هل الاهتمام بدراسة اللاهوت يؤدي إلى الجفاف الروحي أم يحفظ منه؟


سألني صديق السؤال التالي عن قيمة التعليم أو اللاهوت بالنسبة لحياة التقوى والعبادة الفردية: "ماذا تعمل عندما تكون حياة العبادة الفردية جافة؟ هل تنحي دراسة اللاهوت جانبًا وتلجأ مثلاً إلى الكتابات التأملية؟". ويبدو أن هذا السؤال نابعًا من التأثر بالهجوم على التعليم أنه بلا قيمة لحياة التقوى أو أن له تأثيرًا عكسيًا عليها. إلا أن العكس من ذلك صحيح. فالتعليم السليم، بقوة الروح القدس، يقود إلى التقوى والسجود.

لا شك أن القراءات التأملية جيدة، إلا أن الأفضل منها بالنسبة لي كانت دائمًا دراسة اللاهوت بصفة عامة. في الحقيقة عندما تكون الحياة الروحية الفردية جافة أجد نفسي مدفوعًا إلى ترك الدراسات اللاهوتية. وعندما تكون الحياة الروحية بصحة جيدة (نسبيًا على الأقل) أجد نفسي في حالة من الجوع الدراسي. الأكثر من ذلك، فإن مواصلة تلك القراءات أو الدراسات هي التي كانت تحفظني من الانجراف أثناء فترة الجفاف الروحي. صحيح أن الدراسة يمكن أن تكون أكاديمية جافة. إلا أن الدراسة المصحوبة بقوة الروح القدس تقود إلى العبادة والتقوى.

وشخصيًا أرى أن الهزال الروحي الذي قد يصيب المؤمن سببه ليس الاهتمام بدراسة اللاهوت أكثر من اللازم أو أكثر من الأمور التقوية، بل العكس صحيح. إن الضعف الروحي سببه إهمال التعليم الذي يقود إلى السجود والتقوى. ولكن لاحظ أننا نتكلم هنا عن الدراسة التي يقوم بها المؤمن المجدد والمصحوبة بقوة الروح القدس.

والكتاب المقدس لا يطرح التعليم السليم غير المقترن بالاختبار كمشكلة. لأن التعليم السليم هو عمل الروح القدس الذي ينير الذهن بالفهم والقبول. أينما وُجد التعليم النقي، المقترن بالاقتناع به والخضوع له، وُجد الاختبار الحقيقي. كلاهما عمل الروح القدس. الروح يُعلّم ويثمر تقوى من خلال التعليم في نفس الوقت. الإنسان الطبيعي فاسد جذريًا وهذا يشمل ذهنه. وهو في قرارة قلبه ليس لديه قناعة بالتعليم أو خضوع له. وجود وقبول التعليم النقي هو عمل الروح القدس الذي يؤدي إلى مزيد من التقوى والعبادة. والمؤمن الحقيقي لا يستطيع أن يكون، على الأقل لفترة طويلة، في حالة من عدم الاقتناع بالتعليم والخضوع له.

وبينما يتم الهجوم على التعليم بحجة أنه أكاديمي وجاف ولا يساعد على حياة التقوى، يخطأ البعض التمييز بين التقوى والتقوية. فيظنون أن مظاهر التقوى التي أهملت التعليم تثبت عدم حاجة التقوى (الحقيقية) إلى التعليم اللاهوتي أو الدراسة. إلا أن الأولى (التقوى) بعمل الروح القدس، بينما الثانية (التقوية) هي أحد أعمال الجسد. التقوية هي تقوى زائفة. والتقوية الآن هي إحدى آفات البروتستانتية الشرقية المعاصرة. وهي زائفة لأنها تريد أن توجد بمعزل عن التعليم. التقوية أيديولوجية تسعى للإستغناء عن التعليم بتهميش دوره والمغالاة في قيمة إنفعالات وممارسات غير مؤسسة على الحق الكتابي (كالترانيم الصاخبة وترانيم العشق الإلهي أو الممارسات غير الكتابية للتشكيل الروحي).

لكن لا يمكن أن توجد التقوى الحقيقية المتنامية بدون التعليم الكتابي. ذلك لأن التعليم الكتابي هو أساس التقوى. والتقوى الحقيقية تقود إلى إكرام التعليم الكتابي والرجوع له بإستمرار. إن كلاهما يصب في الآخر. التعليم يقود إلى التقوى والعبادة، والعبادة والتقوى يخلقان جوعًا إلى التعليم. إن الإيمان يتغذى على مسيح الكلمة. بل إن الدراسة المتعمقة في الكلمة هي التي تكشف لنا أمجاد المسيح التي تغذي حياة التقوى والسجود. ألم يلتهب قلبا تلميذي عمواس بينما كان يوضح لهما المسيح أمجاده في أسفار العهد القديم (لو ٢٤ : ٣٢)؟ ألم يهتف بولس ساجدًا "يا لعمق غنى الله" (رو ١١ : ٣٣) بعد شرح الموضوعات التعليمية الدسمة كعالمية الخطية والحاجة إلى التبرير والتقديس ثم الاختيار للخلاص؟ وتاريخيًا، ألم يأتي ثاني أعظم حدث بعد مسيحية القرن الأول، والذي هو الإصلاح البروتستانتي في القرن السادس عشر، كنتيجة للوضوح التعليمي الذي سعى إليه المصلحون البروتستانت؟ ألا تشهد أعمق الكتابات التعليمية في التاريخ المسيحي، والتي هي كتابات البيوريتان، باهتمامهم بحياة التقوى والسجود أيضًا؟

تظل إذًا هذه المعادلة صحيحة وفعالة: الثيولوجي (التعليم) يقود إلى الدوكسولوجي (العبادة). والأرثودوكسي (التعليم القويم) يقود إلى كل من الأورثوباثي (العبادة الحقيقية) والأورثوبراكسي (التقوى الحقيقية). فشتان الفرق بين التقوى والتقوية. ولا تقوى أو عبادة حقيقية بدون تعليم سليم. وكل مظهر للتقوى بدون تعليم سليم هو تقوية زائفة. وإهمال التعليم يقود إلى الفقر الروحي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس