مثل هذا الذنب. لقد فهم قداسة الله المهيبة أفضل من معظم الناس، وهذا ما دفعه إلى الخوف من الدينونة الإلهية. إنه لا خيار لدى المفكرين العلمانيين سوى أن ينظروا إلى لوثر على أنه مجنون، لأن هذا هو التفسير الوحيد الذي يمكن أن يفهمه أولئك الذين لا يعرفون قداسة الخالق وعمق خطيئتهم. ومع ذلك، لم يعش لوثر حياته اللاحقة في يأس. فقد دفعه ذنبه إلى الكتاب المقدس، حيث اكتشف أنه يمكن أن يُخسب إلينا بر المسيح بالإيمان وحده وأن نقف بلا خوف في يوم الدينونة (رومية 1: 16-17). في المسيح، لا داعي لأن نخاف ربنا الأقدس".

تطبيقًا لكلام سبرول، إذًا، فإن من يطعنون في لوثر على أنه كان مريضًا بالشعور المفرط بالذنب، يفتقرون إلى نفس البصيرة الروحية واللاهوتية التي كانت له بقداسة الله، وبكون الخطية ذنبًا يحتاج إلى التفكير لدى هذا الإله كلي القداسة!

أخيرًا يصرح ماهر صموئيل: " ‘أما البار فبالإيمان يحيا’. لكن للأسف الشديد توقف البروتستانت عند هذه الآية وأهملوا التراث السابق الذي كان يتكلم عن قضية أعمق من مجرد التبرير".

لم يهمل الإصلاح البروتستانتي التراث السابق أبدًا، فهم أكثر من اقتبسوا الآباء. يكفي أن تقرأ مباديء كالفن لترى كم الاقتباسات من الآباء وكم التفاعل معها. ولوثر كان راهبًا أغسطينيًا تربى على كتابات الآباء. كما أن جوهر الإصلاح البروتستانتي كان هو اعادة اكتشاف الإنجيل الذي كان محور تعليم الآباء، الأمر الذي تم التعبير عنه بالقول Ad fontes ، أي إلى المنابع. المصلحين لم يكونوا مجددين بقدر ما كانوا مطهرين للقديم.

إلا إذا كان يقصد الدكتور ماهر صموئيل بـ "التراث السابق" ما يُعرف بالأرثوذكسية الشرقية، أو "الثيوسيس"، كما صرح بذلك صراحة في حلقته "سرانية الصليب". قال ماهر صموئيل أن لديه ثلاثة مشاكل مع البدلية العقابية مقترحًا بدلاً منها "الثيوسيس" الذي يُترجم "التأله"، ولكن هو ترجمه إلى "التوحد". الثيوسيس هو تعليم الأرثوذكسية الشرقية بالتركيز على الجانب الاختباري للخلاص مع إقصاء الجانب القضائي المتمثل في التبرير. بالحرف الواحد قال ماهر صموئيل في تلك الحلقة أن الحل البديل للبدلية العقابية هو "الثيوسيس". على ما يبدو أن هذا هو ما يقصده ماهر صموئيل من قوله "التراث السابق".

عودة إلى لوثر مرة أخرى. من المفارقات الساخرة، أن ماهر صموئيل يقول أن لوثر كان يعاني من الشعور المفرط بالذنب مما أدى إلى تركيزه غير المتوازن على عقيدة التبرير. بينما يمدح ماهر صموئيل المعلمين الكذبة مثل فليمنج روتلدج التي يقول عنها أن كتابها "الصلب" أعظم ثاني كتاب بعد كتاب جون ستوت. غني عن التعريف أن فليمنج روتلدج قسيسة ليبرالية أنكرت في كتابها البدلية العقابية وعَلَّمت بعالمية الخلاص حتى أن الشيطان نفسه سيخلص في النهاية. وامتدح كتاب لهنري نووين قائلاً أن كتابه أنقذه نفسيًا وروحيًا. وهنري نووين صوفي يروج لعالمية الخلاص وصارع مع المثلية (طبقًا لمذكراته الشخصية). وامتدح كارل يونج الذي مزج علم النفس بالعبادات الشرق آسيوية الوثنية حتى أن كان له روح مرشد ويعبد الإله أبراكساس ويمارس ممارسات سحرية. إن هذا في حد ذاته كفيل بإخبارنا حقيقة منهج وتعاليم ماهر صموئيل!

ختامًا، إن تهميش التبرير بواسطة ماهر صموئيل يعني تهميش كل من الجانب القضائي للخطية (الذنب)، والبدلية العقابية، والدينونة الأبدية. الأمر الذي يأتي بالاتساق مع منهجه في إعلاء الاختبار على حساب الجانب القضائي الموضوعي من الخلاص. كما أنه يعني تَنَكُّر للمنهج المصلح الذي من المفترض أنه يتبعه. المنهج المصلح الذي علّم بأن التبرير هو ذلك التعليم الذي تقوم أو تسقط عليه الكنيسة، وأنه المحور الذي تدور عليه المسيحية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس