كيف تقرأ سفر أيوب


يمكننا تقسيم سفر أيوب إلى افتتاحية (١ – ٢)، رثاء (٣)، جدال (٤ – ٣١)، استدراك (٣٢ – ٣٧)، لقاء (٣٨ – ٤١)، استرداد (٤٢). الأسلوب الأدبي لكل من الافتتاحية والخاتمة (الاسترداد) هو النثر. وما بين الافتتاحية والخاتمة شِعْر. الافتتاحية تحدثنا بأسلوب نثري عن معضلة أيوب. والخاتمة تسرد لنا عاقبة صبره ومكآفأة الرب له. ولكن بين الأولى والثانية سجال شعري طويل بين أيوب وأصدقاءه. وسفر أيوب سفرًا تاريخيًا على عكس ما يدعيه البعض (وعلى رأسهم سي إس لويس) بأنه غير تاريخي. وإلا فما ينطبق على أيوب ينطبق على باقي شخصيات السفر: الرب والشيطان. إذ تصبح هذه بدورها غير واقعية. ويصبح إكرام الرب لأيوب مجرد وهم. يُذكر أيوب أيضًا ضمن شخصيات تاريخية كنوح ودانيال (حز ١٤ : ١٤ ، ٢٠). يعقوب بدوره يشجع على الصبر واحتمال المشقات بإستخدام أيوب كنموذج. وإن لم يكن أيوب شخصية واقعية فإن حض يعقوب هنا هو بلا قيمة (يع ٥ : ١١).

الافتتاحية (١ – ٢)

في هذا المشهد، الذي يحدث خلف الستار في السماء، نجد شكاية الشيطان على أيوب وأنه لا يتقي الرب مجانًا. بل بمجرد حرمانه مما لديه سيجدف أيوب على الرب في وجهه. تحدث هذه الشكاية من الشيطان ضد أيوب على مرحلتين. في الأولى يجرده الشيطان من جميع ممتلكاته وبنيه (١). في المرحلة الثانية يجرده من صحته فيصيبه بمرض جلدي ردئ يعزله عن الناس حتى يجلس على الأرض في الرماد وحده (٢ : ٨ ، ١٣). سمح الرب للشيطان بأن يجرب أيوب دون أن يمس نفسه.

إن المنظور الكتابي للألم، طبقًا لسفر أيوب، منظورًا معقدًا. وأول شئ نجده حول هذا الأمر هو أن الرب ليس مصدر الألم لكن يسمح به. سنتعرض لاحقًا لفكرة أن الألم ليس دائمًا بسبب الشر (وهذا جوهر الخلاف بين أيوب وأصدقاؤه). إلا أنني أسعى هنا للفت النظر إلى أن كاتب السفر يقول مرتين أن أيوب لم يخطئ عندما قال أن "الرب أعطى والرب أخذ" (١ : ٢٢، ٢ : ١٠)، رغم أن الشيطان هو الذي وجه تلك الضربات إلى أيوب (١ : ١٢، ٢ : ٦ – ٧). بل يقول الكاتب في نهاية السفر "فجاء إليه إخوته وكل أخواته ... وعزوه عن كل الشر الذي جلبه الرب عليه" (٤٢ : ١١) الشيطان، إذًا، ضرب أيوب، لكن الرب أعطى والرب أخذ فليكن اسمه مباركًا.

تؤكد الافتتاحية،بصورة لا تدع مجالاً للشك، على بر أيوب قبل أن تصيبه تلك الكوارث. أولاً بواسطة الكاتب (١ : ١)، ثم على فم الرب نفسه (١ : ٨)، بل وبشهادة الشيطان أيضًا أن أيوب يتقي الرب (١ : ٩). وهذا أمر لا ينبغي أن نغفله لأنه يشكل معضلة السفر. إن كان أيوب بارًا بهذه الشهادة الثلاثية، فلماذا أصابه ما أصابه؟

رثاء أيوب لحاله (٣)

يخبرانا الأصحاحين ١ ، ٢ من السفر أن أيوب لم يخطئ إلى الرب ولم ينسب له أية جهالة في كل ما أصابه. إلا أن نبرة أيوب تتغير في الأصحاح التالي فنقرأ عن رثاءه لذاته للحد الذي يصل إلى لعنه لليوم الذي وُلد فيه. وهنا لا يمتدحه كاتب السفر كما امتدحه سابقًا في الأصحاحين الأولين. بدأ أيوب بداية جيدة، بمباركته للرب رغم مصابه الجلل (١ ، ٢). لكن سرعان ما تحولت مباركته للرب إلى لعن لليوم الذي وُلد فيه (٣). ثم إلى غضب تجاه الرب واتهامه له بالظلم كما نقرأ طيلة السجال الذي دار بينه وبين أصدقاؤه (٤ – ٣١). ولكنه يتوب أخيرًا عند سماع صوت الرب من العاصفة. يا لها من رحلة وعرة وعصيبة للإيمان!

ثلاث جولات من الجدال بين أيوب وأصدقاؤه (٤ – ٣١)

يتوقف أيوب عن رثاءه لذاته ثم يبدأ السجال بينه وبين أصحابه. يتكون هذا الجزء من ثلاث جولات من الجدل بين أيوب وأصدقاؤه الثلاث: أليفاز التيماني، وبلدد الشوحي، وصوفار النَّعماتي. في كل جولة يتناوب الثلاث أصدقاء اتهام أيوب بأنه فعل شيئًا جلب عليه كل تلك البلايا، فيقوم أيوب بالرد عليهم الواحد تلو الآخر مؤكدًا حقيقة براءته. وهكذا إلى نهاية الثلاث جولات.

في هذا الجزء نرى جانبًا آخر من التعقيد المتعلق بمعضلة الألم، ألا وهو أن ليس كل ألم يأتي بسبب الشر. كان اعتقاد أصحاب أيوب هو أن الخطية تكمن خلف كل ألم. وهو ما يسمى بـ لاهوت العدل أو الثواب والعقاب Retributive Theology . إلا أن السفر يثبت لنا أن هذه نظرة منقوصة للحق المتعلق بمعضلة الشر. فليس كل ألم سببه الخطية. وهذا هو السبب في شكوى أيوب. فهو لم يفعل شئ يستحق عليه كل ما حلّ به. إن هذا الجزء من السفر ببساطة هو شد وجذب بين أيوب وأصدقاؤه. هم متأكدون أنه فعل شيئًا يجعله يستحق كل ما جاء عليه، وإلا فما أصابه ما أصابه. بينما أيوب متيقن أنه لا يستحق أي من ذلك.

يلخص رايكن هذا الشد والجذب الذي استمر للجزء الأكبر من السفر كالآتي:

"يتم تقديم بعض الأفكار فقط ثم تكرارها: الله عادل (وجهة نظر الأصدقاء). الله ظالم (وجهة نظر أيوب). أيوب مذنب بالخطية ويحتاج إلى التوبة (وجهة نظر الأصدقاء). أيوب بريئ (وجهة نظر أيوب). إن اعترف أيوب وتاب فقط، فسيردّه الله (وجهة نظر الأصدقاء)".

الخطأ الذي وقع فيه أصدقاء أيوب إذًا هو أنهم بدأوا من العكس. فإن كانت الخطية تؤدي إلى الألم، وإن كان امتحان الإيمان أيضًا يؤدي إلى الألم، فليس من الحكمة إذًا أن تُرجع كل ألم إلى الخطية. إن الاعتقاد المنتشر بين مسيحيو الشرق أن أيوب تألم بسبب أنه لم يقدم ذبيحة لنفسه واكتفى بتقديم ذبائح لأبنائه فقط يعكس هذا المنظور المختزل لمشكلة الألم. لا يوجد أي شئ في السفر يشير إلى أن آلام أيوب حلت عليه بسبب عدم تقديمه ذبيحة لنفسه. على العكس من ذلك، فإن السفر بأكمله، الافتتاحية، والحوارات الطويلة بين أيوب وأصدقاؤه، والخاتمة، تؤكد جميعًا على بر أيوب ومن ثم عدم وجود علاقة مباشرة بين آلامه من ناحية وبين أية خطية قد يكون ارتكبها من ناحية أخرى. صحيح أن أيوب أخطأ، إلا أن خطيته هذه جاءت بعد أن أصابته تلك الكوارث. وكانت خطية أيوب هي أنه يبرر نفسه ويستذنب الرب متهمًا إياه بالظلم. لقد أخطأ أيوب ولكن في رد فعله تجاه تجربته. أما التجربة نفسها فلم تأته بسبب خطية. كما أن المشكلة ليست فيما يعتقده أصدقاء أيوب (حول لاهوت العدل) أكثر مما هي في تطبيقهم ذلك عليه وهو أنه تألم بسبب خطيته. صحيح أن الخطية ينتج عنها ألمًا. لكن لم تكن هذه حالة أيوب. وصحيح أنه في نهاية المطاف يُكافئ البر، و يُعاقب الشر. إلا أن المكافأة والعقاب كلاهما في سلطان الرب من حيث توقيتهما وطريقتيهما. إن إحدى الحجج التي كان يستخدمها أيوب للرد على أصدقاؤه ولإثبات براءته هو أن الأشرار مستريحين وناجحين بينما يقولون لله "ابعد عنا وبمعرفة طرقك لا نسر" (٢١).

إن علينا أن نميز بين أمرين خطيرين في السفر. أيوب قبل التجربة، وأيوب أثناء التجربة. أيوب لم يتألم بسبب خطية. إلا أن أيوب أخطأ في استجابته للألم. يقول ريتشارد ب. بيلتشر جونيور:

"في ضوء تغيير استجابة أيوب (أي أنه لم يخطأ قبل التجربة، ولكنه أخطأ في استجابته لها)، يجب عمل تمييز مهم يساعد القارئ على فهم أجزاء مختلفة من سفر أيوب. يتضح من أيوب ١ – ٢ أن أيوب لا يتألم بسبب خطأ ارتكبه. يعلن الله أن أيوب بلا لوم وأن الشيطان هَيَّج الله على أيوب بلا سبب. يمكن تسمية هذا بالنقطة (أ). ومع ذلك، فإن أيوب لا يستجيب دائمًا بشكل صحيح أو مناسب من داخل موقف الألم. يخطئ أيوب بفمه في بعض الأشياء التي يقولها ردًا على آلامه. يمكن تسمية هذا بالنقطة (ب). وردت بعض الأشياء في سفر أيوب ردًا على النقطة (أ). أيوب محق فيما يتعلق بنقطة الخلاف الرئيسية مع أصدقائه بأنه لا يتألم بسبب خطية معينة في حياته، الأمر الذي يساعدنا في تفسير عبارة الله في أيوب ٤٢ : ٧. لكن الله يتهم أيوب بالتحدث عن أشياء لا يفهمها (٣٨ : ٢) والتشكيك في عدل الله (٤٠ : ٨)، مما يشير إلى كيفية استجابة أيوب بمجرد أن واجه آلامه (النقطة ب)".

استدراك أليهو للموقف (٣٢ – ٣٧)

في الجولة الثالثة (من الجزء السابق) جاءت أقوال أصدقاء أيوب مختصرة حتى أن صوفر لم يشارك هذه المرة مما يدل على أنهم لم يعودوا يروا فائدة من الجدال معه. يبدأ أصحاح ٣٢ بالقول أن أصحاب أيوب كفوا عن مجاوبته "لكونه بارًا في عيني نفسه". وهنا يأتي دور صديق رابع لأيوب يدعى "أليهو". ولكونه أصغرهم سنًا انتظر للآخر احترامًا لهم. وبينما يرى بعض الشراح أن كلام أليهو غير واضح إذ يبدو أنه يكرر ما قاله أصدقاء أيوب. إلا أن هناك آخرون يرون أن كلام أليهو هو خطوة على الطريق الصحيح. وأنا أتفق مع هذا الرأي الأخير. فبينما تبنى أصدقاء أيوب لاهوت العدل بأن كل ألم سببه الخطية. وفي حين برأ أيوب نفسه واستذنب الله. فإن كلمات أليهو جاءت لتكون رمانة الميزان بين هذين الموقفين. يقول كاتب السفر "فحمي غضب أليهو ... على أيوب لأنه حسب نفسه أبر من الله. وعلى أصحابه الثلاثة ... لأنهم لم يجدوا جوابًا واستذنبوا أيوب" (٣٢ : ٢ – ٣). كان الجواب على معضلة أيوب، طبقًا لأليهو، ليس كل ألم مصدره الخطية. بل إن الله يستخدم الألم للتنقية والتمحيص. على أنه من الملفت للنظر أن حديث الله إلى أيوب من العاصفة يقول أن أصدقاء أيوب الثلاثة أخطأوا القول. بينما لا يشير الرب إلى أليهو.

لقاء الرب بأيوب من العاصفة (٣٨ – ٤١)

في هذا الجزء يكلم الرب أيوب من العاصفة. إن الرب يجيب أيوب عن معضلته من خلال توجيه وابلاً من الأسئلة إليه والمتعلقة بسلطانه وحكمته في خلقه وحُكمه لخلائقه. إن خلاصة أسئلة الرب لأيوب هي أنه لا يعلم شئ عن حكمته المتناهية في حُكمه وتنظيمه لخليقته. إلا أن أيوب يظن أنه امتلك الحكمة التي تؤهله لاستذناب الله وتبرئة نفسه. ربما لو أجابه الرب إجابة صريحة ومباشرة عن معضلته لما فهم أيوب. كما أن الرب غير مطالب بتقديم إجابات للبشر عما يفعله في خليقته. على أننا ينبغي أن نلحظ أن الرب لم يوبخ أيوب على خطية أدت إلى آلامه، بل على موقفه تجاه الرب في ظل التجربة واتهامه للرب بالظلم وعدم الحكمة.

استرداد الرب لأيوب (٤٢)

بعد هذه الأسئلة الفاحصة من الرب لأيوب، ينطق هذا الأخير بكلمات التوبة والخضوع والاعتراف بالجهل أمام الرب (٤٢ : ١ – ٦). فرد الرب لأيوب أكثر مما سلبه منه الشيطان من ممتلكات وأبناء وعمرًا مديدًا. بل والأكثر من ذلك رد له نفسه. ورد له الرب أيضًا كرامته أمام الجميع ولا سيما أصدقاؤه. لقد كان أيوب كاهنًا لبيته فقدم ذبائح عن بنيه وبناته. وهو الآن يعود إلى مقامه السابق بل وأعظم منه بأن يكون كاهنًا لأصدقاءه فيصلي لأجلهم حتى يقبلهم الرب. ورغم خطية أيوب إلا أنه بصفة عامة يظل كلامه صحيحًا عن الله في كون الألم لم يأته بسبب الخطية. لهذا، فإن قول الرب بأن أصدقاء أيوب لم يقولوا فيه الصواب ("كعبدي أيوب") يمكن أن نطبقه على الادعاء الشائع بأن آلام أيوب حلت عليه بسبب خطية بره الذاتي المتمثلة في عدم تقديم ذبيحة لنفسه. فكلاهما نفس المبدأ (لاهوت العدل).

رسالة السفر

في السفر حق معقد حول الألم. لقد ضرب الشيطان أيوب، إلا أن ذلك كان بسماح من الله حتى أن الرب هو الذي أعطى وهو الذي أخذ. وبالرغم أن الخطية تؤدي إلى الألم، إلا أن ليس كل ألم سببه الخطية. فقد كان الألم في حالة أيوب بغرض التنقية وليس بسبب أنه أخطأ. لكن مع كل أسف، فالبرغم أن آلام أيوب لم تكن بسبب الخطية، إلا أنه أخطأ في استجابته للألم. وعلى الرغم أن السفر لا يعلن لنا السبب المباشر لآلام أيوب، إلا أنه يقدم لنا إجابات جزئية متمثلة في كون الآلام لغرض التنقية. وأنه يكمن وراء هذه الآلام صراع بين الله والشيطان وأن أيوب هو أرض هذه المعركة. ونجاح أيوب في الإمتحان في نهاية المطاف هو إنتصار الرب على الشيطان. ومع هذا، يظل هناك جانب كبير من الألم غير مُجاب عنه.

المسيح في السفر

أيوب هو صورة للمسيح من أوجه كثيرة. كلاهما شهد عنه الكتاب المقدس بأنه بار. إلا أن بر أيوب نسبي بينما بر الرب يسوع المسيح مطلق. كلاهما تألم آلامًا شديدة واتهم ظلمًا من معاصريه. كلاهما لم يتألم بسبب خطية ارتكبها، بل بسبب صراع بين الرب والشيطان. إلا أن الرب يسوع تألم آلامًا كفارية من أجل خطايا آخرين. كما أن الرب يسوع المسيح لم يخطئ في استجابته لامتحانه سواء في البرية أو في الصليب (الصليب من منظور ما هو امتحان للمسيح). كلاهما صلى وقدم ذبائح للرب من أجل آخرين. إلا أن الرب يسوع قدم نفسه كذبيحة كاملة غير محدودة القيمة. كلاهما أُكرم من الله عقب آلامه. إلا أن إكرام الله للمسيح أعظم بما لا يقاس من إكرامه لأيوب. أُكرم الرب يسوع إكرامًا ماديًا وروحيًا فائقًا إذ جلس عن يمين عرش الآب والخليقة بأكملها بما بها من بشر وملائكة وشياطين مُخضعة له.

دروس عملية

١ – كان أيوب من حقبة البطاركة (الآباء كإبراهيم). وكان الأب في تلك الفترة كاهنًا عن الأسرة أيضًا. لهذا قدم أيوب ذبائح عن بنيه لعلهم أخطأوا أمام الرب. وفي النهاية صلى لأجل أصدقاؤه الثلاثة. إن كل رجل مؤمن هو بمثابة كاهن لأسرته وأحباؤه ليرفعهم أمام المذبح في الصلاة لدى الرب. ٢ – عندما جاء أصدقاء أيوب جلسوا في صمت سبعة أيام معه ولم يفتحوا فمهم. وبعد السبعة أيام أخذوا الواحد تلو الآخر يكيلون الإتهامات إليه. لقد بدأوا بداية حسنة إلا أنهم لم يستمروا على نفس المستوى من التمييز والحكمة. وهذا يذكرنا بالادعاء "لا تعظ المتألم". الموضوع حقًا يحتاج إلى حكمة. لكن يظل أن الرب لم يدين أصدقاء أيوب لأنهم قاموا بوعظه، بل لأنهم وعظوه خطأ. ٣ – أيوب أيضًا في النهاية لم يضمر الضغينة لهم لكن صلى إلى الرب لأجلهم شاعرًا بالمسؤولية تجاههم. ٤ – أخيرًا، ينبغي أن نمتنع عن إصدار الأحكام على إخوتنا المتألمين ونترك الأمر للرب فاحص القلوب والكلي.

خلاص أيوب وأصدقاؤه

كثيرًا ما نسمع أصحاب المنهج الشمولي يحتجون بأيوب وأصاحبه على أنهم لم يكونوا يهودًا أو من نسل إبراهيم لكنهم عرفوا الرب. تصبح النتيجة لدى هؤلاء هي أن معرفة الله ممكنة خارج الدعوة الإبراهيمية التي تشمل اليهودية والمسيحية. إلا أن هذه مغالطة فجة من قبل هؤلاء. ذلك لأن الشموليون يدعون بأن معرفة الله ممكنة خارج الدعوة الإبراهيمية دون لزوم أن يعرف الإنسان معرفة عقلية واعية عن الرب. كأن يعبد الإنسان بعقله إله آخر بينما يؤمن بقلبه بالرب الإله الحي الحقيقي. أو أن الشمولية بصورة أدق هي أن الله يستخدم المعرفة الدينية المتاحة لدى الإنسان ليخلصه بها بغض النظر عن سماعه أو إيمانه الواعي بإله الكتاب المقدس. إلا أن أيوب وأصدقاؤه عرفوا يهوه الرب معرفة عقلية واعية. والرب تكلم بصورة مباشرة مع أليفاز (٤٢ : ٧). وأيوب استخدم الإسم العهدي للرب "يهوه" (١٢ : ٩). وطبقًا لأحد المصادر فإن الإسم العبري للرب "شداي" (القدير) استخدم ٣١ مرة في سفر أيوب فقط. وقد كان هذا الإسم معروفًا لدى الآباء. وقد أدرك كل من أيوب وأصدقاؤه أن أجرة الخطية هي موت، الأمر الذي سبب لهم لغطًا في فهمهم لموقف أيوب. وأن السبيل إلى غفران الخطايا هو الذبيحة الكفارية. وأن الرب هو غافر الذنوب. فضلاً عن ذلك، قد لا نعلم كيف عرف أيوب وأصدقاؤه عن الرب، لكن يخبرنا التاريخ الكتابي أنه كان هناك شهادة متواترة عن الرب بواسطة الآباء لأنهم كانوا يعيشون أعمارًا طويلة. فقد امتدت حياة سام وحام ويافث إلى عصر الآباء.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا قام المسيح في اليوم الثالث بالذات؟

هل حقا تغير الصلاة مشيئة الله؟

أربعة أعمدة في رحلة قديس