الرد على ادعاءات الأخ أمجد بشارة حول البدلية العقابية


يقول بشارة:

"البدلية العقابية هي إحدى النظريات التي تشرح عقيدة الفداء وتقول في أصلها أن الآب صب غضبه على الابن في الصليب بدلًا من أن يصب غضبه علينا. وهذا مفهوم يرفضه اللاهوت الشرقي لإن خلاص المسيح غير محصور في الصليب فقط، فالمسيح جاء لكي: 1- يصلح بين الطبيعة الإلهية والطبيعة البشرية بتجسده حيث اتحدت فيه الطبيعتان. 2- يصلح أفكارنا البشرية المشوهة عنه الله حيث المسيح هو إعلان الله عن ذاته كما هو، كما أن لتعاليمه هذه الدور في خلاصنا. 3- بتألمه شارك البشرية آلامها ليشفي آلامها فيه. 4- بموته وقيامته أمات الموت الذي سيطر على طبيعتنا".

سأقوم الآن بتفنيد ما سبق عبارة عبارة.

"البدلية العقابية هي إحدى النظريات التي تشرح عقيدة الفداء"

معنى قول بشارة هنا أنها ليست حق، لكن محاولة لفهم الحق. مما يشير ضمنًا إلى أن التعليم الجوهري في المسيحية غير واضح ويمكن الاختلاف عليه. لكن لا يمكن أن يكون هناك آراء متعارضة حول تعليم جوهري مثل الفداء. وإلا لكان ذلك بمثابة إتهام لله بأن إعلانه عن نفسه غامضًا. لا يمكن أن تكون البدلية العقابية صحيحة وغير صحيحة في نفس الوقت. وفي الحقيقة، فإن المنهج المصلح لا يختزل الفداء في البدلية العقابية، بل يرى أنها البعد المركزي له. إن المنهج المصلح يعلّم بأن المسيح تحمل عنا عقاب خطايانا مسترضيًا غضب الله. وأنه بجلدته شفينا، أي أن المسيح قدم لنا شفاءً من مرض الخطية (كفارة علاجية). وأنه انتصر على الشيطان وقوى الشر (كريستوس فيكتور). وقدم نموذجًا للمحبة الباذلة وأظهر بشاعة الخطية. كل هذا وأكثر، ولكن تظل البدلية العقابية هي الجانب المركزي والموضوعي في الكفارة لكونها تعلّم بأن المسيح قدم نفسه كذبيحة لله أولاً وقبل كل شيء.

المشكلة الحقيقية هي في منهج الأخ أمجد بشارة الاختزالي الذي يبخس عمل المسيح حقه وينقصه إلى مجرد ثيؤسيس أو كفارة علاجية.

"الآب صب غضبه على الابن في الصليب بدلاً من أن يصب غضبه علينا"

إن أقل ما يقال عن هذا أنه سوء فهم، وسوء اقتباس للبدلية العقابية. فالآب لم يكن غاضب والابن محب. فالآب والابن، كلاهمًا محبان، وكلاهما قدوسان يغضبان من الخطية. الكتاب المقدس ليس فقط يعلّم بأن الابن بذل نفسه، بل الآب أيضًا بذل ابنه (يو ٣ : ١٦، رو ٨ : ٣٢). الآب أيضًا محب كما الابن تمامًا لأنهما نفس الجوهر الواحد. والابن أيضًا قدوس يغضب من الخطية كما الآب تمامًا لأنهما نفس الجوهر الواحد. كون الآب لم يتجسد ولم يتألم، وكون الابن هو المنوط به التجسد والموت، لا يعني أن هناك تصارع أو تعارض بينهما. على العكس بل غاية الوفاق في الغرض والعمل، لأنهما نفس الجوهر والطبيعة.

فضلاً عن ذلك، إن استنكار بشارة أن يكون الله غاضبًا تجاه الخاطيء وخطيته يجعلنا نتساءل عن شكل الإله الذي يؤمن به؟ إن كان لا يغضب ضد الخطية فهو حقًا لا يسر بالبر. وإن كان لا يغضب من الخطية فهو متعايش معها.

طبعًا غضب الله ليس مثل غضب الإنسان. فغضب الله متسق مع طبيعته الكاملة القدوسة. بلا نزوات أو خروج عن السيطرة. بل هو بطيء الغضب كما يقول الكتاب (خروج ٣٤ : ٦ ، يوئيل ٢ : ١٣ ، يونان ٤: ٢ ، ناحوم ١ : ٣). أنظر مقال آخر بعنوان: "إشارات غضب الله وعدله في الصليب".

"خلاص المسيح غير محصور في الصليب فقط"

إن بشارة يريد من خلال هذه الكلمات إعطاء المركزية للتجسد على حساب مركزية الصليب. أو على الأقل يجعل للتجسد ضرورة كفارية بمعزل عن السقوط ومن ثم الصليب. صحيح أن خلاص المسيح بدأ بالحبل به وولادته، ثم طاعته للناموس، ثم موته، ثم قيامته وصعوده. إلا أن اتضاع المسيح وتجسده لا يقل مركزية عن طاعة المسيح للناموس والصلب والقيامة. كما أنه لا يمكن إدراك التجسد بمعزل عن السقوط والموت والقيامة لأن هذه جميعها أحداث متضافرة معًا في دراما الفداء الإلهي.

إن القول أن خلاص المسيح غير محصور في الصليب، بغرض تهميش الصليب لحساب التجسد (كما سيتأكد لنا أيضًا لاحقًا)، يذكرنا بمحاولة شبيهة بذلك بواسطة أوسم وصفي عندما نسب الأولوية والمركزية للقيامة على حساب الصليب. كلاهما يهمشان الصليب. إلا أن هذه المحاولات تأتي كمخالفة صريحة لما علّم بولس: "ولكننا نكرز بالمسيح مصلوبًا: لليهود عثرة، ولليونانيين جهالة" (١ كو ١ : ٢٢). لهذا يقول في الأصحاح التالي لذلك: "لأني لم أعزم أن أعرف شيئًا بينكم إلا يسوع المسيح وإياه مصلوبًا" (١ كو ٢ : ٢، أيضًا غل ٣ : ١ ، ٦ : ١٤). بل ولما علّم به المسيح نفسه عن غرض مجيئه الأول: "ولكن لأجل هذا أتيت إلى هذه الساعة" (يو ١٢ : ٢٧). أيضًا "لأن ابن الإنسان أيضًا لم يأت ليخدم بل لِيُخْدَم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين" (مر ١٠ : ٤٥). وعندما أراد بطرس اثناءه عن الصليب قال: "اذهب عني يا شيطان أنت معثرة لي. لأنك لا تهتم بما لله بل بما للناس" (مت ١٦ : ٢٣). لكن يبدو أن الصليب لم يزل عثرة للكثيرين لهذا يريدون تهميشه وإبخاسه حقه.

"جاء لكي يصلح بين الطبيعة الإلهية والطبيعة البشرية بتجسده حيث اتحدت فيه الطبيعتان"

المشكلة أن أمجد بشارة هنا يفترض، على الأقل، افتراضان لا مبرر لهما. أولاً أن هناك عداوة بين الطبيعة الإلهية والطبيعة البشرية، في حد ذاتهما، وبدون سقوط. أي أن مشكلة الإنسان ليست هي الخطية فقط بل البشرية المحدودة أيضًا. سمها "عداوة" أو سمه أي شيء آخر كـ "إنفصال"، المهم أنه أمر يحتاج إلى مصالحة حتى في ظل عدم وجود الخطية. وثانيا، فإن هذا يعني بالضرورة أن بشارة يفترض أيضًا أن التجسد كان سيحدث حتى ولو لم يسقط الإنسان. أي أن التجسد يؤدي مصالحة أخرى غير المصالحة بين إله كلي البر وإنسان ساقط متمرد، وهذا في حد ذاته تمزيق للتجسد عن الصلب والقيامة. سأركز على الافتراض الأول الخاص بأن هناك عداوة طبيعية بين الإلهي والبشري، وسأحيل الرد على الافتراض الثاني الخاص بالتجسد، حتى في عدم وجود الخطية، إلى مقال آخر قمت بالرد فيه على ذلك (بعنوان "هل كان سيتجسد المسيح لو لم يسقط الإنسان").

فيما يتعلق بما يدعيه بشارة بوجود عداوة طبيعية بين البشري والإلهي، نقول، صحيح أنه هناك مسافة بين اللامحدود والمحدود، إلا أن هذا الأمر لم يكن إطلاقًا مشكلة قبل السقوط. فقد كانت الشركة قائمة رغم لامحدودية الله ومحدودية الإنسان. يخبرنا تكوين ١ - ٣ أن الله، رغم كونه لامحدود، كان في شركة مع آدم المحدود إلى وقت السقوط. فقد كان الرب يأتيه عند هبوب ريح النهار حتى آخر مرة جاءه فيها عندما اختبأ منه بعدما سقط. إن اختباء آدم من الله بعد السقوط يعني أنه كان هناك شركة غير منقطعة مع الله إلى ذلك الوقت. وعليه فإن الإلهي والبشري، اللامحدود والمحدود، لم يكونا في تصارع أو عداوة أو إنفصال أو تعارض قبل السقوط، حتى يحتاجا إلى المصالحة التي يدعيها بشارة.

إن وجود عداوة طبيعية (أو تنافر أو تناقض أو إنفصال) بين البشري والإلهي، له تضميناته الكريستولوجية الخطيرة. إذ أنه لا يفسر كيف يمكن أن تجتمعا الطبيعتان الإلهية والبشرية في شخص المسيح الواحد، بما أن الوضع الطبيعي هو التنافر أو العداوة بين الإلهي والبشري. هل هذا يعني أنه كان هناك نوع من التوتر في شخصه؟ لكن، اجتمع البشري والإلهي في المسيح، بهذا التوافق والتناغم، لأن بشريته خالية من الخطية.

"يصلح أفكارنا البشرية المشوهة عنه الله حيث المسيح هو إعلان الله عن ذاته كما هو، كما أن لتعاليمه هذه الدور في خلاصنا"

ينبغي أن نقرأ العبارة السابقة في ضوء تصريح بشارة الأساسي: أن الخلاص غير محصور في الصليب. أي أنه ينسب قيمة خلاصية أو كفارية لتعاليم المسيح. صحيح أن تجسد المسيح هو الإعلان الأسمى عن الله. إلا أن هذا الإعلان متضافر في أحداث الدراما الكتابية نفسها من خلق وسقوط وفداء. إن المسيح أعلن عن الله ليس فقط من خلال تعاليمه، بل أيضًا، وبصورة جوهرية، من خلال طاعته للناموس وموته وقيامته. وهذا ما يقوله كاتب العبرانيين: "الله بعدما كلم الآباء بالأنبياء بأنواع وطرق كثيرة، كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه ... الذي ... بعدما صنع بنفسه تطهيرًا لخطايانا، جلس في يمين العظمة في الأعالي" (عب ١).

إن كان المقصود بـ "التعاليم" هو المعرفة النظرية فقط، فأن تقول أن للتعاليم قيمة كفارية وخلاصية هو أن تقول أن الخلاص بالمعرفة (غنوصية). إننا لا نخلص بمجرد معرفتنا التعاليم، ولكن بتصديقها ثم الإتكال على فعاليتها وكفايتها من أجلنا. صحيح أن تعاليم المسيح عن نفسه، بأنه الابن الأزلي المتجسد كلي القداسة الذي جاء لكي يكون نائب عنا في حياته وموته وقيامته، هي الإنجيل، إلا أننا نخلص بالعمل نفسه وليس بمجرد التعاليم. إن التعاليم تشير إلى عمله الكامل في اتضاعه وطاعته وموته وقيامته وصعوده. نحن لا نخلص بالتعاليم، ولكن بالعمل الذي تشير إليه تلك التعاليم.

"بتألمه شارك البشرية آلامها ليشفي آلامها فيه"

ما الفرق بين العبارة السابقة، وبين القول أن "البشر اشتركوا مع المسيح في آلامه". كلاهما وجهان لعملة واحدة: أن البشر اشتركوا في الآلام الكفارية للمسيح. صحيح أن المسيح تألم، كرئيس كهنة، مجربًا في كل شيء مثلنا، لكي يعين المجربين. إلا أنه أيضًا تألم كالذبيح عوضًا عن الخطاة. المسيح ليس فقط رئيس كهنة، بل ذبيحة أيضًا، الإثنان معًا (وهذا يؤكد لنا المنهج الاختزالي لـ بشارة). لا يوجد شخص اشترك في الآلام الكفارية التي احتملها المسيح وحده. فهو وحده كان البديل عن الخطاة. بديل وليس شريك. وهو وحده الذي تألم ولم يكن مستحق للآلام. لم يفعل خطية ولا وُجد فيه إثم. الألم والموت أشياء غريبة عليه لأنه خالٍ من الإثم كليًا.

الغريبة أن بشارة يقول أن المسيح كان شريكًا في آلام البشرية ثم أنه شَفَىَ آلامها. وهل يمكن أن يفتخر المريض (الخاطيء) على الطبيب الذي شفاه فيقول له أنه اشترك في العمل معه؟ هل يمكن لمن أُقيم من الموت أن يفتخر بأنه اشترك مع من أقامه من الموت في العمل؟ كيف يمكن أن يكون المدين المفلس شريكًا في إيفاء الدين عنه؟ كيف يمكن أن يقول المشرد الذي اكتسى بالثياب النظيفة (ثياب البر) بعد عريه أنه كان شريكًا في العمل؟

إن المسيح لم يقدم لنا مجرد معونة أو دعم أو تعاطف أو مثال بآلامه، بل قدم نفسه لله ذبيحة من أجلنا: "فكم بالحري يكون دم المسيح، الذي بروح أزلي قدم نفسه لله بلا عيب ... " (عب ٩ : ١٤)، "كما أحبنا المسيح أيضًا وأسلم نفسه لأجلنا، قربانًا وذبيحة لله رائحة طيبة" (أف ٥ : ٢).

إن الشفاء تم بأن تجرع هو كأس غضب الله عنا. أخذ هو شوكة الموت وحده، لأنه هو وحده الذي لم يستحق الموت. وهذا هو معنى أنه بموته وقيامته أمات الموت الذي سيطر علينا. إن الموت هو دينونة الله "يوم تأكل منها موتًا تموت". احتمل المسيح إذًا الموت الذي نستحقه نحن لكي يعطنا حياته. أخذ الموت الذي لنا وأعطانا القيامة التي له.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس