كيف تقرأ سفر دانيال


مِنْ قِبَلِي صَدَرَ أَمْرٌ بِأَنَّهُ فِي كُلِّ سُلْطَانِ مَمْلَكَتِي يَرْتَعِدُونَ وَيَخَافُونَ قُدَّامَ إِلهِ دَانِيآلَ، لأَنَّهُ هُوَ الإِلهُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ إِلَى الأَبَدِ، وَمَلَكُوتُهُ لَنْ يَزُولَ وَسُلْطَانُهُ إِلَى الْمُنْتَهَى. هُوَ يُنَجِّي وَيُنْقِذُ وَيَعْمَلُ الآيَاتِ وَالْعَجَائِبَ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ. هُوَ الَّذِي نَجَّى دَانِيآلَ مِنْ يَدِ الأُسُودِ». (دا ٦: ٢٦، ٢٧)

الخلفية التاريخية

أُجْلِيَ دانيال في الإجلاء الأول من السبي ٦٠٥ ق.م. وحزقيال بعده ببضعة سنوات في الإجلاء الثاني أو الثالث. عاصر إرميا كلاهما إلا أنه كان شيخًا في ذلك الوقت. وقد قضى دانيال سبعون سنة في السبي البابلي (١ : ١ ، ٩ : ١ – ٣). وليس بعد وصوله بكثير هو ورفاقه الثلاثة إلى بابل تم تدريبهم لمدة ثلاث سنوات في أكاديمية الملك لكي يخدموا في البلاط الملكي. وبعد أن أَخْبَرَ دانيال نبوخذ نصر حلمه وفسره له سَلَّطَهُ الأخير على كل ولاية بابل فارتقى أعلى درجات الحكم في البلاط الملكي البابلي. إلى أن سقطت بابل على يد الفرس ٥٣٩ ق.م. عند كتابة اليد على الحائط. ارتقى أيضًا دانيال أعلى المناصب في البلاط الملكي في مملكة فارس لدى كل من داريوس وكورش. إلا أننا لا نُخبر أن دانيال عاد إلى أرض يهوذا بعد انتهاء السبي وعودة المسبيين. رغم أنه فهم من الكتب عدد السنين التي كانت عنها كلمة الرب إلى إرميا لكمالة السبعين سنة على خراب أورشليم. تدور معظم أحداث سفر دانيال في السبي البابلي. تأتي خلفية أحداث الأصحاحات الأربعة الأولى أثناء ملك نبوخذنصر. والأصحاح الخامس تدور أحداثه في ملك بيلشاصر (حفيد نبوخذ نصر). وتأتي خلفية أحداث الأصحاح السادس أثناء ملك داريوس المادي. مجمل أحداث السفر تمتمد من عام ٦٠٥ ق.م. إلى ٥٣٠ ق.م.

مقارنة بين دانيال وأسفار الأنبياء الكبار

يختلف سفر دانيال عن باقي أسفار الأنبياء الكبار في كونه لا يورد إنذارات ومحاكمات لإسرائيل أو يهوذا أو حتى للأمم. ولا يذكر بالتفصيل خطاياهم التي جلبت عليهم السبي وإن كان دانيال يصلي في الأصحاح التاسع صلاة توبة عن خطاياه وخطايا شعبه. وبينما تنبأ إشعياء بكل من الدينونة القادمة في السبيين الأشوري والبابلي. وتنبأ كل من إرميا وحزقيال بالسبي البابلي. تنبأ دانيال بدينونة قادمة في المستقبل البعيد على الشعب في الضيقة العظيمة (وإن كانت تحققت جزئيًا في أنتيخوس أبيفانيوس). والأنبياء الكبار جميعهم يخبرون برجاء العودة من السبي وبمجئ ملكوت الله الذي لن يزول. فضلاً عن ذلك، إن كانت النبوة هي محاكمة Forth telling ، وتنبؤ بالمستقبل Foretelling . فبينما معظم أسفار الأنبياء الكبار من النوع الأول، فإن نبوة دانيال تنتمي إلى هذا النوع الأخير. إن ما حذر منه الرب شعبه في أسفار الأنبياء إشعياء وإرميا وحزقيال، إن لم يتوبوا، نجده حقيقة واقعة في سفر دانيال. يشترك كل من حزقيال ودانيال في كونهما يسردان علينا بعض وقائع السبي. ويرد بهما أيضًا رؤى أخروية ولا سيما في دانيال.

هناك تناظر أيضًا بين قصتي دانيال ويوسف من ناحية، وبين سفري دانيال وسفر أستير من ناحية أخرى. بالنسبة لدانيال ويوسف؛ كلاهما كانا منفيين، وكلاهما واجها المغريات، وكلاهما كانا أمينين، وكلاهما فسرا أحلام الملك، وكلاهما ارتقيا في الحكم إكرامًا لهما من الرب على تقواهما ومن الملك على تفسيرهما للأحلام، وكلاهما ماتا في أرض غريبة، وكلاهما مهدا لعودة الشعب للأرض. أما دانيال والفتية الثلاثة وأستير ومردخاي فجميعهم كانوا في منفى وجميعهم اضطهدوا كيهود بسبب عبادتهم للرب ورفضهم السجود لغيره.

أسلوب السفر وقسميه وموضوعه

ينقسم السفر إلى قسمين متساويين: القسم الأول تأريخي ١ – ٦، والقسم الثاني نبوي ٧ – ١٢. في الستة أصحاحات الأولى التي تُكَوِّنُ القسم الأول نقرأ ٦ قصص مختلفة عن عناية الله وسلطانه. وفي الستة أصحاحات الأخرى نجد مجموعة من الرؤى المختلفة التي رآها دانيال عن مصير شعب إسرائيل وممالك العالم. يسرد دانيال القسم الأول من سفره بصيغة الغائب. بيما يأتي الأسلوب في القسم الثاني بصيغة المتكلم. ورغم اختلاف المحتوى والأسلوب في القسمين إلا أن الغرض والموضوع منهما واحد. ألا وهو تعزية المسبيين من خلال إظهار سلطان الله على حاضرهم ومستقبلهم. أو حاضر ملكوت الله ومستقبله. في القسم الأول نقرأ عن سلطان الله فاعلاً في الأحداث. فهو الذي رفع دانيال ورفاقه إلى أرقى درجات الحكم في بابل وفارس رغم كونهم مسبيون. وهو الذي أعطى دانيال حكمة لتفسير أحلام نبوخذنصر وتفسير كتابة اليد على الحائط لبيلشاصر. وهو الذي أنقذ دانيال من جب الأسود والفتية الثلاثة من أتون النار. وهو الذي جعل نبوخذنصر يعيش مثل الحيوان في البرية ثم رده إلى العيشة بين الناس. ثم في القسم النبوي نقرأ عن صعود الممالك وسقوطها الواحدة تلو الأخرى ثم مجئ المُلك الأبدي للرب. إنه صراع نسل المرأة مع نسل الحية، أو ملكوت الله مع ملكوت الشيطان والممثل في الممالك الأرضية المتعاقبة (والتي يُرمز إليها بوحوش مفترسة).

إن السبي (حاضر إسرائيل)، والضيقة العظيمة التي ستأتي على الشعب (في المستقبل)، اللذان يحدثنا عنهما السفر، لا يعنيان أبدًا إنهزام الرب أمام الآلهة الأخرى أو فشل مقاصده. فالرب سَلَّم شعبه للسبي طبقًا للعهد معهم. وهو الذي أقام ملوك الأمم لمعاقبة شعبه. وعندما انتهت مهمة المملكة (البابلية) التي استخدمها الرب لمعاقبة شعبه أقام الرب مملكة أخرى (فارس) لاستخدامها في رد شعبه من السبي. وهو الذي سيسمح لضد المسيح باضطهادهم في فترة الضيقة ولكنه أيضًا سيرسل لهم ميخائيل لكي يخلصهم (طبقًا لرؤيا دانيال في القسم الثاني النبوي).

وبينما الموضوع الرئيسي للسفر هو سلطان الله وملكوته، فإن هذا السلطان وذلك الملكوت يتوقعان رد فعل من الإنسان؛ ألا وهو الإيمان. لهذا يرى اللاهوتي مايلز فان بيلت أن موضوع السفر هو الإيمان؛ حياة الإيمان ١ – ٦ التي تُرى في إنتصارات دانيال والفتية الثلاثة، ورجاء الإيمان ٧ – ١٢ الذي يتوقع الإنتصار النهائي لملكوت الله طبقًا للرؤى التي رآها دانيال أيضًا.

المسيح في السفر

نرى المسيح في السفر في إحدى ظهوراته المسيانية قبل التجسد كالرابع شبيه بابن الآلهة مع الفتية الثلاثة في أتون النار ٣ : ٢٥. يوجد أيضًا أوصاف لشخص رآه دانيال في الجزء النبوي ١٠ : ٥ – ٧ تشبه إلى حد كبير أوصاف يوحنا للمسيح في سفر الرؤيا. إلا أن هذا الشخص الذي رآه دانيال أخبره بأنه أراد أن يأتي إليه من أول يوم رفع فيه صلاته لكن رئيس مملكة فارس (الروح الشرير المتسلط على تلك المملكة) أعاقه ثلاثة أسابيع حتى جاءه ميخائيل لمعونته. إن كان هذا هو ابن الله فكيف يعيقه الشيطان؟ لهذا يرى بعض الشراح أن الشخص الذي رآه دانيال في ١٠ : ٥ – ٧ ليس هو نفس الشخص (الملاك جبرائيل؟) الذي أخبره أن الشيطان أعاقه.

الرب يسوع المسيح في سفر دانيال أيضًا هو ابن الإنسان "وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه. فأعطي سلطانًا ومجدًا وملكوتًا لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول، وملكوته ما لن ينقرض" (٧ : ١٣ – ١٤). إن قديم الأيام هنا هو الله الآب. وابن الإنسان هو الابن المتجسد الذي سَيُكْرَمُ من الآب ويُعْطَى سلطان ومجد وملكوت لا يزول. وستتعبد له جميع الشعوب الامم والألسنة. لسنا هنا فقط نرى الثالوث بل أيضًا آلام الابن والأمجاد التي بعدها. كما أن لقب "ابن الإنسان" الوارد في هذا النص هو خلفية استعمال المسيح لذلك اللقب كما نقرأ في الأناجيل. وهذا اللقب لا يشير فقط إلى بشرية الرب يسوع بل أيضًا، بل وفي الأساس، إلى الاتحاد الهيبوستاتي المجيد (أي اتحاد الطبعيتين). إذ نرى هنا أيضًا أمجاد اللاهوت. فابن الإنسان هنا هو من أتى على سحب السماء وأُعْطِي سلطان لتتعبد له الشعوب. وفي نص آخر من السفر يخبرنا أيضًا عن آلام المسيح "فاعلم وافهم أنه من خروج الوقت لتجديد أورشليم وبنائها إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع واثنان وستون أسبوعًا ... وبعد اثنين وستين أسبوعًا، يُقطع المسيح وليس له" ٩ : ٢٥ – ٢٦. أي أن المسيح سيموت وليس له مُلك في ذلك الوقت.

الرب يسوع في سفر دانيال هو أيضًا الحجر الذي قُطِع بغير يدين فسحق التمثال ثم صار جبلاً كبيرًا يملأ الأرض. هو الملك الذي سيأتي ليدين الممالك الأرضية ويؤسس ملكه الألفي المبارك. لهذا يشير الرب يسوع المسيح إلى نفسه في الإنجيل كالحجر الذي رفضه البناؤون وأن من سقط على هذا الحجر يترضض أما من سقط عليه الحجر فسيسحقه. وهذه لغة تتشابه إلى حد كبير مع الحجر الذي سيسحق التمثال. أخيرًا وليس آخرًا، المسيح في السفر، على عكس ما يريده المرقيونيون المعاصرون (يسوع لا يغضب ولا يدين)، هو المحارب الإلهي كما يلقبه لونجمان:

"والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو صورة يسوع المسيح باعتباره المحارب الإلهي الذي يأتي لينهي أخيرًا قوى الشر ويهزمها تمامًا (رؤ ١٩: ١١ – ٢١). في بداية السفر (رؤ ١ : ٧) يُوصف باقتباس من دانيال ٧ : ١٣ بأنه راكب مركبة السحاب الحربية. وتُنسب إليه أيضًا صفات القديم الأيام (رؤ ١: ١٢ – ١٦)."(لونجمان)

القسم النبوي ٧ – ١٢

ما من شك أن القسم التأريخي سهل الفهم مقارنة بالقسم النبوي. وتكمن صعوبة القسم النبوي في الرؤى والرموز الواردة به. إلا أننا نجد على الأقل تفسيرًا لإثنتين من الرؤى التي رآها دانيال. ففي الأصحاح السابع يرى دانيال رؤيا الحيوانات الأربعة ولكنه يُخبر أيضًا بتفسيرها. في الأصحاح الثامن يرى دانيال رؤيا أخرى للكبش والتيس ولكنه يُخبر أيضًا بتفسير تلك الرؤيا. الصعوبة تكمن بصفة خاصة في الجزء ٩ – ١٢. وقبل أن نقدم تلخيص لذلك الجزء علينا أن نلاحظ عدة أشياء هنا.

الرؤى في الأصحاحات الثاني والسابع والثامن متشابهة من حيث المضمون. فالتمثال ذو الأربعة أجزاء في الأصحاح الثاني، والأربعة حيوانات الكبيرة في الأصحاح السابع، والكبش والتيس في الأصحاح الثامن، تشير جميعًا إلى نفس تعاقب الممالك الأربعة، وإن كانت الرؤيا في الأصحاح الثامن تركز على مملكتين فقط (فارس الكبش واليونان التيس):

بابل هي كل من: الرأس من الذهب (ص ٢)، كأسد له أجنحة نسور (ص ٧).
مادي وفارس هي كل من: الصدر والذراعان من فضة (ص ٢)، دب (ص ٧)، كبش له قرنين (ص ٨).
اليونان هي كل من: البطن والفخذين من برونز (ص ٢)، نمر له أربعة أجنحة طائر وأربعة رؤوس (ص ٧)، تيس له قرن عظيم كُسر وطلع عوضًا عنه أربعة قرون ومن واحد منها خرج قرن صغير (ص ٨).
روما هي كل من: ساقاه من حديد قدماه بعضها من حديد وبعضها من خزف (ص ٢)، حيوان هائل وقوي وشديد جدًا له عشرة قرون (ص ٧)
أخيرًا، ملكوت الله هو: الحجر الذي قُطع بغير يد وضرب التمثال وسحقه ثم صار جبلاً كبيرًا وملأ الأرض (ص ٢)، وهو العلي وقديسوه الذين سيأخذون المملكة ويملكون إلى الأبد (ص ٧)

هذا فيما يتعلق بالأصحاحات السابع والثامن من القسم النوبي والثاني من القسم التأريخي.

أما موضوع الأصحاح التاسع فكالتالي: في السنة الأولى لداريوس المادي فَهِمَ دانيال تمام السبعين سنة على خراب أورشليم التي قال عنها إرميا في سفره. فَوَجَّهَ دانيال نفسه إلى الرب في صلاة واتضاع واعتراف بخطاياه وخطايا شعبه التي جلبت عليهم السبي والخراب حسب العهد مع موسى. يتضرع دانيال أيضًا إلى الرب مستغيثًا بمراحمه على شعبه والمدينة أورشليم. ثم يستجيب الرب صلاة دانيال فيرسل له جبرائيل ليخبره بمصير شعبه. وهذا المصير هو أن سبعين أسبوعًا قُضِيَتَ على شعب إسرائيل. كل أسبوع مكون من سبع سنين أي ٤٩٠ سنة بالكمال. من خروج الأمر بواسطة كورش الفارسي لتجديد أورشليم وبناؤها سبعة أسابيع (٤٩ عام). ثم من الانتهاء من تلك الإصلاحات إلى وقت قطع المسيح (صلبه) ٦٢ أسبوعًا. ومجموع المرحلتين هو ٦٩ أسبوع. بقي الأسبوع الأخير الذي سيتحقق في سبع سنين الضيقة العظيمة بمجئ ضد المسيح.

علينا أن نلاحظ أيضًا أن الأصحاحات ١٠ – ١٢ هي رؤيا واحدة.

الأصحاح العاشر: تدور أحداثه في السنة الثالثة لملك كورش الفارسي. وقد عاد بعض اليهود في ذلك الوقت بالفعل إلى يهوذا لكن دانيال لم يرجع. ناح دانيال لمدة ثلاثة أسابيع ولم يأكل لحم ولم يدخل في فمه خمر ربما (كما يرى وليم مكدونلد) للأخبار التي سمعها عن العائدين من السبي أنهم توقفوا عن العمل في بيت الرب أو بسبب الحالة الروحية المتردية للمسبيين. وإذ بدانيال يرى جبرائيل يقول له أن صلاته قد سُمعت من اليوم الأول ولكن استجابتها أعيقت ثلاثة أسابيع بواسطة رئيس مملكة فارس أي الروح الشرير المتسلط عليها. إلى أن جاء ميخائيل لمعونة جبرائيل. ثم يضيف جبرائيل أنه جاء ليخبره بما يصيب شعبه في الأيام الأخيرة. ولكن دانيال قد خارت قواه من مجد الرؤيا التي رآها. وإذ به يقول لجبرائيل أنه لن يستطيع فهم ما سيخبره به لأنه لم تعد به قوة. ولكن الملاك يلمسه ويشدده ليصبح دانيال مستعد لسماع ما يقوله له عن مصير شعبه. الأصحاحين ١١ ، ١٢ هما تفاصيل ما أخبره به جبرائيل.

الأصحاح الحادي عشر: هو أصعب أصحاحات السفر وأطولها. وينقسم إلى قسمين؛ الأول ١ – ٣٥ ويتحدث عن تاريخ إسرائيل القريب وصولاً إلى الحاكم السلوقي أنتيخوس أبيفانيوس. ثم القسم الثاني لرجسة الخراب في الأعداد ٣٦ – ٤٥. القسم الأول حدث بالفعل بينما القسم الثاني مستقبلي سيحدث في الضيقة العظيمة واستعلان ضد المسيح، وإن كان قد تحقق جزئيًا في أنتيخوس أبيفانيوس الذي يُسمى في هذا الأصحاح بـ "المُحْتَقَر" (٢١). الأصحاح ملئ بالتفاصيل التاريخية الدقيقة مما جعل البعض يتشكك إن كان دانيال بالفعل رأى هذا قبل أن يحدث فادعوا أن نبوة دانيال كُتبت بعد تلك الأحداث في القرن الثاني (وليس في مطلع القرن الخامس قبل الميلاد). الأعداد ١ – ٤ تتحدث عن سقوط إمبراطورية الفرس وصعود الإمبراطورية اليونانية ثم إنقسامها بعد الإسكندر الأكبر إلى أربعة ممالك. أما الأعداد ٥ - ٤٥ فنقرأ فيها عن ملك الجنوب (بطليموس) الذي حكم مصر وملك الشمال (سلوقس) الذي حكم سوريا. ثم التصارع بين ملكي الجنوب والشمال طيلة قرنين من الزمان. وقعت يهوذا بين المملكتين المتصارعتين، المملكة الشمالية شمال يهوذا والمملكة الجنوبية جنوبها. كانت يهوذا في الأول تحت حكم البطالمة لمدة مائة عام تقريبًا ثم دفعهم السلوقيون خارجها فصارت تحت حكمهم. تصارعتا المملكتين إلى وقت قيام السلوقي ملك الشمال (القرن الصغير الذي له عيون وفم متكلم بعظائم طبقًا للأصحاح السابع والمحتقر طبقًا للأصحاح الحادي عشر) أنتيخوس أبيفانيوس منجسًا الهيكل فيما يعرف برجسة الخراب (حول الهيكل لعبادة زيوس وقدم عليه خنزير كذبيحة). أي أن ملك الشمال هو نفسه القرن الصغير المتكلم بعظائم هو نفسه المحتقر. كما سبق وأشرت، تمت هذه النبوة (رجسة الخراب) جزئيًا في أنتيخوس أبيفانيس ولكنه أيضًا رمز لضد المسيح الذي سيأتي في الضيقة العظيمة في الأسبوع الأخير. أنظر أيضًا مت ٢٤ : ١٥، ٢ تس ٢ : ٣ – ٤.

أخيرًا الأصحاح الثاني عشر: نقرأ فيه عن الضيقة العظيمة وإنقاذ الرب لشعبه منها بواسطة ميخائيل. ثم قيامة الأبرار للحياة الأبدية والأشرار للعار والازدراء الأبدي. مدة الضيقة العظيمة هنا هي ثلاث سنين ونصف أي النصف الأخير من الأسبوع السبعون لأسابيع دانيال كما فصلها لنا في أصحاحه التاسع. نقرأ أيضًا عن محاولة دانيال لمعرفتها إلا أنه يُخْبَرُ بأنها مختومة ومخفية. ولكن طوبى لمن يصبر خلال هذا الوقت العصيب.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس