لماذا يصر الدكتور ماهر صموئيل وفريقه على استعمال مصطلح "القصة المسيحية"؟


يصر ماهر ماهر صموئيل وتلاميذه على استخدام مصطلحات مثل "القصة المسيحية" و "قصة نعيش فيها" و "أصل الحكاية". وهذه ليست مصطلحات عشوائية أو وليدة اللحظة. بل مقصودة وتكررت كثيرًا في عظات ماهر صموئيل. وتلاميذه لهم بودكاست أو حلقات بعنوان "قصة نعيش فيها".

سأضع أولاً أمثلة على ذلك من عظات ماهر صموئيل ثم سأقوم بالتعليق على ذلك.

"الصلاة في ضوء القصة المسيحية شركة وشراكة، قبولك المسيح مخلص لا يعني إنه قد تم عقد صلح بينك أنت على الأرض والمسيح في السما بحيث انه لما تنتهي حياتك هتروح عند المسيح في السما ولغاية ما تروح له تستدعيه فيأتي لكي يصلح لك أوضاعك، بس أنت عايش قصتك في العالم لغاية ما تخلصها بالسلامة وهو مش هيقصر معك يساعدك فيها وبعد ما تخلص حكايتك هنا تروح السما هذا مفهوم خاطئ تماما، المسيحية هي قصة الله والخلاص في المسيحية هو قبولك لدعوة الله لك أن تدخل إلى قصته وأن تصبح جزءا منها، فأيامك على الأرض ليست استدعاء لله لكي يضبط لك ويصلح لك قصتك لكن أيامك على الأرض هي مجرد جزء من حكاية الله، فأنت هنا مش بتعيش حكايتك أنت هنا بقيت جزء من حكاية الله، ده بيستلزم إنك تؤمن أن الله عنده حكاية وإن الحكاية شغالة من أيام آدم وابراهيم وموسى ومجيء المسيح وتأسيس الكنيسة ووجود الرسل وانتشار الإنجيل ووجودك اليوم في هذا العالم أن تؤمن إن الله له حكاية على الأرض وهو بيدعوك إنك تدخل في حكايته وتبقى جزء منها، هل فعلا أنت انتقلت لتعيش داخل قصة الله؟"

"لقد خرج عن الإطار الذي رسمه الله فلم يحقق الهدف فخسر النصيب مع الله، النعمة الإلهية هي مبادرة الله لعلاج مشكلة الخطية بأن يأتي إلينا ابن الله كي يغسلنا من الخطية فيكون لنا معه نصيب، إن قصة الخلاص المسيحي هي عمل إلهي معجزي يعمله المخلص يسوع ليستردك من حالة الضياع إلى هذا الإطار فتحقق الغرض ويكون لك معه نصيب، على صورة الله في حضرة الله من أجل إرسالية الله هو تلخيص لكل القصة المسيحية، هذا ما ضيعته الخطية لقد أخرجتني من حضرة الله فلم أحقق غرض الله ففقدت وشوهت صورة الله، لم أعد انسانا كما يجب أن يكون الانسان لم أعد على صورته كشببه، لأني خرجت من محضره ولم أعد أتمم غرضه"

"المسيحية تقدم لي شرحا للقصة الكبرى وتدعوني لكي أكون جزءا من هذه القصة، الخلق بدايتها ومجيء المسيح الثاني والأبدية في السماء الجديدة والأرض الجديدة هي نهايتها.. ابراهيم وعهد الله معه جزء منها، ميلاد المسيح وموته على الصليب وقيامته جوهر هذه القصة.. كل قصصنا الصغرى تستمد قيمتها من القصة الوحيدة الكبرى، لو بتكتب قصتك بالانفصال عن القصة الكبرى هو خبط فوضوي وقصة عشوائية ستنتهي نهاية أليمة بلا معنى، عن قريب ستنهار كل القصص وستنتهي كل الحكايات ولن تبقى إلى الحكاية التي حكاها الله التي يكتبها على صفحات التاريخ، واليوم الله يدعوني لكي أكون جزء من هذه القصة، لقد كتب هتلر قصته، وكتب نابليون قصته، وكتب كونفشيوس وبوذا الذين أسسوا الأديان قصصهم وقد أدركنا أن في قصص كثيرة انتهت واندثرت والباقي من هذا الخبط الفوضوي سينتهي وفي النهاية لن تبقى إلا قصة واحدة.. عرش في السماء وعلى العرش جالس يدير كل شيء وستجثوا باسم يسوع كل ركبة في السماء وعلى الأرض ومن تحت الأرض .."

"ادرسوا الكتاب جيدا وعيشوا داخل الحكاية الكتابية وقدموا لشبابكم قصة عظيمة هي قصة الله، لا تكتفوا بأن تقدموا نصائح عملية وإياكم أن تنزلقوا إلى نموذج المبهر المسيطر، اخضعوا إلى الله واخدموا الناس وأحبوهم حبا صادقا وستكتشفوا بين الشباب الذين تخدمونهم جواهر، ستكتشفوا خامات لأبطال عظماء سيكافئكم التاريخ إن راعيتوهم واحتضنتوهم واسترجعتم إليهم انسانيتهم المفقودة، ولن يرحمنا التاريخ إذا سجل عنا إنه قد اتيحت لنا الفرصة لنخدم بين الشباب فكنا نموذج الخادم المبهر والمسيطر ولم نخضع ونخدم خدمة حقيقية، لا أعرف كيف سأواجه المسيح أمام كرسيه إن ائتمني على شباب لم أصنع منه أبطال وعظماء وخدام حقيقيين لله، ارجعوا إلى كنائسكم مملوئين بالحماس إن القصة المسيحية ما زالت شغالة وما زالت تصنع أبطال وأن المؤلف والمخرج المشرف على اتمام الحكاية مش احنا لكن الله نفسه، الله لم يتوقف عن الكتابة الله لم يتوقف عن صناعة الأبطال الله، ما زال يعمل في التاريخ مستخدما كنيسته، قوموا واعملوا معه وتأكدوا أن بين الشباب الذين تخدمونهم مشاريع لقادة عظماء"

الآن، وبعد أن استعرضنا بعض تصريحات ماهر صموئيل عن "القصة المسيحية"، علينا أن نقول بداية أن هذا المصطلح ليس سلبي كليةً أو أنه يخلو من أي ميزة. ما من شك أن عمل الله من سفر التكوين إلى سفر الرؤيا هو قصة واحدة مترابطة. أو كما يطلق عليها رجال اللاهوت أكاديميًا "اللاهوت الكتابي". إن أجزاء التاريخ الكتابي شديدة الترابط بحيث أنها قصة واحدة تنفرج أحداثها شيئًا فشيئًا إلى أن تأتي بداية النهاية السعيدة بمجئ ربنا يسوع المسيح. ومصطلح "القصة المسيحية" يبرز هذا الترابط بين أجزاء الحق المسيحي. إلا أن إصرار ماهر صموئيل وتلاميذه على استعمال هذا المصطلح دون غيره من مصطلحات، وفي ضوء السياقات التي يُقال بها، موجه بأجندة غير كتابية.

أولاً، الإصرار على استخدام مصطلح "القصة المسيحية" يُراد به استبعاد التعاليم والعقائد من الصورة

إننا لا نسمع ماهر صموئيل يستعمل مصطلحات "مثل العقائد المسيحية" أو "التعاليم الكتابية" أو حتى "اللاهوت الكتابي". على العكس، فهو دائم الحط والإقلال من العقيدة كما سبق وأوضحت مرارًا كثيرة (مثل: تعالى للمسيح مش لعقيدة، العقيدة فقط هي خارطة الطريق، لا أؤمن بموت وقيامة لكن بالمسيح الذي مات وقام). أيضًا عندما يتكلم عن العقائد يشير إليها كـ "أفكار". مثل "أفكار حول الصليب"، و"أفكار حول الغفران". إن منهج ماهر صموئيل مؤسس على احتقار العقيدة والنفور منها. لهذا يستعمل مصطلح "القصة المسيحية". فهي قصة وليست عقائد. حكاية وليست تعاليم. طبعًا المسيحية هي كلا الإثنين معًا. إنها قصة مترابطة الأجزاء وفي نفس الوقت تعاليم. والكتاب المقدس به تأريخ وتعاليم أيضًا. لكن المنهج الليبرالي منهج اختزالي. يضخم أحد جوانب الحق ليستبعد به الجانب الذي يرفضه.

ثانيًا، الإصرار على استخدام مصطلح "القصة المسيحية" يُراد به استبعاد مفهوم الديانة

ليس فقط أن الغرض من الإصرار على هذا المصطلح يُراد به استبعاد العقيدة من المشهد. بل وأيضًا استبعاد كون المسيحية ديانة يطلب الله فيها مطالب معينة كالطاعة والعبادة. لن أطيل هنا فقد كتبت مقال آخر مستقل بعنوان "لماذا ينادي ماهر صموئيل وتلاميذه بإله بلا مطالب؟". السبب في إبراز المسيحية على أنها قصة وليست ديانة بها مطالب إلهية هو أن المطالب الإلهية تحتاج إلى استيفاء وعدم استيفاءها يؤدي إلى الدينونة. كما أن وجود مطالب إلهية يعني أن كفارة المسيح كانت استيفاء لها. أما مصطلح "القصة المسيحية" فيستبعد هذا المفهوم. فهي قصة وليست ديانة يطلب الله بمقتضاها شيئًا منا.

ثالثًا، الإصرار على استخدام مصطلح "القصة المسيحية" يقصد به إحداث تأثير معين في المستمع

أن تستمع إلى قصة ليس أن تستمع إلى عقيدة أو تعليم أو عظة. فالقصة تتطلب منك رد فعل مختلف عن التعليم. فبينما يتطلب منا التعليم أن نتفاعل معه بعقولنا. تطلب منا القصة التفاعل معها بمشاعرنا. أن يكون رد فعلك تجاه القصة هو العُجْب الصوفي أو التفاعل الروحاني. القصة لا تضع أمامك معلومات أو معرفة (عقلية) تتناولها بعقلك. ولكن أحداث تتفاعل معها شعوريًا. القصة تضع أمامك صور ورموز وليس تعاليم. القصة لا تحتاج للكثير من الفهم. ولهذا فالقصة تتطلب منك رد فعل معين؛ وهو أن تتفاعل معها روحانيًا. وهذا يعني أنه ربما يكون هناك من يعيش أحداث القصة المسيحية دون أن يعي ذلك. وقد أثبت في مقال آخر مستقل منهج ماهر صموئيل الشمولي بأن هناك مخلصون لا يؤمنون بالمسيح عن وعي. مثل رابعة العدوية التي عاشت القصة المسيحية دون أن تعرف عن المسيح. فقد ولدت الولادة الثانية كما ادعى ماهر صموئيل في حلقته "الله في الأدب العربي". وغير المسيحي قد لا يصدق القصة المسيحية بعقله لكن قد يقبلها بقلبه.

رابعًا، الإصرار على مصطلح "القصة المسيحية" يُستخدم في سياق يقصد به التركيز على الدور البشري

يستعمل ماهر صموئيل هذا المصطلح في سياق يُعَلِّم فيه بأن القصة المسيحية لم تنتهي بعد ولم يزل الله يكتبها. وأنت تشترك مع الله في كتابة هذه القصة. صحيح أن القصة لم تنتهي كليًا. فنحن بعد ننتظر النصرة النهائية على الشيطان والموت والخطية وفداء الأجساد بمجئ ربنا يسوع المسيح. إلا أن هذا لا يعني أن لنا دور في كتابة أحداث التاريخ الفدائي. لسنا فاعلون في قصة الفداء ولكن مفعول لأجلنا. هذا هو دورنا في القصة؛ أننا نستقبل ما فعله بطل القصة (يسوع المسيح) لأجلنا. إن ماهر صموئيل يحول رسالة النعمة إلى ناموس بجعلنا مشاركون في كتابة القصة. هل لاحظت في الاقتباس الأول كيف يحط من قيمة المصالحة التي عملها المسيح، والحياة الأبدية في السماء، وبدلاً من ذلك يضخم من مشاركة الإنسان في القصة؟

أو تأمل مثلاً كيف يقول في الاقتباس الثاني أن "قصة الخلاص المسيحي هي عمل إلهي معجزي يعمله المخلص يسوع ليستردك من حالة الضياع إلى هذا الإطار فتحقق الغرض ويكون لك معه نصيب، على صورة الله في حضرة الله من أجل إرسالية الله هو تلخيص لكل القصة المسيحية". إنه يضع العمل المعجزي على قدم المساواة مع تحقيق الغرض بأن تكون صورة الله وتحمل حضوره.

أو ادعاءه بأن "اليوم الله يدعوني لكي أكون جزء من هذه القصة، لقد كتب هتلر قصته، وكتب نابليون قصته، وكتب كونفشيوس وبوذا الذين أسسوا الأديان قصصهم وقد أدركنا أن في قصص كثيرة انتهت واندثرت والباقي من هذا الخبط الفوضوي سينتهي وفي النهاية لن تبقى إلا قصة واحدة ...". إن ماهر صموئيل يضع أفعال أولئك في مقابل ما ينبغي أن تفعله أنت لكي تكون جزء من قصة الله.

وهذا التعليم، بأن تشترك في كتابة قصة الله من خلال كتابة نصيبك فيها، يقوله ماهر صموئيل بصيغ مختلفة في عظاته. مثل تصريحه في مرة سابقة بأنه علينا أن نبني ونعمل مع الله في ملكوته وليس أن نبني ملكوتنا الخاص. أو ادعاءه بأنه "لو قلبك ماتغيرش تبقى مش مؤمن". أي ما تفعله أنت يحدد مصيرك ويعرفك.

إلا أن المسيحي صار جزء من قصة الله بالفعل بناء على عمل المسيح لأجله وليس بناء على ما نفعله نحن لندخل في قصة الله أو حتى نحفظ مكاننا فيها. المؤمن هو كذلك بناء على إيمانه بعمل المسيح لأجله وليس بناء على ما يعمله هو لأجل المسيح. صحيح أن إبراهيم كان طرف في العهد مع الله. لكنه كان طرف مفعول لأجله وليس فاعل. أفعال إبراهيم جاءت كثمر لعمل النعمة في حياته ولم تكن السبب في كونه أصبح جزء من قصة الله. إن الإنسان، طبقًا للقصة المسيحية، خائن متمرد مطرود من جنة الله. تحت غضبه ووارث للفساد. إنه ميت بالذنوب والخطايا. أعمى يعيش في الظلمة الروحية. عبد للخطية. مريض أعجزه الفساد. مقاوم وعدو لله. ابن لإبليس. مفلس روحيًا وتحت دين الله وقضائه. فجاء البطل الأوحد في القصة وصار كل شئ صاره الإنسان فيما عدا الفساد. البطل فقط هو الذي كتب القصة من أولها إلى آخرها. أما الخائن والمفلس والعدو والأعمى والميت فلا يستطيع الكتابة.

وهكذا فالإصرار على استعمال مصطلح "القصة المسيحية" مقصود به استعباد مفاهيم معينة كالتعاليم المسيحية المميزة. واستبعاد كون المسيحية ديانة يطالبنا الله فيها مطالب معينة. وأن هذا المصطلح يقصد به أيضًا استحداث تأثير روحاني في الإنسان الأمر الذي يفسح المجال للشمولية. أخيرًا فإن الإصرار على هذا المصطلح أيضًا يعظم من الدور البشري للدرجة التي يجعل فيها عمل الإنسان الند للند مع عمل المسيح.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس