كيف تساوي سويعات الصليب عقوبة الجحيم الأبدي؟


سبق وكتبت أن المسيح تحمل عنا على صليبه ذات عقوبة الجحيم. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا كيف يمكن اعتبار الصليب ذات عقوبة الجحيم أو يساويها بينما الأول محدود من حيث الزمن والثانية تستمر طول الأبدية؟

الإجابة على هذا السؤال ليست سهلة. فهذا الحق به معلنات وسرائر. وبينما تستغلق علينا سرائره، إلا أننا نستطيع أن نتعلم بعض الأمور عنه من الكتاب المقدس مسترشدين بفهم الكنيسة على مر التاريخ.

ونستطيع بداية القول أن السؤال له شقين؛ كيف لصلب محدود الوقت هكذا أن يُحسب كعذاب أبدي. وما للصلب بالجحيم.

بالنسبة للشق الأول، أي من حيث مقارنة سويعات الصليب بعذاب الأبدية. علينا أولا أن نسأل أنفسنا:

لو لم يكن المسيح تحمل ذات العقوبة التي كنا نستحقها نحن، إذًا، فقد أخذ عقوبة أقل. مما يعني أن الله تساهل مع أو خفض العقوبة المطلوبة. أي حدث تغيير في معايير عدل الله المعلنة في ناموسه. أو قد يعني أن الثمن لم يُدفع بالكامل. هل سيطالبني الله بالفرق إذًا؟

سؤال اخر: هل مات المسيح عن مؤمن واحد أم جميع المؤمنين؟ إن كان قد مات عن جميع المؤمنين به (وهذا حق)، كيف إذًا لعقاب شخص واحد يفي بعقاب الكثيرين؟

نفس السؤال يفرض نفسه علينا بخصوص طاعة المسيح النيابية. فقد أطاع في حياته وصايا الناموس نيابة عن كثيرين. كيف لطاعة واحدة أن تُحسب كافية كطاعة الكثيرين؟

الحل إذا في النظر إلى موت المسيح ليس من الناحية الكمية، كعدد ساعات صلبه، أو شخص واحد عوضًا عن كثيرين، أو طاعة واحدة عوضًا عن طاعة الكثيرين. بل في النظر إلى نيابيته من الناحية النوعية. من مات هو الناسوت المتحد باللاهوت. شخص غير محدود القيمة. موته يساوي موت الكثيرين إلى الأبد. وطاعته للناموس تساوي طاعة جميع المؤمنين به. السر في ذلك هو اتحاد اللاهوت بالناسوت والذي أعطى قيمة غير محدودة لما عمله المسيح في كل من حياته وموته.

على سبيل المثال، فإن العهد الجديد ينسب قيمة غير محدودة لدم المسيح باعتباره دم ابن الله؛

اِحْتَرِزُوا اِذًا لأَنْفُسِكُمْ وَلِجَمِيعِ الرَّعِيَّةِ الَّتِي أَقَامَكُمُ الرُّوحُ الْقُدُسُ فِيهَا أَسَاقِفَةً، لِتَرْعَوْا كَنِيسَةَ اللهِ الَّتِي اقْتَنَاهَا بِدَمِهِ. (أع ٢٠: ٢٨)
"بدمه" جائت في بعض الترجمات الإنجليزية His own blood ، وحرف الـ H هنا ذو نسق كبير لأنه يشير إلى الله أو ابن الله.

وَلكِنْ إِنْ سَلَكْنَا فِي النُّورِ كَمَا هُوَ فِي النُّورِ، فَلَنَا شَرِكَةٌ بَعْضِنَا مَعَ بَعْضٍ، وَدَمُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ. (١ يو ١: ٧)
واضح هنا أن دم يسوع هو دم ابن الله.

فَكَمْ عِقَابًا أَشَرَّ تَظُنُّونَ أَنَّهُ يُحْسَبُ مُسْتَحِقًّا مَنْ دَاسَ ابْنَ اللهِ، وَحَسِبَ دَمَ الْعَهْدِ الَّذِي قُدِّسَ بِهِ دَنِسًا، وَازْدَرَى بِرُوحِ النِّعْمَةِ؟ (عب ١٠: ٢٩)
دم العهد الجديد هو دم ابن الله نفسه.

عَالِمِينَ أَنَّكُمُ افْتُدِيتُمْ لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، مِنْ سِيرَتِكُمُ الْبَاطِلَةِ الَّتِي تَقَلَّدْتُمُوهَا مِنَ الآبَاءِ، بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَل بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ الْمَسِيحِ، (١ بط ١: ١٨، ١٩).
صحيح أن الإشارة هنا إلى كمال ناسوت المسيح وخلوه من العيوب، إلا أن بطرس يشير أيضًا إلى قيمة لهذا الدم تفوق الذهب والفضة اللذان هما أثمن الأشياء الفانية. وعليه فقد افتدينا بما لا يفنى، بدم ابن الله نفسه.

بالنسبة للشق الثاني من المسألة، أي لماذا لم يذهب المسيح إلى الجحيم. يعلم الكثير من رجال الكنيسة وإقرارات الإيمان المصلحة بأن المسيح نزل إلى الجحيم "صُلب ومات ودفن ونزل إلى الجحيم". وهذا موجود مثلا في قانون إيمان الرسل في نسخته الإنجليزية وقانون الإيمان الأثناسي وبعض إقرارات الإيمان المصلحة مثل التعليم الأنجليكاني واعتراف أوجسبيرج وتعليم هايدلبيرج وتعليم ويستمينستر. وعلم بل كل من لوثر وكالفن وآخرون. ولكن المفهوم المتفق عليه في التقليد المصلح، ليس أن المسيح نزل حرفيًا إلى الجحيم بعد موته. بل أوجاع الموت التي تحملها على الصليب هي بمثابة النزول إلى الجحيم.

على سبيل المثال يقول دليل أسئلة وأجوبة هايدلبيرج:

٤٤ – لماذا أُضيف (إلى قانون الإيمان) "ونزل إلى الهاوية"؟

كي أتيقَّن وأُعزِّي نفسي تمامًا، في أشدِّ تجاربي، بأنَّ ربي يسوع المسيح، بواسطة آلامه التي لا تُوصف، ومعاناته، وأهواله، وعذاباته الجهنميَّة، التي اجتاز فيها خلال كل معاناته، بالأخص على الصليب، قد خلَّصني من كربِ الهاوية وعذاباتها. (موقع خدمات ليجونير)

كتبت مقال آخر أوضحت فيه أن الابن المتجسد تحمل الدينونة المباشرة من يد الآب. مثل الترك والغضب وألم الموت (أنظر مقال: ما تحمله الابن المتجسد على الصليب من يد الآب). كانت هناك تعاملات سرية بين الآب والابن المتجسد في ساعات الظلمة. ما يعانيه الخاطئ في الجحيم من غضب الله ولعنته وآلامه وتركه تحمله الابن المتجسد على الصليب.

قيمة موت وآلام المسيح ٱذًا تكمن في القيمة اللامحدودة للاهوته. وآلامه الروحية السرية من يد الآب كانت بمثابة أهوال الجحيم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس