الرد على منشور القس سامي عياد بأن "الخلاصُ مِنْ الخطيّة لم يكنْ الهدفَ الأول مِنْ تَجسُد الله."


يدعي القس سامي عياد بأن "الخلاصُ مِنْ الخطيّة لم يكنْ الهدفَ الأول مِنْ تَجسُد الله. أي أنَّه، لو لم تكنْ الخطيّة، لكان التَجسُد أيضًا." ثم يضيف القس سامي عياد بأن "الإصرارُ على أنَّ يسوعَ جاءَ للأرضِ فقط ليخلصنا مِنْ الخطيّة، اختزالٌ مُخِلٌ شديدُ الإخلال لإرسالية كلمة الله الحي المتجسد، يسوع."

والأسباب لديه عديدة. سأتناولها واحدة واحدة. وضعت عبارات القس سامي بين علامات تنصيص ".." ثم تلوتها بردودي عليه.

"أولًا، لأنَّ الخطيّة، رغم مَنْ يضخِّمون في بشاعتها ووجودها وقدرتها، لا يمكِن بأي حالٍ مِنْ الأحوال، أنْ تُجبر الله علي تغيير خططه للبشريّة، فالخطيّة ليس لها كيان جوهري في ذاتها بل هي رفض الله مصدر الخير."

مهما ضخمنا من الخطية لا نكون قد أوفينا قداسة الله حقها. فالخطية موجهة ضد الله في الأساس. كلما وُضعت الخطية في ضوء قداسة الله كلما ظهرت بشاعتها. الإقلال من شأن الخطية هو طعن في طبيعة الله اللامنتاهية القداسة من ناحية. كما أن الإقلال من شأن الخطية يشبه الطبيب الذي يهون من خطورة حالة مريضه خادعًا إياه من ناحية أخرى. الدكتور القس سامي عياد يخدع نفسه وسامعيه. ذلك لأنه يعلم بمنظور (للخطية) متمركز حول الإنسان وليس حول الله.

صحيح أنه ليست للخطية كيان جوهري في ذاتها، إلا أن هذا ليس هو الحق الوحيد المتعلق بها. الخطية متعددة الجوانب تمامًا مثلما يكون الخلاص متعدد الجوانب. مفهوم أن الخطية ليست لها كيان جوهري في ذاتها قيل في سياق دفاع أغسطينس عن الحق المتعلق بالله في مواجهة المانوية التي تعلم بالثنائية (إله للخير وآخر للشر). لم يقصد بها أغسطينس حصر الحق المتعلق بالخطية في ذلك. الأهم هو أن الكتاب المقدس يعلِّم بأن الخطية نشاط إيجابي موجه ضد الله وإن لم يكن لها جوهر مستقل.

"ثانيًا لأنّه إذا كان الإنسانُ مخلوقًا على صورة الله، فحتمًاَ الإنسانيّة كائنةٌ في الله. لذلك ليس غريبًا أنْ تظهر إنسانيّة الله بالتجسد. لذلك استمرَ الله في التجسد منذ القديم (نفخ في أنفه، نارٌ في عليقة لا تحترق، ملاك الرب، الرابع شبيه بابن الآلهة)."

صحيح الله هو مصدر الإنسانية. لكن لم يكن القصد من التجسد هو إظهار الله لإنسانيته. ولكن فداء الإنسان بإخلاء الابن نفسه حتى الموت موت الصليب. الله لم يكن له جسد بشري ونفس بشرية قبل التجسد وإن كان قد خلق الإنسان على صورته الأدبية. القس سامي عياد يزيف الحقائق هنا بالخلط بين كون الله مصدر إنسانيتنا وبين اتخاذ الابن لنفسه طبيعة بشرية مكونة من نفس عاقلة وجسد. وهو يزيل التمييز بين الخالق والمخلوق بجعل الإنسانية كامنة في الله وما التجسد سوى إظهار لها. إنه يعلم بعكس تعليم الإخلاء (الكينوسيس). فالإخلاء هو أن الله اتخذ طبيعة بشرية فاحتجبت ألوهيته من خلفها "أخلى نفسه".

أما الادعاء بأن الله استمر في التجسد منذ القديم فهو ادعاء أقل ما يقال عنه أنه غير كتابي. فنفخة الله في أنف الإنسان ليست تجسد لأن آدم ليس الله وإن كان مخلوق على صورته. إن القس سامي عياد هنا يساوي بين آدم والابن المتجسد. وهذا ما يعلم به الليبراليون أن الفرق بيننا وبين المسيح فرق لا من حيث النوع بل من حيث الكم. فهو أكثر تقوى أو إلهية أو تقدمًا في مشواره الروحي منا، ولكننا جميعًا آلهة مثله. وهذا قاله أيضًا القس سامي عياد بأسلوب آخر في منشور سابق له: "إذا كَانَ اللهُ قدْ خَلقَ الإنسانَ على صورتِه، فمِنْ المنطِقي، إذًا، أنْ يَحملَ اللهُ صورةَ الإنسانِ أيضًا. يَحمِلُ الإنسانُ جوهرَ الإلوهيّة! ويَحمِلُ اللهُ جوهرَ الإنسانيّة! عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ." واضح هنا أن القس سامي عياد يزيل التمييز بين الخالق والمخلوق بحيث أن الله يحمل في ذاته الإنسانية والتجسد هو إظهار للألوهية أو بالحري لتلك الإنسانية. لا فرق بين الله والإنسان أو بين الألوهية والإنسانية.

ونار العليقة التي لا تحترق، وملاك الرب، والرابع الشبيهة بابن الآلهة، كلها ظهورات مسيانية وإن كانت نوع من التمهيد للتجسد. ويظل أن القس سامي عياد لا يحق له مساواة آدم كصورة الله وبين ظهور الله في عليقة لا تحترق أو كملاك الرب. آدم ليس ظهور للرب أو تجسد له.

"ثالثًا، لإنَّ إرساليّة يسوع كانتْ أكبر مِنْ الصليب والموت، أي أنَّ الصليب كان أحد جوانب إرساليّة يسوع علي الأرض وليس كلها. لذلك يُطلِق علماء اللّاهوت علي مجيء يسوع للأرض "حدث المسيح" “.Christ Event” يشمل هذا الحدث، ولادته، حياته وخدمته علي الأرض، موته، قيامته، وصعوده."

صحيح أن إرسالية يسوع أكبر من الصليب والموت. وصحيح أن علماء اللاهوت يطلقون على مجئ يسوع للأرض حدث المسيح الذي يشمل كل من تجسده وموته وقيامته وصعوده وجلوسه. إلا أن هذا لا يعني أنه ليس هناك جوانب مركزية في الكفارة. فالصليب هو بؤرة الكفارة ومركزها. وهذا ليس إقلالاً من شأن التجسد أو القيامة أو الصعود. فهذه جميعها مركزية. لكن الكتاب المقدس يعامل الصليب على أنه المركز. وما يحاول فعله القس سامي عياد هنا هو تمويع هذه المركزية بحيث يصبح الصليب نقطة في رحلة أو لحظة في حدث وليس مركز عمل المسيح. إن حدث المسيح كبير حقًا؛ ولادة وطاعة وموت وقيامة وصعود وجلوس. لكن هذا ليس على حساب الساعة التي جاء من أجلها "لأجل هذا أتيت إلى هذه الساعة" (يو ١٢ : ٢٧)، "صادقة هي الكلمة ومستحقة كل قبول: أن المسيح يسوع جاء إلى العالم ليخلص الخطاة الذين أولهم أنا" (١ تي ١ : ١٥)، "لذلك عند دخوله إلى العالم يقول: ذبيحة وقربانًا لم ترد، ولكن هيأت لي جسدًا ... فبهذه المشيئة نحن مقدسون بتقديم جسد يسوع مرة واحدة" (عب ١٠ : ٥ ، ١٠). مرة أخرى، إن كفارة المسيح، أو حدث المسيح، يشمل تجسده وولادته وسلوكه وموته وقيامته وصعوده وجلوسه، إلا أن الصليب يظل هو المركز.

"رابعًا، الشركة كانت ومازالت هدف الله الأول في حياة الناس. لكي نصل لعمق هذه الشركة، يعلم الله أنَّ الإنسان في محدوديته لا يدرك غير المحدود إلا بالمحدود ولا يتلامس بعمق مع غير المنظور إلا مِنْ خلال المنظور. "الَّذِي سَمِعْنَاهُ، الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، الَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا ... فَإِنَّ الْحَيَاةَ أُظْهِرَتْ، وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الآبِ وَأُظْهِرَتْ لَنَا."

القس سامي عياد هنا يخلط الأوراق. صحيح أن الشركة هي هدف الله في حياة الناس. ولكن يظل الهدف المركزي هو مجد الله من خلال الشركة. ويظل أيضًا أنها شركة مع إله كلي القداسة. لهذا عندما سقط الإنسان طُرد من محضر الله. وعندما سيدان الإنسان في القيامة الأخيرة سينفى من محضر الله إلى الأبد. وعندما تمرد إسرائيل طُرد من أرضه، حيث كان يسكن الله القدوس في هيكله، إلى السبي حيث يسود مُلك الشيطان على عابدي الوثن.

صحيح أيضًا أن الإنسان في محدوديته لا يدرك غير المحدود إلا بالمحدود، ولا يتلامس بعمق مع غير المنظور إلا من خلال المنظور. وقد كان هذا الحال في جنة عدن. فقد كان الرب يسكن مع آدم ويكلمه ويوصيه وخلق له معين نظيره ويأتي له عند هبوب ريح النهار. لأن اللامحدود اختار أن يعلن نفسه للمحدود. إلى أن حدث السقوط فاستدعى التجسد. لو كانت المشكلة هي تمكين التواصل بين المحدود واللامحدود فالتجسد لم يضف شيئًا لأنه كان هناك بالفعل تواصل بينهما في جنة عدن. وقد انقطع التواصل بالسقوط ومن ثم الطرد من الجنة. إن القس سامي عياد هنا يجعل المشكلة لا السقوط والخطية، بل علاقة اللامحدود بالمحدود. إن كانت المشكلة هي التواصل بين اللامحدود والمحدود فعمل المسيح إذًا هو فقط للانتصار على هذا العائق. وليس للتكفير عن الخطايا. القس سامي عياد يحيل المشكلة من الخطية إلى مجرد تواصل بين اللامحدود والمحدود. إلا أن ما يغفله القس سامي عياد هنا هو أن هذا اللامحدود (الله) هو لامحدود في قداسته ولا يستطيع أن يكون في شركة مع خطاة (إلا من خلال الفداء).

أما اقتباس نص يوحنا الذي يقول أن الرسل سمعوه ورأوه ولمسوه فقد كان للرد على هرطقة أن جسد يسوع لم يكن حقيقي. وليس للادعاء بأن مشكلة الإنسان هي التواصل مع اللامحدود كما يدعي القس سامي عياد. بل وإن شاء القس سامي عياد الحق فيوحنا يقول "أنه أحبنا وأرسل ابنه كفارة لخطايانا" (١ يو ٤ : ١٠).

"خامسًا، الله الذي لم يَره أحدٌ قط مِنْ قبل وكوّن العالم عنه صورًا عديدة غير حقيقيّة، يسوع جاء يخبر مَنْ هو الله. والإنسانُ في صورته الأصلية الأولى على صورة الله، لم يكن في قدرة أحد أنْ يعرفه بعدما شوهته الخطيّة. يسوع كان النموذج الإنساني الحقيقي لأنَّه لم يعرف خطيَة."

إن القس سامي عياد هنا يناقض نفسه. كيف تجسد يسوع ليخبر بمن هو الله في حين أن آدم نفسه كان تجسد لله؟ لكن كما قلنا لم تكن هناك مشكلة تواصل بين الله والإنسان قبل السقوط. والسبب الذي جعل الإنسان يكون صورًا عديدة غير حقيقية عن الله هو السقوط والفساد الموروث. ثم يناقض القس سامي عياد نفسه مرة أخرى بقوله أنه لم يعد هناك إمكانية لمعرفة من هو الإنسان المخلوق على صورة الله بعدما شوهته الخطية. إن القس سامي عياد يجعل مشكلة الإنسان هي التواصل مع اللامحدود مرة، والتعريف بمن هو الإنسان مرة أخرى. قل لنا: هل مشكلة الإنسان هي تواصل اللامحدود بالمحدود، أم تشوه الإنسان بسبب الخطية؟ لا يمكن أن يكون الإثنين. إن كانت المشكلة هي الخطية، فالله تجسد لكي يحل هذه المشكلة وليس لكي يتواصل كإله لامحدود مع الإنسان المحدود. ذلك لأنه قبل مشكة السقوط كان هناك شركة وتواصل في جنة عدن لكنهما انقطعا بمجرد حدوث السقوط. القس سامي عياد يعامل الخطية بانتقائية في منهجه. فهي مشكلة متى أراد جعلها مشكلة، وهي ليست مشكلة عندما يتعلق ذلك بالكفارة والصليب. إن القس سامي عياد يخطئ بجعل اللامحدود كذلك فقط في عظمته وليس أيضًا في قداسته.

فضلاً عن ذلك، صحيح أنه من أهداف التجسد هو استعادة صورة الله في الإنسان المفقودة. إلا أن القس سامي عياد يريد جعل ذلك مركز التجسد. وهو منظور متمركز حول الإنسان. هذه هي مسيحية القس سامي عياد. إله يدور في فلك الإنسان (وليس إنسان متمركز حول الله). وآدم ومسيح كلاهما متجسدان متساويان في نوع الألوهية وإن لم يكونا مستاويان في درجتها.

"سادسًا، لكي يصلَ الله لعمق الشركة مع محبوبه الأول الإنسان، كانّ لابد أنْ يقدِمَ علاجًا لخطيّة الإنسان التي صارت فاصلةً بين الإنسان والله فكان الصليب."

مرة أخرى يناقض القس سامي عياد نفسه هنا بجعل المشكلة هي التواصل بين اللامحدود والمحدود مرة وجعلها تقديم علاجًا لخطية الإنسان مرة أخرى. مشكلة انقطاع التواصل حدثت بسبب الخطية وليس بسبب المسافة الأنطولوجية بين اللامحدود والمحدود. الله لامحدود في قداسته ولا يستطيع الشركة مع إنسان خاطئ. والمشكلة ليست فقط من نحو الإنسان تجاه الله، بل في الأساس هي من نحو الله تجاه الإنسان. فلأن الإنسان تمرد على الله طرده الله من جنته. ليس انه خرج من الجنة بمبادرته. لكن أن الرب غضب فطرد الإنسان منها. الخطية إذًا ليست فقط مرض أفسد الإنسان. بل هي في الأساس تعدٍ على ناموس الله. إنها صارت مرض لكونها دينونة من الله على الإنسان عندما أسلمه إلى فساد الطبيعة. تسليم الإنسان إلى فساد الطبيعية هو دينونة من الله عليه.

"تجسد الله هو تجسد الحب. الحب قدّمَ علاجًا لمشكلة الخطيّة على الصليب، لكنَّه أكبر وأعمق وأشمل كثيرًا مِنْ مجرد الخلاص مِنْ الخطيّة."

القس سامي عياد هنا يجعل الحب صفة مركزية في الله على حساب صفاته الأخرى ولا سيما القداسة والبر. طبعًا لأنه يريد استبعاد هذه الصفات من المشهد. إنه يقلل من شأن الخطية لأنه يقلل من شأن قداسة الله. ويعظم من محبة الله لأنه لا يريد إبراز قداسته. ولكن كما يقول الكتب المقدس أن "الله محبة" يعلم أيضًا بأنه "قدوس قدوس قدوس" و"نار آكلة". إن التجسد في حد ذاته ليس إعلانًا عن الله بدون الصليب. بل من منظور ما فإن الألوهة احتجبت وراء بشرية يسوع. وهذا هو الإخلاء. لهذا فالصليب هو إعلان بر الله. لأنه فقط من خلال الصليب "يكون الله بار (عادل) ويبرر من هو بالإيمان بيسوع". كيف يغفر الله خطية الإنسان وفي نفس الوقت دون أن يقتص منه؟ الحل في أن يتحمل البديل عنا العقوبة. أما عبارة القس سامي " لكنَّه (الحب) أكبر وأعمق وأشمل كثيرًا مِنْ مجرد الخلاص مِنْ الخطيّة." فهي غير مفهومة إلا أننا نستطيع التأكيد أن محبة الله غير منفصلة عن قداسته. فالله لا يستطيع أن يحب الخطية. ولا يستطيع أن يحب الخاطئ إلا من خلال الكفارة.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس